صفحات العالم

لماذا تجد أسماء الأسد أن الحياة غير عادلة؟

منى فياض
التسريبات التي ظهرت في الاعلام عن مراسلات الرئيس السوري وزوجته السيدة أسماء، والتي يظل هناك نوع من التساؤل حول صدقيتها وتوقيتها، تدعم الصورة المنطقية والمنتظرة للمواصفات التي يكون عليها الأشخاص المستبدون وعائلاتهم، في ما يُعرف بالأنظمة التوتاليتارية. يمكن أن نضيف في حالة النظام السوري، ما قد يكون عليه حكم عصابات أمنية مالية وسياسية مسلحة يتحكم بمصير بلد منذ عشرات السنين.
لم يفاجئني محتوى المراسلات. فهذا النوع من السلوك متوقع، لمن لا تتحكم به العواطف المتحيزة والآراء المسبقة الجاهزة التي تعمي البصر وتجعله ملتحقاً بالقطيع، والمستقاة من أجهزة بروباغندا إعلامية متكمنة ومتمرسة في عملها منذ أعوام عديدة. وما المحاولات لتجميل صورة السيدة أسماء، عند “تسريب” أقوال “تفترضها” غير راضية عن التوحش الممارس، سوى جزء من البروباغندا. الى أن جاءت رسالتها الى زوجها لتكذب الدعاية وآلة الكذب أو السذاجة المفرطة، حيث قالت له في أواخر كانون الاول: “اذا كنا أقوياء معا فإننا سنتغلب على هذا معاً، أحبك”.
هذا من دون أن ننسى ما أطلقته أسماء الأسد من باب المزاح على نفسها في رسالة الى أحد الأصدقاء في 10 كانون الثاني، من أنها “ديكتاتور” العائلة الحقيقي. هذا هو موقف السيدة أمام ما يحدث في بلدها. ربما كونها مولودة في بريطانيا، يجعلها تدرك كيف ينظر اليهم الآخرون، لكن من دون أن يكون لذلك أدنى تأثير في سلوكها أو خياراتها.
فهل يُستغرب أن تكون السيدة أسماء مشغولة بالتسوق وباختيار التحف والمجوهرات وانتقاء المفروشات اليدوية وألوانها بدقة وعناية؟ هذا من دون ان ننسى الاحذية المصنوعة باليد والمرصعة بالكريستال، ما جعل احدى صديقاتها تعلق بلهجة جافة: “لا أعتقد أنها ستكون مفيدة في أي وقت قريب لسوء الحظ”.
إن من يريد انتظار سلوك مختلف، يكون يتناسى عن سوء نية فضيحة المقابلة في مجلة “فوغ”، عشية الثورة السورية، وانشغال السيدة الاولى الحاكمة في سوريا باستخدام طائرة خاصة للتسوق والتبضع سلعاً مختلفة وأحذية بآلاف الدولارات، في بلد فقير يصدّر عاطليه عن العمل لكي يعملوا أو يشقوا في لبنان وغيره من البلدان!
فهل بدا على الزوجين الحاكمين او بطانتهما أي تغيير بعد الثورة التي أظهرت على الأقل اعتراض جزء من الشعب السوري على نظام الحكم؟ وكيف يكون التغيير في بلد مثل سوريا؟ هل هو شيء آخر مثلاً سوى البدء بتلبية حقيقية لبعض مطالب الشعب السوري والعمل على برمجتها من اجل تحقيقها؟
إن أكثر ما لفتني وحثّني على الكتابة ومحاولة الفهم هذه، هو تعليق السيدة على رسالة ابنة أمير قطر السيدة المياسة التي تسأل كيف يمكنها المساعدة وتأسف أن ينتهي “كل ما قامت به من عمل عظيم في بضعة أسابيع من سياسة سيئة”.
كان تعليق السيدة أسماء، ليس الالتفات الى فقرة “السياسة السيئة” أو الاعتراف بضرورة عمل شيء، بل البكاء على نفسها حين ردّت: “الحياة غير عادلة يا صديقتي”! فماذا يعني أن تجد أن الحياة غير عادلة بالنسبة إليها على المستوى النفسي والانساني؟
نجد أنها بهذا التعليق تلجأ الى القضاء والقدر كي تفسر حالة العجز التي ترى نفسها فيها أمام الأحداث، وكي تنكر مسؤوليتها ومسؤولية زوجها عن الوضع. في هذا الموقف تعبير عن أنها تجد في كونها وزوجها حاكمين في سوريا، نوعاً من الحق الإلهي، وشاءت “لاعدالة الحياة” أو قدريتها التدخل لكي تعكر عليها صفو العيش ورغده! أفلا يعني هذا أنهما يعتبران نفسيهما من طينة غير طينة البشر، ومن صنف الآلهة؟
فإذا كانت الحياة غير عادلة معها، فماذا نقول عن عدالتها أمام عذاب السوريين المتواصل وخضوعهم للقتل اليومي والتعذيب والقمع الوحشي والحرمان من الغذاء والطبابة؟ وماذا نقول عما يهدد المصابين منهم ببتر الاعضاء وبالاعاقة الدائمة بسبب حرمانهم من الاسعافات الطبية بأوامر من الأسرة الحاكمة ورئيسها وبتشجيع من الزوجة التي لا تجد ما تقوله سوى أنها تقف معه وتحبّه في استخدامه آلة القتل المدمّرة؟
نجد أيضاً في قولها إن لا عدالة في الدنيا ولا جمال، أن فيها حاكماً ومحكوماً، وعنصراً متفوقاً وأنانياً، لا يحسب حساب الآخرين. فبما أنها وزوجها من طينة غير طينة البشر، فهما لا يفهمان قيام الثورة في الوقت الذي “يضحّيان” فيه بخدمة الآخرين الذين لا يظهرون العرفان المطلوب بالجميل. ألم يعبّر عن ذلك الأسد مرة بقوله إن الرئاسة خدمة؟!
الأمر الآخر الذي بدا لافتاً في حالة السيدة أسماء، الهوس الاستهلاكي ونوبات الشراء الباذخة التي أصابتها أخيراً فصارت تمضي الوقت في تدبيرها عبر الانترنت، وهي بالطبع، تعبّر في جملة ما تعبّر عنه، عن حالة الانكار التي تعيشها، من أجل إقناع نفسها بأن كل شيء على ما يرام، في نوع من الأوالية النفسية الدفاعية عبر الانفصال عن الواقع من ناحية، وأيضاً كنوع من الحدس بالنهاية المقتربة الحتمية، فتقوم بممارسة كل ما سوف يصبح قريباً بعيد المنال. كمحكوم بالإعدام يطلب وجبة أخيرة فاخرة يستمتع بها قبيل النهاية.
هناك آلية نفسية أخرى تفسر ناحية من سلوك أسماء الأسد، تُعرَف بآلية التكوين العكسيreaction formation اي رد فعل معاكس لتأكيد العودة الى الوضع السابق ونفي حدوث التغيير. وهو ميكانيسم دفاعي يدفعها لأن تنفي وجود الخطر وتنكره. وهو ايضاً نوع من التعويض المستقبلي عن الحرمان الآتي المنتظر. إنها محاولة لنفي الحدث. لكن الحدث هنا لا يحصل مرة واحدة وينتهي. فالثورة المستمرة منذ عام جعلت الرئيس وزوجته يعيشان مدة طويلة في هذه الوضعية القلقة التي تتسبب بالضغط الشديد الذي يظهر بين وقت وآخر في سلوكهما والقرارات التي يتخذانها والوسائل الدعائية والخطط الاعلامية التي يلجآن إليها، من مثل اعتماد أشخاص ناطقين باسمهما ثم التخلي عنهم وإسكاتهم عند ظهور فشلهم.
في حالات التكوين العكسي الإيجابية أو السوية، يكون اللجوء الى هذه الآلية محاولة للسيطرة على المشاعر من اجل القبول المستقبلي بنتائج الحدث والتأقلم معها. فأمام حدث من هذا النوع يصبح ضرورياً تفريغ الذهن لاستيعاب الصدمة لأنها تستحوذ على عقل الشخص وتتطلب الوقت لكي يستوعبها ويهضمها عبر القيام بأمرين: مراجعة الذات وتحمل المسؤولية لحماية النفس من تكرار الأمر في المستقبل، وايضاً البحث عن تفسيرات منطقية للحدث المؤلم من أجل التوصل الى الآليات المساعدة على المواجهة بغية الحصول على الشعور بالأمن.
أما في وضع الرئيس والزوجة فهناك إنكار للمسؤولية وإنكار لحقوق الآخرين وحتى لوجودهم، والتصرف مثل السوبرمان الذي يمنّن الشعب السوري بـ”التضحيات” التي قام بها الرئيس من أجلهم، وربما من بينها مجرّد قبوله بتحمّل الحكم وقبول “مسؤولية أن يعمل كمستبد” بدوام كامل مع ساعات إضافية تمنعه من ممارسة هواياته والاستمتاع بأنواع الترفيه، مثل الموسيقى والاغاني والصور والانترنت وفوائده الجمة. فبحسب الـ”غارديان” فإن الرئيس كان يكتب رسالة الى زوجته ويرسل إليها أغاني مرهفة بينما كانت مدفعيته تدك مدينة حمص. وفي تموز، حين عرف ان زوجته ستتفرغ للقائه، ربما بعد استماعها الى شكاوى بعض أهالي الضحايا، كتب لها: “ان هذا أحسن اصلاح يمكن ان يناله أي بلد، أن تقولي لي أين ستكونين، وسنعتمده بدلا من زبالة قوانين الأحزاب والانتخابات والاعلام”!
هذا هو الاصلاح المنتظر في دمشق على يد هذا الحاكم العصري والأنيق وزوجته البريطانية!
النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى