ما بين السلمية و الاستمناء السلمي
السلمية عنوان انتفاضة الشعب السوري ضد الظلم والطغيان وضد الصمت الذي دام تحت القهر لاربعة عقود.
وقد استمد الشعب السوري سلميته من التجارب الثورية العربية في كل من مصر وتونس وكذلك من التجارب العالمية التي سلكت هذا النهج الحضاري الفاعل لنيل حريتها.
ولكن لو نظرنا بواقعية للإحداثيات في الحالة السورية وقارناها مع الثورات السلمية الأخرى فنجد انّ الثورة السورية تفتقد لأهم العناصر الاساسية والفاعلة في نصر الثورة السلمية ألا وهو حيادية الجيش في البداية وميله للشعب قُبيل الانتصار.
والناظر للحراك السلمي السوري في ظل هذا الظرف العصيب يجد انّ ما حققه الحراك السلمي يعد فوق السقف المرجو له في ظل وجود الجيش الموالي المفتقد للضمير والإنسانية، فالسلمية قد عرّت النظام للداخل قبل الخارج وفضحت خباثته المختبئة خلف ستار الممانعة والمقاومة وكشفت للعالم عدالة الثورة وقذارة النظام.
وعند انسداد المخاض امام السلمية في ظل هذا الظرف كان لا بد من ادخال عنصر فاعل وهو الحراك المسلح المتمثل بالجيش الحر كتتمة للحراك السلمية وحماية له من عصابات النظام المجرمة ومن تبنى هذا الخيار هو نفسه الذي تبنى السلمية ليكمل مشواره في طريق الثورة ولكن بعض السلميين آثروا المضي في الأحلام بعيدا عن الواقع وصولاً للاستمناء السلمي.
والاستمناء السلمي هو عبارة عن إعمال للخيال واستجداء للأحلام والتصورات الثورية ( المثيرة) للوصول إلى النشوة بالنصر والحرية تحت الأجفان المتلاصقة بعيداً عن نور الواقع. وهذا تماماً كالاستمناء حيث يفعل فيها الانسان خياله لاستحضار صور وتخيلات مثيرة للوصول إلى النشوة الجنسية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف الحيلة وعدم الوصول للشخصية المثيرة واقعاً واستبدالها بالمتعة خيالاً و وهماً.
ما كنت لأكتب هذا الكلام في ظل معاناة أهلنا القابعين تحت القصف لولا استشراء هذا الداء والذي بات يجر اصحابه لتصديق دعايات النظام وعملياته الممنهجة للنيل من الجيش الحر والمنظومة المسلحة المعادية للنظام ككل، بالإضافة لمحاولة اسكات صوت الشعب الذي تبنى واحتضن الجيش الحر كخيار لاستمرارية الثورة وطريقاً للدفاع عن الارض والعرض وصولا للإطاحة بالعصابة المستحكمة بالشعب.
هنا لا بُد أن أدعو هؤلاء للعودة للواقع والصحوة من الأحلام والتوقف عن اجترار مفاهيم السلمية النموذجية والتي لا تتوافر أهم شروطها في التربة السورية، وكذلك العمل المشترك لا الاستمرار بعملية المواربة ومحاولة موائمة وتدكيك المفاهيم الفضفاضة في ثقب الأمل المتضيق.
غاندي كزعيم للحراك السلمي اشترط لنجاح الثورة السلمية ” أن يتمتع الخصم ببقية ضمير وحرية تمكنه في النهاية من فتح حوار موضوعي مع الآخر”
فهل بشار وعصابته لديه بقية من ضمير لدى استهدافه الأطفال مثلاً، أم انّ لديه بقية من حرية عندما صاح زبانيته وصاحت بنادقهم معهم ” بدكم حرية … عطيهم حرية”
وهل الاستمرار في الاستمناء السلمي سيجعل الحرية الحسناء تأتي واقعاً لا وهماً؟ أم أنها ستقود لمزيد من الارتياح لدى العصابة المستحكمة وتعطيها مزيدا من الوقت لتسفك مزيدا من الدماء ومزيدا من عمليات التصفية الممنهجة للثورة؟
هل الاستمرار في عملية الاستمناء السلمي سيقنع الشارع ذو العينين المتفتحتين أن يتخلى عن الدفاع عن نفسه وماله وعرضه؟
إن الافكار السلمية لن تزهر في تربتنا طالما ان قطيعاً من الغربان يتربصون بزوغ الطلع ليقطفوه غضاً طرياً، كيف لهذه البذور أن تزهر دونما فلاحٍ و رصاصٍ يفزع هذا القطيع ويمنعه اقتراب الطلع المزهر.
أرجوكم !!! ثورة الشعب ودمه أمانة وليست حسناء تستمنون بجمالها حريّة الأوهام.
أبو الملك