صفحات العالم

لحظة الأكراد


    امين قمورية

تاريخياً، كان الاكراد وقود الانتفاضات في سوريا وكانوا اول من يدفع الثمن. في الانتفاضة الحالية تعلموا من دروس الماضي. منذ بدايتها كان موقفهم محيراً. لزموا ما يشبه الحياد في الازمة على رغم الاغراءات التي انهالت عليهم من دمشق وخصومها لكسب ودهم وانزالهم الى الميدان. لم ينخرطوا في الحراك كما كانت تشتهي المعارضة، ولم يناصروا النظام كما فعلت اقليات اخرى. انتظروا لحظة اهتزاز الكيان وتفككه ليطلقوا مسيرة فرض امر واقع في مناطق وجودهم. تجاوزوا خلافاتهم التقليدية وراحوا يعملون معا في رعاية اكراد العراق الذين عجنتهم التجارب المريرة. ولعل ما يوحدهم اليوم ان أقربهم الى النظام كرهاً بتركيا (حزب الاتحاد الديموقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني) بات واثقاً من ان سقوط البعث صار مسألة وقت.

يبدو ان ثمة اقتناعاً عاماً لدى الأكراد بأن ما يجري في المنطقة سيغير خريطتها ووجهها ويقيم فيها نظاماً جديداً متشابكاً في المصالح والعقائد. لذا فإن ثمة فرصة تاريخية لتصحيح خطأ حرمهم حقوقهم القومية، فإذا كان سايكس – بيكو شتتهم بين دول عدة ولد بعضها من رحم هذا الاتفاق، فان اعادة رسم الخرائط مجدداً قد يعيد احياء حلمهم الذي لم ينطفئ باقامة دولة مستقلة… هذا ما يعتقده بعض قادتهم ونخبهم!

تجربة أشقائهم في كردستان العراق تغري اكراد سوريا وهم يتعلمون منها. لن يصلوا إلى مرحلة المطالبة بالاستقلال او بالانضمام الى كردستان الشرقية ولن يعجلوا في اعلان عن هذا او ذاك. ولكن لا بأس بتكريس أمر واقع قد يتحول ما يشبه الإقليم الفيديرالي في العراق. بيد ان خطوة كهذه قد تستثير ليس العرب السوريين فحسب، بل قد تفتح باب التدخل واسعاً أمام تركيا عندما يحين وقت التدخل.

هذا الطموح الكردي يعزز المخاوف من شرذمة سوريا. فالمؤشرات تدل على ان نظام الرئيس بشار الأسد لن يسلم بأي حل سياسي، ولن يقبل بمرحلة انتقالية حتى وإن سقطت دمشق وحلب. وثمة سيناريو قديم يتحدث عنه باستمرار خصوم النظام: إذا ضاق الخناق على الحكم الحالي وقواه المقاتلة يمكن التراجع إلى معاقل النفوذ على الساحل الغربي للتمترس هناك والدفاع عنها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. فإن لم يؤدِ ذلك إلى تقسيم حقيقي فإنه سيوفر لهم ملاذاً آمناً، ويقيهم على الأقل المحاسبة والمطاردة لاحقاً إلى أن تنضج الظروف لتحقيق تسوية ما. وهو ما يمكن ان يهدد تماسك النسيج السوري ويكون منطلقا لتفتيته، على طريقة ما حدث في يوغوسلافيا السابقة وأدى إلى تقسيمها.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى