صفحات الرأيعلي العبدالله

متى يقام حد السرقة؟/ علي العبدالله

 

 

أقدمت بعض الحركات السلفية كـ “داعش” و “النصرة” على اقامة حد السرقة على مواطنين سوريين بقطع اليد، ما أثار استهجان المواطنين وتساؤلاتهم حول أهلية ما يسمى “الهيئات الشرعية” التي اصدرت الاحكام واستيفائها لمراحل التقاضي، ومدى تطابق هذه الاحكام مع الشريعة الاسلامية.

فما هي شروط وضوابط حد السرقة في الشريعة الاسلامية؟.

لقد حدد النص الديني المؤسس(القرآن الكريم) بشكل جازم عقوبة الاعتداء على الاموال العامة والخاصة بقطع يد السارق ذكرا كان ام انثى قال الله تعالى:” والسارق والسارقة فأقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم”(المائدة 38) وقد جسد تعاطي الرسول الكريم والخلفاء الراشدين مع النص في ضوء المعطيات الواقعية شروط وضوابط تنفيذ حد القطع وقننها الفقهاء في نوعين من الشروط اول يتعلق بالسارق وثاني يتعلق بالمسروق.

اما الشروط المتعلقة بالسارق فحددوها بـ:

ان يكون مكلفا بالغا عاقلا.

ان يكون عالما بان ما سرقه يساوي نصابا فلا قطع بسرقة يظن السارق انها لا تساوي نصابا لقول عمر بن الخطاب:”لا حد الا على من علمه”.

ان يكون مختارا فلو كان مكرها على السرقة فلا قطع لحديث رسول الله “تجاوز عن امتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه”.

انتفاء الشبهة بين السارق والمسروق منه، فلا قطع في سرقة ابن لأبيه لوجوب نفقة الاب على ابنه، ولا سرقة الاب لابنه لحديث النبي “انت ومالك لأبيك”، ولا قطع بسرقة مال له به شراكة لقيام شبهة فيه بملكه لبعضه، ولا قطع على سارق من بيت مال المسلمين لقول عمر وابن مسعود “من سرق من بيت المال فلا قطع”، ما من أحد الا وله في هذا المال حق.

الا يكون مضطرا، ولعلنا نذكر العبدين اللذين سرقا ناقة فهّدد عمر بن الخطاب مالكهما حاطب بن ابي بلتعة بقطع يده هو ان سرق العبدان من الجوع، ناهيك عن ايقافه للحد ايام المجاعة في عام الرمادة.

واما الشروط المتعلقة بالمسروق فحددوها بـ:

ان يكون مالا، فلا قطع في سرقة طفل لأنه ليس بمال، ولا سرقة مصحف، ولا بسرقة كتب بدعة وتصاوير، ولا بآلات لهو كالعود والمزمار، ولا بسرقة صنم من ذهب أو فضة للإجماع على تحريم عبادة الاصنام.

ان يكون قابلا للنقل واخراجه من حرزه فلا قطع في سرقة العقارات كالمنازل والمباني والاراضي لعدم قابليتها للنقل.

ان يكون محرّزا بالمكان او بالحراسة فلا قطع في سرقة من المحلات التجارية والفنادق والمطاعم اثناء العمل فاذا سُرقت ليلا او نهارا اثناء اغلاقها وجب القطع، ولا قطع في سرقة المساجد من حصر وسجاد ونجف وستائر الا اذا كان لها حارس، كذا لا قطع في سرقة امتعة المصلين واحذيتهم اذا لم يكن لها حارس، وحكم المعابد والكنائس كحكم المساجد، وكذلك المعاهد والمقاهي ونحوها، لأنها لم تُعّد أصلا لحفظ المال، فليست حرزا بنفسها بل بالحارس.

ألا يكون في الاصل مباحا كالصيد والسمك، ولا يتسارع اليه الفساد كاللحوم والفواكه والخضروات، ولا تافها كالعشب والحطب، ولا في المحاصيل الزراعية كالقمح والذرة قبل حصادها، لا قطع بكل هذه الاشياء.

هذا ما أورده الدكتور سليم رشدي في مقالة له رد بها على دعوة لإنفاذ حد السرقة بالقطع للحد من تفشي السرقة في مصر، نشرها في جريدة الاهالي المصرية (25/12/1991)، نقلناه عن كتاب الأستاذ جمال البنا “نحو فقه جديد” الجزء الثالث، الذي نقل عن مصادر أخرى أمثلة اضافية قال:

اذا دخل سارق وجمع المتاع ولم يخرجه حتى قبض عليه لم يقطع لان تمام السرقة يكون بإخراج المتاع من الحرز.

اذا ناول السارق المال المسروق لصاحب له على الباب لم يقطع واحد منهما، لان الأول لم يخرج من الحرز والثاني لم يدخل الحرز.

اذا قال السارق هذا متاعي كنت اشتريته أو استودعته عنده درئ الحد لان المسروق منه قد صار خصما للسارق.

من سرق شاة من مرعاها لم يقطع لأنها غير محرزة.

اذا نقب السارق الحائط وادخل يده او مد عصا واخذ المتاع فلا يقطع لأنه لم يدخل الحرز فتكون الجناية ناقصة.

كما طرح الفقهاء استبدال الغرامة بالقطع، هذا كان مذهب ابو حنيفة وابن حنبل والثوري، ونسب ابن رشد في كتابه “بداية المجتهد” الى الكوفيين ان الواجب الاصلي عندهم الغرم، وان القطع بدل عنه”، وقالوا(الفقهاء) ان التوبة قبل الحد تسقطه عملا بمضمون الآية الكريمة:” إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم” (المائدة 34) ولا قطع ما لم يتقدم اصحاب المسروقات بشكوى على السارق، أو في حال تنازلهم عن حقهم عملا بقول الله تعالى :”وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم”(النور 22).

وقد كان لافتا سلوك النبي عليه الصلاة والسلام مع المتهمين واعتماده تلقينهم الانكار لدرء الحد، هذا ما قام به مع رجل سرق قال له سرقت قل لا فقال لا فعفى عنه، وهكذا فعل ابو بكر وعمر وعلي، ولا يقطع الا من يصر على الاعتراف، لأنه يريد التطهّر من الاثم.

وفي العصر الحديث ربط الدكتور اسماعيل علي معتوق بين اقامة الحد وتحول السرقة الى صفة للسارق واستند الى ملاحظة بعض الفقهاء ان كلمة السارق والسارقة وصفان لا فعلان والوصف لا يتحقق في الشخص الا بالتكرار فلا يقال لمن ظهر منه الجود مرة انه جواد ولا لمن وقع منه الكذب مرة كذاب ولا للفاسق الذي لا يقول الحق أو المنافق الذي يخفي مالا يبديه اذا صدق مرة انه صادق أو صدوق انما تقال هذه الاوصاف لمن يتكرر منه فعلها حتى تكون اسما له وعنوانا يعرف به. وهذا كان واضحا في تنفيذ الرسول عليه الصلاة والسلام الحد على المخزومية التي كانت تنكر ما تستعيره من الآخرين ولا ترد الودائع، وما ورد عن عمر بن الخطاب لما اراد قطع يد شاب سرق قالت له امه اعف عنه يا أمير المؤمنين فان هذه أول مرة فقال :” ان الله ارحم من ان يكشف ستر عبده لأول مرة”، فالمستحق للقطع هو من صار وصفه سارقا لكثرة سرقاته. وقال عبدالمتعال الصعيدي في خاتمة مذكرة دافع فيها عن موقفه امام لجنة من الازهر:” فليشهد التاريخ بعد هذا ان السرقة فيها القطع أو الغرم أو الحبس على التخيير لا القطع وحده”.

اذن اقامة حد القطع مربوط بشروط وضوابط فقهية دقيقة ولا يقام الحد الا باكتمال عناصره، ويمكن استبدال الغرم او الحبس بالقطع، كما يمكن دفعه لوجود شبهة عملا بحديث النبي عليه الصلاة والسلام “ادرأوا الحدود بالشبهات” وقوله:” لأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة”، وهذا يشير الى ان الغاية من العقوبة الردع اكثر منها أي شيء آخر. واما ما تفعله الحركات السلفية فليس اكثر من افتئات على الدين بتجاهل شروط وضوابط انفاذ الحدود لاعتبارات سياسية هدفها بث الرعب في نفوس المواطنين لبسط السيطرة على الارض والناس.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى