لماذا تهتم اميركا بـ”اليوم التالي” في سوريا فقط؟
سام منسى
يصعب على المرء تجاهل المفارقات السياسية التي تطبع مواقف المسؤولين الأميركيين وتعليقاتهم، أينما حلّوا أو شاركوا في فاعليات وحلقات دراسية وبحثية ، داخل الولايات المتحدة وخارجها.
شهد مؤتمر بروكسيل الذي نظمت فاعلياته مؤسسة “جيرمان مارشال” في العاصمة البلجيكية، عيّنة من هذه المفارقات، حين انبرت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية للدفاع عن سياسة بلادها تجاه العديد من قضايا منطقة الشرق الأوسط.
دفاع من سماته محاولة الهرب من الإجابة الواضحة حول ما تشهده المنطقة، لاسيما سوريا، من ثورات شعبية ضد الأنظمة السياسية القائمة بحجة رئيسة هي “ماذا في اليوم الذي يلي سقوطها؟”. كما ترسخ انطباع واضح برغبة الادارة الأميركية بالابتعاد عن تحمل مسؤولية مجريات الأحداث وشبه انعدام في الرؤية كما نردد في كل مرة نشير فيها الى سياسة واشنطن الشرق الأوسطية. وما ميز هذه السياسة أيضا تبني المواقف الاسرائيلية القصيرة النظر وقوامها مقتضيات امن اسرائيل اولا وفي المدى القريب، وتجاهل المخاطر التي قد تترتب في المديين المتوسط والبعيد.
رب قائل اليوم إن تغيّرا جديا طرأ على الموقف الأميركي من الأزمة السورية، بخاصة بعد التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية جون كيري، حيث أعلن أن واشنطن لن تمانع في تسليح المعارضة السورية من اي جهة كان… دون أن تبادر واشنطن حتى الآن الى المشاركة في عملية التسليح هذه.
انما لماذا هذا الإحجام الأميركي عن لعب دور قيادي في قضايا ما بات يعرف بدول الربيع العربي، وبخاصة في سوريا ؟ ولماذا هذا الإصرار على رفع الحجّة القديمة الجديدة والممجوجة نفسها تحت عنوان أخطار ” اليوم التالي” بعد سقوط الأسد؟
هل من اخطار محدقة اكثر مما يحدث في سوريا منذ أكثر من سنتين وعلى كل الصعد السياسية والأمنية والإجتماعية والدينية؟ وهل الاخطار التي قد تنتج عن سقوط النظام أكثر ضررا من ممارسات آل الأسد منذ أكثر من أربعين عاما؟
تعلم واشنطن أكثر من الجميع ماهية الدور الذي اضطلع به النظام السوري إلى جانب إيران في العراق ابان الوجود الأميركي منذ عام 2003، والذي عمل بشكل دؤوب على تقويض وإفشال المشروع الأميركي ليس فقط بتسهيل عبور الإرهابيين إليه بل أيضا بتسليحهم وحضانتهم… هم الإرهابيون نفسهم الذين تشكو اليوم واشنطن من دورهم في الثورة السورية ضد نظام الأسد.
إن مقولة “ماذا في اليوم التالي بعد الأسد؟”، تستدعي التفكير في المقلب الآخر، أي بما يجري في مصر وبالموقف الأميركي من حكم “الاخوان المسلمين” وسيطرتهم على أكبر دولة عربية، حيث إن الإدارة لا تسأل “ماذا في اليوم التالي؟”، عندما يتمكن الأخوان من حكم مصر بشكل كامل.
حين سقط نظام حسني مبارك في مصر، كان الخيار من وجهة نظر البعض بين الفوضى وحكم الغالبية السياسية للإخوان المسلمين .
واشنطن اختارت الإخوان، انما عندما يتمكن هؤلاء من الحكم، ماذا يضمن لواشنطن، واستنادا إلى تجارب من الماضي البعيد والقريب، عدم انقلاب النظام الإخواني على معاهدة السلام مع إسرائيل أو أقله على إعادة النظر في الكثير من بنودها؟ يردد المتفائلون أن الأخوان لن يقدموا على هذه الخطوة لحاجتهم إلى المعونة الإقتصادية والمالية من الغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة. إنما لو سلمنا جدلا بصحة هذا الرأي بالنسبة إلى علاقة مصر المستقبلية بإسرائيل والغرب وأميركا، فماذا عن المقلب الآخر، أي علاقة مصر بحلفاء واشنطن من دول الخليج العربي؟
ماذا إذا انقلبت مصر على دول الخليج العربي، وكل المؤشرات اليوم تدل على أن العلاقات تراوح بين الباردة والحذرة والسيئة، باستثناء العلاقة مع قطر، وحتى الآن؟
ما الذي يمنع أن يعمد الأخوان المسلمون “في اليوم التالي” من تمكنهم من الحكم في مصر، من توطيد العلاقة مع إيران على حساب العلاقة مع الدول الخليجية العربية؟ على الرغم من التباين وعلى أكثر من صعيد بين إيران والأخوان في مصر، يبقى أن لدى الطرفين مساحات واسعة للتقارب. ما يجمع الأخوان بإيران الإسلامية أكثر مما يجمعها بدول الخليج العربي لاسيما بالسعودية ودولة الإمارات، إذ تلتقي إيران الإسلامية ومصر الإخوانية على مناهضة الغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة وبالطبع تلتقيان في الموقف من إسرائيل ووجودها في المنطقة.
إن “اليوم التالي” بعد تمكن الأخوان من حكم مصر، ينبغي أن يدفع واشنطن الى التفكير في النتائج التي سوف تترتب إذا ما قدر للأخوان تغيير نسيج المجتمع المصري جراء محاولات الهيمنة على المجتمع والإعلام والثقافة والفنون. ما سينتج عن مجتمع تسيطر عليه أفكار الأخوان ويشكل حاضنة لتفعيل فكر ديني متشدد اجتماعيا وسياسيا.
لماذا إذن أولوية “ماذا في اليوم التالي؟” في سوريا وليس في مصر؟
قد يكون من الصواب ، الفصل والتمييز بين حكم الإخوان المسلمين في مصر، والجماعات السلفية التي شكلت ولا تزال مهد الحركات الأصولية في العالمين العربي والاسلامي. تمييز يسعى أصحابه الى استخدامه كمسوغ لهذا “التريث” وغض الطرف الذي تمارسه الإدارة الأميركية تجاه حكم الإخوان المسلمين وفي المقابل، خوفها من الحركات المتشددة في سوريا.
غير أن هذا التفسير غير كاف لتبرير هذا الإحجام الأميركي عن إطلاق مبادرة سياسية، تمنع انزلاق الوضع السوري كله مثلا نحو فصائل التيار المتشدد الذي حقق في المراحل الأخيرة انتصارات ميدانية ومعنوية وسياسية أكسبته دون شك تعاطفا شعبيا.
فهل إطالة أمد الحرب والمعاناة، وسقوط نحو مئة الف قتيل ومثلهم أو أكثر في عداد المفقودين، وملايين المهجرين والنازحين، يخدم السياسة الاميركية في المنطقة ويبعد الخطر عن اسرائيل ويمنع تعزيز التيارات المتشددة في الداخل السوري، البعبع الذي تخافه واشنطن؟
إن رؤية واشنطن قضايا المنطقة والأحداث التاريخية التي تشهدها من زاوية انحيازها الدائم الى اسرائيل، يهدّد بتآكل الإيجابيات التي تحققت خلال الانتفاضات الشعبية، حين لم تكن شعارات الممانعة والعداء للغرب وأميركا وإسرائيل هي محرك الخطاب السياسي وحناجر الهتّافين في ساحات التظاهر. والسؤال الذي لا إجابة عليه حتى الآن، لماذ الخوف الأميركي من الحركات المتشددة السنية وغضها الطرف عن الحركات المتشددة الشيعية؟
والأهم الأهم، لماذ يفوت الولايات المتحدة الدور الجديد القديم الذي ما برح نظام الأسد يلعبه، من حيث خلقه فصائل نضالية قومية فلسطينية في السابق وجهادية سلفية سنية حاليا، لاستعمالها حسب ما تقتضيه مصالحه؟ ولماذا تتعامى اليوم عن وجود معارضة مدنية في سوريا وجناح عسكري معتدل هو الجيش السوري الحر، من الممكن دعمهما على الأقل للحد من انتشار التيار المتشدد ولضمان من سيتولى سدة الحكم في سوريا “في اليوم التالي”.
ما هو دور الولايات المتحدة في رعاية هذا الحراك التغييري في أكثر من مكان، وبخاصة ان دولا كثيرة وتحديدا دول الخليج، تخشى من أن يأتي هذا الحرص الأميركي على “الدول التاريخية” في المنطقة على حسابها، فيما خطر الأصولية الدينية يهدد بتغيير النسيج السياسي والاجتماعي والثقافي لكل دول المنطقة بما فيها مصر مرورا بليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا؟
تصعب الاجابة كما توقُّع ما قد يحصل من احداث وتطورات اذا استمر البطء السلحفاتي للسياسة الاميركية في السنوات الاربع المقبلة.
النهار