صفحات العالم

لماذا فضل النظام السوري الخيار الثاني؟


علي إبراهيم

في خطابه أمام جامعة الدول العربية الأحد، قال الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي إنه قد أصبح واضحا أن مستقبل سوريا بين خيارين؛ الأول أن تختار بإرادتها الحكمة. والثاني أن تدفع إلى أعماق الفوضى والضياع. وللأسف، فقد تبين مع مرور الوقت أن القيادة السورية فضلت الخيار الثاني وقررت المضي في قتل شعبها وتدمير بلادها من أجل الحفاظ على السلطة.

تعبير واضح عن الحالة السورية التي أبدى شعبها رغبته بشكل سلمي في التغيير والانتقال من نظام شمولي ثبت أنه يراوح مكانه سياسيا واقتصاديا معتمدا على أساليب لم يعد يقبلها الناس في الحكم، ليواجه المحتجون بحمام دم تصاعدت وتيرته طوال عمر الانتفاضة التي تحولت إلى ثورة وتقترب من إكمال عامها الأول.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا اختارت القيادة السورية هذا الطريق رغم أنه كانت أمامها فرصة أفضل لأخذ العبر من تونس ومصر وليبيا ثم اليمن، لتدرك أن الحل الأمني لن يقود إلى شيء سوى تصعيد سقف المطالب والتورط أكثر فأكثر في الدم بما لا يدع مجالا للتراجع، وأصبحنا اليوم أمام قضية يمكن أن تنظر فيها المحكمة الجنائية الدولية بوصفها قضية إبادة وجرائم ضد الإنسانية؟

هل هو وهم القوة والانفصال عن الواقع الذي يجعل قيادة تتصور أنها يمكن أن تقود شعبها بالحديد والنار في زمن أصبح الناس فيه يتواصلون عبر القارات في ثوان من خلال وسائل الاتصال والإعلام الحديثة ويرون كيف يعيش البشر في مجتمعات أخرى ويتمتعون بحريات وحقوق في الكلام والنقد؟

أم هي تركيبة ومعادلة الحكم التي اعتادت على شبكة توازنات وأسلوب حكم يعتمد على شبكة معقدة من الأجهزة الأمنية تحولت إلى إمبراطوريات داخل النظام نفسه، وتجعل أي عملية إصلاح سياسي تقاد من القمة أشبه بعملية انقلاب على النظام نفسه وتحتاج إلى التضحية ببعض الرؤوس الكبيرة التي اعتادت السيطرة والنفوذ والقمع لترسيخ السلطة؟

الأرجح أنه مزيج من هذا وذاك؛ أي وهم القوة والانفصال عن الواقع، وتركيبة النظام نفسه المستمرة منذ عقود تحت مسميات وأشكال مختلفة تغطيها من السطح شعارات سياسية لتبرير وجودها مثل «المقاومة» و«الممانعة» و«الحزب القائد».. إلى آخر هذه المسميات، غير الحقيقية، وهي في جوهرها مجرد أدوات أمن وسيطرة على الناس.

وقد عبر بوضوح عن حالة الانفصال عن الواقع القذافي بعبارته الشهيرة التي قالها بعد انتفاضة الشعب الليبي عندما بدأ يخرج في مظاهرات، قائلا: «من أنتم؟». والمرجح أنه كان صادقا في تساؤله ودهشته من ثورة الليبيين، فهو تصور أنه تمكن من ترويضهم عبر أربعة عقود من الحكم شديد القبضة الأمنية، وشعارات سياسية كانت تثير فكاهة العالم، ليفاجأ أن الناس لا تزال لديهم شجاعة بالثورة عليه وعلى أسلوب حكمه، وتصور أن هذه أزمة يستطيع أن يواجهها بالأساليب القمعية القديمة، فارتدت عليه بدلا من أن يحاول السعي إلى حل سياسي قد يشمل تنازله عن الحكم.

الوضع نفسه تقريبا في سوريا مع اختلاف ظروف البلدين وتركيبتيهما، وكان وضع الأسد أفضل من القذافي، فقد منح المهلة بعد المهلة والوقت الكافي لإيجاد حل سياسي للأزمة ومحاولة التحاور على خريطة سياسية تلبي مطالب المتظاهرين السلميين في عقد اجتماعي جديد يناسب القرن الواحد والعشرين. ولكن كانت اليد العليا دائما للحل الأمني الدموي بما لم يدع مجالا لأحد للوقوف معه لمساعدته، فحتى الروس والصينيون تشير مواقفهم إلى أنهم يشعرون بحرج في محاولتهم الدفاع عن النظام.

والآن وصلنا إلى نقطة دفع إليها النظام رغم الفرص التي أتيحت له وتجاهلها؛ وهي تسليم السلطة إلى إدارة انتقالية لتجنب المزيد من الدماء والدمار. أما السؤال لماذا اختار الطريق الثاني، فالإجابة عنه ستكون أدق عندما يحدث التغيير ويبدأ مسلسل كشف الأسرار، وهو ما حدث في كل التجارب المماثلة.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى