ليس الأسد وحده مصاباً بالانفصام
موناليزا فريحة
تكاد معركة القصير ومحادثات “جنيف – 2” تختصر الأزمة السورية. في الميدان، تحولت تلك الرقعة الاستراتيجية من ريف حمص مركز ثقل عسكرياً للمتقاتلين المحليين والاقليميين والدوليين. وفي السياسة، تسابقت دول العالم الى تصوير مؤتمر بلا موعد ولا برنامج محدد ولا مشاركين واضحين، مخرجاً وحيداً من متاهة الحرب السورية. وفي السباق بين الواقع الدموي للقصير والوهم الجارف لـ”جنيف – 2″، تغيب المعارضة السورية عن الحلبة، في دليل إضافي على ضعف وعجز فاضحين.
في مرحلة قد تكون مفصلية في نزاع القرن، تتحرك المعارضة السورية على إيقاع آخر. تتخبّط في خلافات داخلية وتخوض معارك على السلطة والنفوذ داخل الائتلاف، كأن لا معركة القصير معركتها ولا المساعي الدولية لمحادثات سلام تعنيها.
ثمانية أيام من الاجتماعات الماراتونية خرج منها “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” أكثر انقساماً من أي وقت مضى. من عناوين كبيرة وحاسمة، لم ينته المجتمعون إلا إلى قرار ملتبس بضمّ أعضاء جدد اليه. حتى هذا القرار الذي ينتظر معركة أخرى في الاجتماع التالي للائتلاف في 12 حزيران، لم يكن ممكناً التوصل اليه إلا بعد تدخل سفراء ووزراء واستخبارات لقوى نافذة، مع كل الترهيب والترغيب والتهديد.
ما حصل في اسطنبول نكسة حقيقية. ليس توسيع الائتلاف في هذه المرحلة الى أعضاء جدد، أياً تكن أهميتهم، إلا جهداً ضائعاً إضافياً يؤدي في أحسن أحواله إلى قلب موازين القوى، وتعزيز قوة فريق على حساب آخر ضمن ما يفترض أن يكون جبهة واحدة، محولاً بذلك هذه الهيئة المعارضة ساحة لصراع سوري جانبي، ومعه الصراع العربي – العربي.
كان منتظراً من اجتماعات اسطنبول قرارات في مستوى المرحلة، ليس أقلها رص الصفوف واختيار زعماء جدد للائتلاف الذي يفتقر الى القيادة منذ آذار، وتأليف حكومة انتقالية لتعزيز الصلات الضعيفة حالياً مع وحدات المعارضة المسلحة داخل سوريا. وأياً تكن فرص نجاح مؤتمر السلام وربما أيضاً فرص انعقاده، كان قرار في شأن وفد المعارضة الى تلك المحادثات كفيلاً بتعزيز صدقية الائتلاف وفرضه ممثلاً حقيقياً للمعارضة السورية، في مواجهة محاولات روسية وأميركية للتأثير في تركيبة الوفد.
منذ تشكيله، تحوّل الائتلاف ساحة تجاذبات بين مجموعاته الساعية الى تعزيز هيمنتها بعضها في مواجهة البعض أو في مواجهة قوى أخرى راغبة في الانضمام اليه. ومع أنه أنشئ لتعويض عجز “المجلس الوطني السوري” عن توحيد قوى المعارضة ورص صفوفها في مواجهة النظام، وقع في مطب سلفه، الأمر الذي أفقده صدقيته منذراً بتقويض الدعم الدولي للثورة.
مرة تلو الأخرى، تثبت المعارضة السورية أنها في واد والثورة في واد آخر. وهي إذ لا تنفك تقول إن بشار الأسد مصاب بانفصام، ها هي تثبت مجدداً أنه ليس وحده يعاني هذه الاصابة.
النهار