لماذا يجب أن لا يقتل الشعب السوري ؟؟؟
ماجد حبو
إنه وحتى كتابة خذه السطور تدخل درعا أسبوعها الثاني في ظل الاحتلال العسكري – الأمني للنظام السوري – في محاولة تبدو -جادة جداً- للانقضاض على الحراك الشعبي بمختلف شرائحه والذي بدأ بالمطالبة بالحد من الاستباحة الأمنية ومترافقاً مع الاحتجاجات التي بدأت في سوق الحميدية في ظل مد ثوري شعبي يمتد على طول الوطن العربي- والذي شكلت الانتصارات الأولى له في كل من تونس ومصر, رافعاً عظيماً, وإن لم تتبلور ملامحه بعد.
إن النظام العربي الرسمي والذي يعتبر في أحد تجلياته من مخلفات الحرب الباردة فقد الكثير من شرعيته على المستوى العالمي بعد تجاوز تلك المرحلة التي خلفت سقوط المعسكر الاشتراكي ,وأصبح مصدراً مقلقاً للنظام العالمي الجديد , على المستوى الداخلي تبدت وبشكل متواتر عجز النظام العربي على مواكبة التطور التاريخي وخروجه من دائرة الاهتمام العالمي, إلا بما يمثله من مصدر وافر للثروات العالمية ,ومناطق نفوذ للقوة الصاعدة المهيمنة “الولايات المتحدة الأمريكية ” إضافة إلى حالة الجمود “بل التخلف ” مما أعجزه عن القيام بعملية التنمية والتحديث اللازمة , مضافاً إليها حالة القمع الممنهج والمنتظم الذي تقوم به تلك الأنظمة لإعاقة التطور والحراك الاجتماعي المرافق .
من المهم القول بأن الأنظمة العربية لم تأتي محصلة للقوى الاجتماعية والسياسية بل على العكس من ذلك. فهي حالة اغتصاب سياسي لإرادة المجتمع وفق ” شرعية ” شعوبية أو توارثية , أو حالة استبداد مطلق بغطاء خارجي دولي مثل في النهاية حجر الزاوية لها فهي قوية داخلياً وضعيفة ومنقادة خارجيا والنظام السياسي في سورية لم يشكل استثناءاً عن السياق بل هو يمثل حالة واضحة لا يمكن تسميته ” بالاستبداد السياسي ” مع تكوينات شعوبية .
وبالعودة إلى الوراء قليلاً يستطيع المرء أن يجزم بأن ” الباني الحقيقي” للدولة الحديثة في سورية تعود إلى الرئيس السابق حافظ الأسد في مطلع السبعينات من القرن الماضي والتي تميزت “أي الدولة ” بالتمركز الكثيف لمهامها بيد الرئيس شخصه والذي كفله الدستور إضافة إلى التراتبية الهرمية الروتينية الإدارية المملة من جهة والفاعلية الأمنية الشديدة الوطأة من جهة أخرى .
قامت فكرة الدولة السورية وبناءها على اغتصاب القوة المجتمعية لصالحها. فجاءت قوة الدولة على حساب الاحتكار مقابل المجتمع وتهميشه, بل وتحطيمه في الكثير من المناحي عبر أجهزة سلطوية تنفيذية متفاوتة وبغطاء حزبي مثله حزب البعث وإضافة إلى الجبهة الوطنية التقدمية هذا الحزب الذي فقد كل فاعليته ” وخصوصاً مطلع الثمانيات في المواجهة المسلحة مع الأخوان المسلمين “فغدا حزباً للمتسلقين والوصوليين ” حزب سلطة ” وفقد بالتالي معظم عناصر تمثيله الاجتماعي ولم يعد له حضور جماهيري بل وحتى سياسي في حسابات النظام نفسه , أما الجبهة الوطنية التقدمية فكانت ومنذ البداية غطاء اديولوجي يختبئ وراءه النظام في ظل الأزمات الاجتماعية والسياسية التي رافقته منذ البداية ,بالتوازي مع المادة الثامنة من الدستور السوري التي تجعل ” حزب البعث ” هو القائد للدولة والمجتمع والحاضنة الوحيدة لتفريخ الرؤساء السورين وكل القيادات الإدارية الأخرى , بالإضافة إلى الكثير من المؤسسات والهياكل الإدارية المفترضة لبناء الدولة والتي أفرغت من مضامينها ومحتواها بعد أن تم ربط كل هذه المؤسسات بحزب البعث من حيث الشكل وبالأجهزة الأمنية من حيث الواقع
كل هذا البناء الهرمي للدولة كانت فاعليته و جهوزيته تحضر وتختفي في ظل سيادة قانون الطوارئ المعمول به في سورية منذ مطلع الستينات حيث كان ومازال هو الناظم الحقيق لعمل مؤسسات وبنى الدولة في حين الطلب والحاجة , أما الحارس الضامن والقوة الضاربة التنفيذية لجهاز الدولة المتسرطن كانت ومنذ البداية هي الأجهزة الأمنية المتشعبة أفقياً وعمودياً في كل بنية الدولة والمجتمع , هذه الفاعلية التي برزت على السطح مباشرة وبشكل ظاهر للعيان والممارسة بعد إخفاق ” تقريباً ” كل الأجهزة التنفيذية الأخرى في الاستحقاق الذي واجهه الأسد الأب مع الإخوان المسلمين وما تلا ذلك حتى أصبح من الممكن القول بأنه هو الظل الحقيقي للنظام السياسي في سورية بل ربما كان هو الأساس فيما يحدث لآن في درعا والمحافظات السورية الأخرى .
وللحديث عن المرحلة الزمنية التي رافقت النظام السياسي السوري في نسخته المكررة الثانية من عمر الرئيس بشار الأسد , أضيف الى اللوحة السابقة بكل مكوناتها بعض الرتوش السياسية التجميلية التي اقتضتها متطلبات المرحلة السياسية الراهنة وما رافقها من تطورات عالمية وإقليمية مضافاً لها شيء من الشخصية الرمزية للرئيس الشاب ” المتنور المدني ” إضافة الى ضرورات الانفتاح الاقتصادي بشكله البشع المشوه لممثلين اقتصاديين أفرزتها ” الطبقة الحاكمة ” برموزها الشاذة عن التطور الطبقي الكلاسيكي .
وللحديث عن الانجازات التي قام بها هذا النظام السياسي في طوريه ” الأب والابن ” هو: اعتبار التطور التاريخي لأية مجتمع ما بقواه الخاصة انجازاً خاصاً به , فالزيادة السكانية في سورية وما رافقها من خدمات طبيعية متلازمة لمثل هذا التزايد السكاني اعتبرت انجازاً عظيماً يفتخر به النظام السياسي ” مدارس مستشفيات شوارع أبنية عامة جسور الخ ”
على المستوى الخارجي وخصوصاً المسألة الوطنية “الجولان” أو المشاريع الأمريكية في المنطقة العربية ” احتلال العراق ” لم يكن من الصعب إدراك بأن هذا الموقف الوطني لسورية إلا مزاجاً شعبياً واسعاً عبر عنه النظام السياسي بل وتم استغلاله في كثير من الأحيان في شروط التسوية التي اعتبرها النظام السوري ” خياراً استراتيجياً ” له
ويبقى الأهم مما يتفاخر به النظام السياسي هو حالة الأمن والأمان تحت تأثير قوة ضاغطة شديدة لصالح قوة واحدة ألا وهي النظام ,وفي نفس السياق تعتبر ” الوحدة الوطنية ” انجازاً للنظام السياسي في طل التهديد بها والتي هي في الحقيقة حالة اجتماعية ووجدانية سابقة بل ومميزة للنسيج السوري على وجود هذا النظام وبشواهد تاريخية عديدة بل وستبقى كذلك .
في ظل هذا الاحتكار المطلق للقوة سياسياً وامتداده إلى المستوى الاقتصادي في السنوات العشر الأخيرة لم يعد من المفاجئ ظهور حالات من التذمر والشكوى من قطاعات اجتماعية على أرضية مطالب معاشيه حيناً أو سياسية حيناً أخر إضافة إلى المشكلة المزمنة الموروثة من حرمان فئة اجتماعية لا بأس بها من النسيج السوري من المواطنة المقصود هنا “الأكراد” وما يرافق ذلك من ظلم مزدوج فهم ينالون قسطهم من الحرمان العام بوصفهم سوريون
مضافاً إليها الحرمان من الحق في المواطنة التي كفلها الدستور السوري
إن التحالف الذي شكله الاحتكار السياسي والاقتصادي بغطاء أمني مشدد حرم من دائرة الفعل قوى اقتصادية وسياسية للمجتمع السوري هو الحاضن للحراك الشعبي في سورية في الأسابيع السبع الماضية , حيث لم يعد من المقبول هذا العزل التام للمجتمع عن المشاركة / ولو بنسبة ضئيلة / في القرار السياسي
/ وما زاد الطين بله / الحل الأمني لمواجهة كل استعصاء المجتمع وأزماته بل / سطوة وسيادة هذا الحل/ عن أية حلول سياسية أخرى
إن المتابعة المباشرة لما يحدث في درعا اليوم وفي كل مناطق سورية تظهر وبشكل لا تخطئه العين الوجه الحقيقي للنظام السياسي في سورية ألا وهو النظام الأمني السافر بوحشيته وتعسفه , وهو ما يعني به المتظاهرون في الشارع السوري من دعواتهم “بإسقاط النظام” هذا النظام الأمني الذي أثبت فشله / حتى الآن / في درعا دوم بانياس حمص والكثير من المناطق الساخنة
لقد سقط النظام الأمني, أو في طريقة لذلك , وبالتوازي سعى النظام إلى بعض الحلول السياسية من خلال جملة من الإصلاحات أثبت عجزه عن تحقيقها كونها جاءت من طرف واحد وبدون مشاركة سياسية مع الشارع وقواه الحقيقة .
إن أول المدركين لخطورة الحل الأمني هو النظام بالدرجة الأولى , وبالتالي يجد النظام نفسه في مأزق خطير حقاً كون هذا الحل لم يعد يجدي نفعاً فالإمعان في القتل لم ولا يمكن أن يمنع الشعب من المطالبة والرغبة بالحصول على حقه في القرار السياسي وخصوصاً بعد أن كسر الشعب حاجز الخوف الذي شكلته الأجهزة الأمنية من رعب وتهديد حقيقيين , إن الشابة والشاب السوري الذي يخرج إلى الشارع مطالباً بالحرية / كتعبير موازي عن حقه في العيش بدون طغيان الأجهزة الأمنية / أو بالكرامة / كتعبير أخر عن حقه في الحياة الكريمة دون احتكار مطلق لكل حقوقه في المشاركة السياسية / أو بالعدالة / كتعبير عن سيادة القانون ووقوف المجتمع تحت سقفه دون امتياز لأحد / , لم يعد تخيفه الأجهزة الأمنية هذا التظاهر تحت التهديد بالاعتقال في الحد الأدنى أو بالموت لم يعد يغني المواطن السوري عن التعبير بحقه , وبعملية حسابية بسيطة إن خروج ألف من المتظاهرين في منطقة ما يعني تلقائياً أربع أو خمس أضعاف فالشاب الذي يخرج إلى التظاهر وهو برسم المعتقل بالحد الأدنى أو شهيد يقف وراءه أسرته المكونة من والد ووالدة وعدة أشقاء ويتضاعف العدد في حال سقوطه شهيداً إلى أضعاف مضاعفة وهو ما يجب أن يستشعره النظام حقيقة
والإدعاء بأن ما يحدث في الشارع هو مؤامرة خارجية, أو داخلية مشبوه بدعوات السلفية أو العصابات, خطاب مهزوز, أثبت وقائع الشارع كذبه وخصوصاً بعدما أعترف النظام نفسه بأحقية هذه المطالب.
مما لاشك فيه إن هناك أطراف خارجية, بل وحتى داخلية تعمل لأجندات خاصة لا تمثل المصلحة الوطنية للشارع, ولكن هذا أدعى لأن يخرج الشعب بعمومه لمواجهة هكذا أجندات, وليس ترك الساحة للحل الأمني.
تبدو اليوم المسافة التي تفصل النظام عن شعبه كبيرة جداً وقد جرت دماءً غزيرة وغزيرة يعجز جسرها في الوقت الراهن, وبات من غير المتيقن حظوة موقع الرئيس كحصانة أو” شرعية ضامنة ” لوقف هذا النزيف فهل بات من المؤكد بأن : لا مجال للشعب للحصول على حقوقه في الكرامة والحرية والعدالة إلا بالقطع التام مع النظام ؟؟؟ وهل المطلوب حقيقة تحطيم النظام السياسي للوصول إلى مثل هذه الأهداف ؟؟؟
ثمة مدخل إجباري على النظام أن يقوم به لجسر الهوة مع شعبه لوقف الدماء من جهة وللمحافظة / ولو لأمد قصير/ على وجوده وهو : إقصاء الحل الأمني وبشكل فوري ..!!
لقد عرف الشاب السوري طعم الحرية والكرامة التي انتزعها بدمه . وباتت مخيلته ترسم له صوراً أروع للحرية المنتظرة, فبات من الصعوبة بمكان اغتصاب حلمه بعدما زهقت أرواح, وسالت دماء طاهرة.
المسافة شاسعة بين الشعب ونظامه … وهي هوة لا يمكن ردمها بأجساد الشعب السوري, بل ربما يمكن تجاوزها بنظام من الشعب نفسه نحو مستقبل أخر…!!
خاص – صفحات سورية –