صفحات الحوار

مستشرق روسي لـ”المدن”:الكرملين لا يعرف ماذا يريد في سوريا

 

 

بسام مقداد

ليست روسيا في هذه الأيام هي نفسها روسيا المشاكسة، التي كانت عليها قبل 20 كانون الثاني/يناير الماضي. وهي تعقد آمالاً كبيرة على الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، وتقيم على اعتقاد مضمر بأنها سوف تتوصل معه إلى إلغاء العقوبات المفروضة عليها. حتى النموذج الشيشاني في التعامل مع الإرهاب، حرباً وسلماً، الذي تفاخر به أمام الغرب، تستخدمه الآن في تظهير صورتها المسالمة.

من أجل الوقوف على ما تبتغيه روسيا فعلاً من محادثات أستانة، ومن مشروع الدستور السوري، كان لـ”المدن” هذه المقابلة، مع ألكسي مالاشنكو، أحد أبرز المتخصصين الروس في شؤون المسلمين في القفقاز وآسيا الوسطى، وعضو مجلس الخبراء في وكالة أنباء “نوفوستي”، وعضو المجلس العلمي في مركز كارنيغي في موسكو.

ما هو موقفك من مشروع الدستور السوري، الذي اقترحته روسيا؟

–   أنا لا أفقه في هذه الأمور، لكن موقفي منه طبيعي، المهم في الأمر هو كيف ستتقبله المعارضة. فكون الدستور قد جرى وضعه في روسيا، سوف يخلق نوعاً من الرفض، إذ حين تقترح دولة مشروع دستور على دولة أخرى، يبدو الأمر مستغرباً، نوعا ما. لكن، مع ذلك، دعنا ننتظر لنرى كيف سيكون عليه موقف مختلف الفصائل في المعارضة السورية من الموضوع، وهذا أمر شديد الأهمية.

روسيا تقترح، عبر مشروع الدستور، على المعارضة السورية الإسلامية بمعظمها، إلغاء شرط أن يكون رئيس البلاد مسلماً، وإلغاء شرط أن تكون الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في البلاد. كيف تأمل روسيا أن يقر مثل هذا الدستور في ظل هكذا معارضة؟

–   تحقيق الدستور هذا يتطلب إجراء استفتاء عام.. لا أتصور كيف يمكن في ظل الوضع الراهن، حيث تتواصل الحرب، وحيث أعلنوا في أستانة، بمن فيهم محمد علوش (رئيس وفد المعارضة) نفسه، أن المعارضة تنزع دوماً إلى الحرب، فكيف يمكن في ظل هذا الوضع إجراء استفتاء عام. إضافة إلى ذلك، إن تحقيق مشروع الدستور سوف يسبقه الكثير الكثير من النقاش، ليس في ظل هدنة مؤقتة، بل من المفترض أن يكون في ظل سلام شامل. ولا تزال هناك معارضة غير منضوية في عملية السلام، بما فيها جبهة النصرة ومؤيدوها، وهم سوف يشاركون أيضاً في النقاش. ولذلك ما اقترحته روسيا أمر جيد، لكنه ليس أكثر من إعلان أَنظرُ إليه بالكثير الكثير من الحذر. هو أفضل من لاشيء، لكن لنتصور أن المعارضة السورية قد توحدت وقدمت مشروعها الخاص للدستور، وأنا شخصياً لا أستطيع حتى الآن أن اتصور ذلك، لكنني، وأكرر القول، بإن الأمر هو خطوة، غير أن احتمال إقرار هذا الدستور يساوي الصفر.

في حديث سابق لـ”المدن”، قال ممثل حزب “حرية الشعب” (بارناس) الروسي، إن لديهم تصوراً في الحزب، بأن القيادة الروسية تهدف من وراء لقاء أستانة ككل وطرح مشروع الدستور على المعارضة السورية، إلى حشر المعارضة في الزاوية، وجعلها ترفض أي شكل من التفاوض، لتعود روسيا من جديد إلى العملية العسكرية، لكن بشدة أكثر. كيف تقيم رأي الحزب هذا؟

–   أشك في صحة مثل هذا التصور. لأن السلطة الروسية هي نفسها لا تعرف ماذا تريد (في  سوريا). من جانب آخر، أنا واثق من أن الكرملين معني فعلاَ بتطبيع الوضع في هذه المنطقة، لكنه معني على نحو يضمن لروسيا دور الزعامة في هذه العملية. وحين اقترحوا مشروع الدستور هذا، كانوا يأملون فعلاً بوجود إستعداد ما لمناقشته. أما أن يكون طرح مشروع الدستور هذا هو استفزاز من جانب روسيا، ربما قد يكون الأمر هكذا، لكن هذا يعني تخريب العلاقة مع تركيا ومع إيران في الوقت عينه، وهذا ما لا يريدونه في الكرملين. فروسيا سعت طويلاً إلى بلوغ هذا التوافق في المثلث الروسي-التركي-الإيراني، ومن الصعب الإعتقاد بأن تجازف بفقدانه بهذا الإقتراح. لكنني أكرر القول بإن الكرملين والدبلوماسية الروسية تنقصهم المهنية من أجل انتهاج سياسة القوة في الشرق الأوسط. ولذلك لا يمكن الحكم النهائي في الأمر، وأنا بوليتولوج مستقل كلياً.

تقوم روسيا، من خلال طرح الديموقراطية على السوريين، بالأمر عينه، الذي دأبت على إدانة الغرب به واتهامه، بأنه يقف وراء الكارثة التي يعيشها الشرق الأوسط، بسبب محاولة الغرب فرض الديموقراطية على شعوب لا تريدها، أو على شعوب غير مهيأة لها. كيف تفسر هذا الأمر؟

–   رأيي الشخصي هو أنه لا في سوريا، ولا في البلدان العربية المجاورة، قد يكون باستثناء لبنان فقط، ليست ممكنة أي ديموقراطية.  هذه، على الأرجح، شبه ديموقراطية، أو تقليد الديموقراطية. عامل القوة هناك هو المقرر، فحين بدأ الربيع العربي وأخذ الجميع ينادي بالديموقراطية، كنت أقول دائماً، إن أمرين فقط ممكنان هناك: إما الإسلام، وإما نظام تسلطي مع تشدد أقل أو أكثر، لكن ليس غير ذلك.

لكن القيادة الروسية الراهنة تقول إن روسيا نفسها ليست مهيأة للديموقراطية، وهي ترفض هذه الديموقراطية كقيمة غربية. لكن فجأة تفرض على الشعب السوري، غير المهيأ أيضاً للديموقراطية، نظاماً ديموقراطياً. وهنا يبرز العديد من الأسئلة حول الأمر الذي دفع روسيا للإقدام على مثل هذه الخطوة؟

–   أنا لا أصدق أن روسيا تريد الديموقراطية في سوريا. فلست أعتقد، أن بشار الأسد كان من شأنه أن يبقى (في السلطة في ظل نظام ديموقراطي). ليس من ديموقراطية في روسيا، بل توجد سماتها الشكلية فحسب، والأمر عينه سوف يكون في سوريا، وهو ما يلائم روسيا.

نشر موقع “ستراتفور” أواخر الشهر الماضي، تحت عنوان “دقت ساعة الحساب للحكومة الروسية”، تقريراً يقول فيه، إن الاقتصاد الروسي قد يخرج من وضع الركود هذه السنة، لكن حالة التراجع الاقتصادي سوف تستمر في عدد من الأقاليم. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هو ما حاجة روسيا لهذه الحرب؟

–   هذا السؤال لا تتوجه به إلي، إذا سمحت، بل توجه به إلى (الرئيس) فلاديمير بوتين. الحرب في روسيا تعني أنها بلد عظيم له نفوذه ومصالحه في  كل العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، والمكان الأنسب لكي يظهر الكرملين قدراته هي سوريا في الشرق الأوسط، هذا كل ما في الأمر.

لكن روسيا تكرر نفسها. فقد كانت تملك أيام الاتحاد السوفياتي عشرات آلاف المدرعات وعشرات آلاف الرؤوس النووية، وماذا حصل في نهاية المطاف؟ فهل الدولة القوية هي الدولة التي تملك السلاح؟

–   لقد كتبت في جملة ما كتبت، مقالة قلت فيها إن روسيا هي كالحصان، الذي يدور حول البئر لينتشل الماء. هذه هي روسيا في كل تاريخها تدور في هذه الدائرة.. والثقافة السياسية في روسيا لم تتغير منذ 700 سنة.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى