ما لم يقله بشار الأسد في خطابه
سليم نصار
يقول ديبلوماسيون في دمشق ان ايران خشيت من امكان تراجع موقف الاسد حيال الضغوط الاقليمية والدولية التي تمارس ضده. لذلك قررت استفزاز القوات البحرية المنتشرة حول مضيق هرمز والاعلان عن تطوير قنبلتها النووية…
التاريخ يعيد نفسه في سوريا…
في كتابه عن الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد، يشير المؤلف باتريك سيل، الى احداث حماة باعتبارها تمثل محطة فاصلة من مراحل الحكم ويقول: بعد الانتصار على الاخوان المسلمين في حماه، ظهر حافظ الاسد بصورة مفاجئة في شوارع دمشق يوم 7 آذار 1982 وبما ان ظهوره تزامن مع الذكرى التاسعة عشرة لثورة البعث، فقد حملته الجماهير الصاخبة على اكتافها مدة ساعتين كاملتين من قصر الضيافة الى البرلمان. وفي ذلك اليوم، كان الرئيس غاضباً ومنفعلاً خلال القاء خطاب ناري بدأه بالقول: “أيها الاخوة والابناء… الموت للاخوان المسلمين المجرمين. الموت للمأجورين الذين حاولوا نشر الفوضى والدمار في الوطن”.
بعد مرور حوالى ثلاثين سنة على ذلك الصدام الدموي الذي وقع في حماة بين قوى النظام ومسلحي “الاخوان المسلمين”، تجددت صورة تلك الواقعة في مدن مختلفة بواسطة عناصر مختلفة.
وبدعم من تركيا ودول عربية وغربية عدة انشىء المجلس الوطني السوري المعارض من مختلف الاطياف بهدف القيام بدور المحاور والشريك وربما البديل.
وتوقع الداعمون لهذا المجلس، زعزعة النظام على نحو ما حدث في تونس ومصر، الامر الذي يفتح باب التغيير امام الحلول المطروحة. يقول الديبلوماسيون في دمشق ان ايران خشيت من امكان تراجع موقف الاسد حيال الضغوط الاقليمية والدولية التي تمارس ضده. كما خشيت من انعكاسات التحول السوري على مكانتها الاقليمية والدولية، خصوصاً انها في صدد بناء منظمة جديدة تتألف من ايران والعراق وسوريا ولبنان، لملء الفراغ السياسي والامني الذي تركه الانسحاب الاميركي من العراق. وبما ان سوريا تمثل الحليف المركزي لايران في المنطقة، فقد حذرت من خطورة اسقاط الاسد، ومن تداعيات هذا العمل على دورها المستقبلي. لذلك قررت استفزاز القوات البحرية الاميركية المنتشرة حول مضيق هرمز، والاعلان عن تطوير قنبلتها النووية، والقيام بمناورات للحرس الثوري بالذخيرة الحية استمرت عشرة ايام. وقام التلفزيون الحكومي بعرض سلسلة لقطات درامية تمثل اطلاق صواريخ بعيدة المدى وانطلاق زوارق حربية سريعة معدة لعمليات انتحارية. وأعربت مصادر غربية عن تخوفها من ارتفاع سعر النفط، في حال اغلق المضيق وتوقفت عمليات شحن ما نسبته خمس تجارة الطاقة العالمية. ومن المؤكد – كما كتب فريزر المحلل المتخصص في شؤون النفط – ان هذه التوقعات ستؤثر على الاقتصاد الغربي المنهار، وتحدث انقسامات داخل القوى الغربية بشأن العقوبات.
ويبدو ان مصدر الهجمة الايرانية يستند الى معطيات عدة اهمها: مخاوف الرئيس اوباما من الدخول في مزيد من المواجهات العسكرية بعد سياسة الانطواء التي ظهرت عقب الانسحاب من العراق… وتأثير الازمة الاقتصادية الخطيرة في الولايات المتحدة واوروبا، على القرارات السياسية. اضافة الى هذا، فإن اوباما لن يخاطر بشن حرب غير مضمونة في وقت يستعد للفوز بولاية ثانية.
في ضوء هذه التطورات، خشيت الادارة الاميركية من انقسام المواقف الاوروبية حول العقوبات الاقتصادية على ايران. لذلك سارع وزير الدفاع ليون بانتيا، الى القول ان اغلاق مضيق هرمز يعتبر “خطاً احمر” بالنسبة لبلاده وغالبية دول العالم. وقد ايده في هذا القرار وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند، الذي وعد بارسال المزيد من كاسحات الالغام المتطورة الى منطقة الخليج، اضافة الى المدمرة “دارلينغ”.
ومن اجل تطمين اسرائيل، اعلن الوزير الاميركي بانتيا، ان بلاده تستعد للقيام بمناورات مشتركة، تعتبر الاضخم منذ 2009. وقال ان الهدف من اجرائها، يتعلق باختبار الانظمة الدفاعية الصاروخية.
وفي خطوة ديبلوماسية تشكل نوعاً من التحدي السافر لقوة الولايات المتحدة، قام الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد بجولة زار خلالها فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا والاكوادور. ومع ان غرض الجولة يتمثل في كسر حال العزلة الدولية، الا انها من جهة اخرى، تتمثل في اختراق ما يسمى “الحديقة الخلفية” للنفوذ الاميركي.
تزعم الصحف الايرانية ان المناورات العسكرية والجولة الديبلوماسية التي يقوم بها نجاد، تدخل ضمن حملة ردع مدروسة ترمي الى شد اعصاب الاسد ومنعه من التراجع امام المبادرة العربية والمجلس الوطني المعارض.
في هذا السياق، دخلت موسكو على الموقع السوري لتشجع الرئيس الاسد على الاقتداء بايران وعدم الاستجابة لمطالب المعارضة. وقد دعمت اقتراحها بارسال اسطولها الى ميناء طرطوس بغرض تحقيق امرين مهمين: الاول – اشعار النظام السوري ان روسيا جادة في حمايته وبقائه لأنها فقدت صداقة كل الدول الاخرى في الشرق الأوسط. ثانياً – ابلاغ واشنطن والعواصم الاوروبية بأنها مستاءة من تهميشها المقصود من قبل الدول الغربية، بحيث فشلت في اقتناص عقد واحد من عقود ليبيا الجديدة. علماً ان القذافي كان يملأ ترسانته من مصانعها الحربية، ويفضلها على سائر الدول الاجنبية في ميادين الاعمار ومشاريع التنمية.
خلال مرحلة الترقب، ووصول نار المعارضة الى العاصمة، تبين للنظام ان اسلوب القتل على الهوية، بدأ يمارس بصورة مكشوفة في ازقة دمشق وأطرافها السائبة. ونقلت الاجهزة الخاصة سلسلة حوادث كان ضحاياها من الطائفة العلوية، الامر الذي دفع بشار الاسد الى التركيز في خطابه على موضوع الارهاب، وعلى اعتماد “الامن” قاعدة اساسية في سلم الاولويات.
وقبل أن يدلي في خطابه الرابع، بمواقفه السياسية المفاجئة، قرر القيام بعرض واسع للآلة الحربية التي تملكها قواته. وقد فوجئت الدول الغربية بحجم الترسانة الصاروخية التي بث صورها التلفزيون الرسمي. وجرى خلال تلك المناورات عرض عدد من عمليات اطلاق كل انواع السلاح الباليستي البعيد المدى. كما جرى عرض اطلاق صاروخ “سكود” وصاروخ “فروغ” وصاروخ “أس. أس 21”. في مناورة سلاح البحرية التقطت صور لاطلاق صاروخ “ياخنت” من منظومة الصواريخ البرية “باستيون”. وهذا صاروخ جوال يتجاوز سرعة الصوت بمدى يصل الى نحو 300 كلم. كما انه من الصعب اكتشافه أو اعتراضه. لهذا تم نصبه على طول الشاطىء السوري بهدف تهديد النشاط البحري الاسرائيلي، العسكري منه والمدني. وكانت “الموساد” قد اعربت عن قلقها من وقوع هذه المنظومة في ايدي جماعة “حزب الله”، مثلما وقعت في السابق منظومة “سي 802”. واللافت ان نصب هذه المنظومات في جنوب لبنان، يمكن ان يغطي كل شواطىء اسرائيل بحيث يصل الى غزة ايضاً.
يستدل من هذه المناورات، ان الاسد اخذ بوصية حليفته ايران وصديقته روسيا. خصوصاً ان رئيس الوزراء فلاديمير بوتين ينظر الى الاسد كشريك استراتيجي مهم، تقلقه جدا عملية انهيار نظامه.
في تصريحه الأخير، توعد بوتين بأن روسيا سترد على أي عمليات “أحادية الجانب” يقوم بها الغربيون على الساحة الدولية، اذا لم تأخذ في الاعتبار المصالح الروسية. وكان بهذا الكلام يشير الى اهمية دور بلاده، في استقرار الشرق الاوسط، ان كان عبر سوريا ام عبر المنظمات الفلسطينية. من هنا يمكن تفسير موقف بشار الاسد الذي اكد في خطابه الاخير، محو كل التعهدات، والغاء كل التدخلات، والعمل معه لا مع برهان غليون او مع الجامعة العربية او مع الامم المتحدة.
في ضوء هذه الخلفية، فسرت الجامعة العربية خطاب الاسد وكأنه نعي لمبادرتها المحفوفة بالمخاطر. أي المبادرة التي تعرض مراقبوها لكل انواع التهويل والتضليل. كذلك تعرضوا لقيود رجال الامن الذين منعوهم من زيارة السجون التي تضم نحواً من 35 الف معتقل، واكتفوا بتقديم لائحة تضم 16 الفاً فقط. علماً ان الامين العام نبيل العربي تبرع بمنح شهادة حسن سلوك للنظام السوري في وقت استقال المراقب الجزائري انور مالك، لانه رأى عملية سلخ جلد أسير على طريقة معتقل “بوخنفيلد” النازي.
هل هذا يعني ان الانتفاضة السورية ستعود الى المربع الاول، وتبدأ من الصفر؟
يقول مراقبو الجامعة العربية ان احتمالات انفجار حرب اهلية واسعة وصلت هذه المرة الى ابواب حلب ودمشق. والمدينتان تعتبران مؤشراً لانتقال غير سلمي يمكن ان يشهد اعادة تشكيل المجلس الوطني المعارض.
وقد يكون من المفيد التنبيه بأن نظام الاسد استعاد نفوذه بفضل الدعم الروسي… ولكنه قد يفقد هذا النفوذ اذا ما ظل محافظاً على الرباط الذي يشده الى ايران!
النهار