لا يمكن أن تكون الثورة السورية غير ما انطلق في 18 آذار و إستمر بعده.: عزيز تبسي
عزيز تبسي
من الخطأ العمل على نمذجة الثورات، والتقدم بنمط من الوسائط الوصفية التعريفية بوسائلها وإمكاناتها والآليات التي إنساقت بها لإدراك أهدافها كلها أو بعضها،وتجاهل الشروط العميقة التي ساهمت في رسم ملامحها، ومن الخطأ الآخر الرديف، حجب تأثير السلطة الحاكمة أيديولوجيتها سياساتها ممارساتها العامة على الفعل الثوري، وقدرتها وهي التي تحتكر أجهزة الدولة-الإقتصاد-الأجهزة القمعية-الإعلام، على التأثير به، بإعاقته وحرفه عن السياق الذي يفضي إلى إدراك أهدافه، والخطأ الثالث بعزل الثورة، كما الثورة المضادة الممثلة بسلطة الطغمة العسكرية وحلفاؤها، عن حزمة التأثيرات الإقليمية والدولية وتنامي دورهما بعد ضعف طرفي الصراع خلال عامين. إبتكرت خلالهما المقاومة الشعبية البطولية، آلاف الأشكال الكفاحية، وأوصلها القمع الضاري إلى حدود تحجيم أو إخماد فعاليتها، والتثبت على المقاومة الشعبية العسكرية.
إنطلاقة الثورة السورية منتوج تراكم آلاف العناصر ذات المرجعية السياسية-الإقتصادية-الحقوقية-الثقافية في البنية الإجتماعية ومنعكساتها الخصبة في الوعي الشعبي؛ والمسار الذي اختطته تعبير عن المقاومة الشعبية الثورية للآثار العميقة للبنية القمعية السياسية-الحقوقية في وعي وممارسة الطغمة العسكرية لها والمستمرة منذ نصف قرن، وتتمفصل على شروط مجالها الحيوي جغرافيا وسياسياً وثقافياً، لا يمكن في إنطلاقتها إلا أن تحمل ملامح العفوية الموضوعية، كتعبير أولي عن تقهقر الحركة السياسية وثمرة لتلازم إقصائها عن الفعل والتواصل مع قاعدتها الإجتماعية في حديها الطليعي والقاعدي، وتكيفها مع الإستبداد وقواعده السياسية فضلاً عن غياب إستراتيجية ثورية عن معظم قواها تعمل على تحقيقها وإكتساب الأنصار لمشروعها…………….
ملاحظات أولية بعد عامين من الإنطلاقة الثورية:
1)وضوح التناقض وتناميه بين القوة الإجتماعية الثورية أو الكتلة الشعبية المنتفضة، التي توضّع عليها الفعل الثوري بحركيته وأكلافه المهولة وبين تعبيراتها السياسية الرسمية(هيئة التنسيق/المجلس الوطني/الإئتلاف الوطني وسواهم)-المحافظة/الرجعية.
2)بروز دور العدوانية الحربية في تثبيت الإنتفاضة في الأرياف،ب أساليب القمع التصفوية، وتعزز ذلك الميل بعد بروز الشكل العسكري من الصراع ودخول الإنتفاضة في حتمية عسكرية ،حيث شكل الريف حاضنة مناسبة له وشروط تناسب أحادية فعاليته، وساهم ذلك في إفراغ الإنتفاضة من ممكنات حمولتها المدينية، تثوير النقابات العمالية والحرفية والموظفون الحكوميون، التشكيلات النسوية والحركة الجامعية الطالبية…
3)تحرك القاعدة الإجتماعية التي سحقها وهمشها الإحتكار الرأسمالي الريعي-الطفيلي، بأشكال وعي متباينة مكن الفكر المحافظ ومقارباته من إحتلال الموقع المهيمن على الخطاب الثوري المتعدد المرجعيات، تلازم ذلك مع عجز القوى الثورية الضعيفة-نفترض أنها موجودة على شكل مجموعات مبعثرة- عن التواصل معها، وإعادة تعبئتها وتبصيرها بأهدافها..، رغم كل ذلك برز وتعمق الطابع الثوري للفعل الشعبي-الكتلة الشعبية المنتفضة، ودفع موضوعياً قدراتها لإبداع أطرها الثورية، الناتجة عن تجربتها ومعايناتها للوقائع، أنتج موضوعياً حالة مميزة،لها أسبابها التاريخية العميقة، يدفع لإعتبارها حركة ثورية بلا أحزاب ثورية.
4)عجز الأجهزة القمعية(الجيش/الأمن….)وبشكل خاص الجيش بقاعدته الواسعة من أبناء الطبقات الشعبية وثبات الخدمة الإلزامية لعموم الشبان السوريين، عن الإنحياز للثورة الشعبية، مما أظهر عجزاً آخر في التعجيل بحسم الصراع السياسي وتخفيف أكلافه، وفتح ذلك سؤالاً عن حقيقة الحيادية النسبية للجيش على وجه الخصوص وأجهزة القمع الأخرى في الصراع السياسي، ودورهما في أسبقية حماية الدولة والنظام الرأسمالي، إلى القتال الضاري تحت برنامج الطغمة العسكرية، ودفع ذلك لمقاربة بنائها وولائها ودور الأيديولوجية العميقة في تماسكها، والدور المناط بهذه الأجهزة التي ظهرت ملامحه، في الإنقلابات المتعاقبة(61-70والأصوب من بدايات تشكل الدولة ما بعد إنتدابية) وحراسة إتفاقية الهدنة 74 في الجولان، وأعقبت في التدخل الحربي لسحق الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية76،وتقويض الحركة الإحتجاجية التي برزت في 78-82 وتتويج مشروع الطغمة العسكرية الحربي العدواني بمجزرة حماة، وإستكمال الدور الصهيوني في عدوان82 في إقتلاع المقاومة الفلسطينية ورميها ما وراء البحار، والإجهاز على المقاومة الوطنية اللبنانية وقواها الثورية التي توجت87 بسلسلة من الإغتيالات النوعية وحصار فعلها المقاوم، وإنعاش الحركات الإسلامية الطائفية في لبنان وفلسطين والعراق، ويستكمل في المشاركة مع الجيوش الإمبريالية في عملية عاصفة الصحراء1991،وحماية إتفاقية أضنة مع تركيا 1998…وذلك بالتلازم مع الفساد العميق في بنيته(تفييش من يؤدي الخدمة الإلزامية-سرقة طعام الجنود-فرض أتاوات على الإجازات والنقل….)مما عزز مواقع فئة إمتيازية داخلها،أسست علاقتها مع الفئات الشعبية على قاعدة الإستغلال والعبودية.
5)فشل الأشكال الكفاحية السلمية في تطويق وحصار المشرع الفاشي، وإستعصاء القدرات على تطويرها ونقلها إلى الإضراب العام وصولاً للعصيان المدني، بأثر من الحربية الفاشية المتواصلة، وضعف تأثير القوى المعبرة عن هذا الخيار، وإعتقال وتصفية الصف الأول والثاني من طلائع الكفاح السلمي.
6)غياب أي من الإتجاهات الإصلاحية عن الطغمة العسكرية، والذي ظهر منها في المؤتمرات واللقاءات وسواهما يندرج في سياق محاولات لكسب الوقت للإجهاز على الإنتفاضة وسحقها..
7)ظهور آثار التدمير المنهجي على الحركة السياسية-وهي تقليدية برمتها على مستويي الخطاب والمقاربات السياسية-الذي إستغرقتها لنصف قرن مضى،وعزز عندها خاصية المساومة السياسية والتكيف مع النمط الإستبدادي ومرجعيته السياسية-الحقوقية، وبرز ذلك بإفتقادها للمبادرة الطليعية الثورية والقدرة على مواكبة الثورة ورسم خططها السياسية الراهنة وإستشراف مستقبلها، وثبت مقاربتها السياسية في إتجاهين رجعيين: إما الإصلاح السياسي عبر الحوار المديد الأعمى والأصم معها، بإفتراض أنه لم يحصل وغير مستمر بطرق كواليسية متعددة، وإما ترحيل الإنتفاضة الشعبية الثورية إلى الخارج الإمبريالي، وتحويلها إلى ما يشبه المسألة السورية.
8)تندرج الثورة الشعبية السورية في حدود الأفق التبعي، كمحدد تاريخي موضوعي، والذي يثقّل حركتها بحزمة من المعوقات التاريخية، والتي تحوول دون توسعها وتطورها. من هذا الواقع التاريخي الذي تجمعه المشتركات عينها، يمكن البحث عن أسباب فشل الإنتفاضتين الفلسطينيتن87/2000،وقبلهما الحركة الثورية في لبنان75،وإدراج التغيير الديموقراطي وفق مصالح المشروع الإمبريالي الأمريكي في العراق، ومسارات الإنتفاضتين التونسية والمصرية والليبية واليمنية بالتدخلات المباشرة المعوقة من الإمبريالية وعبر وكلاؤها من أنظمة الريع النفطي الخليجي، وهذا يدفع لمعاينة الحدود التاريخية للإنتفاضة الشعبية الثورية، وقدرتها على التحرر من هذا الإحتجاز التاريخي.
9)سقوط موضوعي للخطاب السياسي-التقليدي وظهور عداؤه للثورة ،الشيوعية الرسمية كتتويج لمسيرة إنحدارها التاريخي وتحالفها النهائي مع الطغمة العسكرية/القومية المنتهية منذ هزيمة حزيران 67/العلمانية اللفظية التي برزت كظهير رجعي مبتذل للفاشية الطائفية/الإسلام السياسي في خطابه الطائفي المتجدد وعجزه التاريخي عن التحرر من وظائفه الإمبريالية والرجعية العربية، كانت لو تحققت بدورها قد تمكنه من إنتاج خطاب شعبي-تحرري بهوية إسلامية عميقة تكون بمثابة هوية حضارية للشعوب العربية.معظم هذه الخطابات وحّدها الوعظ في عدم ضرورة الثورة، أو حرف الإنتفاضة عن نسقها الثوري وإدراجها في النسق الرجعي العربي والإقليمي.
10)تبرز للثورة كمهمة حاسمة،تقتضي ضرورة إدراج الإنتفاضة الشعبية الثورية في سيرورة حركة ثورية شعبية عربية متحالفة مع الشعوب المضطهدة في منطقة المشرق العربي، على وجه الخصوص، مما يؤهلها لإنتاج مقاربات موحدة تشمل شروطها الكفاحية ومهامها الراهنة والبعيدة، ويحطم إلى الأبد الإختراقات التي تعمل على إدراج فعلها الثوري الحاسم، في سياق سياسات إقليمية رجعية، تؤسس لتبعيتها والإغلاق على سيرورتها الثورية.
حلب آذار 2013.
خاص – صفحات سورية –