ماذا ستفعل الدولة إذا كانت «الاعترافات» صحيحة.. وماذا سيقول الحريري؟
دمشق تشعر أنها مطعونة “لبنانياً” في لحظة الاختبار الصعب
نبيل هيثم
من الصعب التكهن بمآل الأمور على خط العلاقة بين دمشق ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، بعد تظهير التلفزيون السوري اسم النائب في تيار المستقبل جمال الجراح في خانة الجهات الخارجية «المموّلة بالسلاح والمال للتحريض على القيام بأعمال تخريبية من شأنها المساس بأمن سوريا»، بحسب اعترافات الخلية الإرهابية رسمياً.
يقول السوريون إن الاختبار الذي تمرّ فيه سوريا حالياً أصعب بكثير من الاختبار الذي مرت فيه وتجاوزته بين عامي 1979 و1982. وكذلك اختبار ما بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 وايضاً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005 ، ويتحدثون باطمئنان عن تجاوز الاختبار مجدداً، لكنهم يشعرون بأنهم مطعونون في الظهر، ويتحدثون بمرارة عن الرياح الآتية من بعض الفرقاء في لبنان، وبات لاسم سعد الحريري وقع أكثر من سلبي على كل المستويات في دمشق، في ضوء دخول بعض فريقه على خط الأحداث في سوريا والانضواء تحت راية الفريق الساعي الى التخريب واحداث الفوضى. وبالتالي فإن الخاصرة اللبنانية كما يقول السوريون باتت عملياً في عين الرصد السورية أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد ظهور ما يصفونها بـ«تحركات غير بريئة» تزامنت مع الحدث السوري، وآخرها وليس أخيرها ضبط محاولة ادخال أسلحة الى الأراضي السورية ليل أمس الأول.
يوحي السوريون بأن في جعبتهم الكثير مما يدين من حاولوا متكافلين ومتضامنين صبّ الزيت، او صبّوه بالفعل، على نار التحركات الأخيرة والمنحى الدموي الذي اتخذته في بعض المناطق السورية واشغال النظام بالفوضى والفتنة، ويستشهد هؤلاء بما سماها الرئيس بشار الاسد في خطابه الاخير «عناصر المؤامرة تكشفت وبدأت تظهر»، كمقدمة للقول بأن الاعترافات التي بثها التلفزيون السوري هي مجرد عينة.
ولعل النفي الصادر عن كتلة تيار المستقبل لما نسب للنائب الجراح، لم يشكل وسيلة إقناع كافية للسوريين ربما لأن ما تملكه ايديهم من «معطيات» أكبر من أي نفي كما يقولون، وهناك من يقول إن إيراد اسم نائب تيار المستقبل له ما بعده، فالاتهام المباشر يتجاوز كل الهمس السابق الذي رافق احداث درعا وغيرها وثمة كتب رسمية في هذا السياق وردت الى مستويات رسمية تلفت الانتباه الى وجود مثل هذه الحالات وتدعو الى أخذ العلم وإجراء ما يلزم. ولكن كل ذلك ظل في اطار الهمس والكلام غير المسند، على خلاف الاتهام المباشر والصريح للجراح الذي قرره السوريون في هذا التوقيت وبالصوت والصورة.
ومن الواضح أن أهمية الاتهام لا تكمن في مضمون الاعترافات التي بثها التلفزيون السوري بصرف النظر عن دقة تلك الاعترافات أو عدمها، بل في كونه أول اتهام رسمي، عبر وسيلة إعلامية رسمية هي التلفزيون السوري، قد يتحوّل بالتراكم الى «سياق كامل» ويشكل اتهام الجراح نذره الأولى. ومما لا شك فيه ان هذا السياق فيما لو تحقق واستقر سيفضي الى كثير من المعاني السياسية والانعكاسات سواء على علاقة سوريا بسعد الحريري تحديداً او على مقاربة سوريا للبنان كخاصرة رخوة في ما تتعرّض له، او على صعيد العلاقة بين سوريا ودول الخليج وفي مقدمها السعودية.
وثمة من يعتقد في هذا السياق، أن مستجدات الحدث السوري ربطاً بالاعترافات، تؤشر الى مرحلة لن تكون ناعمة، وقد بدأ ذلك يظهر في المصطلحات والأدبيات والاتهامات شبه الرسمية، وينذر بوصول المواجهة السياسية الى حدها الأقصى. وينقل عن احد المسؤولين في سوريا قوله في معرض اشارته الى تورط جهات لبنانية معينة بالأحداث في سوريا: «يبدو ان البعض في لبنان قرر ان يأخذ الامور الى نقطة اللاعودة، وهو أخذها فعلاً الى هناك، ظناً منه أنه قد يكون رأس حربة في هذه المواجهة ضد سوريا، ولكن ما من شك في أن نجاح سوريا في الانتصار على المؤامرة وضرب تبعاتها سيرتب أثماناً على المتورطين في داخل سوريا وخارجها».
وثمة صعوبة بالغة في محاولة حمل المسؤول المذكور على تحديد الخطوات السورية التالية لخطوة الاعترافات او رسم ملامح حتى تقريبية لها، لكنه يؤكد أن دمشق تعتبر أنها دخلت في مواجهة مصيرية تهدف للحفاظ على استقرار الدولة والنظام والشعب والأمن القومي، وتختلط فيها محاولات التخريب العبثية التي تقوم بها جهات داخلية حاقدة على النظام ولها امتداداتها الخارجية، بمحاولات تطويع دمشق وكسر موقفها وموقعها في المنطقة، بمحاولات خارجية اميركية و«عربية» لإخضاعها وفك ارتباطها مع إيران وكذلك مع «حزب الله».
ومن هنا، يقول السوريون إن الاعترافات التي بثها التلفزيون السوري، ليست اعترافات مبتورة، او معزولة عن باقي المشهد، بل هي رسالة متعددة الاتجاهات نحو لبنان وغيره، وتأتي ضمن سياق متصل تشكل الاعترافات إشارة أولى تعمّدت أن تطلقها دمشق بحسب توقيتها، من ضمن سياسة التدرج التي تعتمدها في اظهار الادلة الاتهامية التي تتكامل لديها دليلاً تلو الآخر.
ومن الواضح ان دمشق تحاول بهذه الطريقة أن ترسم المشهد بالطريقة التي تراها مناسبة لتقاربه ايضاً في اللحظة المناسبة.
على ان الأهم في تلك الرسالة الاتهامية السورية أنها تكمل ما رمزت صورة بندر بن سلطان وسعد الحريري التي رفعت خلال التظاهرات المليونية تأييداً للرئيس بشار الاسد. وأرادت من خلالها دمشق أن تقطع الشك ببداية يقين وتفرج رسمياً وللمرة الأولى عما في مكنون الصدور في سوريا، وترفع الاتهام الى مستوى عالٍ جداً، دخولاً من باب الجراح وصولاً الى ما يمثله كنائب ينتمي الى تيار المستقبل الذي يرأسه سعد الحريري وترعاه السعودية سياسياً وتمويلاً.
ولعل المضمون الأبلغ في الرسالة السورية هو انها تخاطب من يعنيهم الامر في الدولة اللبنانية بمجموعة تحذيرات، وتضع هؤلاء امام مسؤولية الاجابة بالقول او الفعل على مجموعة الأسئلة التالية:
اولا: هل هناك جهات لبنانية تحاول أن تضرب او تخل بحسن الجيرة بين لبنان وسوريا، وهل ثمة من يسعى إلى إدخال لبنان في جبهة مواجهة ضد سوريا؟
ثانيا: ماذا لو ثبت جدياً تورط من وردت اسماؤهم في الاعترافات، هل سيكتفى بالنفي أم ستكون هناك إجراءات بحق هؤلاء؟
ثالثا: هل في لبنان من يملك قرار وضع لبنان مجدداً في موقع الخاصرة الرخوة لسوريا، ونقطة نفاذ الى العمق السوري لضربه بالفوضى والفتنة؟
رابعا: ماذا لو اتبعت الاعترافات ببيان رسمي سوري يؤكد ويتبنى تلك الاعترافات، علماً أن التلفزيون السوري هو قناة رسمية بامتياز ولا ينطق رسميا الا باسم الدولة السورية؟
خامسا: ماذا لو اتبعت الاعترافات بكشف ملفات، وماذا لو تم تسليمها الى لبنان عبر القنوات الرسمية وغير الرسمية، فكيف ستتصرف الدولة اللبنانية حيالها، كيف سيتصرف القضاء اللبناني وهل سيتحرّك، وكيف سيتصرف رئيس الجمهورية، وما هو دور مجلس النواب، وما هو دور رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري المتهم أحد نوابه وماذا سيفعل اذا ما ثبت ان الاعترافات صحيحة؟ وما هو دور الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وكذلك حلفاء سوريا في لبنان؟