مرحلة ما بعد الكفّين/ لقمان ديركي
المهم ما لكم بالطويلة يا شباب، غلطوا المخابرات أيما غلطة، ليس بحق المخابرات طبعاً، ولا بحق النظام طبعاً، وإنما بحق الشعب. فما إن بدأت المظاهرات واشتغل القمع والضرب والقتل والاعتقال والشحط والتعباية، حتى كان صاحبنا المثقف المهيَّف صاحب الخدود الوردية اللي بتشهّي عالقَرص يتمشّى بسيارته الوردية الملبَّقة على لون خديه في أزقة دمشق، وصدفَ أن مظاهرة هناك كانت تُقمَع، وأن السير توقَف بسبب تراكم الشبيحة، فتوقفت سيارته في تلك اللحظة أمام الزقاق الذي تفوح منه رائحة المظاهرة. وعلى اعتبار أن الشبيحة معهم التعليمات بالقبض على كل من يتواجد في ذلك المكان، فقد تمّ القبض على صاحبنا ذي الخدود الوردية بالغلط، دون سين أو جيم، فالشبيح لا يعرف الكلام، يعرف كل لغات الضرب والقتل، ويكتفي من لغات الكلام بالشتائم والوعيد.
انشحط المثقف الوردي يا شباب، وتكسّر بلّور سيارته بفضل حركة لا إرادية يقوم بها الشبيحة تجاه سيارات المشبوهين. رُمي في طبّون السيارة الستيشن كأسير أول في هذه المظاهرة، وكان وهو في وضعية المشحوط يصرخ أن لا علاقة له بالموضوع ويوضح بأنه كاتب ومثقف، بل ويعمل في جريدة تشيد بالنظام. إلا أن الشبيح عاجله بكفِّ مثل فراق الوالدين، فأدار الكاتب لا شعورياً خدّه الأيسر ليأكل الكف الثاني، ولينقسم تاريخ الثورة السورية بعد خروج المثقف من الفرع بيومين إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل الكفّين، ومرحلة ما بعد الكفّين. وانطبل الفيسبوك بالكفّين وبالمعتقل السياسي الذي سُجِنَ ليومين وبدأ بكتابة مذكراته عن اليومين، حتى توفي نيلسون مانديلا على أثر مقالاته من شدة تأثره بتجربة زميله المُعتَقل الوردي. وصار اسم الوردي على كل بوست ثوري ثقافي موديرن، وصارت اللايكات على الكفّين واجباً على المهتمين، بل وإن المثقف الوردي صرّح تصريحاً خطيراً، وهو أن المخابرات اعتقلت شخصين، لأنهما وضعا لايكين على مقالة يتحدث فيها عن الكفّين، وانهدّت البلاد، واغتصبت النساء، وقُتِلَ الرجال، ولكن صاحبنا لم ينسَ الكفّين، وجنّ جنون النظام أن الوردي لم ينسَ الكفّين، فقتلت قواته الأطفال عسى أن ينسى الكفّين ويلتهي بموضوع آخر. لكنه لم يكترث، بل صارت الحياة عنده مقسومة إلى مرحلتين، لم تعد كلمة ثورة حتى مهمة، صار التاريخ بنفسه مقسوماً إلى قسمين: ما قبل الكفّين، وما بعد الكفّين، حتى أن الذين كانوا يموتون تحت التعذيب في السجون سمعوا بهما، والذين ما زالوا تحت التعذيب أحياء سمعوا بهما، والذين تشرّدوا في المخيمات سمعوا بهما، والذين قيد الملاحقة أو الحصار والتجويع سمعوا بهما، والذين دفنوا كل أفراد عائلاتهم سمعوا بهما، ولو.. وهل هناك من لم يسمع بأشهر كفّين في الكون! وها هو العينتين الآن مُدَمَّراً في المنفى، مُدَمَّراً في فنادق أوروبا ومطاعمها الفخمة يتابع مسيرة تدوين تاريخه النضالي، ويتابع شرح قضيته أو مسألة الكفّين للأوربيين والأمريكيين، حتى ظنّ هؤلاء أن المسألة في سوريا هي مسألة كفّين، فهل عرفتم لماذا يعتقد الغرب ما يعتقده عن الثورة السورية منذ أن بدأت إلى الآن؟
نعم الغرب يعتقد أن الشغلة شغلة كفّين، وبتنحل بتبويس الشوارب بين المثقف الوردي والشبيح الماوردي، لذلك تراهم يشحطون المعارضة إلى “جنيف 2″، لأن الشغلة برمتها بالنسبة إليهم هي شغلة كفّين، لكن الحق مو عليك يا وردي الخدّين، الحق على الجحش اللي سلخك كفّين وساواك مناضل على ضهرنا لأكثر من سنتين، فأهلاً بكم في “جنيف 2″، تمهيداً لمرحلة ما بعد ما بعد الكفّين… إي أهلين.
المدن