صفحات سورية

محاولة لقراءة فنجان قهوة الرئيس بوتين.. قراءة للموقف الروسي اتجاه القضية السورية


طرفة بغجاتي

إن من أصعب ما يواجهه المراقبون السياسيون المهتمون بالشأن السوري هو كتابة تحليل منطقي ومعقول للموقف الروسي اتجاه الأزمة الراهنة في سوريا، طبعاً لاتخلوا التحليلات السطحية من بعض الصحة وأذكر هنا أولا العامل الإقتصادي وما يرتبط به من صفقات الأسلحة بين موسكو ودمشق، والإستثمارات الروسية وخاصة في قطاع النفط ومعداته في سوريا (وهو الأمر الذي ينطبق تماماً على الصين) وإن كان ليس بخافٍ على أحد أن النظام السوري دخل مرحلة عدم قدرته على دفع قيم مشترياته تلك، أما العامل الثاني فلعله الحضور الإستراتيجي القوي لروسيا في المنطقة، ولكن أية قوة تلك ستبقى في بلد منهك لايستطيع أن ينهض بنفسه؟ العامل الثالث والمرتبط بالثاني طبعاً هو عزم موسكو المحافظة على القاعدة العسكرية البحرية في طرطوس كتواجد عسكري في البحر الأبيض المتوسط وربما لقواعد أخرى صغيرة في الداخل، ولكن أنى لتلك القواعد الصغيرة أن تدافع عن نفسها مع تصاعد حدة الأزمة في سوريا؟

إن السبب الأساس لهذا الموقف الروسي هو كون الرئيس الروسي مازال واقعاً تحت تأثير صدمة الدرس الليبي، فبعد أن أحجمت روسيا عن التصويت وتخلت عن اللجوء للفيتو معطيةً بذلك الضوء الأخضر لقرار مجلس الأمن 1973 ذاك والمؤذن بفتح باب التدخل الغربي عسكرياً لحماية المدنين كانت المفاجأة للقيادة أن حماية المدنيين إستحالت حرباً جوية استمر القصف فيها ثمانية أشهر ونيف بهدف إسقاط العقيد القذافي وفرقه العسكرية ذات العتاد والتدريب الروسي بمعظمه، فالرئيس الروسي بوتين يرى أن الغرب ‘ضحك عليه’ فيما يتعلق بالورقة الليبية وانتزع منه الكثير من مصالح روسيا في أفريقيا، وبالتالي فإن أي تغير في موقفه من حكم الأسد داخل أروقة مجلس الأمن سيجعل الغرب يكرر حيلة الحاوي في ليبيا ولكن هذه المرة بقبعة سورية فبوتين هنا إذاً يوجه رسالة للشرق وللغرب عبر سوريا مفادها أن لا حل في سوريا دونما دور قيادي لروسيا كمتحدث وفاعل لا كصامت أو متفرج، وأن روسيا لن تسمح بتكرار حالة ‘الإستهبال’ في الملف الليبي عبر أروقة مجلس الأمن، وأن روسيا عادت إلى العالم وعلى الأقل إلى المنطقة كقوة عظمى لا ترضى بأي تهميش، لا شك أن لهذه المعادلة الروسية وجهة نظر منطقية ولا يختلف إثنان أن روسيا فيما آلت إليه الأمور في ليبيا كانت الخاسر الأكبر وأنها بالتالي خُدعت في مجلس الأمن، ولكن حنانيكم بعض التمهل ولنتساءل بصدق هل لسوريا أن تتحمل بفسيفسائها التاريخي تبادل الرسائل بين أقطاب العالم وتصفية حساباتهم السابقة واللاحقة؟ أليس هناك من بديل عن استعراض عضلات القوى العالمية والإقليمية على حساب سوريا و بدماء أبنائها؟

