لم يعد امام الاسد الا خيار التنحي
خالد وليد محمود
تدخل الثورة السورية عامها الثالث دون أن تلوح في الأفق أي بادرة لحل يوقف مسلسل القتل اليومي.. تدخل الثورة عامها الثالث مع ما يقارب 100 ألف شهيد وما يزيد على 240 ألف معتقل.. عامان وسورية في وادٍ والعرب في وادٍ آخر، عامان وسورية تنزف شهداء ولا آمال في المجتمع الدولي الذي لا يزال منقسما أشد انقسام بشأن طبيعة التدخل أو حتى التوصل إلى حلول دبلوماسيّة حدّها الأدنى رحيل الأسد.
سورية أضحت مدمرة، والمعارك على أشدها، أعداد القتلى بازدياد، مشهد لم يهتز له الضمير العالمي المتفرج على عدد النازحين الذي يقارب الـ4 مليون نازح موزعين بين لبنان وتركيا والاردن.
أمام سوداويّة المشهد هذا، لم يتخل الناشطون عن الدعوة للتظاهر اليومي، والشعار اليوم: ‘عامان من الكفاح… ونصر ثورتنا قد لاح’. ورغم ألمنا وحزننا على طول أمد المعركة الذي يلوح في الأفق، ورغم التخاذل الدولي لنصرة الثورة والذي لم يقابله للأسف موقف عربي موحد، يساند الثوار ضـــــد ورغم أنها لا زالت محل التآمر من بعض الأطراف الإقليمية وتقدم الدعم لبشار الأسد، عسكريا وسياسيا واقتصاديا، ليستمر في حملته الدامية ضد السوريين لغاية اللحظة، إلا أن ثقتنا بالنصر لم تتزعزع أبدا! وبأن فجر الحرية آت لا محالة.
ورغم ما يجري تبرز حيرتنا ونحن نقرأ لبعض الكتاب والمحلليين من أصحاب نظرية المؤامرة الذين يبررون موقفهم بأن سورية مستهدفة لما تمثله من موقف رافض للتوجهات الامريكية والاسرائيلية! وبأنّها لم توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، وبأنها تساند المقاومة.. الخ وبالتالي هي تدفع ثمن ذلك.. وإضافة لهذا فإنهم يشككون بموقف الشارع العربي تجاه الثورة وبعضهم وصف ما يجري بمؤامرة، هدفها اسقاط آخر قلعة من قلاع المقاومة والممانعة! لا نريد أن نجادل هؤلاء الذين يبدو أنهم يعيشون خـــــارج الزمن، فهذا ليس موضوعنا، فالجدل مع من فقدوا إنسانيتهم وباعوا ضميرهم بالمزاد العلني، وانحازوا للموت والدمار وقتلة الأطفال والشيوخ والنساء وتدمير المساجد، ضربٌ من العبث، ومن طمس الله على قلبه لن يردعه أي عمل أي شيء.
لهؤلاء نقول، بأن الحقيقة ليست هكذا، فأغلبية الشارع العربي يجزمون بأن ما يجري في سورية ثورة شعبيّة ضد نظام دكتاتوري متسلط. وأن هذه الحقيقة تؤكد عليها نتائج استطلاع قام به المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة قبل أيام، وكانت النتيجة أن 77′ من العرب يدعون لرحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، وحسب الاستطلاع الذي أعلن عن نتائجه قبل أيام فإنّ هناك شبه توافق في اتجاهات مواطني المنطقة العربيّة، إذ إن غالبية المستجيبين وبنسبة 77′ يرون أنّه ‘من الأفضل لسورية اليوم أنْ يتنحّى الأسد عن السّلطة’، مقابل معارضة 13′ لهذه العبارة، في حين لم يعبّر 10’ من المستجيبين عن رأيٍ أو رفضوا الإجابة.
تمثّل هذه النتائج جزءًا من استطلاع المؤشر العربيّ لعام 2012 – 2013 الذي نفّذه المركز العربيّ في 13 بلدًا عربيًا هي: موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والسّودان، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعوديّة، واليمن، والكويت؛ خلال الفترة من تموز (يوليو) 2012 إلى كانون الثاني (يناير) 2013. أجري الاستطلاع بمقابلة 19546 مستجيبًا وجاهيًا ضمن عيّنات ممثّلة لتلك البلدان وبهامش خطأ يتراوح بين 2′ الى 3′.
ويعادل مجموع سكان المجتمعات التي نُفّذ فيها الاستطلاع 87 ‘ من عدد السكّان الإجماليّ لمجتمعات المنطقة العربيّة.
وتشير النتائج إلى أنّ أكثريّة المستجيبين في كلّ بلدٍ من البلدان المُستطلَعة تؤيّد تنحّي الأسد عن السّلطة باستثناء الرأي العام اللبناني، إذ انقسم على نفسه ما بين 44′ أيّدوا تنحّي الأسد و46′ عارضوا تنحّيه.
وأظهر الاستطلاع أن الرأي العامّ في مصر، والكويت، واليمن، والسّعودية، والمغرب، وفلسطين، والأردن، والسّودان، والجزائر، شبه مجمعٍ على تأيّيد تنحّي الأسد، فقد أيّد 91′ من المصريّين تنحّي الأسد، وأيده 90′ من الكويتيّين، و88′ في السّعودية، و87′ في اليمّن.
واتضح من خلال التحليل المتقاطع لإجابات المستجيبين أنّ اختيار فئة منهم لتوصيف الأزمّة السورية على أنها مؤامرة خارجيّة لا يعني بالضرورة أنهم من مؤيدي النظام السوري أو أنهم معادون للثورة أو أنهم من الدّاعين إلى القضاء على الثورة أو المعارضة. فعند تحليل توصيف المستجيبين لما يجري في سورية بالتقاطع مع مقترحاتهم للحلّ الأمثل للأزمّة فيها، يتبين أن أكثريّة الذين أفادوا أن ما يجري في سورية هو ثورة ضد النّظام (وبنسبة 80′ منهم) ترى أن الحل الأمثل للأزمّة هو تغيير النّظام الحاكم. في المقابل، فإنّ من يصفون ما يجري بأنه مؤامرة خارجيّة تنوعت مقترحاتهم للحل الأمثل للأزمّة في سورية، إذ إن نصفهم (49′) أفاد بأن الحل الأمثل للأزمّة هو تغيير نظام الحكم، فيما كانت نسبة الذين رأوا أن الحل الأمثل هو القضاء على الثورة 11′ من جميع الذين أفادوا بأن ما يجري هو مؤامرة على سورية، و21′ منهم اقترحوا حل الأزمّة من خلال عمليّة سياسية سلمية.
وبناء على ذلك، يبدو واضحًا عدم صّحة الافتراض القائل إن مَنْ يوصف الوضع على أنه مؤامرة خارجيّة على سورية هو من المؤيّدين للنظام السوريّ، بل على النقيض من ذلك، وكما تظهره النتائج، فإن أكثريتهم تؤيد تغيير النظام أو إيجاد حل من خلال عملية سلمية
هذا الاستطلاع أكبر دليل على ما ينظر اليه الشارع العربي والرأي العام العربي للثورة السورية، رؤيتهم متوافقة بأن الأزمة السورية لن تضع أوزارها حتى يغادر الرئيس السوري باحات قصره الجمهوري..الحل هو رحيل الاسد. كما يؤكد الاستطلاع على عبثية الحل السياسي مع بقاء بشار، لأنه سينطوي على تغييرات شكلية لا ترتقي لمستوى تضيحات الثورة.
ورغم الكارثة السوريّة التي لا يمكن اختزالها من خلال استطلاع، إلا أن نتائج هذا الاستطلاع على أقل تقدير تضيف سببًا جديدًا لشرعية هذه الثورة التي تعتبر ام الثورات العربية، ويبقى المغزى والمعنى الحقيقين لهذا الاستطلاع واضحة وضوح الشمس، أن غالبية الرأي العام العربي لا يريد هذا النظام الوحشي والذي لا همّ له سوى استعباد شعبه وإذلاله فحسب. لغاية نشر نتائج الاستطلاع لازالت صفحة الثورة مفتوحة أما صفحة النظام بدأت تطوى شيئًا فشيئًا. خيارات الأسد تضيق ولم يعد أمامه اليوم إلا خيار واحد وهو التنحي، عليه أن ينظر لأربع حالات سبقته لرؤساء عرب، قصة كل واحد منهم ونهايته أسوأ من الأخرى.
‘ كاتب وباحث فلسطيني