لا مكان لـ «القاعدة»
ساطع نور الدين
حقق تنظيم «القاعدة» الفصل بين المسار والمصير اللبناني والسوري، من خلال حضوره الطارئ في بيروت وغيابه المفاجئ عن دمشق، على الرغم من الجهود التي تبذل للإيحاء بان التنظيم عدو مشترك للبلدين والشعبين، وهي جهود لا تحتمل المزاح مع ذلك العدو المخيف الذي لم يصبح بعد ميليشيا لبنانية او سورية، لكنه يمكن ان يصبح كذلك في اي وقت تسقط فيه الدولتان والمجتمعان.
ثمة قدر من التسرع اللبناني في اتهام «القاعدة» بمحاولة اختراق الجيش اللبناني وتهديد مؤسساته. وثمة قدر من التروي السوري في تحميل «القاعدة» مسؤولية التفجيرات الاخيرة في دمشق. وفي الحالتين سوء تقدير لا يلغي حقيقة ان البلدين يواجهان تهديدا إسلاميا مشتركا غير مستورد من الخارج، وهو يتنقل عبر الحدود بسهولة اكثر من اي وقت مضى.
لكن هذا التهديد لا يمكن، بل لا يصح اعتزاله بذلك التنظيم المخيف الذي اخرج الأميركيين من العراق وسيخرجهم من افغانستان، وهو يقارعهم في اليمن وفي بلدان عربية وإسلامية اخرى ويلحق بهم خسائر فادحة أجبرتهم على التفكير في الانسحاب من معظم انحاء العالمين العربي والإسلامي، باستثناء تلك التي تحمي امنهم القومي المباشر.
التنظيم اكبر وأخطر من ان يتم اللعب معه من خلال الصاق عضويته باي معتقل اسلامي يدعي الانتماء الى القاعدة، سواء كي يطلب الحماية او الرعاية او حتى الشهرة. اما الزعم بان لبنان يقاتله ويطارد شبكاته وخلاياه النائمة فهو لا يجدي نفعا لا في كسب ود الأميركيين او أسلحتهم او تغطيتهم السياسية، غير المحببة اصلا.
يساء الى لبنان اذا ما نُسبت الى «القاعدة» اي مجموعة اسلامية مقاتلة ويعرضه لخطر إضافي، لا يقتصر فقط على استفزاز المخيمات الفلسطينية التي تشعر اليوم بالاستهداف، برغم انها اشد ضيقا وخوفا من الإسلاميين المتعددي الجنسيات الذين يلوذون بها ويعلنون الجهاد بمفعول رجعي لا يحتمله الجمهور الفلسطيني ولا اللبناني طبعا.
العطف الذي يمكن ان يستدره لبنان جراء الاعلان عن انه يخوض معركة مع «القاعدة» لا يمكن ان يدوم طويلا. والدرس السوري ماثل للعيان. في البلدين أحزاب اسلامية مقاتلة ضد النظامين، لكنها لا تندرج في تلك الحرب العالمية التي يخوضها التنظيم الأقوى والاهم والأخطر، بل هي تحرص على النأي بنفسها عنه. وهي أحزاب اكتشفت للتو فرصة العمل على الساحتين المفتوحتين اللتين توفران كل يوم المزيد من المبررات والحجج لحمل السلاح الاسلامي واستخدامه.
التنظيم موجود في لبنان وفي كل مكان في العالم، لكن الحكمة تقتضي نفي هذا الوجود بدلا من استدعائه واستعدائه. والفطنة تفرض التعامل مع الحالة الاسلامية المقاتلة بما يكرس فك المسار والمصير اللبناني والسوري، بحسب مشيئة التنظيم شبه المعلنة التي لا تعتبر لبنان هدفا.
السفير