ما أراده صالح
حسام عيتاني
حصل الرئيس علي عبد الله صالح على ما أراد. بعد شهور من المماحكات والمناورات التي لا يزيد مستوى إتقانها عن مستوى ألاعيب محتالي الشوارع الضيقة، دفع صالح اليمن إلى حرب أهلية.
فمن اقتراحات الاصلاح الفارغ إلى التذاكي على المبادرة الخليجية، ومن تبني مطالب المحتجين والمعتصمين في الساحات إلى إطلاق النار عليهم وإرسال الرعاع لتأديبهم، على ما يفهم صالح وأترابه الأدب، سارت الأزمة اليمنية من تعقيد إلى آخر على إيقاع رفض الرئيس الاعتراف بانتهاء مدة صلاحيته كزعيم على اليمن.
ولم يكن خيار الحرب بالمفاجأة، فقد حذّر منه صالح وخصومه منذ الايام الاولى للتظاهرات المنادية بتغيير النظام وتنحي الرئيس في شهر شباط (فبراير) الماضي. استند المحذّرون الى تاريخ اليمن الطويل من الحروب الأهلية والقبلية والطائفية، وإلى ان الجروح التي سبَّبها القتال ضد الحوثيين لم تبرأ بعد. وتاريخ الحروب تلك يتأسس على بنية قبلية وطائفية وجهوية هشة، وعلى موقع إستراتيجي يتحكم ببعض أهم طرق المواصلات في العالم، وبانفجار سكاني وأزمتين، بيئية واقتصادية، متلازمتين.
لم يكن عسيراً على صالح اختطاف البلاد واتخاذها رهينة ترتبط حياتها ببقائه على كرسيه. المناخان الدولي والعربي يشجعانه على ذلك، في وقت لا يبدو ان القوى الدولية تستطيع القيام بالكثير من أجل اليمن الخالي تقريباً من النفط ،والمكتظ في المقابل، بكل أنواع الصعوبات والمشكلات. والسابقة التي أرساها معمر القذافي في ليبيا ارشدت صالح إلى اللجوء الى العنف السافر للاحتفاظ بالسلطة، وهي التجربة ذاتها التي يكررها أكثر من طاغية عربي اليوم: وضع الدبابات في مواجهة الناس العزّل، وسط لغو وثرثرة عن «الأكثرية الصامتة» التي تُستعرض في الساحات لتمجيد الحاكم وتدعوه الى متابعة حكمه الفاسد إلى حدود العفن والاهتراء.
اما التهويل بويلات سينزلها تنظيم «القاعدة» بالعالم إذا سقط علي عبد الله صالح، فهي الذريعة التوأم لمقولة تدفق ملايين اللاجئين من ليبيا الى اوروبا اذا أطيح بالقذافي، وخطر حكم «الجماعات السلفية» في سورية على استقرار اسرائيل إذا أزيح الأسد عن سدة الحكم.
التشابه الصادم في الذرائع لا يباريه سوى انسداد آفاق المستقبل الذي يريده صالح والقذافي والأسد لشباب شعوبهم (خلافاً لما يعتقد السيد حسن نصر الله من انفتاح في سورية على اصلاحات «كبيرة جداً»)، فما هي الوعود التي يستطيع قطعها أي من هؤلاء الثلاثة بعد مقتل الآلاف من اليمنيين والليبيين والسوريين برصاص «الأمن»؟ وبعد آلاف اللاجئين في تونس ولبنان؟
وبعد، إن الوعد الوحيد الذي يستطيع صالح (وأشباهه) تنفيذه هو البقاء في السلطة الى ان يشاء القدر، وان يظل على سيرته الأولى من الفساد وتعميق الانشقاقات الأهلية والتمييز بين أهل القبائل والمناطق المختلفة ودفع اليمن نحو قيعان أعمق من الفقر والتخلف والتصحر بكل انواعها.
من المهم في المقام هذا، عدم الانجرار الى وهم براءة اشخاص مثل صادق الأحمر او من يعادلهم، فالتظاهرات السلمية للشباب اليمني الطامح الى التغيير الديموقراطي والى الارتقاء بالحياة السياسية في البلاد، تشارَكَ على الاطاحة بها مشروع سلطة مفوتة يمثِّل صالح والأحمر وجهين له، وردُّ الفعل القبلي الذي تعبر عنه «حاشد» لا ينفصل عن فعل من الصنف ذاته تعمّده صالح، لكن الثاني لا يبرئ الأول ولا يمحو خطره.
الحياة