لمَ هذا الاحتفاء السياسي السوري بفظائع «داعش» ؟/ ابراهيم حميدي
أمر غريب، لكن ليس مفاجئاً، ان «يتفق» بعض الموالين للنظام السوري والمعارضين على الاحتفاء بسيطرة تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) على مواقع عسكرية في شمال شرقي البلاد.
«انجازات» هذا التنظيم وفظاعاته، يعتقد الموالون، انها تثبت نبوءتهم الذاتية من انه ليس هناك ثورة ولا مطالب سياسية، انها «عصابات تكفيرية – ارهابية». يقولون دون ان يقولوا ذلك، انها حركة سنية- طائفية – متطرفة ضد نظام علماني ليس علوياً. اذن، الحل وفق هؤلاء، ان يتوب النشطاء والمعارضون عن كبائرهم ويعودوا الى رشدهم الى «حضن الوطن وتحت سقف الوطن» بما يكسو هذا «الحضن» من اشواك وما يعني هذا «السقف» في بعض مناطقه من انخفاض الى الدمار وقعر القبور والمعدة الضامرة. ولابد من الاعتراف بـ «المؤامرة الكونية».
اذن، الحل يجب ان تتراجع الدول الغربية عن «ارتكاباتها» ايضاً. «الائتلاف الوطني السوري» المعارض ليس «ممثلاً شرعياً» لا وحيداً ولا غير وحيد لـ «الشعب السوري». على الدول الغربية ان تعتذر. نعم، ان تعتذر. لا يكفي ان تفتح أقنية للتعاون الأمني. التعاون الأمني يجب ان يكون بمظلة سياسية. اي، يجب الاعتراف بـ «شرعية النظام» باعتباره يمثل «الدولة» ويمثل «سورية». النظام هو سورية. يجب فتح السفارات وإعادة الديبلوماسيين قبل التعاون الأمني؟ إرسال ديبلوماسيين إلى دمشق وفتح السفارة قبل استقبال ضباط الأمن. فتح سفارات سورية في العواصم الغربية للتعاون في محاربة «العائدين من سورية» من الإرهابيين.
«انتصارات» تنظيم «داعش» وفق الموالين، تثبت نظرية «ألم نقل لكم؟»: ألم نقل لكم ان «ابواب جهنم» ستفتح؟ ألم نقل لكم ان هزّ النظام يعني الفوضى في الشرق الأوسط؟ ألم نقل لكم ان «عشرات افغانستان» ستولد في الشرق الاوسط من رحم المستنقع السوري؟ ألم نقل لكم انها ليست ثورة علمانية – وطنية – سلمية – ديموقراطية «بل» انها ثورة مسلحة- طائفية – إقصائية – تكفيرية «بل» انها الإرهاب بذاته؟ ألم نتمسك في مفاوضات جنيف مع المعارضة على البدء ببند مكافحة الأرهاب ووقف تمويله وتدريب الإرهابيين قبل مناقشة تشكيل «حكومة انتقالية»؟ ألم نقل ان «الائتلاف» لا يمثل المعارضة؟ ليس هناك «معارضة وطنية» في الخارج بل «عملاء». «المعارضون الوطنيون» في الوطن، تحت الأرض وفوقها ايضاً. ألم نقل لكم أن دعم هذا الحراك سيؤدي الى «تقسيم سورية»؟ تقسيم سورية كي تكون المنطقة شظايا خدمة لـ «يهودية الدولة» في اسرائيل؟ ألم نقل لكم ان النظام ضمانة وحدة البلاد والعباد؟؟ ألم ترَ ان هذه المناطق، مناطقكم «المحررة» المدعومة من الغرب، تحولت الى مناطق «امراء حرب»؟ ألم ترَ التناحر في ما بينهم؟ ألم ترَ كيف ارادت فصائل المعارضة اعادة الناس الى «عصر الجاهلية»؟ تريد إعادة الأطفال والناس الى المدارس الشرعية والمحاكم الشرعية والحجاب وقطع الرؤوس والجلد، هل ترى ذلك؟ كل القوانين التي ورثناها من الانتداب الفرنسي، راحت بمجرد راح الن
ظام. مرة ثانية النظام هو الدولة والدولة هي النظام. انهما تؤأمان لا ينفصلان. ان مات احدهما يموت الآخر.
أيضاً، ألم ترَ أنه عندما كان مقاتلو «داعش» يقطعون رؤوس الضباط في «الفرقة ١٧» و «اللواء 93» في الرقة كان اهل الساحل يرقصون في منتجع الرمال الذهبية في طرطوس؟ امراء «داعش» يفرضون النقاب و «جماعتنا» من قادة المليشيات الموالية يرقصون على شاطئ البحر مع «البيكيني». ماذا يعني ذلك؟ انت كغرب معي في جانب النظام. النظام استطاع حماية «سورية المفيدة» ذلك القوس العلماني من دمشق – رمز الدولة الى الساحل – معقل النظام. انهنّ يرقصن باللباس البحري. حلفاؤكم، يا «اصدقاء الشعب السوري»، يريدون اعادة النقاب. يجلدون، يقطعون الرؤوس. اهتمامات أحد الساكنين في «سورية المفيدة» لا تتجاوز الاحتجاج على التلوث الذي يسببه احد المصانع. لاعلاقة له بالقتلى والدمار واللجوء والحصار في «المناطق المحررة».
سأستحق ذات يوم وساماً. بل انني الآن استحق وساماً. مستعد كي احارب هؤلاء الإرهابيين. احاربهم نيابة عني وعنكم. اقدم لكم خدمة هائلة. النظام يقول: اعطوني دوري الوظيفي في المنطقة. انني عامل استقرار. ليس مهماً ولا تسألني من سهّل او أسّس او استخدم «داعش» وأخواته. نحن اولاد اليوم. انهم ظاهرة موجودة. وأريد تفويضاً كي احاربهم. اغلاق الملف الكيماوي والتخلي عن السلاح الكيماوي، طويا صفحة «تغيير النظام» الى «تغيير في النظام». أريد الآن الانتقال الى التعاطي الشرعي مع النظام وعلى رؤوس الأشهاد. الأولوية الآن، هي لعنوان واحد ووحيد: الحرب على الإرهاب. اغلقوا ممرات الدعم والتمويل والتدريب وعودوا الى عباءتي.» ما أحلى الرجوع اليها». الخيار واحد وأوحد: النظام او «داعش». انسوا «الحكومة الانتقالية». حتى «المعارضة الوطنية» في الداخل يجب ان تنسى «الحكومة الموسعة». عليكم الاختيار. سيأتي يوماً يكون فيه النظام الجهة «المعتدلة» الوحيدة. هذا رهاني، وترون ان رهاناتي ونبوءاتي في السنوات الثلاث الماضية صائبة ومصيبة. دولة «داعش» باقية وتتمدد اكثر قرب حدود العراق. سيقوى عندي ولن تقهره الضربات الأميركية. ما رأيكم بالتنسيق الجوي بيننا. هذه بداية لمسار سياسي.
المفارقة ايضاً، ان بعض المعارضين سعيد بـ «انتصارات» تنظيم «داعش». منذ اكثر من سنة، استحى معارضون سياسيون من الدخول علناً في حرب ضد «داعش». كانوا في خندق واحد. كانت معركتهم مع النظام. عندما كانت دول غربية تطلب من معارضين اتخاذ موقف علني من «الإرهابيين»، كانوا يقولون: المعركة الآن ضد النظام، هم معنا. عندما ننتهي ونُسقط النظام نتفرغ لهم. كان الاعتقاد أنها مسألة اسابيع وأشهر فقط. طلب الأميركيون، بل اشترطوا، على رئيس «الائتلاف» السابق احمد الجربا ان يعلن موقفاً ضد «جبهة النصرة» للحصول على دعم عسكري، لم يفعل. المعادلة كانت صعبة: اذا دان «النصرة» يخسر قاعدة شعبية اذا لم يفعل يخسر دعماً اميركياً.
لمَ الاحتفاء الصامت من علمانيي المعارضة بـ «انتصارات» التنظيم؟ بالنسبة الى كثير من المعارضين، انها تثبت نظريتهم: «داعش» صنع وتصدير وإدارة النظام. هذا اولاً. ثانياً، اذا لم تدعم الإدارة الأميركية «المعارضة المعتدلة» فإن البديل هو الجهاديون. ألم نقل لكم (ايضاً)، انه اذا لم تدعموا «الجيش الحر»، فإن «ابواب جهنم» (ايضاً) ستفتح؟ «الائتلاف» و «الجيش الحر» قالا في بيان انهما «اول من حذّر» من التطرف. فيها نوع من النزق: طالما انكم لم تدعموا المعتدلين، فاستعدوا لمواجهة الجهاديين في اراضيكم. الخيار واحد (ايضاً): المعارضة المعتدلة او «داعش». سيأتي يوماً تبحثون عن «المعتدلين» بالمجهر. الشعب السوري مصمم على التغيير والتخلص من الدكتاتورية، جرّب التظاهرات السلمية، جرّب العمل المسلح الدفاعي، انشق ضباط الجيش وعناصره، شكلوا «الجيش الحر»، الشعب يريد عقداً اجتماعياً جديداً، بالنار أم بالنور. ألم نقل انه اذا لم تدعم، يا «غرب»، الشعب بوسائل الدفاع عن النفس وبـ «السلاح النوعي»، فإن الشعب ذاهب الى الجهاد، الى العمليات الانتحارية. انا المعتدل – العلماني غير المتدين، سأقوم بعملية انتحارية، قال احدهم في اجتماع مع مسؤول غربي. لدينا شعور بالخذلان الكبير من الغرب. «المناطق المحررة» ستكون مصانع الجهاديين. ملايين الجهاديين من الأطفال. ليس فقط الفقراء والمشردين، بل ايضاً ابناء الأغنياء يريدون التغيير. طيّب، ستدفعون فاتورة عالية. «مئات من ١١ ايلول (سبتمبر)». سيطرق الأرهاب أبوابكم. «العائدون من سورية» سيكونون ألغاماً وقنابل نائمة في دياركم. ستدفعون ثمن التخاذل. اذهبوا انتم وقاتلوا «الدواعش». الطاولة ستنقلب على الجميع. ليكن.
الخبراء السياسيون في المعارضة يقولون: «داعش» تعبر عن ازمة عميقة في غياب تمثيل السنة في العراق وسورية ولبنان. ازمة سياسية وليست طائفية. يجب اولاً الوصول الى حل سياسي ومشاركة للسنة في حكومات توافقية في هذه الدول ثم ننتقل الى محاربة «داعش». يجب ان نعزل الطائفي عن السياسي. عندما تتشكل حكومات توافقية بمشاركة ممثلي السنة يتحول الصراع الى سياسي وليس طائفياً. اضغطوا على النظام كي يشكل «حكومة انتقالية» بمشاركة السنة ثم نحارب جميعاً المتطرفين. يتحول الصراع الى سياسي. بعضهم يرى امكانية الإفادة من بداية تشكيل حكومة توافقية في العراق.
بهذا التواطؤ مع بطولات «داعش»، ليهنأ النظام والمعارضة، او بعضهما، في رهاناتهما الخاطئة وليساهما في تدمير البلاد وقتل العباد. بعض المعارضة مستعد للعيش في خيمة وسط الدمار من اجل الخلاص من النظام والذهاب الى القصر. وبعض مسؤولي النظام ذاهب الى تحويل البلاد الى رماد والعباد الى اشلاء للبقاء في السلطة. ليهنأ الطرفان في الاحتفاء بانتصارات «داعش» التي لن تقبل بأقل من «إبادة النظام النصيري» وأقل من «إبادة الصحوات وعملاء أميركا» وإقامة «الخلافة» بزعامة «أميرالمؤمنين» ابو بكر البغدادي لتطبيق «حدود الشرع».
الثورة السورية الملهمة من «الربيع العربي» وسرديات النظام المتلحف بالعلمانية ومفردات العصر، يفترض ان تحاكي القرن الحادي والعشرين وليس ان تصفّي حسابات تعود الى ١٤٠٠ سنة. رواد الموالاة والمعارضة كانوا نشطاء ومستخدمي «فايسبوك» و «تويتر» ومؤسسي مجموعات وتنسيقيات. لم يكونوا طامحين بـ «البراميل المتفجرة» والصواريخ والغارات وحمل السيوف والعبوات الناسفة والعمليات الانتحارية.
الحياة