صفحات سورية

ما زال أهل حمص يدفعون ثمن تحدّيهم للأسد


هالة قضماني

على الرغم من توافد مراقبي الامم المتحدة الى سوريا، استمر النظام بالإنقضاض على حمص عاصمة الثورة، وعلى أهلها….

الخميس 22 من نسيان الماضي كان يوماً مشهوداً بالنسبة لسكان حمص؛ اذ لم تسقط على المدينة قذيفة واحدة، ولم تسمع أية طلقة رصاص. على أحد شرائط “اليو تيوب” اسرّ حاتم قمحية بأن الهدوء يسبّب له “الدوار”. اذ كان اليوم الأول الذي يرى فيه هذا المواطن السيتيني النور بعد مكوثه أياماً طويلة في الظلام، مختفياً تحت الارض في حي الخالدية الشهير. وقف اطلاق النار الذي فرضه مشروع كوفي أنان استمر يومها أربعة وعشرين ساعة. كانت استراحة قصيرة، نسيها أهل حمص بسرعة. ففي اليوم التالي عاد القصف المكثف على أحياء حمص الشمالية، ومنها الخالدية، حيث قتل حاتم بعدما كان يحاول إنقاذ جيرانه الجرحى.

وعلى الرغم من وصول عشرة مراقبين غير مسلحين من الامم المتحدة، ومن مكوث إثنان منهما يوم السبت الفائت في مدينة حمص، فان قوى النظام المسلحة ما زالت تركز هجماتها على المدينة.

“عاصمة الثورة” لا تتوقف عن دفع ثمن تحدّيها لسلطة بشار الاسد. ثلث سكانها، من أصل مليون نسمة، الذين اضطروا للبقاء تحت نيران القاذفات الصاروخية ورصاص القناصة، لا يستطيعون اجتياز شارع واحد للانتقال من حيّ الى آخر. فيما الفارون منهم يتعرّضون لكل أشكال التنكيل والنهب والقمع.

حسب تقرير بان كي مون، الأمين العام للامم المتحدة، فان الحماصنة هم الأكثرية من بين عشرات الآلاف من اللاجئين السورين في لبنان والاردن، ومن بين المليون لاجىء داخل سوريا نفسها. منازلهم المهجورة احتُلت ونُهبت على “يد عصابات مسلحة” بحسب بروباغاندا النظام، أو على يد جيشه واتباعه بحسب العديد من الشهادات. تروي سيدة أعمال حمصية تركت مدينتها ووصلت الى دمشق: “جنود الجيش سرقوا كل شيء، حتى ثيابي الداخلية!”. ففي حي الانشاءات، الميسور نسبياً، حيث تسكن هذه السيدة، شنّت قوات النظام حملات عقابية ضد تجاره لأنهم ساعدوا سكان حيّ بابا عمرو.

وفي وسط المأساة، تحضر الفكاهة السوداء. حمصية تشكتي على موقع الفايس بوك من ان منزلها ومنزليّ أخوتها الاثنين قد “نظِّفت تماما”. فكان ردّ أحد مرتادي الشبكة، واسمه ابو حمزة الحمصي: “ما يطمئن في الحادثة انه، اثناء غيابنا، كان هناك من يهتم بمنازلنا. هكذا نعود اليها وهي نظيفة تماما”.

اذا كان الأكثر حظا من بين أهل حمص قد وجدوا ملاذا في منازل أقاربهم وأصدقائهم، فان مصير عشرة آلاف عائلة وصلت الى محيط دمشق هو مصير مأساوي. نصف هذه العائلات استقر في حيّ السيدة زينب، جنوب العاصمة، وهو حيّ معروف، يحج اليه الشيعة، وتحيطه أحياء عشوائية وبؤس هائل؛ ويأوي منذ عدة سنوات لاجئين عراقيين.

العائلات الاخرى موزّعة في مختلف الضواحي الفقيرة للعاصمة. والتضامن المذهل لغالبية الدمشقيين تجاه أهل حمص المشرّدين سمحت لللاجئين الحماصنة بالاستمرار على قيد الحياة. لكن اجهزة المخابرات تنقض ايضا على المضيفين. خلود، وهي شابة ناشطة تقوم بمساعدة اهل حمص، وتعمل في السرّ طبعا، قالت لنا على “السكايب”: “بوسعنا الحصول على مساكن خالية، وعلى ثياب وطعام يقدمها لنا بعض اهالي العاصمة. ولكن المهمة تزداد صعوبة. فالافراد الخمسة لعائلة وصلت الى حيّ المعضمية اوقفوا بعد يومين من وصولهم، ومعهم العائلة التي استقبلتهم”.

حول الضاحية الشمالية لضاحية قدسايا، التي استقبلت لوحدها اكثر من الف عائلة حمصية، تقول خلود: “الناس يترددون الآن في تقديم المساعدات، وذلك تجنبا للتوقيف والتحقيق على يد قوات المخابرات الذين وصل بها الامر الى حدّ إقلاق الاطباء الذين يهتمون بالمرضى الحمصيين”. الشاب بلال زعيتر مثلا اعتقل بعدما وزّع هدايا على اطفال حمص بمناسبة عيد الفصح. أصدقاء الشاب أذاعوا الخبر ونظموا حملة لاطلاق سراحه.

الحماصنة في دمشق يخشون التجول في العاصمة وجوارها، كي لا يضطروا لإبراز هوياتهم للرجال الواقفين على نقاط التفتيش. وهم معرضون لمختلف اصناف التنكيل والتعسف على يد رجال “الامن”، خصوصا عندما يكونوا عاجزين عن الاجابة على اسئلة هؤلاء العملاء الفاسدين. اما ان يتنقل الحمصي داخل العاصمة من دون اوراق ثبوتية، فان عقوبته تكون أشدّ.

حادثة اثارت صدمة المشتركين في شبكات التواصل في بداية نيسان الماضي بعدما سحقت القنابل مدينة حمص: وهي قصة ثلاثين يتيما لا يتجاوز عمرهم الثلاث سنوات، وبعضهم رضع، كان مجهولون قد رموهم في شوارع دمشق. بيوت الايتام والمؤسسات المتخصصة رفضت استقبالهم، وطالبت بأوراقهم الثبوتية، ولو كانت تحت انقاض المدينة المدمرة.

من بين كل الفظاعات التي ارتكبت في حمص، فان اغتصاب النساء والبنات من قبل جنود النظام وعملائه هي من أكثرها صعوبة على الكشف، وذلك خوفا من العار والثأر. طبيب نسائي في دمشق أسرّ لمحيطه بأن طفلة عمرها تسع سنوات اغتصبها “ستة خازير” عند الاستيلاء على بابا عمرو، وهو لا يجروء على الكشف عن نفسه خوفا من “الاختفاء”، كما حصل لطبيبين دمشقيين عالجا جرحى من حمص. لا احد يفلت من عقوبات نظام بشار الاسد ضد المدينة التي ترمز الى الثورة عليه.

عن صحيفة “ليبراسيون” (24 نيسان 2012)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى