صفحات سورية

ماذا يريد أردوغان من الكرد في سوريا؟


طارق حمو

هي المرة الثانية التي يصرح فيها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بهذه الحدة ضد الكرد في سوريا، ويهددهم، صراحة، بالتدخل العسكري في حال ان “اسسوا دولة كردية في شمال سوريا” او “تحولت مناطقهم لمراكز لحزب العمال الكردستاني”!. المرة الأولى كانت في 14/04/2011 أي في نفس اليوم الذي اجتمعت فيه الاحزاب الكردية في مدينة القامشلي، واعلنوا التأطير في مجلس موحد والاتفاق على مطالب واضحة حول الاصلاح والديمقراطية والاعتراف الدستوري بالشعب الكردي الذي يٌشكل القومية الثانية في سوريا. بعد بضع ساعات ارسل رجب طيب أردوغان رسالة للرئيس السوري بشار الأسد، يحذره فيها من “وجود مؤامرات تٌهدد وحدة سوريا”. كان الأسد في ذلك الوقت مايزال صديق أردوغان، وكان (المجلس الاستراتيجي الأعلى) بين البلدين مايزال فاعلا هو الآخر. طبعا، وبعد ذلك ببضع أشهر، تغيرت الموازين، حيث ان “حزمة الاصلاحات” التي كان يحملها وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو في حقيبته للنظام السوري، بدت اوراقا لاقيمة لها في حضرة أنهار الدماء التي أراقتها الآلة العسكرية التابعة للنظام في درعا واللاذقية وحمص وحماة…

بدا لحزب العدالة والتنمية لقاء مجموعة من الاحزاب الكردية في القامشلي “مؤامرة على وحدة سوريا”، فكان التصريح في نفس اليوم. والآن، جاء تصريح أردوغان “القوي” أيضا في نفس اليوم الذي اعلنت فيه الأحزاب الكردية، في القامشلي، تشكيل ( اللجنة الكردية العيا) والتي تشكلت عقب الاتفاق الذي أبرمه المجلسان الكرديّان الرئيسيّان في مدينة أربيل عاصمة اقليم كردستان العراق، برعاية مباشرة من رئيس الاقليم مسعود البرزاني( والذي من المقرر ان ينطلق وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو قريبا اليه ليبلغه عتاب أردوغان الشديد لمساهمته في توحيد كرد سوريا!!). اذن ليس ثمة صدفة في التصريحين. القاسم المشترك هو أن أي خطوة توحيدية كردية، سيقابلها تهديد تركي واضح!.

منذ انطلاقة الثورة السورية وأدبيات الدولة التركية لاتتوقف لحظة عن ترديد مقولة “خسرنا في العراق عام 2003، ولانريد تكرار ذلك في سوريا” والمعنى: ان تركيا “خسرت” استراتيجياً لصالح اكراد العراق، حينما رفضت مساعدة الاميركيين في غزو بلاد الرافدين!. المشاركة التركية المحتملة، كانت في الحساب المتأخر لحزب العدالة والتنمية ستمنع تشكّل اقليم كردي يتمتع باستقلالية فعلية ونمو اقتصادي واضح!. وعليه فإن “الاخطاء” التي ارتكبت في العراق، من اللازم ألا تتكرر في سوريا. وفي كلا الحالتين كان “رأس الاكراد” هو المطلوب!.

وسائل الاعلام التركية تروج ليل نهار الاكاذيب والافتراءات حول “تسليم النظام السوري المناطق الشمالية لحزب الاتحاد الديمقراطي القريب من حزب العمال الكردستاني”، وهو الترويج الذي تلقفته وسائل الاعلام العربية، وصدقته، بل وتهيّمت به وكأنه مسلسل من المسلسلات التركية اياها!. والحال بان القوى الكردية الفاعلة على الارض( وعلى رأسها حزب الاتحاد الديمقراطي السوري) سيطرت على المقار الأمنية وبعض ممثليات حزب البعث الحاكم ومخافر الشرطة، بعد مناوشات صغيرة ومحدودة مع العناصر المتواجدة فيها، والذين أثرت حادثة مقتل المسؤولين الأمنيين في النظام على معنوياتهم، فسارعوا في التقهقر وتسليم أنفسهم للجماهير. وفي خلال “وضع” الاحزاب الكردية، التي شكلت لجانا مشتركة، اليد على تلك المقار، لم يسقط سوى عضويين كرديين في (لجان الحماية الشعبية) وبعض عناصر الاستخبارات من التي اطلقت الرصاص، لكن مظاهر الفرح الكردية لم تكن خافية. وضمن مظاهر الفرح هذه، كانت هناك اعلام قومية كردية كثيرة، وكانت هناك، كذلك، صور كثيرة للزعيم الكردي عبدالله أوجلان!. وهذا ماأقلق تركيا أكثر من أي شيء آخر.

حكومة حزب العدالة والتنمية، ومنذ انطلاقة الثورة السورية، وعبر (غرفة العمليات الخاصة) التي أنشئها للرصد والتنسيق، تتابع الأوضاع والتطورت في المناطق الكردية السورية ساعة بساعة. تتدخل استخباراتيا عبر الاتصال ببعض المجموعات الكردية الصغيرة، وتمدها بالأموال والأسلحة بهدف محاربة حزب الاتحاد الديمقراطي وتصفية كوادره العاملة على الأرض وبشكل خاص في منطقة عفرين (الهجوم على عضو المجلس المحلي في عفرين عبدو مراد 30/06/2012، وقتل الكادر الشاب جكدار آمد في 03/07/2012)، واختارت الدولة التركية منطقة عفرين لعدة أسباب من بينها: قربها من مناطق المواجهات بين قوات النظام وقوات الجيش السوري الحر، وبشكل خاص في ريف حلب وأدلب، ورغبة الدولة التركية الانتقام من أهالي عفرين، بسبب مشاركتهم الكثيفة في الثورة المسلحة التي قادها حزب العمال الكردستاني ضد الدولة التركية، حيث أن المئات من بنات وشباب منطقة عفرين استشهدوا خلال الاعوام الثلاثين من عمر الكفاح الكردي ضد الدولة التركية. وفي الحين الذي كانت فيه الاستخبارات التركية تحاول نشر الاقتتال الكردي الداخلي( وهي الخبيرة في الحرب ضد الكرد من خلال تأسيسها لمنظمة “حزب الله التركي” و”ميليشيات حماة القرى” التي قتلت آلاف الوطنيين الكرد في كردستان الشمالية) كانت الدبلوماسية التركية، هي الأخرى، تشتغل على خطين:

الأول: الاتصال مع النظام السوري لضمان عدم منحه الشعب الكردي لأي حق في البلاد. فما تسمى ب”حزمة الاصلاحات” التي قدمها الاتراك للنظام السوري، كانت “محكمّة” من جهة عدم الاعتراف بهوية الكرد في البلاد وعدم السماح لهم بادارة المناطق التي يٌشكلون فيها الاغلبية. فكانت هذه “الاصلاحات” تطالب بمنع تشكيل الاحزاب على اساس أثني، الى جانب توسيع بسيط للإدارة المحلية، لكن على ان تكون كالصيغة “الممشاة” في تركيا: رئيس بلدية منتخب من الشعب، على ان تكون الصلاحيات الحقيقية في يد القائمقام/المحافظ المعين من قبل العاصمة!.

الثاني: الاتصال مع قوى المعارضة السورية، وخصوصا بعد ان قٌطعت كل الصلات مع النظام السوري، وذلك بمعية واشراف تنظيم الاخوان المسلمين، حليف و”شقيق” حزب العدالة والتنمية. وتحولت تركيا الى محج للمعارضة السورية، وعٌقدت المؤتمرات تلو الأخرى، الى ان تم تشكيل (المجلس الوطني السوري) في 02/10/2011، وفي 07/10/2011 اصدر هذا المجلس بيانا ضد عملية عسكرية قامت بها قوات حزب العمال الكردستاني ضد قوات الجيش التركي وأسفرت عن مقتل 13 جنديا تركيا!. وكان هذا البيان عربونا للعلاقات الوطيدة بين المجلس والحكومة التركية، لكنه كان، كذلك، علامة أولية لغدر المعارضة المرتبطبة بتركيا بالكرد، والذين كانوا منخرطين في الثورة بشكل كبير و”من قلب ورب” كما يقول المثل الشامي. الكرد الذين رفعوا في القامشلي علما سوريا كبيرا، ورفض قادة احزابهم دعوة الرئيس السوري بشار الأسد للقاء في دمشق، كرما للدم السوري المسفوك في درعا وبانياس واللاذقية!. وتوالت طعنات الغدر من قبل هذا المجلس في ظهر الشعب الكردي في سوريا، ولاء وطاعة للسياسة التركية الانكارية، حيث تم رفض الاعتراف بالهوية الكردية في أي دستور سوري قادم، وهو الامر الذي اضطر (الكتلة الكردية) في المجلس لتجميد عضويتها، وبقية القوى السياسية الكردية للإنسحاب من مؤتمرات المعارضة ( في اسطنبول والقاهرة..) ورفع الجماهير الكردية في القامشلي وعامودا وحلب للافتات المنددة بعمالة هذا المجلس للدولة التركية.

وواصل حزب العدالة والتنمية مطاردته لحزب الاتحاد الديمقراطي ومحاولة التضييق عليه وتشويه سمعته، فاتصل السفير التركي في دمشق مع حسن عبدالعظيم رئيس هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، طالبا منه اخراج حزب الاتحاد الديمقراطي من الهيئة مقابل اعتراف الأتراك بها. بل ووصلت الرسائل التركية لممثلي الهيئة في الخارج، وكانت تقول: أخرجوا حزب الاتحاد الديمقراطي مقابل ضغطنا على (المجلس الوطني السوري) ودفعهم لقبول شروطكم في الاندماج وتكوين اطار معارض مشترك!. وطبعا هذه المحاولات كلها كانت قبل “سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على شمال سوريا” بكثير!.

والغريب في كلام رجب طيب أردوغان هو تهديده بالتدخل العسكري في 5 محافظات سورية، وليست فقط المحافظات الشمالية الغربية التي يعيش فيها الكرد!. ماعلاقة دير الزور بالقضية؟. هل لحقول النفط التي يسيل لها لعاب الاتراك منذ زمن طويل أي علاقة؟. النفط الذي كان المسؤولون الاتراك يرددون دائما: يجب مقايضة مياه دجلة والفرات بنفط دير الزور والحسكة. كلام موجود في محاضر جلسات التنازل والخنوع التي كان النظام السوري يعقدها مع المسؤولين الاتراك بشكل دوري…

لقد فشلت تركيا حتى الآن في تحقيق هدفين في سياستها المعادية للكرد السوريين: فشلت في اثارة مواجهات داخلية بين القوى الكردية، لأن هذه انخرطت الآن في مجلس واحد، اما المجموعات الصغيرة العميلة للاستخبارات التركية فتم النيل منها من جانب حزب الاتحاد الديمقراطي، وباتت مشلولة تماما. وفشلت في احداث مواجهات بين الكرد وقوات الجيش السوري الحر. فقد تم الاتصال وعلى أعلى المستويات بين القوى الكردية وقيادات الجيش السوري الحر، وهناك تعاون في بعض المناطق!. واليوم المصادف في 26/07/2011 هاجمت قوات النظام السوري افرادا من (لجان الحماية الشعبية الكردية) في حلب عندما كانوا ينقلون المؤن للمهجرين العرب من أعزاز، والذين التجئوا الى الاحياء ذات الغالبية الكردية ( الشيخ مقصود والاشرفية..) فقتلت منهم 3 عناصر وجرحت 10 آخرين.

الورقة المتبقية الآن بيد اردوغان وحزبه هي تكرار “سيناريو الموصل”، أي محاولة تأليب العشائر العربية التي تعيش في مناطق الحسكة بشكل خاص على الكرد من خلال نشر الاكاذيب والافتراءات في الاعلام وتصوير الكرد وكأنهم “يريدون الانفصال وتشكيل دولة وطرد العرب منها”!. ولكي تفشل هذه المحاولة الخبيثة ايضا، هناك الان حملة كبيرة من جانب المثقفين والوجهاء وشيوخ العشائر من العرب والكرد والسريان والآشوريين والأرمن وبقية المكونات في محافظة الحسكة، من اجل عقد مؤتمر “اخوة الشعوب” وتوقيع ميثاق شرف وطني سوري يقضي بالاحترام المتبادل وحرمة الدم، والدفاع المشترك عن ارض الوطن في وجه أي تدخل عسكري خارجي. وفي حال حدوث ذلك، وهو سيحدث لأن الكل متمسك بالاخوة وبقيم الجيرة والمواطنة، تكون تركيا قد خسرت كليا، ويكون الشعب السوري قد ربح، لأن ثورته هي ثورة الديمقراطية والمشاركة في صنع القرار وحرية كل شخص ومكوّن في ممارسة هويته في اطار الوطن الحر الواحد: سوريا.

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى