لماذا تتردد واشنطن في كيفية التعامل مع الاحتجاجات في سورية؟
يبدو أن الولايات المتحدة مترددة بشأن كيفية تعاملها مع الاحتجاجات المناوئة للحكومة السورية. ورغم أن سورية ليست حليفة لواشنطن، فإنها تظل لاعبا إقليميا كبيرا، حسب مراسلة بي بي سي في واشنطن، كيم غطاس.
أدان البيت الأبيض مرة أخرى استخدام قوات الأمن السورية العنف ضد مواطنين تظاهروا في سورية لكن في هذه المرة تضمنت الإدانة سطرا كان غائبا في المرة الأولى عندما صدرت يوم 24 مارس الماضي.
لقد امتدحت إدارة أوباما يوم الجمعة “شجاعة وكرامة الشعب السوري”. ورغم أن الثورات العربية تختلف من مكان لآخر، فإنها تتقاسم خصائص مشتركة. ومن ثم، فإن طريقة تعامل واشنطن معها كانت في مجملها موحدة مع بعض التنويعات (حسب خصوصيات كل حالة).
وباستثناء التأكيد الدائم على احترام القيم العالمية، اتبعت البيانات الصادرة عن البيت الأبيض أو الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، نفس الإيقاع والتصعيد بدءا من إدانة العنف المرتكب من قبل الحكومات وانتهاء بالثناء على المحتجين.
وتأخذ الإدارة الأمريكية العوامل الآتية عند تحديد الخطوة المقبلة وهي: حجم المظاهرات وشراسة القمع والمصالح الأمريكية.
ففيما يخص مصر، دعت الإدارة الأمريكية إلى انتقال منظم للسلطة عندما قررت الاستغناء عن الرئيس المصري السابق، حسني مبارك. وفي ليبيا، دعت العقيد معمر القذافي للرحيل عندما اتضح أن السماح له بالبقاء يشكل تحديات أكبر بالنسبة إلى الغرب مقارنة بدفعه للرحيل.
وفي البحرين حيث دخلت النخبة السنية الحاكمة في صدامات مع المحتجين الشيعة، صدرت دعوات للحوار من إدارة حذرة من خسران ما تصفه بأنه حصن ضد النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة.
الحالة السورية
لكن لم يتضح بعد كيف سيكون تعامل الإدارة الأمريكية مع الحالة السورية فيما يخص استمرار الاحتجاجات واتساع نطاقها وقمعها بطريقة أكثر دموية مما هو الحال الآن وهل سيطالب البيت الأبيض الأسد بالرحيل أو هل سيوجه في المقابل دعوات متكررة للحوار بهدف الدفع بإصلاحات داخلية.
لقد دعت الإدارة الأمريكية مرارا القادة العرب إلى إجراء إصلاحات حقيقية وجوهرية بهدف الوفاء بتطلعات الشعوب بما في ذلك تطلعات الشعب السوري لإدراكها الحاجة إلى إجراء تغييرات حقيقية بالمنطقة وخوفا من تنامي حالة عدم الاستقرار بسبب عدم الوفاء بتطلعات الناس وقمع الناس بطريقة عنيفة.
وكانت الولايات المتحدة تأمل أن يقدم الأسد حزمة تنازلات لصالح المحتجين بهدف تهدئتهم عندما ألقى خطابه أمام أعضاء مجلس الشعب.
ولكن بدلا من ذلك، حاول تخويفهم، متعهدا بالحرب حتى النهاية ومتهما إسرائيل والولايات المتحدة ولو بطريقة غير مباشرة بأنها تقف خلف الاحتجاجات التي تشهدها سورية.
ويُذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية تصنف سورية على أنها من الدول الراعية للإرهاب وتدعم حاليا مجموعات متطرفة مثل حماس وحزب الله. ويُشتبه في أنها تعمل على تطوير برنامج نووي سري. كما اتهمت في الماضي بتأجيج العنف في العراق من خلال دعم شبكة من المقاتلين الأجانب هناك.
وفيما يخص مباحثات السلام، قال السيناتور الأمريكي جون كيري، في حديث لموسسة كارنيجي “تقييمي للوضع هو أن سورية ستتحرك…إنها ستتغير بسبب ارتباطها بعلاقة شرعية مع الولايات المتحدة والغرب وما يستتبع ذلك من فرص اقتصادية”.
كلينتون
وفي هذا السياق، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، الأسبوع الماضي إن واشنطن لا تنظر إلى بشار نظرتها إلى والده حافظ الذي قمع دون رحمة انتفاضة للإخوان المسلمين في مدينة حماه عام 1982 ما أدى إلى مقتل الآلاف من الأشخاص.
وأضافت كلينتون “هناك قائد مختلف في سورية الآن. الكثير من أعضاء الكونجرس من كلا الحزبين الذين زاروا سورية خلال الشهور الأخيرة قالوا إنه يتبنى آراء إصلاحية”.
لكن كلينتون لم تقل إن الإدارة الأمريكية متفقة مع الرأي القائل إن الأسد يتبنى آراء إصلاحية، كما أن بعض المسؤولين الأمريكيين عبروا عن شكوكهم العميقة فيما تعلنه سورية رغم أن إدارة أوباما لم تخف جهودها خلال السنتين الماضيتين لإشراك الأسد في عملية السلام.
وقال عضو الكونجرس الديمقراطي، جاري أكيرمان “الأسد لا يؤمن بالإصلاح…ومن يعتقد أنه مصلح فإنه يضحك على نفسه في أحسن الأحوال… وفي أسوأ الأحوال، فإنه غبي يعمل عند دكتاتور قاتل وراعي يفتخر بدعم الإرهاب”.
وعبر السيناتور جون ماكين (جمهوري) والسيناتور جو ليبرمان (مستقل) عن الحاجة إلى تبني استراتيجية جديدة للتعامل مع سورية و”حث الإدارة (الأمريكية) على العمل مع أعضاء المجتمع الدولي لإبلاغ الأسد بوضوح أنه في حال استمراره في طريق القمع والعنف، فإن ذلك سيجلب نتائج وخيمة”.
وأظهرت سورية في الماضي عندما كانت تتعرض لضغوط أنها قادرة على لعب دور استقرار في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية وذلك في إشارة ذكية إلى أنها تملك في المقابل الوسائل لبث الفوضى.
ويقول بعض المحللين إن الأزمة في سورية تمثل فرصة للولايات المتحدة لتحييد قدرة دمشق على لعب الأوراق التي تملكها.
وقال أحد الديمقراطيين في الكونجرس إن في حال سقوط الأسد، فقد يمثل الأمر تطورا إيجابيا لأنه سيحرم حزب الله وحماس من دعم مهم لهما، مضيفا أن العقوبات المفروضة على سورية يمكن استخدامها للضغط على الأسد ودائرته المقربة بهدف تغيير حساباتهم السياسية.
بي بي سي