صفحات العالم

لماذا يكره الاتحاد الأوروبي الأتراك؟/ لفينت غولتكين

 

 

رفضت ألمانيا وهولندا منح مسؤولي حكومتنا التركية إذناً من أجل زيارة البلدين، والترويج سياسياً لمشروع نظام الرئاسة الجديد الذي يقترع عليه الأتراك في استفتاء شعبي في نيسان (أبريل) المقبل. أما رئيس وزراء النمسا، فوجه نداء الى العواصم الأوروبية لتحظر أي دعاية حكومية تركية على أرضها. وفي المقابل، لا يتردد الوزراء والمسؤولون الحكوميون الأتراك في انتقاد هذا الموقف الأوروبي أشد انتقاد. ولا يمكن تسويغ قرار أوروبا في إطار النظام الديموقراطي، وهو، من غير شك، في غير محله. والمعارضة التركية المعنية بألا تروج الحكومة مشروعها بين الناخبين في الخارج، انتقدت موقف تلك الدول الأوروبية.

وفي إمكاننا أن نقول أن أوروبا هي المخطئة ونلتزم الصمت أو أن ننضم إلى جوقة المنددين بها، لكن هذا لا يحل مشاكلنا مع القارة هذه. وحريّ بنا أن نسأل أنفسنا «إلى أين يأخذنا حزب «العدالة والتنمية الحاكم» في علاقاتنا مع أوروبا؟ ولماذا بدأ العداء يظهر بيننا وبينها في السنوات القليلة الماضية؟ وماذا يريد الأوروبيون منا؟ وعلينا أن نجد أجوبة لهذه الأسئلة من طريق تفكير هادئ ومتأن، عوض ترك هذه الأسئلة وكيل الشتائم والاتهامات لأوروبا من دون أن نفهم حقيقة ما يحدث! والأمر يعني الأتراك كلهم، على رغم أن ثمة موجة كراهيةٍ أو شجبٍ أوروبية ضد الرئيس أردوغان والحزب الحاكم، لكن هذه الموجة تؤثر في تركيا كلها. ولكن لماذا هذا العداء أو الجفاء الأوروبي إزاء أردوغان؟ وفي مقدور الرئيس (التركي) إسكات أصوات المعارضة في بلده، ويمكنه أن يتجاهل القانون والدستور، وأن يتحكم في الإعلام وأن يستخدم قانون الطوارئ في غير محله. لكنه لا يستطيع فعل ذلك في أوروبا التي تراقب سياساته الداخلية في تركيا وانعطافاته في السياسة الخارجية، ولا يسع أردوغان ضبط أو إخماد الردود الأوروبية على سياساته. وهو يسعى الى استغلال الخلافات مع الغرب وأوروبا في سياساته الداخلية من طريق تصريحاته النارية المخالفة للأعراف الديبلوماسية التي يصف بها الاتحاد الأوروبي بأقوى الاتهامات، مستفيداً من رد شعبي مؤيد له. ولكنه يزرع العداء تجاه الاتحاد الأوروبي لمجرد خلاف في السياسات.

وتشعل مواقف أردوغان، يوماً بعد يوم، غضباً في أوروبا يكبر ويتعاظم. وثمة أوروبيون يحسبون اليوم أن الرئيس التركي مصدر خطر على قارتهم. وتخيلوا أن ثمة قرية، وكل رب أسرة مسؤول عن منزله فيها والسكان يحترمون قوانين القرية المجمع عليها، لكنْ ثمة رب أسرة واحد، يشتم جيرانه كل يوم ويعاديهم، ومن حين الى آخر يضرب أهل بيته ويصادر أهم حقوقهم، ثم عندما يلتقي بجار يتحدث معه وكأن شيئاً لم يكن، وبعد كل ذلك يتوقع من سكان القرية أن يكنّوا له احتراماً؟ ولا ريب في أن تأجيج العداء للغرب وأوروبا في السياسة الداخلية التراكية، يفاقم غضب الأوروبيين من الرئيس وحكومته.

والحق يقال: المشكلة أكبر وأوسع. ففي زياراتي أوروبا، اكتشفت أن الحكومة التركية زرعت العداء للغرب ليس فحسب في الشعب التركي وانما حتى في وسط الأتراك المقيمين في أوروبا أو الذين حصلوا على جنسيات أوروبية، وهذا أمر قبيح ومستهجن. فالمقيم التركي في أوروبا يتأثر بالسياسة الداخلية التركية فيَكره البلد الذي يقيم فيه أو يحمل جنسيته! وقد بلغ الأمر برئيس وزراء النمسا أن قال في صحف بلاده «إن من لا يحب من الأتراك النمسا يمكنه أن يعود إلى بلاده، نحن لا نجبرهم على شيء»! وتفشى الاستقطاب والانقسام في تركيا بسبب سياسات الحكومة تفشياً واسعاً في أوساط الجاليات التركية في أوروبا، كل منقسم وفق مذهبه أو قوميته الأصلية أو أفكاره السياسية، لكل تيار جمعياته وتجمعاته، والخلافات بينهم كبيرة والتوتر كبير. وكأن هذا لا يكفي، تكلف الحكومة التركية الأتراك في أوروبا الموالين لها، بالتجسس على من ترى أنهم موالون لحزب «العمال الكردستاني» أو جماعة الداعية المعارض فتح الله غولن! فإذا كانت لك عداوة مع تركي آخر في ألمانيا يكفي أن تتهمه بأنه من جماعة غولن، فتستدعيه السفارة على الفور للتحقيق معه، وإذا لم يمتثل لها، قد يخسر الحق في دخول بلده الأم تركيا أو سيواجه مشاكل كبيرة إذا سمح له بالدخول. والأحوال بالغة السوء في أوساط الجالية التركية في أوروبا. وقبل أن نحتسب على هذه الوقائع، لا يمكننا أن نقول: لماذا تكرهنا أوروبا؟

* كاتب، عن «ديكان» التركي، 5/3/2017، إعداد يوسف الشريف

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى