صفحات العالم

محاولة لتمييز تحوّلات الثورة السورية ومراحلها/ ماجد كيالي

مرّت الثورة السورية، التي اندلعت قبل ثلاثين شهراً، بطريقة مفاجئة وعفوية، بتحوّلات عديدة، نسبة إلى مستوى المشاركة الشعبية فيها في كل مرحلة، وتوزّعها في الجغرافيا السورية، والأشكال النضالية التي طبعتها بطابعها، وبالأخص نسبة إلى الطريقة التي واجهها بها النظام، ومتوسط أعداد الشهداء فيها.

هكذا يمكن التمييز بين المراحل التي أثّرت في مسار هذه الثورة، على النحو الآتي:

المرحلة الأولى، وهي تلك التي امتدت من الفترة منذ اندلاع الثورة في آذار/مارس، إلى تشرين الأول/اوكتوبر (2011)، وكان من أهم مظاهرها الاحتجاجات والاعتصامات والمظاهرات الشعبية العارمة، في مدن درعا وحمص وحماه، وبعض مناطق دمشق وريفها، والتي واجهها النظام باستخدامه جماعات الشبيحة، وميليشيات حزب البعث، وبالقوى الأمنية، بالهراوات والأسلحة البيضاء والرصاص، مع التركيز على استهداف النشطاء والإعلاميين، بالتنكيل والاعتقال والملاحقة والقتل.

وفي العموم، فقد كان الهدف من استخدام تشكيلات القمع باللباس المدني الإيحاء للعالم بأن ثمة منازعات أهلية، وحسب، ذات صبغة طائفية، وأن الأمر لا علاقة له بثورة شعبية، في محاولة لإنكار ثورة السوريين، ونزع مشروعيتها. وقد بلغ متوسط عدد الضحايا من السوريين في تلك المرحلة حوالي 600 شهيد في الشهر، إضافة إلى أضعافهم من الجرحى والمصابين والمعتقلين والملاحقين.

المرحلة الثانية: وهذه شملت الفترة من شهر تشرين الثاني/نوفمبر/ 2011، إلى شهر حزيران/يونيو/2012. وقد تم ادخال الجيش في هذه المرحلة، مع القوى الأمنية وجماعات الشبيحة، في مواجهة المتظاهرين، ليس بصفة جنود مقاتلين فقط، وإنما بأسلحة الدبابات والمدفعية والطائرات، ما نجم عنه تزايد واتساع ظاهرة الانشقاقات من الجيش، وتشكيلات “الجيش الحر”، الذي كان أعلن عن تأسيس نواته الأولى في أواخر تموز/يوليو/2011. وبديهي أن ظاهرة “الجيش الحر” هذه شجعت بدورها على قيام جماعات الحماية الأهلية (المحلية) في الأرياف، وفي أحياء المدن السورية المشتعلة، ولاسيما في ريف دمشق وحمص وحلب وإدلب ودرعا وشمال شرق سوريا، كردة فعل على العنف المفرط من قبل النظام.

هكذا تم في هذه المرحلة التحول من الثورة الشعبية السلمية إلى الثورة المسلحة، مع استمرار المزاوجة بين النضال الشعبي السلمي، والصراع المسلح ضد النظام. وقد تراوح عدد الشهداء السوريين في هذه الفترة بين 1000 و2000 شهيد شهريا.

ويذكر أن “المجلس الوطني”، وهو الهيئة السياسية للثورة في الخارج الذي تأسس في أكتوبر/تشرين الأول بدأ عمله في هذه المرحلة، من دون أن يحقق النجاحات المطلوبة منه، في الداخل والخارج.

المرحلة الثالثة، وتشمل الفترة من تموز/يوليو 2012 إلى أغسطس/آب 2013، ويمكن التأريخ لها بتمكن جماعات المعارضة المسلحة من السيطرة على مناطق في المدن السورية، تحديدا مع دخول “الجيش الحر” إلى حلب والسيطرة على مناطق واسعة فيها، كما على مناطق في شمال وشمال شرق سوريا، وريف دمشق، وحمص، وإدلب.

وقد نجم عن السيطرة على هذه المناطق إضعاف شوكة النظام وكسر هيبته، وإظهار ضعف سيطرته على الأوضاع. ولكن ذلك أدى أيضاً إلى استشراس النظام وإمعانه في التقتيل والتدمير في هذه المناطق، وتهجير سكانها، بحيث حولها إلى حقل رماية، بكل معنى الكلمة، لقنابل طائراته، وقذائف مدفعيته ودباباته، فضلا عن تشديده الحصار عليها، وجعلها بمثابة معتقلات كبيرة لمن تبقى فيها من السكان.

وفي هذه المرحلة استطاع النظام تفكيك وإضعاف المناطق السورية الحاضنة للثورة، وتحويل قطاعات شعبية كبيرة، من داعمة للثورة أو مساندة لها، إلى عبء عليها، بعد تشريد الملايين من بيوتهم، وتدمير ممتلكاتهم، وحرمانهم من مصادر رزقهم، بحيث بات العبء الإغاثي يستهلك عمل كثير من النشطاء، في الداخل والخارج. وقد بلغ متوسط عدد الشهداء في هذه الفترة أزيد من أربعة آلاف شهرياً.

وهذا يعني أن النظام استطاع ليس فقط التخلص من ثقل الكتل الشعبية المتعاطفة مع الثورة وإنما تحويلها أيضا إلى عبء ومشكلة، بالنسبة للثورة، ما أدى إلى خلق حالات من دون الإحباط بين الجماهير المؤيدة، التي وجدت نفسها وقد خسرت كل شيء بدون أن تستطيع أن تفعل شيئا، ومن دون أن تتيقن من المستثقل.

لعل ما فاقم من مشاعر الإحباط والضياع في تلك المرحلة واقع انسداد قدرة الجماعات المسلحة على رفع الحصار عن المناطق التي تخضع لسيطرتها، فهي لا تمتلك القوة لذلك، ولا تمتلك القدرة على مواجهة قصف الطيران والمدفعية، التي تفتك بالأعمار والعمران، هذا أولاً. وثانياً، لم تثبت قيادات الثورة المفترضة، بتشكيلاتها العسكرية والسياسية والمدنية، القدرة على إدارة المناطق التي باتت تحت سيطرتها، بسبب نزاعاتها وضعف قدراتها، وانشغالها بمصارعة النظام، الأمر الذي نجمت عنه اختلالات أمنية، وحالة من الفوضى والخروج عن القانون. ثالثاً، أثّر بروز جماعات “القاعدة، مثل “جبهة النصرة” و”دولة العراق والشام”، سلبا على نظرة أغلبية السوريين إلى ثورتهم، ونمت المخاوف لديهم من المستقبل، ولاسيما أن هذه الجماعات العسكرية المتطرفة حاولت فرض وجهات نظرها بطريقة قسرية وتعسفية وفجة عليهم، علما أن قيادات هذه الجماعات -في أغلب الأحوال- لا تمت بصلة لمجتمع السوريين ولا لثقافتهم.

بناء على ما تقدم، يبدو أن مجتمع السوريين بات في واد وثورته في واد آخر، وباتت ثمة كتلة من عدة ملايين من السوريين مشغولة بأمنها وتأمين لقمة عيشها، أكثر من انشغالها بمواجهة النظام، وهي مسألة تتحمل مسؤوليتها الجماعات العسكرية للثورة، التي باتت تتحرك دون تبصّر أو خطة عسكرية واضحة، ودون مراعاة إمكانياتها في مواجهة النظام، ومن دون الربط بين أي خطوة عسكرية والاستثمار السياسي.

المرحلة الرابعة: وهي التي نعيش وقائعها، منذ الشهر الماضي، أي منذ ارتكاب النظام لمجزرة جماعية جديدة في غوطتي دمشق بالسلاح الكيميائي المحظور دوليا، والتي نجم عنها مصرع حوالى 1400 من السوريين. وقد فتحت هذه الجريمة الباب على مصراعيه للتدخّل الدولي، بأشكال متعددة، وبصورة أقوى من قبل، مع احتمال توجيه ضربة محدودة لمواقع قوة النظام، ما يضع الثورة السورية في مواجهة تحديات جديدة، وتعقيدات مختلفة، قد يصعب الآن التكهّن بتداعياتها أو نتائجها.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى