صفحات الناس

لماذا لا تتبرع للاجئين السوريين؟ يمكنك إلقاء اللوم على التسويق السيء

 

 

هذا الصيف، وبينما أنت تشاهد التلفزيون أو تتصفح البريد الإلكتروني، فعلى الأرجح أنك ستجد بالصدفة جمعياتٍ خيريةً تطلب منك أموالك. وفي وقت ما، ربما ستُدخِل يدك في جيبك لمساعدة ضحايا الزلزال الأكوادوري الذي حدث في العام الماضي، أو ضحايا الجفاف المستمر في اليمن أو ضحايا كوارث خطيرة أخرى.

لكن من غير المرجح إحصائياً أن تكتب شيكاً لمساعدة اللاجئين السوريين. على الرغم من أن الأزمة السورية هي قصة ضخمة ومؤلمة، فما تم ترجمته إلى العطاء الخيري هو قليلٌ نسبياً. وجدت منظمة إغاثة كبيرة، وهي غلوبال جيفينغ (GlobalGiving)، أن احتمالية أن يتبرع الناس لضحايا زلزال عام 2015 في نيبال أو تسونامي اليابان عام 2011 أكثر بثلاث مرات من أن يتبرعوا لأولئك الذين فروا من الحرب في سوريا. ويزيد عدد اللاجئين الآخرين الوضع سوءاً.

إن هذا الأمر مثير للدهشة، ففي حين أنك ربما لم تشهد قط زلزالاً، أو زرت اليمن أو نيبال، أو تأثرت شخصياً بالعديد من الأسباب التي تدعمها، فمن المحتمل جداً أن يكون لديك أسلاف كانوا أنفسهم لاجئين أو مهاجرين، ومن المحتمل أيضاً وبشكل قوي أنك تعمل أو تعيش بالقرب من المهاجرين وأسرهم.

من هنا، لماذا تواجه إحدى أهم القضايا الإنسانية وأكثرها إيلاماً للقلوب المشاكلَ في جمع التبرعات؟

يقع اللوم على سوء التسويق

قبل بضع سنوات، بدأ اثنان من علماء الاجتماع في بريطانيا يتساءلان لماذا كانت بعض الجمعيات الخيرية أكثر شعبية من غيرها. وقد أمضى الباحثان – فريق يتألف من زوج وزوجته جينيفر فان هيرد هدسون وديفيد هدسون – سنواتٍ في دراسة الطرق التي تلتمس بها الجمعيات الخيرية التبرعات. وخلصت الحكمة التقليدية إلى أن النداءات الأكثر فعالية تركز على الضحايا الأبرياء.

لقد قال لي السيد هدسون، “الأطفال الذين فقدوا منازلهم، والأسر الجائعة، والقلوب الحزينة هم موضوع الإعلانات التي تقول: “إن لم تتبرع، فسوف يموت هؤلاء الناس. هذا الأمر يؤدي المطلوب، هكذا يعتقد الجميع.”

ولكن عندما نظر الباحثون إلى الصناعات غير الخيرية، فقد رأوا العكس. فشركة نايك لا تقول للناس إنهم إن لم يمارسوا الرياضة، سوف يُبتَلَونَ بالدهون مما يسبب لهم الإصابة بالنوبات القلبية. بدلاً من ذلك، تستخدم الشركة قصصاً لمبتوري الأطراف وهم يركضون في سباق الماراثون لتجعلك تعتقد أنك تستطيع أن تغير حياتك، وذلك بمجرد شراء زوج مناسب من الأحذية.

لذلك أنشأ كلٌّ من السيدة فان هيرد هدسون والسيد هدسون حملتين تسويقيتين لجمعية خيرية في بنغلاديش. أظهرت الحملة الأولى صورة طفل مريض مصاب بسوء التغذية وشعارات مثل “يرجى التبرع قبل فوات الأوان”.

أما الحملة الثانية فبالكاد ذكرت المشكلة التي تحاول المؤسسة الخيرية حلها. بدلاً من ذلك، أظهرت طفلاً يبتسم ويحمل علامة “طبيب المستقبل،” وأعلنت أنه “في حال ساهم كل واحد منا أكثر من ذلك بقليل، فمن الممكن أن يُحْدِثَ فرقاً كبيراً”. استطاعت بذلك الحملة الثانية الحصول على تبرعات بغايةِ “تثقيف المعلم المقبل، المزارع المقبل أو الطبيب المقبل.”

وقال السيد هدسون: “لقد حقق الإعلان الثاني نجاحا كبيراً. كانت البيانات واضحة. في حال كان بمقدورك أن تمنح شعوراً بالأمل، فالتبرعات ترتفع.”

وبعبارة أخرى، فإنه ليس خطأك تماماً كونك لا تتبرع للاجئين السوريين. فالأمر ببساطة هو أنه لم يتم التلاعب بمشاعرك بشكل صحيح.

لمعرفة ما إذا كانت هناك طريقة أفضل، بدأت أسأل المنظمات الخيرية عن المُسَوِّق الأكثر ابتكاراً في العمل الخيري. وأشار الجميع إلى جمعية تدعى “الخيرية: مياه.”

انطلقت جمعية “الخيرية: مياه،” والتي تجمع التبرعات لتأمين المياه النظيفة في الدول النامية، قبل عقد من الزمن عن طريق اتخاذ شركات مثل شركات أبل، نايك ووادي السيليكون نموذجاً لها. يقول سكوت هاريسون، الذي أسس جمعية “الخيرية: مياه” عام 2006 بعد مسيرة مهنية طويلة للترويج للنوادي الليلية: “عندما بدأنا، كانت المشكلة الأكبر هي أن أصدقائي قالوا لي إن التبرع للجمعيات الخيرية كان أمراً محبطاً حقاً. “لذلك قررنا اتباع بعض القواعد: لا صور عن بكاء الأطفال أو عن أشخاصِ يحوم الذباب حول عيونهم. لا تستخدم الذنب أو العار أبداً. استخدم فقط الشعارات التي يريد الناس ارتداءها على القمصان.”

إحدى نداءات التسويق الأكثر نجاحاً لـجمعية “الخيرية: مياه” تحكي قصة فتاة تبلغ من العمر خمسة عشر عاماً اسمها ناتاليا، وهي رئيس لجنة المياه في قريتها في موزمبيق. في الإعلانات، تقف ناتاليا أمام بئر ماءٍ أنشأته جمعية “الخيرية: مياه،” وتشرح كيف كانت في وقت سابق تسير على قدميها لمسافات طويلة للحصول على المياه، مما يعني أنها كانت غالباً ما تتغيب عن المدرسة. الآن، وبوجود بئر في وسط مجتمعها، فهي تذهب إلى المدرسة كل يوم.

غرفة الواقع الافتراضي في مكاتب “الخيرية: مياه” في تريبيكا. تقوم المنظمة بجمع الأموال لتوفير المياه النظيفة في الدول النامية داني غيتيس/ نيويورك تايمز

قالت لورين ليتا، مدير العمليات في جمعية “الخيرية: مياه:” “كل قطعة من التسويق لها بطل. “ربما يكون البطل هو فتاة في قرية ما. ربما يكون مُشَغِّل الحفر. أو، ربما، إذا كنت أنت هو المتبرع، فإن البطل هو أنت.”

التسويق هو فن سرد القصص، يجب أن يكون آسراً بحيث يفقد الناس الطريق إلى محافظهم. يعرف كل مُسَوِّق أن مثل هذه القصص لا يمكن أن تكون معقدة كثيراً. لذلك هناك عقيدة أخرى في “الخيرية: مياه”، وهي أن الحلول تحتاج إلى طرق بسيطة لتقديمها. يقول هاريسون: “يتلخص نهجنا في حقيقة أن المياه ثنائية. “فإما أن يشرب الناس مياهاً نظيفةً، وهذا أمر جيد، أو أن يشربون مياهاً ملوثة، وهو أمر سيء. نريد أن نقدم خياراً سهلاً.”

كانت هذه الاستراتيجية – التي تنشرها المجموعة من خلال الإعلانات التي أطلقتها عبر الإنترنت، وحملات التواصل الاجتماعي، والعروض المباشرة عبر البريد الإلكتروني، وحتى اللوحات الإعلانية أحياناً – فعالة بشكل ملحوظ. وعلى مدى العقد الماضي، قامت مؤسسة “الخيرية: مياه” بجمع مائتين واثنين وخمسين مليون دولار، ودعمت 23000 مشروع في القرى والمناطق الريفية في جميع أنحاء أفريقيا وآسيا وأماكن أخرى.

هذا هو السبب الذي من خلاله أصبح لدينا مشاهير من رجال الأعمال المتخصصين بالتكنولوجيا، ونجوم هوليوود ومغردو تويتر. ومن غير المعتاد أن يكون سبعٌ وأربعون بالمائة من مانحيها هم من جيل الألفية (إذ أن معظم الجمعيات الخيرية تكافح لتصل إلى عشرة بالمائة).

وفي الواقع، واجهت جمعية “الخيرية: مياه” أيضاً انتقاداتٍ من قِبَلِ أشخاص يشعرون بأن المجموعة قد بالغت كثيراً في تبسيطِ مشكلةٍ معقدةٍ. فالماء في الواقع ليس ثنائياً. هل يُعْتَبَرُ الأمرُ جيداً بشكل لا لبس فيه عندما تُنشِئ “الخيرية: مياه” الآبار في المناطق التي تنشط فيها الجماعات الإرهابية؟ هل من الحكمة ترجيح أهمية المياه على أمور خيرية أخرى مثل اللقاحات أو المدارس؟ هل من المنطقي بناء آبار للمياه في المناطق النائية، حيث تعمل جمعية “الخيرية: مياه”، بدلاً من المدن الكبيرة، حيث يقيم العديد من الناس الفقراء؟

يقول باتريس مارتن – الذي يساعد في إدارة منظمة IDEO.org، وهي منظمة غير ربحية عملت مع جمعية “الخيرية: مياه” – إن “هناك الكثير من الناس الذين يعتقدون أن جمعية “الخيرية: مياه” تعمل على قضية خاطئة، أو إنهم يقولون قصصاً خاطئة. لكن ما فعلوه هو جعل الأميركيين، وخاصة جيل الألفية، يهتمون بحياة الناس على الجانب الآخر من العالم. علينا أن نتعلم منهم.”

ومع ذلك، قد يكون من الصعب معرفة كيفية تطبيق بعض دروس المجموعة على قضايا معقدة حقاً، مثل قضية اللاجئين السوريين.

“في حال حدوث زلزالٍ ما، فالأمر يبدو سهلاً. الجميع هم ضحية بريئة، ولديهم مشكلة ستنتهي حتماً في نهاية المطاف.” قالت أماندا سيلر من لجنة الإنقاذ الدولية، التي تنوه أن عبارة “ضحية بريئة” من شأنها أن تقسم الأعمال الخيرية بشكل غير عادل. قالت السيدة سيلر، “إن الحروب والكوارث التي هي من صنع الإنسان صعبة حقاً، لأنه في بعض الأحيان لا يمكن أن تخبر الضحايا من هم الجناة أو إلى متى سوف تستمر هذه الحروب والكوارث.”

ما هو أكثر من ذلك، عندما يتعلق الأمر بشركات مثل نايك، فإننا نشعر بالارتياح مع توفر نصف الحقائق. فنحن نعلم أن شراء أحذية رياضية لا تحولنا حقاً إلى متسابقين في سباقات الماراثون.

ولكننا أقل تسامحاً مع الجمعيات الخيرية، إذ أننا نتوقع أن يكون كل من المعلمين وفاعلي الخير المساهمين فيها غير ملوثين بحيل وتكتيكات التسويق.

ومع ذلك، أعتقد أن هذا خطأ كبير. فنحن بحاجةٍ إلى المزيد من الأعمال الخيرية التي تجمع الأموال عن طريق محاكاة تكتيكات شركة ماديسون أفينيو.

ذهبت إلى مقر جمعية “الخيرية: مياه” قبل بضعة أسابيع، وطلبت من عدد قليل من قادتها نقد بعض حملات جمع الأموال للاجئين السوريين. مع الاعتراف بأنهم ليسوا خبراء في هذا الموضوع، رأوا أن هناك أشياء عديدة سوف يقومون بتغييرها، مع التركيز ليس على الرسالة، ولكن على الطريقة التي يتم بها تسليم هذه الرسالة.

قال هاريسون: “هذه كلها صور لأطفال حزينين، ونساء تبكي. هناك إحصاءات مخيفة في هذا الخصوص. أي نوع من قصص النجاح يمكن أن أقص؟ وما هو النجاح؟ كيف نعرف متى تتحسن الأمور؟”

في حال أرادت جمعية “الخيرية: مياه” أن تُطْلِقَ حملةً من أجل دعم اللاجئين السوريين، فمن المرجح أن تعرضَ صورةً للطفل الذي تمكن من أن ينحت لنفسه حياة ناجحة رغم تلك الفوضى. سيؤدي هذا إلى المزيد من الأمل والتفاؤل. ففي حال تبرعت لجمعية “الخیریة: للاجئين” مثلاً، سیتم إخطارك بالضبط بما تشتريه – بطانيتين، واثنتي عشرة وجبة، بالإضافة إلى ثلاثة كتبٍ مصورةٍ – ومن ثم ستحصل على صورٍ توثيقية لتلك الإمدادات بالضبط وهي في أيدي اللاجئين، وهو ما لا تفعله معظم الجمعيات الخيرية لأنها في الحقيقة لا تريد أن تكون مقيدة في كيفية إنفاق الأموال.

لن تحاول حملة جمعية “الخيرية: للاجئين” تثقيفك حول السياسة العالمية، أو القبلية المعقدة في سوريا. بل، بدلاً من ذلك، ستجعلك هذه الحملة تشعر كما لو كنت قد جعلت هذا العالم مكاناً أفضل ببضعة دولارات فقط. وسوف تساعدك على النوم ليلاً، بدلاً من أن تتسبب لك بالمزيد من القلق.

وبعبارة أخرى، ستكون الحملة نموذجاً كبيراً في فن التسويق. ربما ستجد عبارةً لافتةً للانتباه مطرزةً على تي شيرت. وهذه العبارة ستقنع المزيد من الناس بالتبرع. هذا هو الأمر الذي يهمنا أكثر من غيره في الوقت الراهن.

نيويورك تايمز

السوري الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى