ماذا يجري: ربيع الديمقراطية أم زمن الإخوان المسلمين؟
حربي محسن عبد الله
عندما تجرّع الخميني السُمّ وأسكت مدافع آية الله ووافق على قرار وقف إطلاق النار في الحرب العراقية- الإيرانية، هيّأت الماكنة الإعلامية لحرّاس الثورة الإسلامية كبش فداء وهدفاً لسهام القوم، بدلاً من أن تتوجّه نحو النظام الذي لم يستجب لدعوات إنهاء الحرب التي استمرّت ثمانية أعوام دامية ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء على جانبي القتال. كان الهدف “سلمان رشدي” وآياته الشيطانية، فتحوّلت الحياة في إيران بعد وقف إطلاق النار مباشرة، إلى كرنفال متواصل من المسيرات الاحتجاجية على المرتدّ وآياته طويت معها صفحة محاسبة النظام على تعنّته في موقفه الرافض لإنهاء الحرب، وتحوّلت المشاعر والحناجر والخناجر نحو من تجرّأ على الرسول وآل بيته، ونجا آيات الله من المساءلة، ثم تحوّلت إيران من الثورة إلى الدولة ودخلت نفق “ولاية الفقيه” ولم تخرج منه حتى يومنا هذا.
ما يدعو لاستذكار الحالة الإيرانية هو ما نراه على أهم الشاشات الفضائية الناطقة بالعربية، من تركيز على الإخوان المسلمين ومختلف مسمياتهم بعد نجاح الثورة الشبابية في تونس ومصر. التركيز على إخوان مصر والأردن واليمن وسوريا وليبيا وحتى العراق ومحاولة إغفال أو تهميش قوى الثورة الشبابية ووجوهها، التي كانت هي السبب الأساسي لما يشهده الشرق الأوسط من ربيع التغيير الذي كان أشبه بـ”تسونامي” أعاد ماء الوجه لشعوب نامت طويلاً على بساط من اليأس والسكون والسلبية. السؤال المهمّ هنا هو : هل هناك توجّه ما يتبع طريقة التصوير “زووم أون” يضخّم ما يقوم به الإخوان ويفسح مساحة كبيرة لهم، ويساهم في تمهيد الطريق لقيادة مجتمعات طابعها الشعبي إسلامي ويلتف على ما يحققه شباب الثورة من انجازات على صعيد قيم العدالة والمدنية؟ كي يطرح شعارات بديلة يستطيع بها الإخوان وعبر “الجمع المؤمن” من كسب ودّ البسطاء ويستثيرون بهم الحميّة الدينية باختلاق عدوّ للإسلام، بتعبير آخر “سلمان رشدي جديد” يخدم وجوده أحزاب الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان، ليتمّ به سحب البساط من تحت كل القوى التي تسعى من أجل تمدين الريف ونقل قيم المدنية، وبالتالي الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان إليه، لا ترييف المدينة ونشر الفكر الغيبي، كما فعلت كل الأنظمة الشمولية التي انحدر زعماؤها من حواضن قيم العشيرة وأعرافها، وتسدّ الطريق أمام أي مطالب للعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة ومكاسب الدولة المدنية، باستنهاض العداء للشيطان الجديد وللغرب وقيمه والعودة إلى نغمة هي إن “الديمقراطية” من المناهج المستوردة التي لا تصلح للمجتمعات العربية المسلمة، وتحويل عملية التغيير لصالح إحياء ما درس من مناهج السلف الصالح لا إصلاح الخلف بسنّة التغيير. الأهمّ من التغيير هو السؤال الملّح، التغيير: إلى أين؟ وبأيّ بوصلة؟ ومن يأخذ دور الدليل؟
من الضرورة بمكان أن نلقي الضوء على تاريخ جماعة الإخوان التي ولدت في مصر وانتشرت في العديد من الدول العربية مشرقية كانت أم مغاربية ونستطلعه عبر لمحة سريعة.
تطورت لجوالة بلباس عسكري، تطورت بدورها إلى كتائب، ثم تطورت إلى أسر حتى وصلت بطبيعة الحال لتنظيم مسلح. عرف هذا التنظيم باسم الجهاز الخاص أو التنظيم السري. في مدينة الإسماعيلية وفي الثالث والعشرين من مارس/آذار عام 1926 اجتمع ستة أشخاص من العاملين في معسكرات الإنجليز بمدرّس للغة العربية في المدرسة الابتدائية الأميرية بالإسماعيلية يدعى حسن البنا الذي لقب نفسه بالمرشد. وضع المرشد أسس تكوين الجماعة، تمثلت في ثلاثة أجيال على النحو التالي : جيل التكوين وهو جيل عليه أن يستمع والطاعة ليست فرضاً عليه، والجيل الثاني هو الجيل المحارب أو جيل الجهاد وهو جيل التنفيذ والطاعة التامة فرض عليه، والجيل الثالث هو جيل الانتصار الذي يتولى أمر المسلمين بعد الانتهاء من الصراعات التي ستخوضها الجماعة لكي تصل إلى دولة الخلافة. كان الملك في ذلك الوقت يعاني من قوة الأحزاب السياسية وكان يدعو دائما إلى حلّ الحكومة وتشكيل حكومة جديدة، لأن مصر في ذلك الوقت كانت تقوم على نظام ليبرالي، وكان للأحزاب حضور بارز والملك في ذلك الوقت كان يحتاج قوة داعمة له ضد الأحزاب التي كانت تهدد حكمه، فعندما سمع عن الإخوان في الإسماعيلية؛ قام بتسهيل الأمور، وأفسح لهم الطريق لكي ينتشروا في القاهرة، ليكونوا تياراً معارضاً للأحزاب السياسية.
كان أول دعم تلقاه الإخوان المسلمون وهو مبلغ 400 جنيه من الجيش الإنجليزي. ثم انتقلت الجماعة بمركزها للقاهرة وأصدرت مجلة أسبوعية باسم جماعة الإخوان المسلمين وصار لها فروع خارج مصر، في سوريا ولبنان والسودان وفلسطين. وكل يوم كانت أعداد المنضمين إليها في ازدياد من المنادين بإعادة دولة الخلافة على يد الإخوان المسلمين. عشر سنوات هي عمر الجيل الأول من الجماعة.
ثم بدأ حسن البنا في عام 1938 ينتقل بجماعته للجيل الثاني وهو الجيل المحارب او جيل الجهاد. وبالفعل بدأ في تحويل جزء من الجماعة من العمل المدني الدعوي للعمل العسكري فأنشأ فرقاً للرحلات الكشفية، كانت شروط الانضمام إليها بالغة الصعوبة لأن عناصرها يتم اختيارهم بدقة بالغة. شعارهم الموت في سبيل الله والتضحية بكل ما هو غال ونفيس. قانون هذا التنظيم يعرف بقانون التكوين، أي أنه يتم تكوين التنظيم من مجموعات وكل مجموعة ينبثق عنها مجموعات أخرى ينبثق عن كل منها مجموعات أخرى. بحيث لا يكون هناك رابط بين المجموعات وبعضها، كل ذلك من أجل تأمين أنفسهم. وهكذا انتشر فكر الجماعة وتكاثرت التشكيلات التنظيمية بطريقة انشطارية في عدد من الدول العربية. مرّت الجماعة بحركة مدّ وجزر وتجارب قاسية كان عنوانها العنف الدموي، فالتجأت إلى التقية والنضال السلبي مرة وإلى الخوض في برك الدماء أخرى، بين عمليات اغتيال كما حدث مع رئيس الوزراء أحمد ماهر في عام 1945 ومحمود فهمي النقراشي عام 1948 واغتيال القاضي المدني أحمد الخازندار عام 1948 بعد أن حكم في قضية كان أحد أطرافها من الإخوان، ومحاولة تفجير محكمة بوسط القاهرة عام 1949، والقيام بتفجير عدد من أقسام الشرطة بعد مظاهرات عام 1946 التي شارك بها الإخوان بفاعلية.
ثم عانت الجماعة من الاضطهاد في عهد عبد الناصر وتأرجحت بين القبول والرفض من قبل خلفه السادات حتى حُظرت في السنوات الأخيرة من حكم مبارك. وهكذا دار الإخوان في دائرة الأجيال الثلاثة التي رسمها حسن البنا، فمرة يتم بها حرق المراحل للوصول إلى الجيل الثالث ومرة ينكمش دورها في مرحلة جيل الدعوة حتى يأمر الله بالنصر.
هذه الثلة يتم التعامل معها إعلاميا بطريقة” الزووم آوت”، ويؤكدها تسليط الضوء على المتظاهرين الخارجين من الجوامع لا على نظرائهم القادمين من الجامعات. وبرغم تقدّم مطالب الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ودولة القانون المدني ومحاربة الفساد، تركّز وسائل الإعلام على الإخوان وأحزاب الإسلام السياسي الساعية لأسلمة الدولة خطوة بعد أخرى، وتحويل الأنظار نحو الفوارق بين الإسلاميين المعتدلين ممثلين بالإخوان ومشتقاتهم من أصحاب اللحى متوسطة الطول والسلفية الجهادية وتنويعاتها ممن يحرموا بدعة استخدام أدوات الحلاقة الغربية، على حساب مطالب المنتفضين من شباب الثورات في العديد من الدول العربية. يأتي ذلك بالتزامن مع ما تقوم به قوى الثورة المضادة مدعومة بأموال الفساد الساعية للتخريب. من هنا تأتي المخاوف وتتعاظم الشكوك التي تفرض على المراقب أن يشير بأصبعه نحو مكمن الخطر القادم ممن يرفع شعار “الإسلام هو الحل” ويحوّل الرافضين له لأبطال في آيات شيطانية أخرى يسعى لرجمهم بحجارة الجمع المؤمن ويحول ربيع الديمقراطية إلى زمن الإخوان.
موقع الآوان