مخاطر تحوّل سوريا “دولة فاشلة”
رندى حيدر
يبدو أن إسرائيل مستعدة لتحمل بقاء نظام بشار الأسد على تحول سوريا نموذجا آخر “للدولة الفاشلة” الى جانب النماذج الأخرى المحيطة بها مثل لبنان والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و”حماس” في قطاع غزة، أي دولة تعاني ضعف السلطة المركزية وانهيار مؤسسات الحكم نتيجة التقاتل الداخلي والفوضى وتنافس التنظيمات المسلحة على تقاسم النفوذ والسيطرة على الحياة السياسية.
إن التخوف الإسرائيلي الأول ليس في صعود القوى الإسلامية الى الحكم في سوريا فحسب، ولا من انعكاسات تحول الثورة ضد نظام الأسد نزاعا مذهبيا طائفيا دمويا، وإنما من أن يصير مصير سوريا بعد ذهاب الأسد شبيهاً بمصير ليبيا بعد اطاحة نظام العقيد القذافي. ومعنى ذلك “تفكيك الدولة” والمؤسسات الحاكمة والقوى الأمنية، وتحول سوريا غابة من الفوضى، ومرتعا للميليشيات المسلحة، مع كل ما يمثله ذلك من مخاطر كبيرة على الهدوء في الجولان المستقر منذ حرب تشرين 1973، واحتمال تحول المنطقة الحدودية مع سوريا الى ما يشبه الوضع القائم حالياً على الحدود مع غزة وفي شبه جزيرة سيناء، أي ساحة لحروب عصابات صغيرة غير متكافئة بين الجيش الإسرائيلي النظامي والميليشيات المسلحة من الصعب على إسرائيل حسمها على رغم تفوقها العسكري. فقد أثبت تاريخ الحروب العربية-الإسرائيلية أن إسرائيل قادرة على تحقيق الحسم والانتصار في المواجهات الجبهوية العسكرية التقليدية، وهي أقل قدرة على حسم مصير المواجهة في حرب العصابات التي تشنها عليها تنظيمات مسلحة لا تنضوي في الإطار الرسمي للدولة.
لقد شكل ما حدث في ليبيا درساً مهماً للغرب ولإسرائيل في آن واحد في سبل التعامل مع ثورات “الربيع العربي”. كما كان السبب الرئيسي، بين أسباب أخرى، لتلكؤ الغرب ولا سيما منه الولايات المتحدة في تقديم المساعدة العسكرية لأطراف المعارضة السورية المسلحة. وهو أيضاً السبب الذي أضاء الضوء الأحمر في إسرائيل، وساهم في تعزيز وجهات النظر الإسرائيلية المحافظة التي لا تزال تعتبر بقاء نظام الأسد ربما في مصلحة إسرائيل على رغم تحالفه مع عدوها الأول حالياً إيران، وعلى رغم الدعم العسكري الذي يقدمه هذا النظام لخصمها الآخر أي “حزب الله”.
إن اختلال المعادلة القائمة على الحدود مع سوريا منذ سنوات نتيجة سقوط نظام الأسد هو آخر ما ترغب إسرائيل في حصوله، وخصوصا الآن وهي في خضم تحضيرها لمعركتها المصيرية مع السلاح النووي الإيراني الذي يشكل في رأي نتنياهو تهديداً لوجود إسرائيل ومصيرها.