علي العبداللهمراجعات كتب

مسألة كردية في قلب العروبة

علي العبد الله

في كتاب من 256 صفحة جمع بين دفتيه مقالات ( 23 مقالا توزعت على 6 فصول) نشرت على فترات متباعدة امتدت عقدا من الزمان، بين 2002 و 2012، مر الاستاذ بدرخان علي على جوانب من المسألة الكردية في الاقليم بعامة وفي سوريا بخاصة، عاكسا معاناة الكرد وما يتعرضون له على ايدي السلطات من انكار وسعي للصهر وتمييز، في جغرافيا ليسوا طارئين فيها، عبر سياسات الانظمة في سوريا وتركيا وإيران والعراق، كما عبر مواقف بعض المثقفين العرب(صقر ابو فخر، سماح ادريس، دبي الحربي، محمد سيد رصاص) دون ان يهمل قصور وتقصير الطرف الكردي، مثقفين واحزابا، وطرح رؤية خاصة حول القضية.

في الفصل الأول، وهو الاهم كما أرى، اراد بدرخان الاجابة على سؤالين هما: هل الاكراد شعب، مثل غيره من شعوب المنطقة، يستحق حقوقه الانسانية والديمقراطية والقومية، وهل هناك مسألة كردية، أو قضية كردية، في سوريا أم لا؟. وقد أجاب عليهما بالإيجاب مستندا الى معطيات تاريخية وسياسية تؤكد حضورهم التاريخي في جغرافية محددة، وامتلاكهم سمات خاصة جعلتهم شعبا متميزا عن بقية شعوب الدول التي يعيشون فيها.

المشكلة في ما قاله الاستاذ بدرخان، من وجهة نظري، ليس في كون الاكراد شعبا وله حقوق، وهو قول صحيح وثابت، بل في استناده الى التاريخ، حيث ثمة سرديات كثيرة في معظم بقاع العالم، ومنها هذه البقعة الجغرافية، حول الاسبقيات التاريخية والحقوق المترتبة عليها، في حالة سوريا مثلا هناك ثلاث سرديات رئيسة متعارضة عربية وكردية وسريانية، فالاعتماد على هذه الخلفية وترتيب الحقوق على خلفية الادعاء التاريخي، وتجاهل ما صنعه التاريخ الحديث يترك العالم نهبا لصراعات مفتوحة ويبقي الجغرافيا السياسية والخرائط في حالة سيولة وتبدل دائمين( يطالب البعض بقبرص كونها جزءا من الأمة السورية، ويطالب البعض الآخر باستعادة الاندلس، والبعض يريد استعادة امبراطورية فارس، والبعض دولة الخلافة الاسلامية)، في حين اتجه المجتمع الدولي الى تثبيت الحدود والخرائط لضمان حالة مستقرة وتبريد الصراعات وضبط شبكة العلاقات في ضوء ذلك (اتفاقية وستفاليا 1648 حول حدود دول اوروبا، وقرار عصبة الامم 1914 بإلغاء حق الفتح وحصر التعامل مع الدول وليس مع الشعوب).

لقد تكونت الدولة الحديثة على انقاض انظمة امبراطورية سادت مراحل طويلة في التاريخ قامت على قاعدة حق الغزو، او الفتح كما يذهب البعض، وتغير الحدود الدائم، وتبدل ولاء الشعوب وتبعيتها بتبدل الغزات والفاتحين ما أعطى لكل سردية من سرديات الشعوب جزءا من الحق والصدقية.

ان دخول الجزيرة في حدود الدولة السورية بموجب معاهدات وخرائط ما بعد الحرب العالمية الأولى لايلغي حقوق الشعوب المكونة لها، فالحق هنا مرتبط بأسباب عينية واقعية: وجود البشر وحقوقهم الفردية والجماعية التي ضمنها القانون الدولي والإعلانات الدولية، وهي هنا كتلة بشرية، جزء من شعب كردي وكلداني، موجودة على هذه الأرض قبل تشكل الدولة السورية، وهي، الدولة، مطالبة بإيجاد صيغة حكم تستجيب لهذه الحقيقة عبر خيارات وحلول سياسية تقوم على أسس دستورية وسيادة القانون تحقق العدل والمساواة بين مواطنيها، بحيث يسود الرضي بينهم، وإقامة انظمة سياسية في الدول التي فيها تعدد قومي او ديني او مذهبي قد تكون فدرالية او كونفدرالية او مناطق حكم ذاتي، او حق تقرير المصير في حال الفشل في الاتفاق على حل قائم على الشراكة الوطنية. وهذا ما لم يحصل في حالة سوريا ما رتب نشوء مسألة أو قضية كردية فيها. ليس هذا وحسب بل ان ضعف القوميات والدول المهيمنة على الكرد سياسيا واقتصاديا وعلميا وثقافيا، واعتمادها القوة العارية في قهر الكرد والعمل على صهرهم في بوتقتها لعبا ضد هذه السياسة حيث قاد ضعف وتخلف هذه الدول الى جعلها غير جاذبة للكرد وفي الوقت نفسه عاجزة عن هضمهم، وبطشها استجر التحدي الكردي الذي نظم صفوفه وخاض نضالا طويلا من أجل الحقوق ما رتب نشوء عصبية، بالمعنى الخلدوني، ووطنية كردية، وهذا قاد الى تأكيد التمايز وبروز قضية كردية وأخذها مكانا بارزا على جدول اعمال الاقليم والمجتمع الدولي.

في ردود الاستاذ بدرخان وسجالاته مع مثقفين عرب لهم مواقف رافضة للمطالب الكردية مال الى خيار صدامي وعنيف، قاطع وفق ما وصف الاستاذ حازم صاغية مواقف بدرخان في تقديمه للكتاب. اعتقد انه ليس الاسلوب المناسب لحل مسألة او معضلة من وزن وطني كبير: الشراكة الوطنية القائمة على المساواة والعدل والاعتراف القومي المتبادل. كان الانسب ان يبدي تفهمه لهواجس ومخاوف هؤلاء( فسر المرحوم الدكتور عبدالعزيز الاهواني الاندفاع القومي في سوريا باقتطاع اجزاء منها في الخرائط الجديدة، اعتقد ان استخدام وصف قلب العروبة النابض، وهو وصف سياسي بامتياز، مرتبط بذلك) وان يرد على مغالطاتهم التاريخية ويضعهم امام اسئلة عن مخرج لحل المسألة يرضي الجميع ويستجيب للحقوق المشروعة لهم، فالإبقاء على الجسور والتفهم اجدى من دفع الامور الى الصدام وقطع شعرة معاوية. كما لاحظت انه كان قاسيا في رده على رواية الكلدان الآشوريين حول الجزيرة السورية، ولم يكن حياديا فقد انتقد الموقف الكلداني الاشوري بقسوة وانحاز الى الرواية الكردية مع انهما تستندان الى ذات المنطق(التاريخ) مع انه في مقالات أخرى تبنى موقفا واقعيا إزاء مطالب الكرد ونشاطاتهم.

 امتاز الكتاب بلغة واضحة وصياغة سلسة ومتماسكة دون حشو او تكرار، شابه ميل للتقريرية في بعض الفقرات، وبعض الهنات اللغوية، كتاب يستحق القراءة والتفاعل مع روحيته الايجابية.

الكتاب: مسألة كردية في قلب العروبة

المؤلف: بدرخان علي/ كاتب كردي سوري

الناشر: دار مدارك/دبي يناير/ كانون ثاني 2014

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى