لماذا يحطم “داعش” قبوراً في حماة؟/ وليد بركسية
تشكل الصور التي بثها تنظيم “داعش” عن تحطيمه مجموعة من القبور في مناطق صغيرة تمدد اليها مؤخراً، في ريفي إدلب وحماة في سوريا، أول جهد دعائي للتنظيم خلال العام 2018، بشكل متسق مع طبيعة تحول التنظيم من الحركة الجهادية الوحيدة التي نجحت في إقامة “الخلافة” المزعومة، إلى مجرد حركة راديكالية عنفية تسعى للبقاء على قيد الحياة.
ورغم إثارة الصور تعجُّب المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لأنه من الغريب أن يهتم “داعش” بمثل هذه التفاصيل فيما تنحسر سيطرته عن مناطق سورية عديدة، بعدما فقد كافة الأراضي التي سيطر عليها في العراق حيث طُرد من كافة المراكز الحضرية وأبرزها الموصل والرقة، إلا أن التنظيم منذ سنوات يعمل على نشر دعاية تأكيد الطبيعة الإسلامية لأيديولوجيته الراديكالية، الأرجح من أجل الجهاديين المحتملين.
ولهذا السبب عمل التنظيم بكثافة على نشر صور المجتمع الإسلامي “المثالي” في “دولة الخلافة” قبل انهيارها، مثل حرق السجائر وفرض الملابس “الإسلامية” ودروس الدين والعقوبات على “الكافرين” و”المخطئين”، وصولاً إلى تحطيم القبور، في مناطق مثل الموصل والرقة والتي خصص لها التنظيم حينها “إصدارات مرئية” كونه يعتبر زيارة القبور نوعاً من “الشِّرك”. ومتابعة التنظيم لهذا الإرث الجهادي ليس عبثياً، بقدر ما يمثل ضرورة لوجود التنظيم نفسه كأيديولوجيا بموازاة انحساره على أرض الواقع.
ورغم انهيار “دولة الخلافة” بسرعة خلال العام 2017، فإن “داعش” نفسه ما زال موجوداً وينشط في كل من سوريا والعراق، عسكرياً ودعائياً، مع انحساره وتحوله إلى حركة “تمرد” متطرفة بشكلها الكلاسيكي، على غرار “طالبان” في أفغانستان، وإن سعى إلى الحفاظ على ضخه الدعائي باعتباره “تياراً جهادياً عالمياً” مماثلاً لتنظيم “القاعدة”. وهذه نقطة جوهرية في رؤية التنظيم، على ما يبدو، لبقائه في المدى الطويل، أي لبقائه كقوة اسمية بارزة ضمن التيارات الجهادية، من أجل اغتنام فرصة الانبثاق مجدداً في المستقبل، مع توافر الظروف الملائمة… أو لنقل إن سياسته الإعلامية/الدعائية توحي بأن هناك ضمن التنظيم مَن يفكر بهذه الطريقة.
ويثبت وجود التنظيم في معارك حماة وإدلب مؤخراً ذلك التحول في طبيعة التنظيم، وهو أمر سيبقى مصدر قلق في سوريا والعراق، لعدم توافر حلول سياسية تنهي المظالم التاريخية التي أدت بالدرجة الأولى إلى ظهور التنظيم وانتشاره عبر الحدود كقوة بدت أنها لا تقهر العام 2014. وهو أمر يهدد الاستقرار في الدولتين، وتحديداً في سوريا التي تشير تقارير غربية إلى أن النظام فيها، وإن استعاد سيطرته على البلاد تدريجياً، إلا أنه لن يكون قادراً على حكمها بشكل كامل.
وفي العراق حذرت الأمم المتحدة قبل أيام من أن خمس مناطق حُرّرت حديثاً من “داعش” تحتاج بشكل عاجل إلى الاستقرار، وإلا فإن موجة التطرف العنيف قد تظهر مرة أخرى، ما يهدد بتبديد المكاسب العسكرية التي تحققت ضد “داعش”. وقال أحد مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية المشاركين في المشاورات، بشأن تحليل تم عرضه في اجتماعات التحالف الأخيرة التي عقدتها الأمم المتحدة، أن “داعش” لا يسيطر على أي محافظة لكنه يمتلك جيوباً يتمركز فيها مقاتلوه الذين يتطلعون إلى شن هجمات والتسبب باضطرابات، ومعظمها يتركز في شمال العراق باتجاه الحدود السورية، حيث تتواجد نسب كبيرة من السنّة، إلى جانب طوائف أخرى، حيث يعمل التنظيم على توجيه دعايته إلى سكان تلك المناطق بعرض نفسه كمنتصر للمظالم التاريخية، ضد الحكومة الشيعية، أي بالطريقة التي انبثق بها التنظيم قبل سنوات.
المدن