صفحات العالم

مسلسل الصور السورية


غسان شربل

شاهدت صورة وليد المعلم مع علي اكبر صالحي في طهران. شاهدت قبلها صور المقعد السوري الشاغر في اجتماعات الجامعة العربية. الصور ابلغ من الكلام في التعبير عن المراحل. اليوم صارت مستحيلة تلك الصور السابقة التي كانت ممكنة وواعدة يوم التقاطها. الصور التي كانت تكرس سورية لاعباً لا ملعباً. مراجعة صور الماضي القريب قد تساهم في تفسير الحاضر الكئيب.

كانت العلاقات التركية-السورية قوية ودافئة وحميمة. يقود الرئيس بشار الاسد بنفسه السيارة وإلى جانبه اردوغان ويجوبان احياء دمشق ويجريان خلال الجولة نقاشاً في الشؤون الثنائية والعربية والدولية لا شاهد عليه الا المترجم.

ذهبت العلاقة السياسية والشخصية بعيداً. في صيف 2008 يذهب الاسد مع عائلته لقضاء عطلة عائلية مع اردوغان وزوجته في مدينة بودروم التركية الساحلية. بعد عام ستكون الحروف الاولى لاتفاق التعاون الاستراتيجي، مع إفطار رمضاني في اسطنبول. وبعد شهرين سيرفع وليد المعلم ونظيره التركي احمد داود اوغلو الحواجز الحدودية، بعد اتفاق على إلغاء التأشيرات بين البلدين.

في 23 كانون الاول (ديسمبر) كاد اردوغان يحدث انقلاباً في المنطقة. استقبل رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت بحضور داود اوغلو. لم يكن الهدف من اللقاء اقل من اتفاق سوري-اسرائيلي. خلال الجلسة التي امتدت ست ساعات، كان اردوغان يخرج الى المكتب المجاور ويتصل بالاسد ويعود لتذليل الخلاف على «كلمتين». وعد اولمرت بالحصول على موافقة حكومته، لكنه حين عاد الى بلاده أطلق حرب غزة فانهار المشروع برمته.

صور اخرى لا تزال حاضرة في الذاكرة. صورة الاسد وأحمدي نجاد وحسن نصر الله في دمشق في شباط (فبراير) 2010. استدعت تلك الصورة صورة اخرى: الاسد واردوغان وامير قطر حمد بن خليفة آل ثاني يطلّون معاً من اسطنبول في ايار (مايو). المشترك بين الصورتين هو الاسد. هل كان ما يجري سباقاً بين صورتين يعكس التجاذب على سورية؟ أم أن دمشق كانت تريد تغطية صورة بالتقاط اخرى مختلفة لتقول ان سياستها ليست اسيرة الصورة السابقة؟

شهر العسل السوري-القطري كان طويلاً هو الآخر. لعبت قطر بمساعدة تركيا دوراً في إعادة تأهيل سورية دولياً. ثمة صورة مهمة في هذا السياق. رأى العالم الاسد ضيفاً على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في احتفالات 14 تموز (يوليو). طوت تلك الصورة صفحة العزلة التي اصابت دمشق بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

كانت العلاقات القطرية-السورية قوية ودافئة. جولات بالسيارة الرئاسية في دمشق واجازات عائلية في الساحل. استثمارات ووساطات. وهنا ايضاً لا بد من صورة. السياسيون اللبنانيون يتحلقون حول امير قطر يوم انتخاب العماد ميشال سليمان، تماماً كما تحلقوا في الطائف حول الملك فهد بن عبد العزيز. في السياسة يصعب اتهام بعض الصور بالبراءة.

كانت السنوات السورية الماضية حافلة بالصور. لا يمكن تناسي مبادرة المصالحة التي اطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الكويت في 2009، والقمة السعودية-الكويتية-السورية المصرية التي انعقدت بعد شهرين في الرياض وتبعتها في ايلول (سبتمبر) مشاركة الاسد في افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في الرياض.

ثمة صورة اكثر وقعاً. في تموز 2010، زار الملك عبد الله دمشق واصطحب الاسد الى قصر الرئاسة اللبنانية في بعبدا، وعلى الغداء كان مقعد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الى جانب الرئيس السوري. كان الحريري دخل قبل ذلك مسلسل الصور السورية بعد وساطات وضغوط. في 19 كانون الاول(ديسمبر) 2009 استقبل الاسد رئيس الوزراء اللبناني، وكان اسمه سعد رفيق الحريري. بذل الرجلان جهداً استثنائياً للإيحاء بأن المصافحة تعني المصالحة.

كشفت الشهور اللاحقة ان الود لم يشارك في المحادثات والزيارات.

في تشرين الاول (اكتوبر) 2010، قاد الاسد في طهران سيارة من صنع إيراني وقام بجولة مع أحمدي نجاد.

كان سباق الصور طويلاً وصعباً. بعض من ظهروا في الصور كانوا يرغبون في ان تبتعد سورية ولو قليلاً «عن البرنامج الايراني» في المنطقة. البعض الآخر كان يريد تعميق موقع سورية في محور الممانعة. مع اندلاع الاحتجاجات في سورية بات معظم الصور السابقة مستحيلاً. دخلت سورية مرحلة صورة المقعد الشاغر وصورة المعلم في طهران.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى