لجوء الكيانية اللبنانية في اللجوء السوري/ أحمد عيساوي
لم يمض وقت طويل على التفجيرات الإرهابية التي طاولت منطقة القاع اللبنانية الحدودية، حتى انفجرت أصوات ودعوات علنية لطرد اللاجئين السوريين ومداهمة مخيماتهم بعد تحميل هؤلاء المسؤولية المباشرة عما حصل وقد يحصل لاحقًا.
وإذا كانت الموجة العنصرية الحالية هي الأعنف منذ بدء توافد اللاجئين إلى لبنان، فهي ليست بجديدة وإن كان لسان لبنان الرسمي قد ألبسها لبوس الشرعية الجمعية فأصبح تبريرها واقعًا يتبناه متضررون وضحايا وخائفون.
اتّسمت ردّة الفعل التلقائية عند طيف واسع من الشباب اللبناني بطابع عنصريّ؛ والعنصرية تجاه اللاجئين السوريين هي جزء أساسي ساهم في تشكّل الهوية التي قامت عليها فكرة “الكيانية” اللبنانية. الفكرة التي يمكن ردّها في سياق فهم أوضح للنفور اللبناني (الأبيض) من السوري (الأسمر) – والإسقاط ليس منطقيًا لأنّ التصوّر ينطلق من غياب الاختلاف في لون البشرة عند اللبنانيين- إلى الأبحاث التي ساقها أرتور دو غوبينو وشامبرلين حول “التفاوت بين الأجناس البشرية” وهي النظرة التي بلورت العنصرية الجرمانية في ألمانيا القومية.
وعليه فإنّ المركّب الفيزيائي (اللون-الشكل-اللهجة) كان دائمًا موجودًا في تعاطي اللبنانيين مع السوريين؛ وهذا ما يفسّر أيضًا شعور الاستعلاء والفوقية التي يردّها فرويد إلى نرجسية وانجذاب للذات المثالية. تلك النرجسية التي تولّدت عند شباب لبناني ليست سلوكًا بدائيًا طبيعيًا، بل هي فعل مكتسب يقوم على “شوفينية” تستعدي كل أجنبي على الأرض اللبنانية؛ فيصبح “طرد الأغراب” حاجة وطنية ملحّة على لسان سياسيين وإعلاميين وناشطين يرون المشكلة في اللاجئين لا في فشل إدارة أزمة اللجوء من قبل حكومتهم.
تتبدّى اليوم النزعة الفوقية في تأطيرها لاستمرارية “الكيان” كخط دفاع أوّل عن الحداثة التي يمنع القادمون من الصحراء أو البادية (أصحاب البشرة السمراء) حلولها وتركيبها في مسار يتماشى مع الفكرة الريادية التي صوّرها جيل ما بعد الاستقلال اللبناني وغذّتها الحروب الأهلية وهي في ما تظهره من صورة للإشعاع والنور والتحضّر والسلام وفي ما تضمره من انعزال ينسحب على السلوك العدواني تجاه اللاجئين، فإنها ترتدي عباءة الخوف الطائفي والمذهبي؛ إذ تحوّل لبنان مع هذا العدد الكبير من اللاجئين السوريين، إضافة إلى فلسطينيي المخيمات، إلى بلد ذات صبغة مذهبية سنية (عددياً) يشكّل خوفًا متزايدًا لدى المذاهب الأخرى من الديموغرافيا السنية باعتبارها “جيشًا رديفًا” في الاحتراب الأهلي.
على أنّ الخطاب العنصري الذي ينتشر بسرعة بعد أي مقتلة تحصد أرواح الأبرياء، لا يتمتّع براحة التوسّع وقدرة السيطرة بين الفئات الشبابية التي ذهب قسم منها إلى مواجهة العدوانية التي يسوقها بعض اللبنانيين عبر رصد كل صوت يدعو لطرد اللاجئين أو التهجّم عليهم أو تهديدهم ورفقها بنداء علني ومباشر لمحاسبة هؤلاء. ولم يتوان بعض الناشطين في صفحة “مرصد العنصرية” في وصف المحرّضين على اللاجئين بالـ “مجرمين”، الأمر الذي استعاد اصطفافًا مشابهًا شهدته بيروت مع حالة المقاومة الفلسطينية والحروب التي رافقتها محليًا وخارجيًا.
والحال أنّ الوعي الذي يحاول هؤلاء الناشطون تشكيله وضخّه عبر شبكات التواصل وفي الحياة الفعلية (لجأ بعض الناشطين إلى كتابة شعارات ساخرة من العنصرية ومتبنيها على جدران بيروت مرحبين باللاجئين السوريين في لبنان) يبقى منقوصًا بعض الشيء لأنه يتجاهل بشكل نسبيّ التصويب على مكمن الخلل في إدارة ملف اللجوء وتمكين الخطاب الرسمي من رسم مسارات مشروعة للعامّة من الناس تبيح لهم اللجوء إلى ترسيخ فكرة “الكيان” اللبناني المهدّد في ظل اللجوء السوري.
وهو أشبه بعلاقة تلاقحية يستفيد منها التوّاقون إلى مركزية لبنانية -بعيدة عن الصفة الاستقلالية- ينسلخ فيها الوجود الأهلي للجماعات اللبنانية عن الجماعات المجاورة لها كفعل اصطفاء وتفوّق وتمايز يسمح لها أن تهين وتحتقر وتشتم اللاجئ السوري تحت ذريعة الخوف والإرهاب وماضوية الوجود الأمني السوري في لبنان.
(لبنان)
العربي الجديد