لنعد قليلا لمحاولة فهم كيف ربح الغرب الورقة الليبية، السر السحري أن الغرب فهم بسرعة أن ما يجري على الأرض حراك شعب مل معظمه من تهميش حاكمه له وتمترسه خلف شعارات الثورة ومحاربة الإستعمار إلخ… أما على أرض الواقع فقد حصر السلطة التشريعية والتنفيذية بنفسه وبأفراد أسرته بل جعل يعد أبناءه لخلافته بعدما صيرهم يأمرون وينهون في شؤون ليبيا إقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وهكذا عندما ضاع أي أفق مستقبلي بالتغيير حدث حراك شعب ليبيا بعد نجاح ثورة تونس وإنطلاق الثورة المصرية. لقد أمن إعتراف الغرب بشرعية حراك الليبين وفي حقهم في التعبير عن مظالمهم مدخلا سهلا للغرب لكسب مصداقية في نفوس الليبيين، ولعمري ليس هذا ببعيد عن عبقرية فهم الإنسان الروسي، إذ حري بروسيا أن تتصرف بما فيه مصالح الغالبية الساحقة من السوريين بما في ذلك من إنقاذ للدولة السورية وليس في ذلك تناقض ذاتي مع مصالح روسيا بل كل التناقض يكمن في أن تضع روسيا جميع أوراقها في يد النظام السوري، روسيا التي تردد مع النظام أن هناك مؤامرة تحاك ضد سوريا، نعم وربما ليست مؤامرة واحدة بل مؤامرات تبغي هز إستقرارها وإضعاف قوتها، ولكن هل يبرر هذا الإستمرار بالحكم الجبري الوراثي القائم بالحديد والنار من قتل وسجن وتعذيب وتهجير لكل مخالف تطاله أيادي مخابرات السلطة الحاكمة؟ ألم يحن الأوان لإجراء تغيير جذري في بنية هذا النظام، الذي إدعى في بداية حكمه بأنه سيحارب الفساد وسيرفع من مستوى حياة المواطنين ليتحول بدلا من ذلك إلى كارتل عائلي يدير جميع مرافق الحياة السياسية و الإقتصادية ولكن بدون تحمل أية مسؤولية إجتماعية. أجبنا يا سيادة الرئيس بوتين: أين روسيا وقيادتها من تطلعات الشعب السوري في التغيير لرفع مذلة الفقر والتجبر؟ لماذا تَدَعون الغرب يظهر بأعين الناس أنه نصير للفقير المظلوم في حين تبدو روسيا بأعينهم نصيرة لنظام يقمع شعبه؟

أما ما يتعلق بالمجموعات المسلحة فدعنا نسلم بأنها صارت موجودة وربما بكثرة، ولكن هل يبيح هذا للنظام إستعمال السلاح الثقيل من دبابات ومدفعية وراجمات صواريخ وطائرات مروحية ضد المدن والقرى الثائرة؟ إن النظام الذي يفشل في بسط الأمن لنفسه ولمواطنيه على أراضيه لأكثر من 15 شهراً هو نظام فاشل لسقوطه في إمتحان التعامل مع الحراك الشعبي. أما ما تحاول وسائل إعلام النظام تسويقه في روسيا بأن سوريا بخير والوضع تحت السيطرة والحل آت خلال أيام والتدليل على ذلك بانتخابات مجلس الشعب الأخيرة مثلا، فروسيا وأجهزة مخابراتها الخارجية تعلم علم اليقين أن الأجهزة التنفيذية والتشريعية كمجلس الشعب القديم أوالجديد ومجالس البلديات وممثلي الإدارات المحلية كافة ليست سوى أجهزة تسيير أعمال لا ترسم سياسات داخلياً ناهيك عن خارجية عسكرية كانت أم مدنية بل ولا حتى إقتصادية أو ثقافية فالثورة السورية لم تقم إلا بعدما إنعدم تكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع في رسم فضاءاتهم العامة والخاصة فخرج الناس يهتفون من أجل حرية وكرامة الإنسان، وهما الأمران اللذان يفتقدهما الشارع السوري بكل مكوناته ثواراً بل وحتى ‘شبيحة’، وإلا فأي كرامة لشخص يقتل أبناء وطنه ولسان حاله يقول إنما أنا عبدٌ مأمور؟

أخيرا لا يبقى للرئيس بوتين إلا أن يتأمل فنجان قهوته بنظرة مليةٍ ليقرر بعدها التخلي عن موقفه الداعم بلا حدود لكل ما يقوم به النظام وليرسم بذلك مع كل السوريين مرحلة مابعد هذا النظام، والذي إن حصل فعلى الجميع يومئذ غرباً وشرقاً مؤازرة روسيا في ذلك بالعمل معاً وتجنب تكرار التجربة الليبية، بمثل ها الموقف المتوازن لن تعود قمة أية عوائق في وجه إنجاح المؤتمر.

كاتب سوري مقيم في النمسا

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى