لقاء مع الأستاذ علي صدر الدين البيانوني
حوار/ عبد الله زنجير – مجلة المجتمع
الأستاذ المحامي علي صدر الدين البيانوني (أبو أنس) شخصية حركية وقيادية شهيرة، وهو من بيت علم وأدب ودين. قضى أعواما من حياته في سجون الأسد الأب، ثم عقودا في الهجرة والصبر والجهاد، وتعرض لأكثر من محاولة اعتداء..
اختير مراقبا عاما للإخوان المسلمين في سورية لعدة فترات 1996 – 2010 م، ومن بعدها عضوا في مكتب الإرشاد الحالي. ورغم سنينه التي جاوزت السبعين، فإنه ما زال يحتفظ بالحضور والنضارة والبسمة المشرقة..
ومن وحي الفكر والتجربة والبحث، كان هذا اللقاء تأصيلا للعديد من قضايا الدعوة والواقع والحوادث الساخنة.. جزاه الله خيرا..
س1/ من خلال رحلة نصف قرن مع مدرسة الإمام الشهيد حسن البنا، كيف تقرؤون الصورة الإسلامية بشكل عام، إن على مستوى الأمة أو على مستوى المشترك الإنساني؟
ج1/ هناك مستويات لقراءة الصورة: فعلى المستوى الجماهيري العام في بلدان العالم الإسلامي تحتل مدرسة الإمام الشهيد حسن البنا مكانة لائقة في قلوب الجماهير. أتمنى أن تمتد هذه المكانة من القلوب إلى العقول، بطريقة سلسة ومسئولة في الوقت نفسه. أعتقد أن المشروع الإسلامي محتاج إلى القوى التي تحمله وتحسن عرضه، كما هو محتاج إلى الجماهير التي تقتنع به وتجتمع عليه.
على مستوى النخب العربية أعتقد أن هناك طبقة من هؤلاء، ترى في هذه المدرسة منافساً لها، وتهديداً لمصالحها، لذلك فهي تتمترس خلف موقف تاريخي سلبيّ، دفاعاً عن هذه المصالح. أعتقد أن على قيادات الحركة الإسلامية أن تنزع بهدوء فتيل هذه المخاوف.
أما على المستوى الدولي فالعالم وجد نفسه مضطراً للتعامل مع الجماعة كأمر واقع، نتيجة التأييد الشعبي الكبير التي تحظى به. ربما هي فرصة لإعادة تقديم الصورة بطريقة أفضل، وتصحيح الكثير من نمطية الصورة. أعتقد أننا بحاجة إلى المزيد من الجهد، لتقديم الصورة بطريقة أفضل.
س2/ أين هو موقع (الإخوان المسلمون) اليوم ضمن محيطات الاستقطاب الفكري والصراعات الدولية المتوالية؟
ج2/ رفضت الجماعة خلال مرحلة الحرب الباردة أن تكون جزءاً من أي محور دولي. اليوم على المستوى الإقليمي يبدو أن هناك من يفرز الجماعة فرزا اضطراريا لاسيما في محيط المشرق العربي. هناك مشروع إيراني يحاول اليوم أن ينخر المجتمعات العربية أو أن يخترقها، ولا بد للجماعة أن تدافع عن مشروعها وعن مجتمعاتها. تبنّت الجماعة على المستويات الوطنية في أكثر من قطر، إستراتيجية الاندماج والتماهي مع القوى المجتمعية، بديلا لسياسات الصراع الإيديولوجي التي كانت سائدة أيام الحرب الباردة بشكل خاص.
س3/ يتهم بعض الدعاة بالغلو والجمود، فهل يرتبط هذا الاتهام بالحقيقة والمشاهدة؟ وكيف يمكننا تصحيح الصورة الذهنية عن الآخر ولدى الآخر؟
ج3/ نحن نتعامل مع حالات بشرية، ولاشك أن الناس يتفاوتون في قدرتهم على الحفاظ على التوازن، تجاه المبادئ والأفكار والهيئات والأشخاص.. التوجيه النبوي الكريم أوصى بالرفق والاعتدال في الأمر كله، حتى في العبادة، لكن مفهوم الناس للرفق والاعتدال أيضا متفاوت، فما يعتبره شخص من الرفق أو من اليسر أو من السماحة.. قد يعتبره آخر من التساهل أو التفلّت. عندنا في الإسلام حلال بيّن وحرام بيّن، يستندان إلى نصوص قطعية، وبينهما مساحة واسعة للاجتهاد والاختلاف المشروع. إن تصحيح الصورة الذهنية المتبادلة تحتاج إلى مناهج وبرامج، تشرف عليها قيادات واعية، تمتلك الرؤية وتمتلك الإرادة.
س4/ كثيرا ما يغيب دور المرأة المتدينة في العمل العام، كيف يمكن للحالة الإسلامية المتكاملة استعادة دور شقائق الرجال، كما كان في صدر الإسلام وكما هي استحقاقات العصر؟
ج4/ لا شك أن غياب دور المرأة المسلمة الملتزمة، له أسبابه الاجتماعية، بالإضافة إلى الأسباب الناشئة عن الاختلافات الفقهية. يجب أن نعترف أن المرأة المسلمة لاسيما في المشرق العربي، شديدة التحفظ على المستوى الاجتماعي. وقد أسهمت في ذلك عهود من التربية المحافظة، التي اختلط فيها الجانب الشرعيّ بالموروث الاجتماعي. أعتقد أنه لابد من وضع استراتيجيات تربوية، لتأهيل المرأة المسلمة لأداء دورها الكامل في العمل العام، وفقاً للأحكام الشرعية، بصورة تلبّي متطلّبات العصر. وبهذه المناسبة لا بدّ من التنويه بكتاب العلاّمة الدكتور عبد الحليم أبو شقة رحمه الله (تحرير المرأة في عصر الرسالة)، ففيه إضاءات مهمة في هذا المجال.
س5/ اهتممتم أثناء مسؤوليتكم بالعمل المؤسسي المتنوع، ورأينا العديد من المؤسسات والمحاضن الناجحة. وفي غمرة المتغيرات والتحولات السارية هل توصون بتأسيس حزب سياسي إسلامي؟ وما هي الأسباب التي حالت دون استكمال هذا المشروع في السنوات الماضية بعد الخطوات التي قطعتموها؟
ج5/ أعتقد أن العمل المؤسسي بشكل عام، هو ضرورة لنجاح العمل الجماعي في تحقيق أهدافه، على كافة المستويات. كما أن قيام حزب سياسيّ إسلاميّ، يعبّر عن تطلعات الجماهير، أمرٌ تقتضيه طبيعة الحياة السياسية الديمقراطية، لكن الإرادة الذاتية وحدها، لا تكفي لقيام هذا الحزب، ولا بد من وجود الظروف الملائمة، ولم يكن المناخ السياسي السائد في سورية، يساعد على إنجاح هذه الفكرة. وأعتقد أنه بعد تحرير سورية من نظام الفساد والاستبداد، ينبغي أن يكون تشكيل هذا الحزب من الأولويات.
س6/ ما هي أبرز الإنجازات التي حققها إخوان سورية وأنصارهم – أفرادا وجماعات – أثناء هجرتهم وتناثرهم الجغرافي على وجه البسيطة؟
ج6/ أعتقد أن الإنجازات التي حقّقها الإخوان خلال هجرتهم كبيرة ومتعدّدة، سواء على الصعيد الفردي، أو على صعيد الجماعة. فعلى الصعيد الفردي أتيح للكثير من الإخوان وأنصارهم الانتشار في مختلف بقاع الأرض، والإسهام في البناء الثقافي والاقتصادي والاجتماعي في الأقطار والمجتمعات التي حلّوا فيها. أما على صعيد الجماعة، فقد تمكنت من تحقيق عدد من الإنجازات على مستوى العمل المؤسّسي، ومنظمات المجتمع المدني، والروابط المهنية، والعمل السياسي والتحالفات السياسية، والمؤسسات الإعلامية، ومراكز الأبحاث والدراسات.. والموقف من الكثير من قضايا العصر ومن المجتمع وقواه المختلفة. وعلى سبيل المثال أشير إلى ميثاق الشرف الوطني، الذي أصدرته الجماعة في عام 2001، وإلى (المشروع السياسي لسورية المستقبل) في عام 2004، وإلى رؤية الجماعة حول العديد من القضايا التي تهم المجتمع السوري، مثل (القضية الكردية)، و(التكوين المجتمعي في سورية ومسألة الطائفية)، ومشاركة الجماعة في (ورشة تجريم الطائفية) مع عدد من الشخصيات التي تمثّل مختلف مكونات المجتمع السوري.. وللحقيقة لا بدّ من الاعتراف بأن هذه الحالة في الجماعة كانت هي السائدة أيام القادة المؤسسين، في ظلّ العهود الديمقراطية، ثم غابت في عهود الاستبداد والديكتاتورية، وفي حمّى صراع الإيديولوجيات..
س7/ بكلمات قليلة، نريد تعريفكم لـ:
– الاجتهاد: بذل الجهد لمعرفة الحقيقة التي لا نص قطعيا فيها.
– القدوة: الفكرة تتمثل في إنسان.
– الحرية: مساحة اختيار إنساني مسئول، يكفلها القانون ويتيحها المجتمع.
– الديمقراطية: آليات توافق جوهر مبدأ الشورى الإسلامي، تتحد معه في الجوهر، وتفارقها في بعض الجزئيات.
– العولمة: حقيقة ملازمة لهذا العصر، ومطلب دعوي إسلامي، شريطة ألا تتحكم فيه قوانين الأقوى والأغنى.
– الفقه الحضاري: تنزيل النصوص الشرعية على متغيرات العصر من غير تزمّت أو اعتساف.
– أسلمة المعرفة: إعادة الأمور إلى نصابها وفطرتها، وتأكيد على الهوية في عصر تلاشي الهويات.
– الدعاة الجدد: أصحاب مدرسة في الدعوة، بأسلوب عصريّ، مع المحافظة على الجوهر، تجذب جيلا من الناس، ربما تحتاج التجربة إلى تعزيز المعرفة الشرعية، والتمييز بينها وبين الثقافة الشرعية.
– الربيع العربي: تطلع الشعوب العربية للعيش بحرية في ظلال العصر.
– أدب الخلاف: قواعد منهجية، وخلق نفسي، تترك الجسور ممدودة بين المختلفين.
– النقد الذاتي: الوقوف أمام المرآة.
– تطبيق الشريعة: الارتقاء إلى الأفق الإنساني، الذي أراد الله للإنسان أن ينعم به.
س8/ أسهمتم بإنشاء ائتلاف دعم الثورة السورية، هل لنا أن نتعرف على هذا الائتلاف.. كيف ولد؟ وما هي مهمته الرئيسة؟
ج8/ كانت خطوة مبكرة لدعم الثورة السورية ومساندتها، وإيجاد الأطر الوطنية المناسبة للانخراط في الفعل الثوري، على طريق التشكّل الوطني، للاندماج في حراك الثورة السورية.
س9/ هل ثمة أهداف استراتيجية لهذا الائتلاف أو أن مهمته مؤقتة؟ وهل تؤيدون فكرة العصيان المدني؟
ج9/ لا شكّ أن الائتلاف الوطني المطلوب، هو خطوة إستراتيجية، لا تقتصر على مرحلة الثورة، إنما تؤسّس للمرحلة القادمة التي تقتضي الاجتماع على القواسم المشتركة، والتعاون فيما اتفقنا عليه. أما العصيان المدني فهو المرحلة الأخيرة من الثورة السلمية، وأحد السيناريوهات المفتوحة لإسقاط النظام المستبد، وعندما يتم تحقيقه، فإن ذلك يعني أن الشعب السوري قد انخرط في الصراع بكل قواه.
س10/ يلح حلفاء النظام (مثل روسيا) على الحوار والحلول التفاوضية للثورة السورية، وأنتم كان لكم باع في التعاطي مع هذا الملف سابقا، فما هو تعليقكم على هذه الطروحات؟
ج10/ لا أحد يرفض مبدأ الحوار والتفاوض، لكن تجربتنا مع النظام السوري، تؤكد أنه لم يكن جادّاً في يوم من الأيام في موضوع الحوار. أما في المرحلة الحالية، فلا توجد في سورية أرضية صالحة للحوار، في ظلّ إصرار النظام على الحل الأمني، والإمعان في القتل، ومحاصرة المدن، وإذلال المواطنين، وانتهاك الحرمات.. ولم يستطع النظام السوري حتى الآن أن يبسط أرضية للحوار حتى مع الذين يؤيدون الحوار معه ويعيشون في كنفه..
س11/ كيف تفسرون تمترس (حزب الله) وراء النظام السوري ومساندته اللوجستية والبشرية والذود عنه بكل الوسائل؟ هل هو موقف طائفي؟
ج11/ لا يمكن إسقاط البعد الطائفي من هذه الرؤية، لكن ثمة عوامل لوجستية، تجعل من النظام السوري قصبة هوائية لحزب الله، كما أن هذا النظام يقدم نقطة ارتكاز للصراع على الأرض اللبنانية.
س12/ بعد كل خبراتكم التراكمية ومعاناتكم المديدة، كيف هو تصوركم لسورية المستقبل؟ وما هو تقديركم لملامح ومعايير المشروع الإسلامي في سورية الغد؟
ج12/ أتصور سورية المستقبل قطراً عربياً فاعلاً على الساحة العربية والإقليمية والدولية، وبلدا حرا سيدا يتعاون أبناؤه على بنائه، ويبدعون على المستويات الحضارية والإنسانية والقومية والوطنية. مشروعنا لسورية المستقبل هو مشروع إسلامي حضاريّ وطنيّ، يعطي الخصوصية السورية أبعادها.
س13/ ما هو تقويمكم لمؤتمر أصدقاء سورية الذي عقد المرة الأولى في تونس ولاحقا في تركيا؟
ج13/ أعتقد أنه خطوة دولية في الاتجاه الصحيح، على طريقنا الطويل، بعد أن عطل الفيتو الروسي الصيني دور مجلس الأمن الدولي، وإن كانت نتائجه لم تلبّ تطلعات الشعب السوري.
س14/ ما هي رسالتكم التي توجهونها للشعب السوري النازف؟
ج14/ التوكّل على الله، والاعتماد عليه، والصبر والمصابرة، والثبات، والتمسك بالأهداف، واجتماع الكلمة، ورصّ الصفوف.
س15/ هل سنقرأ قريبا تدوينا لذكرياتكم وتجربتكم في العمل الإسلامي والتنظيمي الإخواني، تأسيا وتماشيا مع ما فعله المؤثرون من رجالات الحركة الإسلامية؟
ج15/ في الحقيقة كنت بدأت فور انتهاء مسئوليتي الأولى في الجماعة، بالرجوع إلى الأرشيف، لتوثيق المرحلة التي كنت مسئولاً فيها، وتدوين بعض المذكّرات والذكريات، إلاّ أن ثورة أهلنا في سورية، وأولوية دعمها ومساندتها، جعلني أتوقّف عن متابعة ذلك، وأبذل جهدي وطاقتي في تقديم ما أستطيع تقديمه في هذا السبيل.