لوّنوا صور الغائبين!
إبراهيم توتونجي
أتصفح الـ”فيس بوك”.. لم يعودوا هناك. صفحاتهم تحمل صورهم بالأبيض والأسود. يا الله! لمَ الأبيض والأسود! الغياب يعصرني في العمق. العبارات المنصوصة في صناديق الكتابة، ليست أقوالهم. هي كلمات تضامن من أصدقائهم ومعارفهم. يسأل الأصدقاء عن موعد الرجوع. يعرف كل واحد منهم أن الوقت قد لا يمهله لاستقبال العائد، فهو قد “يختفي” أيضا في أي لحظة، وتتلاشى الألوان من صورة الـ”بروفايل” الخاص به.
أتأمل في صورة عمر. عرفته عفويا متحمسا، يختزن من العاطفة ما يغرق وطنا كاملا. وطن يتضمن أهلا وأمكنة وأحلاما. حلم للوطن ووطن للحلم، هو ما كان يشغله باستمرار، بينما ينفث من سيجارته في أزقة المدينة العتيقة التي يعشق كل حجر ورائحة فيها. حين يسأل عن فكرة أو معلومة، وتصله الإجابة، يضحك.. كطفل صغير فك أحجية للتو. كتوّاق للمعرفة ينتشي بها، كلما سالت قطراتها إلى دواخله.
لم أحتج وقتا طويلا لكي أعرف أن لي صديقا خبأته الأيام، خلف ضباب الزقاق الساحر، عند زاوية الجامع، يظهر وجهه صبوحا نديا ليقول: “أهلا، أنا صديقك الذي لا تعرفني، انتظرتك منذ زمن”. ثمة أصدقاء، هكذا، ينتظرونك على قارعة طريق لم تسر في دروبه من قبل، ضاربين لك مواعيد للخير والمحبة والجمال.
أسئلة كثيرة راودتني وأنا أتصفح ما فاضت به قلوب الأصدقاء، يسألون عنك ويطالبون بعودتك. أسئلة عن ثمن الحرية والربيع العربي.. الربيع الذي لم يأت من دون زخ مطر ملأ السهول مستنقعات. متى تجف المستنقعات فنستمتع فقط بعبير الزهور؟ أم أن لا طعم للربيع من دون مستنقع؟ أليس من مائه ستشرب السنونوات وتبلل الفراشات أجنحتها؟ أم أنه كلام للشعر! أعرف أن لا وقت للشعر، لكني أعرف أنك تحبه كثيرا، لذلك “استشعرت” من أجلك.
حين نهلل للربيع العربي، يجرفنا الإيمان إلى الحلم الكامل بغد أفضل، ثم تردّنا مئات من صور بالأبيض والأسود، تملأ صفحات الـ”فيس بوك”، إلى واقع أليم؛ سيف الغياب مسلّط على حضورنا الطاغي. أخاف من الأبيض والأسود. أصدقائي: لوّنوا صور الغائبين.