صفحات سورية

ما تريده واشنطن وما يطلبه السوريون؟

 

الطاهر إبراهيم

السياسة فن الممكن، ولا تبنى على الحب والبغض، إنما على المصالح. مع ذلك أحس مراقبون أن واشنطن امتعضت من كلام ‘معاذ الخطيب’ رئيس الائتلاف الوطني الذي أعلن يوم الثلاثاء 26 آذار الماضي أمام قمة الدوحة أنه طلب من وزير الخارجية الأمريكي ‘جون كيري’ توسيع مدى بطاريات صواريخ باتريوت بحيث تطال شمال سوريا حماية للمدنيين، لافتا إلى أن كيري وعده ‘بدراسة الموضوع’. وأضاف ‘ما زلنا ننتظر من حلف الناتو قرارا في هذا الشأن’.

ليس هذا هو ما أثار امتعاض واشنطن، فقد اعتذرت عن عدم تلبية طلب ‘الخطيب’ فورا عندما رد في نفس اليوم المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني بقوله: ‘لقد اطلعنا على هذا الطلب. حتى الآن، لا ينوي الحلف الأطلسي التدخل عسكريا في سوريا’. كما دعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ‘اندرسن راسموسن’ يوم الأربعاء في 27 آذار الماضي، إلى حل سياسي للأزمة السورية.. مستبعداً أي تدخل عسكري من جانب الحلف.

لكن الذي أثار امتعاض واشنطن أن الخطيب علق على مجمل ردود كارني وراسموسن بقوله: ‘إن هناك إرادة دولية ترغب في ألا تنتصر الثورة السورية’. وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية الـ ‘BBC’ يوم 28 آذار الماضي: ‘إن تصريح الخطيب يأتي رداً على رفض الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الشمال الأطلسي استخدام صواريخ ‘باتريوت’ في الشمال السوري.

لا نريد مماحكة ‘جاي كارني’، لكننا نلفت نظره إلى إن الحلف الأطلسي يتدخل فعليا في سورية عندما ينشر بطاريات باتريوت على الحدود التركية السورية، علما إن تركـــيا غــــير محتاجة لهذه البطاريات لأنها قادرة على الدفاع عن نفسها إذا ما هوجمت من جهة سورية. وإذا كان هناك من هو محتاج لها فهو الشعب السوري الذي تقصفه طائرات بشار أسد وقواعد صواريخ سكود الرابضة فوق جبل قاسيون المطل على دمشق.

الحوارعن بعد الذي جرى بين رئيس الائتلاف معاذ الخطيب وبين المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني، يكشف عن حوارات صامتة، كانت وراء استقالة الخطيب، حيث أرسلت واشنطن طلبات من تحت الطاولة شعر الخطيب أنه لا يستطيع قبولها.

‘منذر ماخوس’ سفير الائتلاف في فرنسا أوضح لقناة الـ(BBC): ‘أنه أبلغ قبل مجيئه للاستديو بأن واشنطن ترفض الحكومة المؤقتة، وترفض الهيئة التنفيذية في الداخل السوري أيضا’. ما يعني أن البديل عند واشنطن هو الحوار بين المعارضة وبين وفد يمثل النظام، كما قال ‘كيري’: إنه يتطلع إلى جلوس وفد من المعارضة مع وفد من النظام إلى طاولة الحوار. ما يعني ألا نية عند ‘أوباما’ أن يرى المعارضة في مقعد السلطة في سورية.

واضح أنه لا يمكن الوصول إلى حل وسط بين واشنطن والمعارضة السياسية السورية المتمثلة حاليا بالائتــــلاف، الذي يرفض الحوار مع بشار أسد كما يرفض تشكيل حكومة انتقالية كما تنص عليه وثيقة جنيف، طالما أن بشار أسد في السلطة.

واشنطن تعرف أن الفصائل المقاتلة، كلها بلا استثناء تصدر بياناتها باسم الجيش الحر، لا فرق بين فصيل جهادي وآخر معتدل. وتستطيع واشنطن، لو أرادت، توصيل أسلحة نوعية للفصائل المعتدلة. لكن ما تتذرع به واشنطن يخفي وراءه أمورا ليس من الصعب إدراك مراميها، تتعلق بما تريده إسرائيل من بقاء بشار أسد في السلطة، أو الإتيان بنظام منزوع الأنياب لا يختلف في قليل أو كثير عن نظام حافظ أسد ومن بعده بشار أسد.

لا نذيع سرا إذا قلنا أنه ليس هناك بين الفصائل المقاتلة من هو في أقصى يمين الجهاد ومن هو في أقصى شمال الاعتدال. فالقمع الذي يوقعه بشار أسد بالسوريين، والمذابح التي لا تفرق بين ما هو مقاتل وما هو طفل وما هي امرأة لم تترك معتدلين بين الفصائل المقاتلة، حسب التعريف الأمريكي. واشنطن تعرف هذا، لكنها تحاول أن تلتف على الجيش الحر فتضغط على المعارضة السورية السياسية ممثلة بالائتلاف، للوصول إلى نظام حكم معتدل كهربائيا (لا ينش ولا يهش)، وبذلك تحقق مآرب إسرائيل.

مهما قلنا عن معارضة الخارج -التي يقودها الائتلاف الوطني- واختلافاتها المتشعبة، ورضاها بالطريقة التي تم بها انتخاب رئيس الحكومة المؤقتة، أو رفضها لهذه الطريقة، فلا ينبغي للدول الغربية أن توقف تزويد الجيش الحر – وهو كيان آخر غير المعارضة السياسية- بالسلاح الذي يمنع تحليق طائرات بشار أسد. هذه أول مرة في التاريخ يرفض المجتمع الدولي تقديم الحماية للمدنيين من بطش النظام لأن معارضي النظام على غير وفاق.

وللحقيقة نقول: مهما كانت خلافات المعارضين السوريين فإنهم متفقون على رفض أي حل لا يؤدي إلى رحيل النظام بقضه وقضيضه. بل يعتبرون ما تعرضه واشنطن على الثوار أقل من المقبول، بل لا مكاسب فيه للثوار إطلاقا إذا بقي بشار أسد في السلطة. لأنهم يعتبرون الحوار مع بشار أسد يعني قبولا ببقائه في الحكم لأنه يملك القوة والسلطة.

استطرادا، الذين يظهرون من معارضة الخارج على الفضائيات للحديث عن وجهة نظر الثورة السورية، معظمهم، إن لم نقل كلهم، هم معارضون ليبراليون. وحتى الآن لم يقف واحد من هؤلاء ليقول إننا نقبل بالجلوس مع بشار أسد حول طاولة الحوار، كما يريد ‘كيري’ و’أوباما’.

يبقى أن نقول: أن على معاذ الخطيب أن يبقى في رئاسة الائتلاف، حتى لا يقال إن واشنطن هي من جاءت بالخطيب إلى رئاسة الائتلاف، وهي من تصرفه. السوريون لا يصدقون هذه الإيحاءات لأن الخطيب جاء بإجماع الائتلاف، وإلا نكون قد سلمنا أن واشنطن هي من صنعت الائتلاف. كما أن عليه أن يستمر في رفض وصاية واشنطن على الثورة السورية مهما مارست من ضغوط، وأن يكون شعاره: ‘لا يقطع الرأس إلا من ركبه’!!

كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى