صفحات سورية

لبنان وسوريا: أزمة وانعكاسات


                      ليست الأسباب التي تدعو لتأثر لبنان بالأزمة السوريّة قليلة، بل أن العكس هو الصحيح، فإلى عوامل وروابط التاريخ والجغرافيا بين البلدين تُضاف حيثيات الممارسة التي انتهجها النظام السوري بخصوص الجار والشقيق منذ قرار الدخول عسكرياً إليه عام 1976، مروراً بالمشاركة في إدارة الحرب الأهلية وتقرير لحظة حسمها وقيادة مصير البلد بعدها عن طريق الوجود العسكري واﻻستخباراتي والنفوذ السياسي. ولم يأتِ خروج القوّات السوريّة من لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري بنهاية ”العهد السوري” تماماً، فقد تكفّلت علاقات النظام السوري بحلفائه، لا سيما حزب الله، بإعادة إنتاج هذا النفوذ بأشكالٍ قديمة- مجدّدة.

لحظة اندلاع الثورة السورية في آذار 2011 اختار لبنان الرسمي ”النأي بالنفس” عنواناً كمحاولةٍ يائسة للابتعاد عن تداعيات المتغيرات الكبرى في سوريا، لكنّ القوى السياسيّة اللبنانيّة تموضعت، منذ اللحظات الأولى، حسب مواقعها المعروفة في طيف الموقف من النظام السوري والعلاقات والمصالح المشتركة معه. حينها، اصطفت جماعة 8 آذار بوضوح في خط الدفاع عن النظام السوري وتبنّي رواياته وخطاباته بالكامل، فيما ذهبت 14 آذار إلى تأييد الثورة على نظامٍ يعتبرونه عدوّاً رئيسياً وعائقاً كبيراً لكل أهدافهم وخططهم السياسيّة. هكذا، تكررت الظهورات الإعلامية لحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، الهادفة لدعم ”النهج الإصلاحي” للنظام السوري ومهاجمة الثورة واتهامها بالارتباط بمشاريع إسرائيليّة وأمريكيّة، ما أثار استياء قطاعات واسعة من الرأي العام المعارض في سوريا، وسار التيار الوطني الحر وحركة أمل والحزب القومي السوري على النهج نفسه، أكان ذلك في مواقفهم السياسيّة كأحزاب أو عن طريق الوسائل الإعلامية المملوكة من قبلهم أو المحسوبة عليهم. بدورها، ذهبت حركة 14 آذار إلى النقيض، وسرعان ما تحولت معاقل تيار المستقبل شمال لبنان عامّة وطرابلس خاصة إلى قاعدة دعم لوجستي للنشاط المعارض في سوريا، خصوصاً في محافظة حمص، ﻻ سيما بعد نمو المقاومة المسلّحة للنهج العسكري القمعي الذي سار عليه النظام السوري.

لم يخلُ هذا اﻻستقطاب من مشاحنات واحتكاكات بين القطبين الأبرزين في السياسة اللبنانية، وحصلت حوادث أمنية واشتباكات مسلحة في طرابلس وبيروت سقط فيها العديد من الضحايا ووصلت درجة التوتر إلى مستويات تكاد تشبه مناخات ما قبل الحرب الأهليّة، وكانت الثورة السوريّة والموقف منها خلفيّة سياسيّة لهذه الحوادث، ثم جرى خطف مواطنين لبنانيين داخل الأراضي السورية من قبل جماعة مسلّحة معارضة، ما أدى إلى مظاهر نقمةٍ لم ينجُ المقيمون السوريون في لبنان، مؤيدين للنظام كانوا أم معارضين، من تبعاتها. وقد أصدر مثقفون وناشطون سوريون بياناً يستنكر اختطاف المواطنين اللبنانيين ويدعو للإفراج الفوري وغير المشروط عنهم.

رغبةً في التعمّق بالواقع اللبناني أثناء الثورة السورية وانعكاسات الأزمة السورية على لبنان ونتائج هذه اﻻنعكاسات في البلدين، حاورت مجموعة ”الجمهوريّة” لدراسات الثورة السورية الكاتب والباحث حازم صاغيّة، الكاتب والصحافي حسام عيتاني، المدوّن والناشط خضر سلامة، والأستاذ الجامعي زياد ماجد، واستطلعت آراءهم حول مجموعة من النقاط المتعلّقة بهذه الشؤون.

النطاق المحتمل للتأثر واحتمالات التوسّع

يرى حازم صاغيّة، الكاتب والباحث، أن لبنان ينتمي إلى المنظومة الجغرافيّة السياسيّة التي يمكن تسميتها بـ ”المنظومة السوريّة”، وقد تكون ”أنشط حلقاتها وأكثرها قدرة على التأثير في باقي الحلقات” وفي هذا المعنى ”يصعب رصد ”النطاق المحتمل” للتأثّر لأنّه، ببساطة، يلفّ كلّ شيء: من العلاقات الداخليّة بين طوائفه إلى اقتصاده (ولا ننسى أنّ سوريّا هي بوّابته البرّيّة على العالم العربيّ، ومن ثمّ شرط قيامه بدوره الوسيط)”. أما التأثرات التي يمكن أن تظهر مستقبلاً فيقررها، حسب صاغيّة، عاملان: “ الأفق الذي سوف تتّجه الأزمة السوريّة إليه، وطريقة استقبال اللبنانيّين للتحوّلات السوريّة”، وبما يخص كلا العاملين ﻻ يرى حازم صاغيّة نفسه في صفوف المتفائلين.

ﻻ يعتقد حسام عيتاني، الكاتب والصحافي، بوجود نطاقٍ قابل للإدراك أو التحديد لمدى تأثر لبنان بالأزمة السوريّة بلحظتها الراهنة ” فالمجال اللبناني مفتوح على مصراعيه لكافة انواع التأثيرات” حسب قوله، ويضيف:” واحدة من آثار الازمة على لبنان هو تفاقم التوتر الطائفي وازدياد حدة الصراع داخل الحكومة التي يفترض انها مؤلفة من موالين للنظام السوري. بيد أن الوزن الطائفي حمل بعض اركان الحكومة على محاولة الابتعاد عن النفوذ السوري”. ويرى عيتاني أن إعلان بعض اللبنانيين أنفسهم حلفاء صرحاء لأحد الطرفين في سوريا، المعارضة أو النظام، قد أدخل الأزمة السوريّة إلى مسامات السياسة اللبنانيّة بتفاصيلها اليوميّة، وارتبطت، بالتالي، أحوال لبنان بتطورات الأوضاع في سوريا.

بدوره، يعتقد المدوّن والناشط خضر سلامة أن لبنان قد تأثر منذ الأيام الأولى بالأزمة السوريّة واﻻنقسام الحاصل في سوريا، ويرى أن ما يحصل في سوريا ” ينعكس، بل يتم استيراده بالاحرى، إلى لبنان، في حسابات الطوائف، كأي معادلة أخرى”، ويقرأ سلامة في هذا الأمر أخطاراً تتمثل بالجانب الأمني من جهة، والآثار السياسيّة الناجمة عن انقسامٍ حاد يتبع المعسكرات الإقليميّة المتضادّة، ويضيف آثاراً اقتصاديّة مثل ” توقف حركة تجارة الترانزيت، التي تشكل الجزء الأكبر من دخل الاقتصاد اللبناني المباشر” أو اجتماعيّة ” كنمو التحريض السياسي – الطائفي في لبنان”، ويشير إلى أن لهذا الجانب الأخير موروثات من السنوات السابقة.

تنعكس الأزمة السورية على لبنان ”جموداً سياسيّاً واقتصادياً وتوتّراً أمنياً في طرابلس” حسب رأي الأكاديمي زياد ماجد، كما يرجّح أن تستمر الأمور على هذا النحو وأﻻ تتخطاه كثيراً ”إﻻ إذا انفجرت الأوضاع السوريّة على نطاق أوسع وأخذت طابع المواجهات الشاملة ونجح النظام في تحويلها إلى مواجهات طائفية”. عندها، يضيف ماجد ”سيرتبط الوضع الأمني في لبنان بطول أمد هكذا مواجهات، وﻻ أظنه ينجو من تداعياتها، شمالاً (في ما يتخطّى طرابلس) وربما بقاعاً”.

هل يصدّر النظام السوري أزمته إلى لبنان؟

يصعب، حسب رأي حازم صاغيّة، الدخول إلى عقل النظام السوري، ”سيما وأننا حيال نظامٍ يحتل اللاعقلاني واللاعضوي حيّزاً كبيراً من اشتغاله وتفكيره”، ولذلك يعتبر أن إسباغ العقلاني والعضوي عليه وعلى ردوده ”قد ينطوي على شيء من السخاء التأملي”. مع ذلك، يميل صاغيّة إلى الظن أن النظام السوري ﻻ يقبل الذهاب وحده، وهذه عبرة السنة والبضعة أشهر من تعامله مع الثورة. “إلى ذلك”، يقول صاغيّة،”فإن النظرية التي ينهل منها، أي تجميع الأوراق، تملك في ذاتها نقصاً عاطفياً إذا صحّ التعبير، نقصاً يسهل معه اﻻنقلاب إلى تبديد الأوراق نفسه مع تغيّر الأزمة والمعطيات”. من هنا، يرى صاغيّة صعوبة في أن يرتدع النظام، في مواجهة لحظات حقيقته الأخيرة، عن محاولة تخريب لبنان، كما يعتقد أن اللبنانيين أنفسهم يسهّلون عليه هذا الإغراء.

ليس مصطلح ”تصدير الأزمة” دقيقاً في هذا السياق بالنسبة لحسام عيتاني، فالنظام السوري ”يحاول اﻻستفادة من لبنان بشتى الطرق. منها اﻻلتفاف على العقوبات الدوليّة على الصعيدين المالي والتجاري”. لكن النظام ”ﻻ يتأخر في استغلال لبنان كصندوق بريد لتوجيه رسائل سياسيّة وأمنيّة، إلى الغرب خصوصاً”، ولكن النظام يحتاج أيضاً ”للضغط على أطراف لبنانيين وعرب مناوئين لمنع زيادة وتيرة مساعداتهم للمعارضة السورية” ويفسّر هذا الأمر جزئياً، أحداث طرابلس، ”حيث يوجد عدد معتبر من اللاجئين السوريين، ومن حيث تعبر بعض المساعدات إلى الداخل السوري”. لذا، يعتقد عيتاني أن النظام يقع بين هذين الحدين ”الاستفادة من الساحة اللبنانيّة ومنع الآخرين من الإفادة منها ضدّه”. ويجدر التذكير، بالنسبة لعيتاني، أن فكرة لجوء النظام إلى تفجير الوضع على الحدود اللبنانيّة- الاسرائيليّة واستجرار عدوان اسرائيلي كبير على لبنان ”طُرحت في الأشهر الأولى من الثورة، ثم تراجعت في وسائل الإعلام”. لكن احتمالات لعب النظام هذه الورقة ”قائمة طرداً مع درجة شعوره بالخطر وانسداد آفاق الحلول عنده، من دون أن يعني ذلك حتميّة التفجير الواسع بسبب تعقيد اتخاذ القرار به وحسابات لبنانيّة وإقليميّة تكبح أيّ رغبة سوريّة منفردة به”.

“النظام السوري سيصدّر الأزمة إلى لبنان كورقة أخيرة ستكون بيده” يقول خضر سلامة. فالنظام السوري ”يملك مفاتيح نفوذ عسكري على الأرض من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ويرى، حسب روايته، أن هناك حلفاء لمن يسميها بالعصابات المسلّحة في لبنان، ولا شك أنه سيعتمد هذه الرواية في أيّ ضربة مباشرة أو غير مباشرة على الأرض اللبنانيّة لخصومه”. هذه الضربة المتوقّعة بالنسبة لسلامة ”قد تجرّ البلد إلى انفجارٍ آني سيكون منفذاً للفت اﻻنتباه الدولي عنه، وكورقة إنذار مباشرة لما يُسمّى بالمجتمع الدولي من بوّابة أنه قادر على تدويل الخراب”. لكن سلامة يرى أن النظام السوري لم يحاول حتّى اليوم نقل أزمته إلى لبنان بشكل مباشر، وأن ما حصل ويحصل من إشكالات هي ”نتاج طبيعي للاحتقان اللبناني الناتج عن إعلام النظام والثورة على حدّ سواء، خصوصاً ذو الوجه الطائفي منهما”.

يُذكّر زياد ماجد أن النظام السوري اعتاد على اعتماد لبنان ساحة تصفية حسابات، أكان ذلك مع منظمة التحرير الفلسطينيّة أو مع العراق أو مع بعض الدول الغربيّة، كما استخدمه أيضاً لاستدراج عروض تفاوض أو تفويض إدارة. “اليوم”، يضيف ماجد، ”يكرّر النظام السوري الأمر نفسه من خلال التهديد بإشعال المنطقة إن هو تعرّض للخطر (ويعني بالتحديد لبنان، جاره الأضعف أمنياً وحيث له أدوات وحلفاء وحيث التكوين الطائفي وهشاشة الإجماعات الوطنية تعينه على التدخّل)” لكن ماجد يرى فارقاً أساسياً هذه المرّة، حيث أن النظام السوري ”في أضعف لحظة له منذ تأسيسه عام 1970، وسطوته داخل سوريا نفسها تصدّعت، وقدرته على التأثير في محيطه مرتبطة حصراً بالأذى الأمني من دون أفق سياسي أوهامش مناورة أو قدرة على استجلاب التفاوض”. كما أن حزب الله، الطرف الأقوى في لبنان اليوم في رأي ماجد ”يملك حسابات قد ﻻ تتطابق تماماً مع حسابات النظام السوري، إن لأولويات إيرانيّة (نووية وإقليمية) أو لبنانية (شيعية وجنوبية). فهو يواليه لكنه غير جاهز بالضرورة للانخراط في حرب أو حروب للدفاع عنه تستهلك قوته محلياً ووظيفته إقليمياً، وهذا يُبقي باقي حلفاء النظام السوري وأدواته محدودة القوة، إلا إن انفجرت الأمور في سوريا كما ذكرنا وطال أمد المواجهات وأصبحت الحدود اللبنانية شمالاً وشرقاً ذات أهمية عسكرية”.

منعكسات تأزم الأوضاع في لبنان على الأزمة السورية نفسها

في حدود بقاء الأوضاع مضبوطة نسبيّاً في لبنان، يرى حازم صاغيّة أن لبنان سيبقى متلقياً ويحاول أن يستوعب التأثيرات السوريّة عليه من غير أن يكون تأثيره كبيراً على سوريا (مع وضع الدعايات المضخّمة للنظام في دمشق). وفي هذا الإطار، يقول صاغيّة:” قد نشهد محاولات لإثبات أنّ انهيار ذاك النظام انهيار للمشرق برمّته. وأوّل المشرق، في هذا المعنى، لبنان”. لكن حالة واحدة فقط هي التي قد تقلب المعادلة فيكبر حجم التأثير اللبناني على سوريا وأزمته. هذه الحالة، حسب رأي صاغيّة، هي ” افتعال صراع مع إسرائيل من خلال حزب الله. عملٌ كهذا يراد له أن يحوّل الأنظار عن الثورة السوريّة ويضع في الصدارة أجندة ”قوميّة” غير أجندتها. أي أنّ ما حصل في حرب تمّوز 2006 التي طوت صفحة 14 آذار اللبنانيّ هو ما يراد تحقيقه ثانية على نطاق أكبر بلا قياس”. لكن خياراً كهذا مشروط، باعتقاد صاغيّة، بالقرار والرغبة الإيرانيين.

يرجّح حسام عيتاني أن اﻻنعكاس الأكبر هو ” ما يظهر من خلال مساهمة خطابات مسؤولي ”حزب الله” ومواقفهم السلبية من الثورة السورية، في رفع درجة التشنج الطائفي داخل سوريا”. كما يرى أن المواقف الموجهة لدعم النظام وإبداء التأييد له ” تؤثر على الوضعين اللبناني والسوري معا. عليه، ستؤدي التوترات الاهلية في لبنان الى مفاقمة نظيراتها في سوريا. والعكس صحيح”.

يعتبر خضر سلامة أن فصل الوضع السوسيوسياسي في البقاع والشمال اللبنانيين عن النظير السوري مستحيل، ﻷن ” هاتين المنطقتين مترابطتين نسيجياً واقتصاديا وعشائرياً ببعدهما السوري منذ ما قبل دولة لبنان الكبير”. “لذا”، يتابع سلامة ”فالحساسيات الطائفية ستصب في مصب تكبير الضخ الطائفي في سورية، كما أن العكس صحيح أيضاً”. وﻻ شك في الردّ بالإيجاب على التساؤل حول إن كان التأزم اللبناني سيؤثر على الأزمة السوريّة، فجرّ لبنان إلى الخراب سيكون سيفاً ذو حدين حسب سلامة،” فهو إما سيقطع لوجستيا السلاح عن المنظمات المعارضة المسلحة من جهة، ومن جهة أخرى سيسهل على النظام قمع وسحق ما تبقى من معارضين حقيقيين في المدن وسط الالتهاء الدولي بلبنان، في حال أن الأزمة اللبنانية أخدت منحى ذو مصلحة لحلفاء النظام، وإما أن التأزم اللبناني سيصب في خانة سحب آخر وأصعب وأخطر الأوراق بيد سورية، وهي حلفاءها اللبنانيون ذوو الدور الاقليمي، في حال كان النصر للمعسكر الآخر” في الحالة الأخيرة، يشير سلامة، ”سيصبح سدّ الرئة الماليّة الأخيرة الباقية للبعثي بوابةً لإسقاطه واقعيّاً.

“كلّ صدامٍ أهلي طائفي في لبنان سيفاقم في هذه اللحظة المعطى الطائفي في سوريا” يؤكد زياد ماجد، كما يؤكد أيضاً أن هذا الأمر، في ذاته، شديد السوء. كما أن تأزم الأوضاع في لبنان ” قد يدفع اللاعبين الإقليميين والدوليين الأساسيين الى المزيد من الارتباك تجاه سبل التعاطي مع الأوضاع السورية، وسيشتّت الأنظار والجهود، مما يستنزف المزيد من الوقت والدم”. لكن ماجد يرى أن هذا الأمر لن يؤدي في النهاية إلى ما يريده النظام في دمشق، أي ” عودته لاعباً إقليمياً يفاوض معه الجميع لمنع تعميم الفوضى. فهذه الوظيفة الابتزازية أظنها لم تعد تنفعه لقناعة عامة أن استمراره سيعني على الدوام وجودها”.

آثار سقوط النظام السوري على لبنان وعلى العلاقات اللبنانيّة- السوريّة

يعتقد حازم صاغيّة أن اﻻفتقار إلى كلّ إجماع في لبنان ﻻ يشجّع، بالمطلق، على افتراض استقبالٍ إيجابي لأيّ تطوّر يحصل في جواره. أما سورياً، فالسؤال المقرر والحاسم سيكون: أيّ سوريا ستخرج من براثن هذا النظام؟ ”فإذا كان ما ينتظرنا سوريا ديمقراطيّة ومستقرّة وأقلّ مركزيّة، فهذا هو الخبر الأفضل لسوريّا كما للبنان. أمّا عكس ذلك من أشكال امتناع السلطة، أيّة سلطة، والوحدة، أيّة وحدة، دون الرسوّ على خريطة بديل يتّفق عليها السوريّون والعالم، فهذا دخول في حرب طوائف مفتوحة ”يتّحد” فيها لبنان وسوريّا، ومعهما في أغلب الظنّ العراق المفتوح عليهما ويشتبك إذّاك الحابل بالنابل. هل نستعير من المؤمنين قولهم: اللهمّ نجّنا!”

أما بالنسبة لحسام عيتاني، فالسؤال عن تبعات سقوط النظام السوري على لبنان والعلاقات اللبنانيّة- السوريّة يستحضر كثيراً من الأسئلة، ومنها، حسب قوله ” كيف سيسقط النظام؟ ما مدى دمويّة عمليّة الإسقاط؟ كيف سيكون شكل السلطة البديلة؟ ما هو تصوّر السلطة الجديدة للعلاقات مع لبنان؟ كيف ستتعامل مع قواه السياسية –الطائفية، المسلح منها وغير المسلح؟ كيف ستتعامل السلطة الجديدة مع المسألة الطائفية في سوريا؟ ما هو موقف الغرب منها؟ كيف ستدير علاقاتها مع القطبين الاقليميين كبيري الأثر في لبنان، عنيت ايران والسعودية؟” ويرى أن كل إجابة عن هذه الأسئلة ستفضي إلى شكل مختلف من العلاقات بين لبنان وسوريا.

يحمل السؤال المطروح رؤىً عديدة بالنسبة لخضر سلامة، ففي حال سقط النظام السوري واستطاع البديل أن يحل مكانه متجنباً أيّ مرحلة فوضى، فإن أمام هذا البديل، حسب سلامة، خيارين، أولهما ” المحافظة على السلام السلبي مع اسرائيل، أي دعم المقاومات المحلية واهمها اللبنانية، لحماية الخاصرة العسكرية الضعيفة – لبنان لسورية، وهو الحل الوحيد لردع يضمن قيام دولة ذات أمن متماسك” و ثانيهما ”التخلي عن المقاومة، والذهاب باتجاه معادلة: التخلي عن قليل من السيادة من أجل قليل من الديمقراطية، ويكون عندها قيامة نظام يتخلى عن كامل خيارات النظام السابق، وهو ما أراه اعلان لسورية – معرقنة، أي متخلخلة البنية المركزية” ويراهن سلامة شخصياً على الخيار الأول، لأن الشعب السوري ” لا يمكن أن ينتج إلا نهج معادي لاسرائيل، وتاليا مضطر للعودة إلى تفاهم مع حزب الله وحلفائه ولو على حساب جراح الماضي”، ويرى أن الذهاب إلى الخيار الثاني ” يعني تفجير المنطقة إذا قلبت التوازنات الاقليمية”.

تتعلق الإجابة على السؤال بالنسبة لزياد ماجد حول الشكل الذي سيأخذه سقوط النظام والوقت الذي سيستغرقه هذا السقوط ” فكل ما كان سريعاً وبعنف أقل، كل ما كان بناء علاقات جديدة بين البلدين أقل صعوبة” ويرى أن سقوط النظام لا بد أن يترك على المدى البعيد آثاراً إيجابية على الوضع الداخلي اللبناني ملغياً أهم عامل خارج لتأجيج الصراعات، ويكمل ” ولا بدّ هنا من التفكير بعناوين اقتصادية وسياسية تحل مكان العناوين الأمنية والمخابراتية والشبكات النفعية والزبائنية التي سادت في الماضي”، ويشير في ختام مشاركته إلى أن ثمة بياناتٍ وقّعها مثقفون من البلدين في السنوات الماضية تتضمن الكثير من هذه العناوين.

بغضّ النظر عن مآل الأمور، ﻻ يبدو بالإمكان العزل بين مستقبل البلدين، فالأزمات الداخليّة لأحدهما تنعكس، بشكل أو بآخر، على داخل الآخر وعلى العلاقة بين البلدين. وحده المستقبل، إن أخذ مسار انتصار الثورة السوريّة دون انحرافها إلى احترابٍ أهلي خارج السيطرة، سيبرهن أو ينفي فرضيّة الشهيد سمير قصير حول أن ”استقلال لبنان في ديمقراطيّة سوريا”.

http://www.therepublicgs.net/?page_id=583

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى