لماذا منتدى لوزان السوري؟/ معن البياري
هل بلغ أسماعَ السوريين في شرقي حلب المحاصرين، والذين يتعايشون مع النكبة الحادثة بين ظهرانيهم، وهم في مرمى الصواريخ العمياء والبراميل المتفجرة والنيران المليشاوية، قول وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إن الاجتماع الذي انعقد بطلبٍ منه، لبحث الحالة السورية، في فندق (قصر) بوريفاج، البالغ الفخامة، في لوزان “كان صريحاً وشهد بعض التوّتر”؟ هل في وسع الواحد منهم، مثلا، أن يتخيّل أيَّ جنسٍ من التوتر زاوله المجتمعون هناك، وهم يرفلون بفائضٍ من الوداعة بين تلال خضراء، ولا تُصادف عيونهم، إذا ما تفرّجت من الشرفات والنوافذ هناك، سوى حدائق بديعة، وفضاء يشيع هناءة البال؟.
أراد كيري تبادلاً للأفكار بين وزراء استحسن، أولاً، أن يكونوا أضيقَ عدداً، غير أن القرار ليس له تماماً في هذا الأمر (وغيره) فأُلحق آخرون، ثم انعقد الاجتماع، وعلى هامشِه كانت لقاءات ومشاورات، غير أن ذلك كله لم يكن إلا لاستعراض الآراء والاجتهادات، وكأن السادة الوزراء، وبينهم كيري وزميله الوزير الروسي سيرغي لافروف، تداعوا إلى المدينة السويسرية الباذخة للتعرّف بشكلٍ أفضل على ما لديهم من رؤىً وتصورات، في ورشة نقاشٍ ليس أكثر، أما “بعض التوتر” الذي جرى، كما أوجز الوزير الأميركي، فبدا تنويعاً من لوازم الصراحة التي قال إنها مورست هناك.
لم يكن ثمّة ما يستدعي حضور سوريين هذا النقاش الحر الذي في وسع الواحد منا أن يستشعر صفته الأقرب إلى دردشاتٍ مفتوحة. لا لزوم لهؤلاء، معارضين أو غير معارضين، أو بين بين. لا صلة للسوريين بالأمر، وكانوا قد أَخذوا فرصتهم في التحاور والتفاوض، غير المباشر، غير مرة، في جنيف غير البعيدة عن لوزان. وإذ لم ينجم عن تلك الصراحة وبعض التوتر ذاك، في مناقشات قصر بوريفاج، غير اتفاق المنتدين على مواصلة الاتصالات بين من يمكنهم التواصل بين بعضهم، فإن ذلك ينذر بأن ورشة حوارٍ شبيهةً قد تنعقد تالياً، في المكان المترَف نفسه أو في غيره. والمعلوم أن كل مداولات الورشات الحوارية في فيينا وبرلين ولندن وميونخ وجنيف، أمثلة، لم تُزحزح عنصراً من الحرس الثوري الإيراني من مطرحه في الغوطة أو في أطراف حلب، ولم تمنع صاروخاً روسياً أو برميلاً متفجراً أسدياً عن وجهته في أي موضع في سورية.
ليست ندوة لوزان، إذن، غير وصلة حوار بين ما سبقها وما سيليها. ولكن، من دون أن يكون لأيّ من هذه الندوات أي صلة بالحادث في الأجواء والمياه والأراضي السورية، ومن جديده أن حاملة الطائرات الروسية “أميرال كوزنتسوف”، السوفييتية التاريخ، مع سفنٍ حربيةٍ وسفن أخرى ضخمة مضادّة للغواصات، كانت تتقاطر إلى المياه السورية. لا لنقل 900 محارب من “فتح الشام” (جبهة النصرة سابقاً) يقال إنهم في داخل حلب (العدد يتناقص في تقديراتٍ أخرى) إلى مطرح آخر في سورية (هل هو إدلب؟)، وإنما لتعزيز روسيا وصورتها بلداً غير الذي كان يُرمى بالتنكيت عليه، إبّان رئاسة بوريس يلتسين مثلاً. هناك الفيتو في مجلس الأمن في نيويورك، وهنا، في حميميم وطرطوس واللاذقية البوارج والعتاد لحربٍ موضعية راهنة، ولغيرها مما قد يستجدّ في المشرق العربي المنتهك، وفي غيره إن لزم الحال.
ما الذي أضافه منتدى لندن في الشأن السوري، أمس، بين وزراء أوروبيين وعرب، وبمشاركة جون كيري، على ما تم تداوله في منتدى لوزان؟ لا يستثير سؤالٌ مثل هذا رغبةً بالبحث عن إجابةٍ عليه. هي متواليةٌ من اجتماعاتٍ لا تتوقف، وبضاعةٌ من الكلام الذي لا طائل منه، تتوزع في الأثناء. أما انتظار حلّ للاستعصاء السوري، وضمن أيّ أفقٍ، من هذه الاجتماعات، فلا يتبدّى أنه في محله، فالصراع الماثل في حلب وشقيقاتها في جغرافيا المحنة السورية ليس من الطراز الذي تأخذه اجتماعاتٌ كهذه، في لوزان ولندن وغيرهما، إلى أي حلٍّ منظور. .. سورية موضوعٌ عويصٌ جداً، تبدأ أولى خيوط حله بمفاجأة غير ميسورة التوقع، وإلى أن تحدُث، ثمّة تهديم وتحطيم وتمويت كثير.
العربي الجديد