ما العمل إذا أخفق أنان في تنفيذ خطته؟
إما ان يتنحّى الأسد … وإما حرب داخلية
اميل خوري
السؤال الذي لا جواب عنه حتى الآن هو: هل تنجح خطة كوفي أنان في وقف اطلاق النار في سوريا والمباشرة في تنفيذ اجراءات قيام نظام جديد فيها واجراء انتخابات نيابية حرّة ونزيهة تخوضها أحزاب متعدّدة وتحدد نتائجها انتقال السلطة انتقالاً سلساً وهادئاً؟ وما العمل إذا فشل أنان في تنفيذ هذه الخطة؟ وما هي الخطوة التالية سواء صار اتفاق عربي ودولي عليها أم تعذر حصول هذا الاتفاق؟
الواقع ان روسيا هي التي تملك مفتاح الحل في سوريا، وهي التي تستطيع ان تلزم النظام الحالي في سوريا تنفيذ خطة أنان أو عدم تنفيذها. وهذا يتوقف على مدى الاستجابة لما تريده وهو قبل أي شيء آخر، قيام نظام جديد في سوريا وحكم جديد ترتاح اليه كما كانت مرتاحة الى وجود النظام الحالي لأنها تخشى ان تصل الى الحكم في سوريا جماعة “الأخوان المسلمين” وهذا من شأنه أن يحرك الجماعات الاسلامية المتشددة داخل روسيا الاتحادية ويخلق لها المتاعب الأمنية. ولا يكفي أن يصدر عن هذه الجماعة بيان يطمئن القلقين من سياستها والتي قد تقيم حكم الديكتاتورية الدينية بديلاً من حكم الديكتاتورية العسكرية او الحزبية الشمولية، خصوصاً بعدما أخلَّ “الأخوان المسلمون” بتعهداتهم في مصر وأقدموا على ترشيح واحد منهم لرئاسة الجمهورية، بعدما كانوا قد وعدوا بعدم الإقدام على ذلك، وها هم يستأثرون أيضاً بوضع دستور جديد لمصر قد يشعل الخلاف عليه ثورة جديدة، عدا الحراك المريب للاسلاميين الأصوليين في تونس وليبيا. فبماذا ترد الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الاوروبي ودول عربية على هذا الموقف الروسي؟
في معلومات لمصادر ديبلوماسية أن فرصة الحل السياسي للأزمة السورية هي الفرصة الأخيرة التي يحاول كوفي أنان خلالها تنفيذ خطته وهي تحظى بموافقة الجميع ودعمهم، وإن ظاهرياً بالنسبة الى البعض، لكنها فرصة ليست مفتوحة كما تحاول روسيا أن تفعل لابقاء ورقة الضغط في يدها وهي ورقة عدم الموافقة على تنحّي الرئيس الأسد ما لم يسبق ذلك اتفاق على البديل، إذ من دون هذا الاتفاق فإن الفوضى قد تسود سوريا كتلك التي سادت وتسود العراق والتي قد لا يكون نهاية لها إلاّ تقسيم سوريا دويلات مذهبية وعرقية، وهو ما يشكّل خدمة مجانية لاسرائيل، ويثير قلق روسيا.
لذلك فإن “مؤتمر اصدقاء سوريا “المقبل والمقرر عقده في باريس قد يتخذ في حال فشل تنفيذ خطة أنان قراراً بانشاء ممرات آمنة لدخول المساعدات الانسانية للسوريين المحتاجين اليها وإقامة مناطق عازلة على الحدود التركية – السورية، وتكليف هيئة تتولى توزيع الاسلحة على “الجيش السوري الحر” بحيث لا تتسرب الى الجماعات الاسلامية الأصولية أو الى العناصر الارهابية وعلى رأسها تنظيم “القاعدة”. واتخاذ هذا القرار قد يشجع على حصول مزيد من الانشقاقات في الجيش السوري النظامي خصوصاً بعد تخصيص رواتب للمنشقين، ويصير عندئذ في الامكان مواجهة الجيش النظامي بفاعلية أقوى تجعله قادراً على الحسم أو وضع الرئيس الأسد بين خيارين: إما التنحي لاخراج سوريا من مستنقع الدم، وإما تحمّل مسؤولية قيام حرب داخلية مدمرة لا أحد يعرف مدتها ولا حجم الاضرار البشرية والمادية التي تلحق بسوريا.
وترى المصادر نفسها انه في مقابل تمسّك روسيا بورقة الدفاع عن النظام في سوريا وعدم تخليها عنها إلا إذا صار اتفاق على قيام نظام بديل ترتاح اليه، فإن الولايات المتحدة الأميركية ومن معها تمسك بورقة أخرى ضاغطة على روسيا في حال فشل أنان في تنفيذ خطته للحل السياسي في سوريا وهي الورقة التي تدعم المعارضة السورية ولا سيما “الجيش السوري الحرّ” بالمال والعتاد وتضع روسيا بين خيارين: إما الموافقة على تنحي الرئيس الأسد وترك الشعب السوري الحر يختار نظامه وحكامه بموجب انتخابات نيابية حرّة ونزيهة، وإما تحمّل عواقب حرب داخلية قد لا تنتهي إلا بالتقسيم، وهو تقسيم قد يكون بداية تقسيم عدد من دول المنطقة.
لذلك فإن مؤتمر اسطنبول إذا كان قد اعترف بـ”المجلس الوطني” ممثلاً شرعياً للشعب السوري، فإن مؤتمر باريس قد يقرّر تسليح “الجيش السوري الحرّ”. لكن لا بد قبل ذلك من انتظار مصير مساعي أنان ومدى نجاحه في تطبيق خطته التي تحقق حلاً سياسياً للأزمة السورية وهو الأسلم للجميع.
النهار