مديح الكراهية”.. في جائزة الإندبندنت
أحمد الباشا
_ كل شيء سار على ما يرام، كل الملفات أحكم إغلاقها، كل الدلائل والقرائن تخلصنا منها، دُمّرت حماة و أجزاء من حلب وجسر الشغور، وهاجر رفعت الأسد، كما غيرنا اسم كل من سرايا الدفاع وفرق المظليين بأسماء أكثر عصرية، وكل الممثلات التراجيديات دفنّ موتاهن بصمت مطبق، انتهى المشهد سّيدي!
_ صمت طويل.
إلا أن الواقع لم يكن كما تشتهي السلطة، فبراد الجثث في كلية الطب بجامعة حلب انبعثت منه رائحة الموت مجدداً، والبيت الذي تفوح منه رائحة العتمة، رائحة العوانس، لم يعد ينفع النساء الحائرات فيه دهن أجسادهن بالطيب وبالعطور. الهروب العبثي للشخصيات من قسوة واقعها لخلق حياة موازية صار مقرفاً، حلب؛ المدينة التي أجبرت على ارتداء جلباب طويل قررت ألا تغض السمع عن صوت الهشيم في عظم الجمجمة. تختلط الأماكن وتتشعب، هذه المرة ليس السجن الصحراوي “سجن تدمر” سيكون تحت مرمى الطائرات، بل حلب. لأن الأعمى الذي يقود النساء الأربع قد مسه البصر، أو لأن ذاك الطفل _السوري_ الذي ولد في المعتقل، أراد أن يشي للجميع بأن خلايا دمه قد امتلأت بجينات الكراهية، و لم يعد يحتمل أبداً، فصرخ، لا لينتقم، بل ليصنع زمناً جديداً، زمن الثورة السورية. زمن يعلن فيه نهاية حقبة استمرت لما يزيد عن أربعة عقود، حقبة “مديح الكراهية”، وعن بدء جزء جديد يحتمل الصراخ لا المديح، يتصف بالاستمرارية وبالعلاقة الجدلية مع الماضي، والقادم أيضاً.
• حضرت “مديح الكراهية ” منذ أيام في القائمة الطويلة لجائزة الإندبندنت للرواية العالمية، القائمة الطويلة التي ضمت ستة عشر عملاً لكتّابِ من مختلف أصقاع المعمورة، وليكون خالد خليفة هو الصوت العربي الوحيد المرشح لنيل الجائزة، ومن أبرز الأعمال المرشحة لنيل الجائزة “السوق الأسود” لـ ألان مابانكو الحائز على جائزة “الغراند بركس” للأدب عام 2012، وكذلك يحضر الكاتب والشاعر الألباني إسماعيل قادريه بروايته “سقوط المدينة الحجر”، قادريه الفائز بجائزة “البوكر” العالمية عام 2005، كما احتوت القائمة على “البيت الصامت” للكاتب التركي أورهان باموق الحاصل على جائزة “الإندبندنت” بنسختها الأولى عام 1990، والحائز على “نوبل” للآداب عام 2005.
تعود بنا “مديح الكراهية” الصادرة عن دار أميسا 2006، إلى النبش مجدداً في أروقة ثمانينات القرن المنصرم، وفهم دور السلطة عندما تذهب بالعنف إلى أقصاه لخلق مناخات ملائمة لنشوء التطرف فكراً وممارسةً. تؤكد الرواية على أهمية إعادة الاعتبار لمسؤولية الدم السوري المهدور، وهذا ما يوضح سبب منعها من التداول في الداخل السوري، رغم وصولها إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية 2008، وصدور عدة طبعات لها وترجمتها أيضاً لعدة لغات حول العالم، إلا أن الحدث الأبرز اليوم _الثورة السورية_ أعاد التذكير بأن النظام السوري منغلق تماماً على نفسه، ويعالج القضايا بشروطه النرجسية ذاتها، لا بشروط المرحلة والزمن.
النظام أجاد اليوم تمثيل دوره في الرواية المكتوبة عن الثمانينات. جابه الناس بالوحشية ذاتها وعبر عن ثبات وسائله، فكان أن أعطى المصداقية للرواية حين منعها بالتحديد، وحاول محو الذاكرة.
الأزمنة الأربعة “زمن الرواية، زمن الصدام في الثمانينات، زمن القراءة والمنع، زمن الثورة السورية” الثابت فيها هو نظام قمعي يصر على سيره عكس حركة التاريخ تماماً.
في حديث لـ”المدن” مع خليفة فضّل عدم الكلام عن ترشحه للجائزة، واكتفى بشكر كل من بذل أي جهد صغير من أجل نجاح كتابه، ووصف الترشيح بأنه مجرد خطوة صغيرة تخطوها روايته بالترشح للقائمة الطويلة. وتجدر الإشارة إلى أنه سيتم الإعلان عن القائمة القصيرة في نيسان القادم، كما سيتم الإعلان عن الرواية الفائزة في أيار وذلك بحسب موقع الجائزة.
• عن “مديح الكراهية” قال الناقد السوري يوسف حسن لـ”المدن”: ” تبدو ذاكرة الثمانينات وكأنها قطعة خارج التاريخ: الذعر، قتامة الاستبداد، السياق يطحن أبناءه، مدن خائفة تتشح بالسواد. الإرهاب: صوت جريء ولكنه مميت، هي ذاكرة مخيفة تندر فيها الصورة الفوتوغرافية أو المعلومة الموثقّة لصالح تراث شفوي يفتقد لخيوط الحكاية. من هنا تأتي رواية “مديح الكراهية” لصاحبها خالد خليفة، لتعيد الذاكرة إلى المكان، حلب، وإلى البشر، أفراد أسرة عايشت الحقبة ومآلات أفرادها، أي لتعيد الثمانينات إلى التاريخ.”
وأنهى حسن حديثه بالقول “إن “مديح الكراهية” هي حكاية كاملة عن زمن نادر، غير أنّ ما يحسب لها أيضاً هو اشتغالها على كيفية السرد، وعدم استكانتها إلى خط سردي مستقيم، وإنما التلميح والتكثيف في التخييل ومن ثم العودة إلى التفاصيل في موقع آخر، عدا عن تضمين النص لمشاهد تقترب من “السينمائيّة”، بوضوحها وعمقها وقسوتها.
المدن