صفحات العالم

ليس للدم السوري وكيل عالمي!


أمجد ناصر

النظام السوري يخيف السوريين بكثرة الدم المسفوك، وكثرة الدم القادر على سفكه بعدُ، وهو يخيف العالم بهذه القدرة غير المسبوقة لنظام (حتى بمعيار الثمانينات السوري نفسه) على الولوغ في دم شعبه، إضافة الى تهديده بأشباح ‘القاعدة’ وأشباهها التي جلبها، بعنفه وتطرف حلوله العسكرية، الى الساحة.

لم تنجح سياسة الدم الغزير والمزيد من الدم في الداخل لكنها تنجح، للأسف في الخارج. فالعالم الذي بدا غير مستعد لبقاء حسني مبارك في السلطة (وهو الذي لم يسفك طوال أيام الثورة المصرية ما يسفكه بشار الأسد في يومين أو ثلاثة) يبدو مستعدا لبقاء الأسد الابن. العالم نفسه الذي أرسل طائرات الأطلسي كلها لتحطيم القذافي وآلته العسكرية (ولا بأس، طبعاً بتحطيم البنية التحتية الليبية في طريقها) لا يني يقول لبشار وعائلته: ليس هناك تدخل عسكري في سورية!

لقد كرَّر الأطلسيون هذا الكلام حتى بدا أن لا وظيفة لراسموسن غير تكرار هذه الاسطوانة المشروخة التي تقول للنظام، على نحو غير مباشر، اطمئن.. فلن ترى طائراتنا تحلق فوق رأسك..

هكذا يبدو أن لا أحد في العالم بمقدوره وقف جيش بشار الأسد عن استخدام كل أنواع الأسلحة ضد شعبه الذي دفع ثمنها من عرقه ودمه وأنينه، الأسلحة التي لم توجَّه قط الى اسرائيل العدو المفترض لجمهورية آل الاسد.

عدم قدرة العالم عن وقف المذبحة اليومية ضد الشعب السوري الممعن في ثورته مهما كان الثمن ليس بسبب تشبيحات لافروف ومعلمه بوتين وخططهما لاستئناف حرب باردة جديدة على حساب دم السوريين، كلا ليست تشبيحات روسيا هي السبب، بل انعدام الرغبة الغربية، في فعل ذلك. ليست هناك رغبة أوروبية ـ أمريكية في وقف بشار الأسد عن قتل شعبه، ولدى الغرب طرق لفعل ذلك من دون التدخل العسكري الذي يصل عنده، اليوم، إلى حد ‘التابو’. لم يبلغ بشار الأسد هذا الحد من الإجرام إلا لمعرفته أن ليس للدم السوري وكيل عالمي. لا وكيل لدم السوريين، كما بدا للأعمى والبصير، الا السوريون أنفسهم ولن يكون. فلم تشجع بشار الأسد على استخدام كامل ترسانته العسكرية صلابة الموقف الروسي خلفه..لا .. ليست ‘صلابة’ الروس بل رخاوة الغرب.. وللغرب، بالطبع، أسبابه. فكيف يمكن للغرب أن يكون عونا للثورة؟ لقد كان الغرب، دائماً، عونا للثورات المضادة، للأنظمة التي تديم مصالحه وتبقي عليها.. لم نعرف يوما أن قوة أعانت من يهددها! أيُّ مغفل يفعل ذلك.

الغرب، المؤسسة الغربية أعني، ليس جمعية خيرية، لذلك فهو لن يتدخل ما لم تكن مصالحة مهددة. وهي، الآن، ليست كذلك. فلا نفط يُخشى عليه في سورية، ولا يوجد تهديد فعلي لحلفائه في المنطقة وعلى رأسهم اسرائيل.

قد يقول قائل إن بعض حلفاء واشنطن العرب منخرطون في مساعي اطاحة نظام عائلة الأسد، وهذا صحيح، بالطبع، ولكن هذا الانخراط لم يصل حدَّ قلب موازين القوى داخل سورية لمصلحة الثائرين. هناك كلام كثير. هناك فضائيات مفتوحة. هناك استخدام للجامعة العربية. هناك ذهاب وإياب الى الامم المتحدة. هناك شبه مقاطعة اقتصادية. ولكن كل ذلك لا يفتُّ، فعلياً، في عضد نظام الاسد الذي يزج بكل أسلحته في الميدان من أجل البقاء في السلطة. طبعا تلك الاجراءات تزعج نظام عائلة الاسد، تضيق عليه، لكنها لا تهدد وجوده.

سيقول قائل أيضا: وماذا عن الأسلحة التي تتدفق الى ‘المعارضة المسلحة’ في سورية؟ سنقول إن الوقائع تظهر أنها ليست من النوع ‘القاتل’ على حد التعبير الامريكي. لو كانت تلك الأسلحة من النوعية التي قدمها الامريكيون والسعوديون لـ ‘المجاهدين’ الأفغان لما تحركت دبابات الأسد داخل المدن وحولها ولما حلَّق طيرانه الحربي فوق رؤوس المتظاهرين.

لا تتجاوز مساعي عرب واشنطن للاطاحة بنظام عائلة الأسد حدود ‘الزكزكة’ كما يقول اللبنانيون، وهي ‘زكزكة’ تنتقم من نظام الأسد لاسباب عديدة، تاريخية وراهنة، ولكنها لم تتحول الى سياسة جدية لاسقاط النظام، كأنَّ المقصود من وراء هذه ‘الزكزكة’ أن يأتي اليهم بشار الأسد صاغرا، مطأطئ الرأس، طالبا الصفح عن طول رقبته وزلات لسانه!

ولكن ماذا عن أوثق حليف للغرب في المنطقة، بل الخندق المتقدم للغرب في المنطقة، على ما كانت تقول أدبياتنا اليسارية، من قبل، أقصد: اسرائيل؟

نعرف، من دون الحاجة الى شواهد، أن نظام عائلة الأسد لم يشكل تهديداً وجودياً لاسرائيل، في عهدي الأب والابن، وأن عداءه اللفظي ومقاومته لها، عن طريق الآخرين، يمكن لاسرائيل احتواؤهما والتعايش معهما كما فعلت منذ سقوط هضبة الجولان عام 1967 وحتى اليوم.

قواعد لعبة ‘الاحتواء’ و’التعايش’ هذه هي المهددة بالتغير، وربما بالانقلاب، في حال نجحت الثورة السورية في اسقاط نظام عائلة الأسد وأرست نظاما لن يكون، على الاغلب، أقل عداء (جدياً وفعلياً) لاسرائيل من نظام بشار.

أهذا هو السرُّ المعلن في أطواق النجاة التي تلقى الى بشار الأسد على نحو متواصل؟

في ظني، وظن كثيرين، أن هذا هو مربط الفرس. وعلى هذا النحو فقط يمكن فهم استراتيجية ‘إدارة الأزمة السورية’ وإطالتها ما أمكن، كي تصل سورية، نظاماً وشعباً ومعارضة.. ومصيراً، الى الدرك الأسفل.. ثم بعدها تأتي ‘الأطراف المتصارعة’ خائرة الى ما يشبه اتفاقية الطائف اللبنانية.. أو في أفضل الأحوال الى ما يشبه ‘الحل اليمني’.***

على الثورة السورية في الداخل (لا المعارضة المتنابذة في الخارج) أن لا تترك الأمور تصل الى هذا الحدّ. لا بد من كسر ظهر نظام بشار الأسد، ولكن ليس من خلال أوهام التدخل العسكري الخارجي ولا حقيقته، ولكن من خلال استعادة زخم الحراك الشعبي السلمي وتحويل الكتلة المتردِّدة، أو الصامتة، الى كتلة فاعلة في برنامج اسقاط النظام وفتح أفق للتحول الديمقراطي في سورية ما بعد عائلة الأسد.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى