صفحات العالم

لكي تنجح المعارضة السورية/ عبدالرحمن الخطيب

الأسبوع الماضي فتحتُ صفحة الائتلاف الوطني السوري المعارض على «فيسبوك»، لأتابع قضية الخلافات الحادة التي طفت على السطح بين الائتلاف وبين هيئة أركان الجيش الحر، بعد أن وصلت الأمور إلى حلبة ملاكمة ومصارعة بينهم في الاجتماع الأخير في إسطانبول.

تفاجأتُ بكثرة الشتائم التي تكال لـ«الائتلاف» من خلال التعليقات على أي منشور يدبِّجونه على صفحتهم. وقلما نقرأ تعليقات إيجابية عليهم. لفت نظري ما جاء في أكثر التعليقات تأدباً: «ماذا يفعل أصحاب الأطقم الرسمية والياقات في الخارج؟ وماذا يفعل الضباط في إسطانبول؟ فليتفضلوا إلى الداخل، ثم يحكموا بعدها». هذا يشير إلى أن نسبة المعارضين لـ«الائتلاف» باتت أضعاف نسبة المعارضين للنظام نفسه. فقلت في نفسي: سبحان الله! كيف تدّعي هيئة أنها تمثل من يشتمها؟ فما الذي أوصلنا إلى هذه الحال؟

يقول المثل: «ما بُني على باطل فهو باطل». لا غرو أن ما أوصلنا إلى هذه الحال هو التأسيس الاعتباطي والعشوائي لهيئة سياسية للمعارضة. فحين أُسس المجلس الوطني كانت طريقة تشكيله انتقائية واجتبائية، بناءً على المحاصصة والمحسوبيات من جماعة الإخوان المسلمين، الذين وجدوا دعماً كبيراً من الحكومة التركية المتماهية مع الجماعة في العالم كله. كان همه الوحيد التسول على أبواب بعض الدول العربية والغربية، للاعتراف به ممثلاً شرعياً للشعب السوري، التي اعتقد بأنها ستكون أولى خطوات الصعود إلى درجات السلطة. أصر على سلمية الثورة طوال تسعة أشهر، وأستبعد جهود المقاتلين وتضحياتهم على الأرض، وهو ما أدى إلى شرخ كبير بينه وبينهم.

غالبية أعضائه لم تكن تربطهم أي علاقة بالداخل، فجلُّهم إما أنه كان يقيم في الخارج منذ أعوام، ويتمتعون بجنسيات أجنبية، أو أن بعضهم فرّ إلى الخارج من أجل ركوب موجة الثورة. في نهاية المطاف، بسبب فشله وتقاعسه، وتكشُّف فضائح الاختلاسات وسرقة أموال تبرعات الشعب التي قام بها بعضهم، أسهم في الاقتناع أن هذا المجلس لم ولن يقدّم شيئاً للثورة. فسارعت قطر التي تعدّ أيضاً الداعم الرئيس لجماعة الإخوان، إلى الإعلان عن تأسيس هيئة سياسية جديدة باسم الائتلاف الوطني.

الملمح الأهم الذي اكتشفه الشعب أن «الائتلاف» لم يكن إلا تغيير طرابيش المجلس. ما زاد الطين بلة أنه بعد بضعة أشهر ضغطت أميركا وفرنسا على «الائتلاف» لحشر 30 عضواً جديداً من ذوي التوجه العلماني، فأضحت نسبة 60 في المئة منه من الأقليات ومن الشيوعيين والقوميين والعلمانيين الذين لا ناقة لهم في الثورة ولا جمل، وليس لهم أي ارتباط مع الداخل، و40 في المئة منه من «الإخوان»، الذين ديدنهم التهافت على الكراسي لما بعد سقوط النظام. متجاهلين جميعاً أن الشعب يُذبَح في الداخل.

في الواقع كان «الائتلاف»، منذ تأسيسه، يتخبط خبط عشواء. فقد عيّن الخطيب رئيساً له، وقدّم استقالته بعد بضعة أشهر. ثم عيّن هيتو رئيساً للحكومة الموقتة؛ ثم أقاله بعد أربعة أشهر من دون تشكيل أي حكومة. ثم عيّن طعمة رئيساً للحكومة الموقتة مع 11 وزيراً، لم يقدموا شيئاً للثورة. فبدأت الخلافات تستعر بينهم، ووصلت الأمور إلى ما صنع الحداد، ثم قبل بضعة أشهر أعلنت غالبية الكتائب في الداخل رفضها «الائتلاف».

الشعرة التي قصمت ظهر البعير قضية اللواء سليم إدريس، وحادثة استيلاء الجبهة الإسلامية على مخازن الأسلحة التابعة للجيش الحر عند معبر باب الهوا، وفضيحة الفساد في هيئة الأركان برمتها. إذ اتضح أن الأسلحة التي تُقدم للمعارضة لتقاتل بها النظام تباع لمن يدفع أكثر، ثم أتت بعدها قضية انسحاب 44 عضواً من المجلس الوطني من «الائتلاف» – بسبب إصرار بعض أعضائه على مفاوضة النظام، بعد اجتماع عاصف للهيئة، ومسرحية تزوير نتيجة التصويت – توطئةً للذهاب إلى جنيف. بل وحين ذهبوا اصطحبوا معهم ثلاث نساء من أعضاء «الائتلاف»، للبرستيج. كان دورهن رفع صورة معتقل من الطائفة العلوية، ونسوا أن يجلبوا معهم قوائم مئات آلاف المعتقلين، إمعاناً في تهميش الأكثرية. عادوا بعدها بخفي حنين.

من هنا يمكن القول إنه لكي تنجح المعارضة يجب فهْم طبيعة أسباب فشلها على رغم مرور ثلاثة أعوام، التي منها – ولا شك – أن نسبة 80 في المئة من سكان سورية هم من السنّة. ولا مشاحة في القول: إن الثورة السورية أخذت طابع الصبغة الإسلامية السنيّة في معظم مناحيها منذ بدايتها. وهو مسوغ مهم لتحديد شكل الدولة المستقبلية لسورية. ومن ثم تبرز أحقية الأكثرية التي قدّمت 140 ألف شهيد، ومئات الآلاف المعتقلين وملايين المهجرين، في أن يكون لهم في «الائتلاف» من يمثلهم التمثيل الحقيقي. فجماعة الإخوان قبل الثورة لم يكن لهم أي وجود في الداخل ألبتة. في المقابل يجدر أن يُقدّم بعض العلمانيين الذين أسهموا في الثورة على نحو فعال، إلى الصفوف الأمامية، مثل غسان عبود الذي قدّم عبر مؤسسته الخيرية ما لم يقدمه أعضاء «الائتلاف» مجتمعين. ويُستبعد أولاء العلمانيون الذين لا عمل لهم إلا استقبال المداخلات في الفضائيات عبر «سكايبي» من بيوتهم، ليعيدوا ويكرروا الأسطوانة المشروخة نفسها كل يوم منذ بداية الثورة.

ولكي تنجح المعارضة السياسية من الأصوب والأصلح أن تكون من شخصيات من الداخل، أو أن تعود الشخصيات المهاجرة إلى الداخل، ويكون لها مركز ثابت في المناطق المحررة. يقيمون فيه على نحو دائم، لا أن يأتوا سويعات لالتقاط الصور، ثم يخرجوا. عليهم أن يعيشوا آلام الشعب ومعاناته، لا أن يُنّظروا عليه من فنادق خمس نجوم. كما أنه من الواجب الوطني أن يعود الضباط والجنود المنشقون القابعون في الخارج، ليحملوا السلاح بجانب إخوانهم المجاهدين.

لكي تنجح المعارضة من الأجدى أن تتمتع بشفافية تامة في عرض مداخيلها ونفقاتها على الشعب، وماذا قدمت للثورة. فمن حق الشعب أن يسأل أعضاء «الائتلاف» الذين يتقاضى كل واحد منهم 8 آلاف دولار شهرياً: ماذا قدمتم لنا خلال ثلاثة أعوام؟

لكي تنجح المعارضة من الأمثل أن تبتعد عن تبعيتها لجميع الدول العربية والإقليمية والأجنبية، وأن تكون واضحة وصريحة مع الدول الداعمة للثورة، فلا تمالقها وتداهنها بالكلام المعسول. فالشعب لا يحب إلا القائد الوطني الصادق.

* باحث في الشؤون الإسلامية.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى