صفحات العالم

مقالات تناولت مبادرة معاذ الخطيب للحوار مع النظام في سورية

قنبلة الخطيب تفجر المشهد السوري

عبد الباري عطوان

فجّر الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري قنبلة سياسية من العيار الثقيل يوم امس عندما اعرب عن استعداده للحوار مع ممثلين عن نظام الرئيس بشار الاسد، في اسطنبول او القاهرة او تونس، لحقن دماء الشعب السوري.

الشيخ الخطيب اشترط تحقيق امرين ليس من بينهما رحيل الرئيس الاسد، الاول الافراج عن 160 الف معتقل في سجون النظام، وتمديد او تجديد جوازات سفر السوريين الموجودين في الخارج لمدة عامين على الأقل.

مبادرة الخطيب هذه قوبلت بمعارضة شرسة من المجلس الوطني السوري المنضوي تحت الائتلاف الذي يتزعمه السيد الخطيب، الذي قال متحدث باسمه انها آراء شخصية لا تعبر عن الائتلاف، وتتناقض مع وثيقة الدوحة المؤسسة له التي تنص على رفض قاطع للتفاوض مع النظام، والإصرار على رحيله بكل رموزه، واتهمته فصائل معارضة سورية اخرى بالخيانة العظمى، الأمر الذي دفعه الى الرّد بالقول انه يتعرض لارهاب فكري، وقال ان هناك من يريد ان يستمع الى مثل هذه الافكار رغم إنكار البعض.

اتهامات التخوين ليست جديدة على قاموس المعارضة السورية، بل هي جزء اساسي منه، يطلقها البعض على كل من يختلف معه بالرأي، وغالبا ما تأتي ملحقة باتهامات العمالة للنظام، وها هو الشيخ الخطيب يتحول من بطل تزكّيه الاغلبية الساحقة لقيادة الائتلاف الى شريك للنظام في جرائمه ومجازره.

الشيخ الخطيب لم يطرح هذه المبادرة عن جهل او غباء، وانما بناء على معطيات وحقائق تعرّف عليها اثناء اجتماعه في لندن تحت مظلة الحكومة البريطانية، تحت عنوان تشكيل حكومة وطنية بديلة للنظام قبل اسبوعين، ومشاركته في اجتماع اصدقاء سورية في باريس قبل يومين، واستمع فيه الى آراء الضيوف والمضيفين، وهي آراء جاءت مخيبة لآماله خاصة حول مسألة تسليح المعارضة بأسلحة حديثة.

‘ ‘ ‘

هناك عدة اسباب دفعت الشيخ الخطيب الى التقدم بهذه المبادرة التي ربما تؤدي الى استقالته من الائتلاف، بسبب الاتهامات المخجلة التي تعرض لها، او حدوث انقسام جبهة المعارضة السورية، وربما خروج المجلس الوطني السوري من تحت مظلة الائتلاف، ويمكن ايجازها في النقاط التالية:

*اولا: تخلي الغرب، والولايات المتحدة على وجه التحديد، عن فكرة تسليح الجيش السوري الحرّ وفصائل المعارضة المسلحة الاخرى، وتوجيه تحذيرات صريحة لدول الخليج بعدم تقديم اسلحة او اموال للثوار.

*ثانيا: تأكيد الرئيس باراك اوباما في خطاب تتويجه لفترة رئاسية ثانية على انتهاء عقد من الحروب وبدء عقد من السلام القائم على الحوار، وهذا يوجه رسالة واضحة الى المعارضة السورية تقول ان بلاده لا يمكن ان تتدخل عسكريا في الملف السوري.

*ثالثا: وصول الأزمة السورية الى حالة من الجمود نتيجة فشل النظام في القضاء على المعارضة المسلحة عبر الحلول الامنية العسكرية، وعجز الأخيرة عن الإطاحة به بالأسلوب نفسه.

*رابعا: سوء تقدير الدول العربية الداعمة للمعارضة لقوة النظام والدعم الخارجي له، الروسي والايراني على وجه الخصوص، والاستعداد للدخول في حرب عالمية لمنع سقوطه اذا اقتضى الأمر.

*خامسا: تصاعد قوة التنظيمات الجهادية وترسيخ وجودها في معظم سورية والشمال على وجه الخصوص، ونجاحها في تجنيد المئات ان لم يكن الآلاف من الشباب السوري في صفوفها، وتقديمها خدمات اجتماعية ومعيشية في المناطق التي انحسر فيها وجود النظام، على غرار ما فعلت حركة طالبان في افغانستان.

ِ*سادسا: تسليم معظم الدول العربية الداعمة للمعارضة المسلحة بان الحل السلمي هو المخرج الوحيد للأزمة، مما يعني الاعتراف والتسليم باستمرار النظام ولو لفترة قصيرة وفتح ابواب الحوار معه.

*سابعا: تخلي الجامعة العربية ووزراء خارجيتها عن الملف السوري، وكان لافتا ان السيد نبيل العربي امين عامها قال انها ستذهب الى مجلس الامن من اجل فرض وقف اطلاق النار وليس من اجل التسريع بالتدخل العسكري الغربي، كما جرت العادة.

الشيخ معاذ الخطيب ادرك هذه الحقائق مجتمعة ومنفردة، ولكن الأخطر من هذا وذاك، انه ادرك ان المجتمع الدولي بات يتعاطى مع الأزمة السورية على انها قضية لاجئين، وليست قضية شعب او جزء منه يطالب بالاصلاح والتغيير الديمقراطي واطاحة نظام ديكتاتوري. وما اجتماع الكويت الذي تم خلاله رصد اكثر من مليار دولار لمساعدة اللاجئين السوريين في الداخل والخارج الا تجسيدا لهذا التحول الجديد.

التعاطي مع الجوانب الانسانية دون السياسية من قبل الدول العربية والاجنبية وتحت رعاية الامم المتحدة وامينها العام يذكرنا بالتعاطي نفسه، وقبل 65 عاما مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية لاجئين يستحقون المساعدات الاغاثية في مخيمات اللجوء.

تصريحات السيد الأخضر الإبراهيمي التي قال فيها ان الشعب السوري يدمر بلده بيديه، وان البلاد تزحف بسرعة نحو فوضى دموية كانت مؤشرا لكل التطورات الحالية، ويبدو ان هناك حلا تفاوضيا توشك ان تفرضه الدولتان العظميان، اي روسيا وامريكا، ويمكن ان يتبلور في صيغته النهائية اثناء الاجتماع الوشيك بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الامريكي باراك اوباما.

المعارضة السورية قد تنشق الى ثلاثة معسكرات رئيسية:

*الاول: القابل بالحوار مع النظام للوصول الى تسوية سلمية.

*الثاني: الرافض للحوار مع النظام والمتمسك بضرورة رحيل رأسه ورموزه، وقد يقود هذا المعسكر المجلس الوطني بصيغته القديمة قبل انضوائه تحت مظلة الائتلاف، حيث تشكل جماعة الاخوان المسلمين رافعته الرئيسية.

*الثالث: التنظيمات الجهادية بقيادة جبهة النصرة التي ترفض الحوار مع النظام رفضا قاطعا، وتطالب بإطاحته وقتل قيادته ورموزه، واقامة دولة اسلامية مكانه تطبّق الشريعة تطبيقا حرفيا.

‘ ‘ ‘

بعد ان يهدأ غبار مبادرة الشيخ الخطيب وتتضح المواقف داخل المعارضة السورية والمجتمع الدولي، والغربي على وجه الخصوص، قد نجد انفسنا امام مشهد سوري جديد مختلف كليا يتمثل في تكوين ‘صحوات سورية’ تلتقي مع النظام السوري في محاربة الجماعات الجهادية من اجل استئصالها، على غرار ما حدث في العراق في زمن الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الامريكية.

الغرب، وبعد التدخل الفرنسي في مالي لمحاربة تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي وفروعه، بات يضع محاربة التنظيمات الجهادية على قمة اولوياته، ولا نبالغ اذا قلنا ان الغرب يعتبر هذه التنظيمات اكثر خطورة من النظام السوري على مصالحه في المنطقة واسرائيل على وجه الخصوص.

الشيخ معاذ الخطيب لخص هذا المشهد السوري الجديد بقوله في موقعه على ‘الفيس بوك’: ‘هناك دول تعد ولا تفي.. وهناك من يقول للسوريين اقتحموا ثم يتركهم في وسط المعركة.. هناك من تعهد بدعم الثوار ثم تركهم في الموت.. وهناك من يجلس على اريكة ثم يقول اهجموا.. لا تفاوضوا.. وهناك صمت دولي وخنق للثورة.. ومئات ألوف اللاجئين والمهجرين.. والاهم من ذلك ان هناك من يخطط لان تختفي سورية من العالم خلال حرب تستمر بضع سنوات’.

هذا كلام يعكس اقصى درجات الواقعية والقراءة الصحيحة للأوضاع في سورية.. كلام رجل يشعر ان الشعب السوري وبلاده سورية يتعرضان الى اكبر خدعة في التاريخ الحديث من الاقرباء قبل الغرباء.. خدعة راح ضحيتها 60 الف شهيد، وهناك من يطلب عشرة اضعاف هذا الرقم ليروي غليله من الدم السوري.

النظام هو المسؤول الاكبر.. نعم.. نقولها دون تردد، ولكن هل نترك الشعب السوري يدمر نفسه وبلده ونحن نتبادل العتاب واللوم؟!

القدس العربي

هل يستقيل معاذ الخطيب؟

رأي القدس

تستضيف مدينة ميونخ يوم غد السبت لقاء على درجة كبيرة من الاهمية يشارك فيه جو بايدن نائب الرئيس الامريكي وسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي علاوة على السيدين معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والاخضر الابراهيمي المبعوث العربي والدولي.

هذا اللقاء، وحسب ما تسرب من انباء، سيعكف على وضع خريطة طريق للخروج من الازمة السورية المتفاقمة، ترتكز على حل سلمي يستند الى وثيقة جنيف التي تنص على تشكيل حكومة انتقالية تليها انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد تحقيق وقف لاطلاق النار تراقبه قوات دولية.

السيد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف يتفق كليا مع السيد الابراهيمي على ان الحل السياسي هو المخرج الوحيد من هذه الازمة، وقد فاجأ الكثيرين قبل يومين عندما اعرب عن استعداده الشخصي للانخراط في مفاوضات مع ممثلي النظام السوري لحقن دماء السوريين ووقف اطلاق النار مشترطا الافراج عن 160 الف معتقل وتجديد جوازات المواطنين السوريين او تمديدها لمدة عامين.

هذا الموقف اثار حالة من الجدل في اوساط المعارضة السورية، والخارجية منها على وجه الخصوص، وصدرت بيانات وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تتهم السيد الخطيب بالخيانة والعمالة للنظام الامر الذي دفعه لاصدار توضيح بان تصريحاته تمثل موقفه الشخصي وليس الائتلاف الوطني الذي يتزعمه.

الهيئة السياسية للائتلاف اجتمعت في القاهرة امس واصدرت بيانا شددت فيه على ان حوارا حول الازمة السورية المستمرة منذ 22 شهرا لن يكون الا على رحيل النظام، في نقض واضح لمبادرة الشيخ الخطيب.

متحدث باسم الهيئة السياسية هذه اكد لوكالة الصحافة الفرنسية ان الاجتماع كان هادئا ولم تحدث اي خلافات ولكن هناك انباء تقول بعكس ذلك تماما، وتؤكد ان الشيخ الخطيب لم يكن راضيا على بعض الاتهامات التي جرى توجيهها اليه، وحملة الارهاب الفكري التي استهدفته حسب ما جاء في بيانه على موقعه في ‘الفيس بوك’.

وليس ادل على عدم رضاء الشيخ على خذلان دول عربية واجنبية للشعب السوري وثورته ويأسه من نجاح اي حلول عسكرية او تدخل خارجي، رفضه المشاركة في مؤتمر اصدقاء باريس الذي انعقد في العاصمة الفرنسية بحضور خمسين دولة ومنظمة وهيئة دولية، وغياب معظم وزراء الخارجية العرب عن اعماله.

الشيخ الخطيب تعرض لضغوط كبيرة عربية ودولية من اجل اطلاق مبادرته المفاجئة هذه، ونتيجة وصوله، لقناعة بان اتفاقا روسيا امريكيا بات وشيكا حول حل سلمي متوقع يمكن ان يبقي على نظام الرئيس الاسد لفترة انتقالية قد تطول لبضعة اعوام.

فبعد الحماس الدولي الكبير للائتلاف الوطني السوري والاعتراف به كممثل وحيد للشعب السوري مثلما جاء في اجتماع مراكش لاصدقاء سورية قبل شهر تقريبا، تغير الموقف، وفتر الحماس، وطلبت امريكا من حلفائها العرب والاتراك عدم تقديم اي اسلحة حديثة الى الجيش السوري الحر خوفا من وصولها الى ايدي الجماعات الجهادية، وتنظيم النصرة واستخدامها بالتالي ضد اسرائيل.

هذه التطورات لم تكن خافية على الشيخ الخطيب ولهذا ادرك ان الشعب السوري تعرض لخديعة كبرى من الدول الغربية التي دفعته لعسكرة ثورته ثم تخلت عنه في منتصف الطريق، ولهذا اطلق مبادرته للحوار مع النظام لحقن الدماء، وتخفيف معاناة الشعب السوري.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو حول موقف ائتلاف المعارضة السورية، وباقي الفصائل الاخرى، والمجلس الوطني التنظيم الاكبر داخله، من اي حل يبلوره اجتماع ميونخ الرباعي يوم غد وينص على الحوار بين ممثلي النظام والمعارضة للتوصل الى حل سلمي للازمة السورية؟

من الصعب الاجابة عن هذا السؤال طالما ان الاجتماع لم يعقد بعد، ولكن ما يمكن قوله، او استخلاصه من خلال متابعة ردود الفعل على مبادرة الشيخ الخطيب ان بقاءه اي الشيخ الخطيب على رأس الائتلاف الوطني السوري بات موضع شك، وان ايامه في هذا الموقع باتت معدودة، فالرجل ادرك الحقيقة مبكرا، وبات يضع حقن دماء الشعب السوري ومن ثم وجود سورية كبلد فوق كل اعتبار آخر.

القدس العربي

الإبرهيمي غرّر بمعاذ الخطيب؟!

  راجح الخوري

من الذي دفع أحمد معاذ الخطيب الى تلك الهاوية التي يمكن ان تبتلعه وتبتلع وحدة صفوف “الائتلاف السوري المعارض”؟ هل هو الاخضر الابرهيمي الذي قال في تصريحاته الاخيرة إنه يبحث عن اي منفذ قد يؤدي الى الحوار بين النظام والمعارضة؟

حبور الابرهيمي وهو يقدم في ميونيخ معاذ الخطيب الى سيرغي لافروف، الذي كان قد اعلن انه لن يلتقيه، اوحى إلي والى الكثيرين ان الابرهيمي لم يكن اكثر من ملتزم تولى ما يشبه عملية “تنويم مغناطيسي سياسي” للخطيب جعلته يعرض ما يستعيذ منه المعارضون وخصوصاً المقاتلون على الارض، اي قبول مفاوضة النظام، وهو ما رفضوه بعد فشل “المبادرة العربية” وما كرر الاسد رفضه منذ البداية ومع كوفي انان ومن ثم الابرهيمي!

هل كانت فكرة الخطيب مجرد “رأي شخصي ومبادرة حسن نية” كما يقول، ام انها كانت ثمناً اقنعه دهاء الابرهيمي بتسديده سلفاً قبل ان يطوف به في جولة العروس ليقابل جو بايدن وسيرغي لافروف وكاثرين آشتون وحتى علي اكبر صالحي الذي يقاتل الى جانب الاسد؟

اذا كانت رأياً شخصياً فهذه مصيبة تدل على مراهقة سياسية من رجل يفترض انه مؤتمن على دماء السوريين وثورتهم، وخصوصاً انه لم يراجع رفاقه او يستشيرهم في موضوع له فعل القنبلة، اما اذا كانت قشرة موز اميركية – روسية – اوروبية تولى الابرهيمي ادارتها، فالمصيبة اعظم، ليس لأن النظام رفضها بطريقة مهينة للخطيب بل لأنها تركت مفاعيلها المقصودة من الذين حاكوها، اي انها احدثت شرخاً عميقاً في صفوف المعارضين، وهو ما يتوازى مع الشروخ التي تجهد اميركا وروسيا وايران لتعميقها بين الفصائل المقاتلة في الداخل.

بدأ هذا يتضح منذ ابلغتنا هيلاري كلينتون ان واشنطن لم تعد ترى في الثورة السورية إلا “جبهة النصرة”، ومنذ ذلك الحين صدرت الاوامر بتجفيف المصادر المالية والعسكرية للثوار، وهو ما اراح موسكو وطهران ودفع الاسد الى الاستئساد اكثر، ثم بدأت مطالبة المعارضين بعزل “النصرة” كشرط لدعمهم، وهذا يعني دفع الثوار الى الاقتتال في ما بينهم. ومع اقتراب عمليات الثوار من دمشق واعلان اسرائيل اقامة حزام امني في الجولان خوفاً من سقوط النظام، صار لا بد من السعي الى التفاوض بأي ثمن، وهنا تم دفع الخطيب الى “الاقتراح الهاوية”، فاذا تجاوب الاسد يجدون منفذاً لتبرئة الذمم، وإن لم يتجاوب تسقط الديبلوماسية الدولية ما يشبه قنبلة برميلية سياسية على صفوف المعارضة!

كل ما قاله احمد معاذ الخطيب عن تنكر العالم لوعوده وعن معاناة السوريين لا معنى له، فالثورة بدأت من الصفر ولا يجوز اعادتها الى ما تحت الصفر بالإنزلاق العاطفي على قشرة موز دولية ألقاها عربي يدعى الابرهيمي!

http://www.elaph.com/Web/NewsPapers/2013/2/791944.html

ÅÛáÇÞ ÇáäÇÝÐÉ

النهار

المعارضة السورية وامتحان مبادرة الخطيب

رأي القدس

شن المجلس الوطني السوري، احد ابرز مكونات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية هجوما عنيفا امس على الشيخ محمد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف بسبب مبادرته التي طرحها باستعداده للقاء ممثلين عن نظام الرئيس الاسد لحقن دماء الشعب السوري.

بيان المجلس نسف مبادرة الشيخ الخطيب هذه، ووصفها بانها قرار فردي لم يتم اتخاذه ضمن مؤسسات الائتلاف الوطني ولم يجر التشاور بشأنه، ويتناقض مع وثيقة تأسيس الائتلاف، التي تنص على هدف اسقاط النظام القائم برموزه وحل اجهزته الامنية ومحاسبة المسؤولين عن سفك دماء الشعب السوري وعدم الدخول في مفاوضات مع النظام القائم.

العلاقة بين المجلس الوطني السوري وبين الشيخ الخطيب لم تكن جيدة، ولا نبالغ اذا قلنا ان المجلس دخل تحت مظلة الائتلاف مكرها، لانه كان يعتبر نفسه، اي المجلس، التنظيم الاكثر تمثيلا للمعارضة السورية.

اكثر من مسؤول في المجلس الذي يشكل الاخوان المسلمون الفصيل الاكبر فيه، عبر عن عدم ارتياحه لوجود الشيخ الخطيب على رأس الائتلاف، ولكن ضغوطا عربية ودولية املت هذه الخطوة، واضطر المجلس لقبولها مكرها، ولا نستغرب ان يكون هؤلاء المعارضون لرئاسة الخطيب استغلوا مبادرته هذه للعمل على الاطاحة به.

المشكلة الاساسية لم تكن رئاسة الخطيب للائتلاف، ولا حتى مبادرته للحوار، وانما الدول الغربية والعربية التي خذلت المعارضة السورية، واوقفت الدعم المالي والعسكري لها، وطالبتها بالدخول في مفاوضات مع النظام للتوصل الى حل سلمي. فقبل اقل من عام كانت هذه الدول تهدد بالتدخل العسكري الخارجي على غرار ما حدث في ليبيا، وايدت ارسال صفقات اسلحة حديثة لدعم الثورة المسلحة، واعترفت بالائتلاف ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري في مؤتمر مراكش لتجمع ما يسمى باصدقاء الشعب السوري. ولكن جميع هذه المواقف انقلبت رأسا على عقب، وجرى استبدالها بضغوط على الائتلاف المعارض لمحاربة التنظيمات الجهادية الاسلامية، وجبهة النصرة على وجه الخصوص، والدخول في حوار مع النظام.

الشيخ الخطيب عرف هذه الحقيقة المأساوية، وقرر ان يطرح مبادرة الحوار لحقن دماء الشعب السوري، ووقف اعداد الشهداء عند ستين الفا، وهو رقم مرعب بكل المقاييس، بعد ان وصلت الاوضاع الى حالة من الجمود، فلا المعارضة استطاعت الاطاحة بالنظام بعد عامين من الثورة المسلحة، ولا النظام استطاع القضاء على الثوار او المخربين مثلما يصفهم في ادبياته.

المجلس الوطني السوري بمثل هذا الهجوم الشرس على مبادرة الخطيب ورفضها بقوة اعفى النظام في دمشق من حرج كبير، فلو انتظر ساعات لجاء الرفض منه لها، اذ كيف سيقبل هذا النظام مفاوضات مشروطة بخروجه من السلطة، وتسليم الحكم لخصومه؟

لا نستبعد ان يؤدي بيان المجلس الوطني السوري هذا الى اضعاف، بل ربما انهيار الائتلاف الوطني، او استقالة الشيخ الخطيب من رئاسته او الاثنين معا، فمن الواضح ان المعارضة السورية تعرضت لخديعة كبرى، وجرى استخدامها من قوى عظمى في لعبة امم لتقسيم النفوذ والغنائم في المنطقة العربية.

القدس العربي

الحل في ترحيل الأسد والإرهاب

أسعد حيدر

التقط أحمد معاذ الخطيب “كرة النار” في الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة. عامان من القتال ولم يسقط بشار الأسد، ولم تنته الثورة. سوريا احترقت ولم يتراجع الأسد، ولم يستسلم الثوار. سياسة الأرض المحروقة، أوصلت الجميع أمام أفق مسدود. قوى دولية وإقليمية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ساهمت وأجّجت النار لإحراق سوريا وتدميرها، خدمة لمصالحها وأهدافها المتعدّدة.

اقتنع السوريون بعد 23 شهراً من القتال أن الحل العسكري ممنوع. تبيّن للثوار، أن حلفاءهم مدّوهم بأسباب الحياة ليصمدوا وليس لينتصروا. ليقاوموا نار النظام الأسدي وليس ليطفئوا ناره ويطيحوا به. اخترع الحلفاء ألف سبب وسبب حتى لا يصل السلاح والمال الى الثوار.

أما الأسد فقد مدّه حلفاؤه بكل أسباب القوة لينتصر، وانتصروا معه. لكنه لم ينجح أكثر من البقاء فوق تلال من الجثث والدمار. اقتنع الروس قبل الإيرانيين أن انتصار الأسد مستحيل. الفرق بين الحليفين أن الاسد بالنسبة لموسكو ملف من ملفات عديدة، بينما بالنسبة للنظام الإيراني هو المربّع الأخير في المواجهة الكبرى. في الحروب الكبيرة لا يتحقق النصر بسلاح الطيران وحده فكيف في ثورة مثل الثورة السورية، حيث يتضاعف عدد الثوار يومياً.

اقتنعت موسكو أنه لم يعد من الممكن المحافظة على الأسد، فلتتم عملية جراحية للمحافظة على الدولة السورية. الجيش أولاً، علاقات موسكو مع الجيش السوري تاريخية ويمكن لها أن تستمر من دون الأسد. خلال العامين الماضيين طرحت كل الحلول. من الحل العسكري الى الليبي الى اليمني فإلى اللبناني، أي عقد مؤتمر طائف على حجم سوريا. لكن كل الحلول بقيت أمام حائط مسدود.

أحمد معاذ الخطيب وجد لديه الجرأة السياسية ليقول ما لم يجرؤ أحد من المعارضة على قوله. نعم للمفاوضات. يمكن إضافة هيثم المناع الى هذه الدائرة، خصوصاً أنه كان سباقاً. لكن أهمية أحمد معاذ الخطيب في موقعه كرئيس للائتلاف الوطني بكل تركيبته المعقّدة وعلاقاته الأكثر تعقيداً. استخدم الخطيب الأسلوب الروسي في عرضه وعماده الغموض البنّاء. لم يتكلم عن رحيل الأسد مباشرة حتى لا يستفز الروسي، لكن كل ما قاله جاء ليؤكد رحيله.

يعلم الخطيب أن موسكو ليست متعلقة ببقائه وانها ستفاوض عليه حتى تحصل على أكثر ما يمكنها تحصيله. أليست المفاوضات نوعاً من الحرب إنما بوسائل أخرى؟ أيضاً من فنّ التفاوض وضع شروط بنّاءة لا يمكن الالتفاف عليها، فكيف برفضها. شرط الخطيب إطلاق سراح 160 ألف معتقل، لا يمكن لاحد رفضه. حتى الأسد قبل به في مبادرته عندما جعله نقطة ثالثة أو رابعة بعد وقف إطلاق النار. الآن بدأت لعبة الشروط على قاعدة التعامل مع الكراسي الموسيقية، واحد يصعد، الثاني ينزل.

من المؤكد أن أحمد معاذ الخطيب لا يتحرك وحده ولا يلعب وحده. المفترض أن واشنطن ومعها دول عربية معيّنة، أوحت للخطيب ومن معه طرح هذا الحل. الدليل أن البراغماتية التي بلورها الخطيب في مبادرته، جاءت نتيجة طبيعية لمآلات التطورات الميدانية في ظل الحصار الدولي والاقليمي والعربي. من المهم القول، ان المعارضة السورية أثبتت أنها أكثر وعياً من النظام للمأساة من جهة ولكن ايضاً أمسكت بأسباب المأساة، فالمناطق المحررة من النظام الأسدي تحوّلت الى عبء على الثورة، فلا إدارة تدير شؤونها وتحل مشاكل الناس منها ولا إغاثة معيشية في ظل الحصار، ولا أمل باستنهاض حملة دولية لتمويل الاحتياجات اليومية للسكان. مؤتمر الكويت بالكاد جمع مليار ونصف مليار دولار، وهو مبلغ لا يكفي أسابيع لمساعدة النازحين فكيف بالصامدين والمقاتلين؟

نجح النظام الأسدي في التجارة التي برع دائماً بالمتاجرة بها، وهي الارهاب. لقد فتح الأسد الباب أمام المنظمات الإرهابية باسم مقاومة الاحتلال الأميركي في العراق وصدّرها إليه، ثم دفع الشعب السوري الى اليأس من الحراك والتظاهر السلميين، حتى تحوّل اللجوء الى السلاح خياراً وحيداً أمام الثوار. أما مؤيّدو وحلفاء الثورة، فإنهم حاصروا الثورة حتى تمكّنت “النصرة” وغيرها من القوى الظلامية من السيطرة على الأرض، وإشاعة الخوف خارج حدود سوريا. ثم وضع معادلة جديدة: إما أنا أو الارهاب. يعتقد الأسد أنه بهذا يستجلب واشنطن الى جانب بقائه. الحل واضح، وهو كما كرّرته واشنطن مراراً، في رحيله واستئصال الارهاب معاً.

اجتماع ميونيخ الرباعي الذي يضم بايدن ولافروف والإبراهيمي والخطيب إذا عقد سيؤشر حكماً الى مآلات المفاوضات وإمكانات الحل السياسي، الذي سواء كان رحيل بشار الأسد في بدايته أو في نهايته، فإن لا مستقبل له في سوريا الغد، وهو أمر بالتأكيد أفضل للسوريين وللعرب وللعالم.

المستقبل

إنشقاق الخطيب ومؤشرات الحل في سورية

مصطفى زين

ينقل رئيس هيئة التنسيق السورية المعارضة في المهجر هيثم مناع عن مسؤول أوروبي تأكيده أن الوقت حان لإخراج سورية من أزمتها، معللاً ذلك بأن ما يريده الغرب وحلفاؤه قد تحقق: الدولة السورية منهكة، معظم بناها التحتية دمرت، مجتمعها تفكك، جيشها في حاجة إلى استعادة ثقة الناس به، إعادة الإعمار ستضطرها إلى إقامة علاقات مختلفة مع «المانحين»، أي مع محيطها العربي ومع أميركا والإتحاد الأوروبي. سيستغرقها الأمر عشرات السنين للخروج من حروبها، ولن تستطيع لعب أي دور في المنطقة.

هذا الكلام الأوروبي يتطابق تماماً مع ما كان مطلوباً من سورية منذ احتلال العراق عام 2003: إلغاء دورها في الشرق الأوسط، وقف دعمها للمقاومة الفلسطينية و»حزب الله»، فك تحالفها مع إيران. أي الإملاءات التي حملها وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولن باول إلى دمشق ورفضها الأسد الإبن.

معظم المطلوب من سورية تحقق الآن بأيدي السوريين أنفسهم، من دون أن تضطر أوروبا أو أميركا إلى بذل أي جهد يذكر سوى الوعود بربيع أزهر موتاً ودماراً. أي أن كل الوعود كانت أوهاماً، خصوصاً عندما كان الرؤساء والمسؤولون يرددون أن أيام النظام معدودة.

استغرق الأمر حوالى السنتين كي يخرج بعض المعارضين من الوهم. طالبوا بسلاح نوعي كي يعجلوا في سقوط الأسد. أُعطوا سلاحاً لتدمير البنى التحتية والجامعات والمدارس وتشريد الملايين. طالبوا بالمال، بكثير من المال لإدارة «المناطق المحررة» فأُعطوا ما يكفي لإقاماتهم وصرف رواتب بعض المسلحين. حلموا بحكومة موقتة واعتراف دولي بها فلم يحققوا ما سعوا إليه. قيل لهم توحدوا فاختلفوا بين «إخوان مسلمين» يعتقدون بأنهم الأقوى على الأرض وتجمع ليبيراليين وديموقراطيين ليس لهم وجود ملموس لا في أوساط المسلحين ولا في أوساط المعارضين السلميين. اكتشفوا بعد دمار بلادهم أن ما يريده الممولون مختلف تماماً عما يريدونه وأن بعضهم لا علاقة له لا بالحراك الداخلي ولا بالثورة أو التغيير، همه الأول الإنتقام والإثراء.

هذا الواقع دفع بعض المسؤولين في الإئتلاف المعارض إلى التقاعد مبكراً، ودفع آخرين إلى الإكتفاء بالوظيفة وتنفيذ المطلوب منهم من دون أي سؤال، ما دفع برئيس الإئتلاف معاذ الخطيب إلى الإنشقاق وإعلان عزمه على محاورة النظام. أما الشروط التي وضعها للحوار فمن قبيل المبالغة كي لا يكون انشقاقه طلاقاً مع ماضيه وكي لا يتهم بالخيانة. لكنه مؤشر كاف إلى تغيير كبير في صفوف المعارضة، وإلى تضعضع الإئتلاف واقتراب بعضه من رؤية هيئة التنسيق التي أعلنت خلال مؤتمرها في جنيف أنها ستتفاوض مع النظام بعد أن يمهد لذلك بوقف النار وإطلاق المعتقلين السياسيين.

ما لم يقله مناع، وتؤكده اللقاءات الأميركية – الروسية، خصوصا لقاء نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وكل منهما مع الخطيب على انفراد في ميونيخ (الأخير كان يرفض لقاء أي مسؤول روسي) أن الحوار بين القطبين الدوليين يتمحور حول تقاسم النفوذ في المنطقة ولا علاقة له بنشر الديموقراطية ولا الحرص على حقوق الإنسان.

حوار الطرفين سيستغرق وقتاً طويلاً نظراً إلى تشعب ملفاته من سورية إلى إيران إلى القوقاز، ولا ننسى النفط ومنابعه وأنابيبه. لكن المؤكد أن واشنطن اكتفت بهذا القدر من إضعاف سورية وشلها عن التأثير في محيطها، وموسكو سترضى بالخروج من المأزق بتقاسم النفوذ معها وتكريس نفسها القطب الثاني في الحرب الباردة الجديدة.

نضجت الظروف في سورية. حان وقت القطاف. دمشق لم تعد قادرة على الإستقلال بقرارها وإطالة أمد حروبها الداخلية أصبح خطراً على دول الجوار وما بعدها.

انشقاق الخطيب ستتبعه انشقاقات فالوعود بدعم المعارضة وانتصارها أصبحت من التاريخ.

الحياة

لماذا باع الخطيب المعارضة؟

 عبد الرحمن الراشد

فاجأنا زعيم المعارضة السورية الجديد، الشيخ معاذ الخطيب، بإعلانه فشل الثورة السورية. لم يخاطب مواطنيه وثواره مباشرة بل استخدم صفحته على «فيس بوك»، وكتب قائلا، «أعلن أنني مستعد للجلوس مباشرة مع ممثلين عن النظام السوري في القاهرة أو تونس أو إسطنبول». لو ركب سيارته وذهب بنفسه إلى دمشق كان أهون من أن يبلغ عشرين مليون سوري برسالة شخصية على «فيس بوك» أنه قرر إنهاء ثورتهم ومساومة الأسد مقابل إطلاق سراح المساجين وبضعة جوازات سفر! الخطيب شق المعارضة وألحق ضررا بالغا بجهد عشرات الآلاف الذين يضحون بحياتهم من أجل مستقبل جديد من دون الأسد ونظامه الفاشي.

في سنوات الدم في لبنان واجه الرئيس السوري بشار الأسد عقبة كبيرة خلال شروعه في اغتيال خصومه. قامت ضده جبهة واسعة من القوى والشخصيات، التي تسمت بتيار 14 آذار. كانت استراتيجيته تفكيكها بنشر إشاعات ضدها أو ضد بعضها، مدعيا أنه على صلة جيدة بهذا الطرف أو ذاك داخل التيار من أجل شقه بعد أن أصبحت القوى تمثل تيارا واسعا من سنة ومسيحيين ودروز وغيرهم، بالتحالف مع السعودية وفرنسا. ونجحت الجبهة في دعوة الأمم المتحدة لإقامة محكمة خاصة ضده ورفاقه للتحقيق في تورطه في اغتيال أكثر من عشرين شخصية قيادية في لبنان. لم يفلح الأسد في تخويفها ولا تفكيكها.

نحن الآن نشهد نفس الأسلوب في تعامله مع المعارضة السورية حيث بدأ يرسل إشارات ورسائل كاذبة بأنه مستعد للتفاوض والتنازل. واستخدم لهذا الغرض وسطاء أوروبيين وروسا واعدا الجميع بتنازلات مع قادة المعارضة.

هذا كله متوقع من الأسد لكن أن يكتب الخطيب على «فيس بوك» أنه مستعد للجلوس مباشرة مع ممثلين عن النظام السوري للحوار والثمن «إطلاق 160 ألف معتقل من السجون السورية.. وتمديد أو تجديد جوازات السفر للسوريين الموجودين في الخارج لمدة سنتين على الأقل»!

وهو طرح مماثل لمعارض مزعوم اسمه هيثم مناع، محسوب على نظام الأسد وإيران، تحدث قبلها بيوم عن حوار مماثل!

هل الخطيب يجهل أن مبادرة كهذه ستحقق أمرا واحدا هو تفكيك المعارضة السورية؟ ألا يعي أنها ستصيب بالذعر ملايين السوريين الذين هجروا من بيوتهم وقراهم وتحملوا الأذى في انتظار إسقاط النظام؟

وما قيمة عرض الخطيب؟ فإطلاق سراح المسجونين يعني شيئا واحدا؛ أن النظام سيفتح باب السجون ليخرجوا لكنه سيلاحقهم ويضطهدهم في أحيائهم وبيوتهم؟ أيضا ما قيمة تجديد جوازات السفر للسوريين في الخارج، فهؤلاء أصلا على القائمة السوداء مصنفين أعداء للنظام والأكيد أنه لن يرجع أحد منهم إلى بلاده طواعية إلا بموت الأسد أو سقوط نظامه.

لا يصلح الحوار اليوم مع أسد ميت، حتى أمه وأخته ومعظم رفاقه ورجال أعماله هربوا من سوريا وتركوه، لأنهم يعلمون أن نظامه ساقط لا محالة، ومطار العاصمة صار معظم الوقت مغلقا بسبب هجمات الثوار واضطرت قواته لحفر خنادق حوله مدركة أن المعارك الحاسمة تقترب من العاصمة.

على الخطيب أن يدرك أن التفاوض مع الأسد تأخر طويلا، ومهما أعطاه من تنازلات فإن ثمنها صار بخسا، لن يقبل ملايين السوريين التنازل عن دم أهلهم إلا بإسقاط النظام ومطاردته. ربما يستطيع أن يفر من القصر إلى روسيا أو إيران حيث سيصعب على الثوار ملاحقته إلى هناك. على الخطيب والعالم الذي يتفرج إما أن يدعم المعارضة لإكمال مهمتها أو ألا يدعمها ولا يتدخل في شؤونها، وهي ستقضي عليه ولو بعد عام أو اثنين.

الشرق الأوسط

«حسن النية» مع النظام السوري

الياس حرفوش

لم يتأخر رد فعل دمشق على الموقف الذي أعلنه رئيس «الائتلاف الوطني» الشيخ معاذ الخطيب على صفحته على موقع «فايسبوك»، والذي أعلن فيه استعداده «للجلوس مباشرة مع ممثلين عن النظام». فبينما لقي هذا الموقف تجاهلاً كاملاً من المسؤولين السوريين، جاء الرد بطريقة غير مباشرة على صفحات جريدة «الوطن» المقربة التي اعتبرت تصريحات الخطيب دليلاً على «تفكك المعارضة السورية في الخارج وتفسخها وعدم تمكنها من اتخاذ موقف موحد إزاء الأزمة السورية وسبل حلها». كما وجهت الجريدة إهانة مباشرة لـ «الائتلاف» الذي يرأسه الخطيب قائلة إنها تتوقع «ظهور تجمع جديد لا يكون هدفه جني المال العربي والغربي، بل العمل على إخراج سورية من أزمتها».

هذا هو رد النظام على المبادرة التي قال الخطيب إنه أطلقها نتيجة «حسن نية» من جانبه، لأنه يرى أن هناك جداراً مسدوداً أمام الحل، كما أن الدول التي قدمت الوعود لمساعدة المعارضة لم تفعل شيئاً، وهناك من يخطط لاختفاء سورية من خريطة العالم نتيجة حرب طاحنة تستمر سنوات.

أراد معاذ الخطيب أن يقيم حواراً مع النظام الذي يصفه بأنه «يقتل الأطفال ويرتكب المجازر بحق الأبرياء». هل كان رئيس «الائتلاف» يجهل أن هذا النظام سيستخفّ بنداء الحوار وسيرد بهذه الطريقة، ولن يرى في مواقف رئيس «الائتلاف الوطني» سوى دليل على تفكك المعارضة، ما يسمح له باستغلال هذا الوضع بهدف الاستمرار في ارتكاب المجازر وأعمال القتل التي تحصد ما معدله خمسة آلاف سوري كل أسبوع؟

لقد عانى الخطيب شخصياً من قمع النظام السوري عندما كان إماماً للجامع الأموي في دمشق. وهو يعرف طبيعة عمل السلطة الحاكمة في بلده ومصدر الأوامر التي يتم تنفيذها من دون سؤال، على ما أكد «نائب الرئيس» فاروق الشرع في حديثه الأخير قبل أسابيع، والذي اختفى بعده عن الأضواء. فعلى رغم الموقع الديني الذي كان يتمتع به الخطيب، لم يرف جفن للنظام ولم يمنعه ذلك من اعتقاله وتعريضه للإهانة، بعدما شارك في التظاهرات الأولى مع بدء حركات الاحتجاج في العاصمة السورية. وهذا ما يستدعي التساؤل عن تفسير التصريحات الأخيرة التي لا يشير فيها على الإطلاق إلى ضرورة استبعاد أي دور للأسد عن تسوية الأزمة، باعتباره المسؤول الأول عن كل الارتكابات والجرائم التي وقعت بحق السوريين. كيف يمكن الجلوس مع ممثلين للأسد في ظل وضع كهذا؟ وما هو الحل الذي يمكن الوصول إليه معهم؟ ثم، هل يعتقد معاذ الخطيب أن هناك مسؤولاً سورياً يستطيع أو يجرؤ على التفاوض على أي حل سياسي ينتهي باستبعاد الأسد عن موقعه، كصاحب الكلمة الأولى والأخيرة في سورية؟

من الجيد أن يكون «حسن النية» دافعاً لإنقاذ سورية بأية طريقة ممكنة. لكن رجلاً في موقع سياسي كموقع الخطيب لا يستطيع أن يعتمد في مواقفه على «حسن النية» فقط. كما لا يمكن اعتبار مواقفه مجرد «رأي شخصي» يتحمل مسؤوليته هو وحده، كما قال دفاعاً عن تصريحاته. فهو رئيس «الائتلاف الوطني» ولهذه الهيئة برنامج سياسي تم تشكيلها لتنفيذه. وإذا كان من حق أي عضو في «الائتلاف» أن يكون له رأي مخالف، فإن المكان الصالح للتعبير عن هذا الرأي يفترض أن يكون داخل الاجتماعات، على أن يلتزم الجميع، وخصوصاً الرئيس، القرار الذي يتم اتخاذه بعد ذلك.

لا شك في أن رئيس «الائتلاف» السوري محق في الشكوى من عدم قيام العالم بتحرك جدي لوقف المأساة في بلده. لكن، من السذاجة تجاهل المسؤول الحقيقي عن هذا الشلل الإقليمي والدولي. إنها الأطراف الداعمة للنظام السوري في المنطقة والتي تمده بوسائل القتل، والدولتان اللتان منعتا مجلس الأمن من التوصل إلى قرار واضح يتيح التدخل لوقف المجازر. وأي موقف غير ذلك من شأنه تمييع المسؤولية، فضلاً عن أنه يصب بالنتيجة في مصلحة النظام.

أخيراً لا بد من القول إن من سوء حظ المعارضة السورية أنها ابتليت بهذا النظام، غير أن من حظ النظام السوري أنه حصل على هذا النوع من المعارضة.

الحياة

لأسد وجليلي.. ومعاذ وبايدن!

طارق الحميد

يبدو أننا ندخل مرحلة سياسية جديدة في الأزمة السورية، ستكون معقدة كما سبقها من مراحل، لكنها مهمة جدا، ويمكن قراءتها من خلال الاجتماعات الأخيرة، والصور، بالنسبة لكافة الأطراف السورية، سواء من المعارضة، أو النظام.

ففي الوقت الذي يظهر فيه بشار الأسد مع الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي نجد رئيس الائتلاف السوري الوطني معاذ الخطيب يلتقي نائب الرئيس الأميركي، ووزير خارجية روسيا، وكذلك وزير الخارجية الإيراني، وهنا يظهر أن المعارضة السورية تحقق انفراجة دولية كبيرة سواء مع أميركا، أو مع حلفاء الأسد، ومنهم إيران وروسيا، بينما لا يزال الأسد يتقوقع يوما بعد الآخر مع الإيرانيين، حيث لا يلتقي غيرهم، ولقاءاته معهم شبه منحسرة على مستشارين، وأمنيين، وكما كان نظام الأسد نفسه يفعل مع اللبنانيين، حيث كان يبعث لهم رستم غزالي، أو غيره من رجال مخابراته، يوم كان يدير اللعبة بشكل كامل في لبنان، حيث باتت سوريا اليوم لإيران كما كان لبنان للنظام الأسدي.

وبالنسبة للقاءات الخطيب فإنها لا تعني بالطبع أن المعارضة تحصل على كل ما تريد، لكنها تحرز تقدما حقيقيا، ولا نعلم ما إذا كانت تصريحات الخطيب حول مفاوضة النظام مجرد لعبة سياسية، بمعنى عمل سياسي صرف، أم أنها تخبط، خصوصا أن وزيرة الخارجية الأميركية المنتهية فترتها هيلاري كلينتون قد أشادت بموقف الخطيب وقالت إنه «ليس شجاعا فحسب، وإنما ذكي أيضا».

واللافت أنه في الوقت الذي يلتقي فيه وزير خارجية إيران الخطيب تقوم طهران بالرد على الإسرائيليين، إعلاميا، بعد الغارة الأخيرة، وبحدة تفوق حدة الأسد نفسه الذي اكتفى بالقول إن نظامه قادر «على التصدي لأي عدوان إسرائيلي»، بينما يقول المساعد الإعلامي لرئيس هيئة الأركان الإيرانية العميد مسعود جزائري إن رد سوريا على الغارة الإسرائيلية «سيدخل الكيان الصهيوني في حالة غيبوبة»، وهو ما لم يقله الأسد نفسه، مما يظهر أن الأسد بات مرتميا بأحضان الإيرانيين لدرجة أنهم هم من يصرحون عنه، وحتى في الوقت الذي يلتقون فيه الخطيب.

ومن دون شك فإننا أمام عملية تفاوض، وبيع وشراء، جادة تتم بالملف السوري، وبمشاركة أميركا وروسيا وإيران، والإشكالية هنا، وتحديدا مع موقف إدارة أوباما المتماهي، أن تكون عملية البيع والشراء هذه قائمة على أن تضمن روسيا وإيران مصالحهما لتتم عملية الانتقال السياسي في سوريا، وهنا تكمن الخطورة، خصوصا أن ليس لإيران مصالح حقيقية بسوريا، وإنما مطامع لتعزيز نفوذها في المنطقة، وعلينا هنا أن نتذكر أن طهران تتحرك بملفين متوازيين؛ الملف النووي، وملف الأزمة السورية، أي عملية مساومة واضحة.

ولذلك فإن الأزمة السورية تدخل مرحلة سياسية جديدة لا شك، خصوصا مع الغارة الإسرائيلية، لكنها مرحلة حرجة قد ينتج عنها رحيل الأسد صحيح، لكن الخوف هو من مرحلة ما بعد الأسد، خصوصا أن الطبخة تتم بحضور روسي قوي وغياب عربي واضح.

الشرق الأوسط

خطيب سوريا داهية أم مغامر؟

طارق الحميد

يقول رئيس الائتلاف السوري معاذ الخطيب، أو الشيخ، كما يلقبه محبوه، إن المجتمع الدولي ليس لديه تصور واضح لحل الأزمة السورية، ولذلك فهو يشدد على ضرورة التحاور مع النظام، وهو ما قوبل بالتشكيك ليس من أطراف المعارضة فحسب؛ بل ومن وزير الخارجية التركي.. فهل الخطيب داهية أم إنه مغامر؟

وزيرة الخارجية الأميركية المنتهية فترتها تقول إن الخطيب ليس شجاعا فحسب؛ بل هو ذكي، وبعض الأطراف العربية تقول إن الخطيب يريد إحراج النظام الأسدي أمام مريديه بالداخل، وحلفائه بالخارج، وذلك من خلال موافقته على الحوار، بل إن الخطيب ذهب أبعد من ذلك حين حدد للأسد المسؤول الذي يريد أن يفاوضه وهو فاروق الشرع، نائب الأسد المبعد عن الأضواء منذ اندلاع الثورة، وفي هذه الخطوة إحراج شديد للأسد، ومحاولة واضحة لضرب إسفين بين أركان النظام. ومجرد اختيار الخطيب لشخص الشرع، وبعد مقابلته لكل من نائب الرئيس الأميركي، ووزير الخارجية الروسي، وكذلك وزير الخارجية الإيراني، فإن ذلك يقول لنا إن الخطيب نجح في أن يكون مختلفا، ولكن ذلك لا يقول لنا إذا ما كان ذكيا، أم شجاعا، أم حتى مغامرا.

وبالطبع لا توجد إجابة واضحة عن السؤال الوارد بعنوان المقال، لكن علينا تذكر أنه سبق للخطيب أن قال بأن الدعم السياسي الدولي يعد أمرا غير كاف، وهذا صحيح، فالنظام الأسدي لا يعتمد إلا لغة القتل، والثوار بلا دعم مسلح حقيقي، والرئيس الأميركي لا يزال مترددا، وإن كان قد أوفد بايدن للقاء الخطيب، وكلنا يذكر أن بايدن قد خسر الجولة أمام قاسم سليماني بالعراق وقت جدلية الانتخابات بين علاوي الفائز بفارق صوت على المالكي الذي استمر في رئاسة الوزراء بضغط إيراني، وتقاعس أميركي. وفوق هذا وذاك، فإن الروس يريدون ضمان مصالحهم في سوريا، ويصرون على الحوار مع النظام، وسط ابتعاد عربي ملحوظ، وتقوقع تركي ملموس.. كل ذلك قد يكون هو ما دفع بالخطيب للمغامرة بالموافقة على محاورة النظام، وتحديدا من لم تلطخ أيديهم بالدماء، وحدد لذلك الشرع.

الخطيب يبدو أنه مدرك لعبة الأسد الشهيرة بالموافقة على كل مبادرة ثم تفريغها من محتواها، إما بشروط واهية، أو بالاستفسارات، والهدف من ذلك هو قتل الوقت مع مواصلة القتل على الأرض، وبدعم إيراني.. ولذا، فإن الخطيب يحاول الآن إحراج النظام الأسدي أمام حلفائه والمجتمع الدولي، لكن الإشكالية تكمن في نقص الأدوات التي تدعم موقف الخطيب أمام نظام لا يتردد في القتل، والتحايل.. وصحيح أن الثوار ما زالوا يتقدمون على الأرض، لكن إشكالية نقص الدعم المسلح حقيقية، كما أن تشكك شريحة عريضة من المعارضة في خطوة الخطيب تظل أمرا لا يمكن التقليل منه، ولا بد أن يقنع الخطيب المعارضة برجاحة موقفه.

ولذا، فالحقيقة هي أن لا إجابة واضحة عما إذا كان الخطيب داهية، أم مغامرا، لكن الواضح والأكيد هو أن زعيم الائتلاف السوري وبموافقته على محاورة الأسد، يكون قد ركب موجة عالية جدا، وخطرة.

الشرق الأويط

تحميل الشرع أكثر من طاقته

فاتح عبدالسلام

حين يطلب السيد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري المعارض أن يكون السيد فاروق الشرع نائب الرئيس السوري المجمّد، الطرف الذي يمثل النظام للحوار مع المعارضة، فإن الموقف كله يبدو غير واقعي ومنفصماً عن محتوى الأزمة في سوريا وطبيعة النظام فيها.

الشرع من أقدم أركان النظام السوري الذين واكبوا مرحلتين في التحولات، الأولى مع الأسد الأب والثانية مع الأسد الابن. لكن الشرع لا يتوافر على أحد الموقعين الأساسين اللذين يؤهلانه الحديث التمثيلي في المفاوضات، فهو ليس من طاقم الأسد العائلي وهو أيضاً ليس من طاقمه الأمني والاستخباري الذي له أكثر من صفحة معقدة محلياً وإقليمياً منذ الوجود السوري في لبنان وحتى الآن.

لذلك فإنّ أيّ قرار يخص النظام السوري يعود إلى المؤسستين العائلية والأمنية حصراً ودون ذلك فهو نوع من السذاجة والضحك على الذقون. وبالمناسبة ليست هذه حال سوريا فدول الخليج العربي كلها بهذه المواصفات، بيد إنَّ الأمر يتطلب الإشارة إلى الحالة السورية كونها موضوع الأزمة الآن.

ماذا تتصور المعارضة أن يستطيع فعله الشرع، أكثر من ساعي بريد سامي المقام حسب المنصب وناقل للقرار حين تطبخه المؤسستان المذكورتان بالتنسيق مع الحلفاء في إيران وروسيا وحزب الله.

إذن، أهي لعبة إسقاط الغرض، في إعلان قبول الذهاب إلى المفاوضات تخلصاً من الضغط الدولي الذي يريد إنهاء أزمة سوريا داخلياً وسياسياً لعجزه أو لقدرة النظام السوري على إحباط أي مسعى آخر ضده؟

إذا كان النظام السوري ضعيفاً داخلياً لمحاصرته في جزيرته العائلية والأمنية فهو من أقوى الأنظمة العربية في بناء تحالفات إقليمية ودولية حقيقية نفعته في أيام الضيق بل أنقذته، وهذا إنجاز فشل في صنعه العراق أيام صدام حسين ومن بعده جميع الأنظمة العربية التي سقطت وكان لها حزمة من الحلفاء.

التوجه إلى الشرع هو التوجه إلى عنوان خاطئ. بل لعلّ المعارضة تحمّل هذا الرجل فوق طاقته وهو المعزول أو المجمّد أو الخاضع لإقامة جبرية أو المنزوي، وكلّها أوصاف لا تؤهله إنقاذ سوريا الآن.

الزمان

سوريا: مبادرة الخطيب

أسامة عثمان

قد تكون تصريحات رئيس الحكومة الروسية، ديمتري مدفيديف التي صدرت مؤخرا، عن أنَّ أيام الأسد معدودة، وأنَّ حظوظه في البقاء في السلطة تتقلص، إشارةً روسيةً إلى أن الدعم الروسي المقدَّم للأسد، أو نظامه، لن يستمر إلى الأبد، وذلك الموقف الروسي العلني المتقدم على المواقف السابقة يأتي- كما تبدأ يتضح، لاحقا- ضمن سياق دولي، أمريكي، روسي، تحديدا، وبدعم أوروبي، وبالضغط على الطرفين المتصارعين؛ للتوصل إلى حل للازمة السورية المشتعلة، منذ ما يقارب العامين، وأدت إلى نتائج مدمرة، إنسانية، ومادية، بقتل ما يزيد عن ستين ألفا، وتهجير مئات الألاف، إلى دول الجوار، فضلا عن ألوف من المهجرين داخل سورية.

كل هذا الدمار لِحَيَوات الناس، وبيوتهم وممتلكاتهم، يترك آثارا نفسية عميقة من الإنهاك والإحباط في نفوس السوريين، وعلى صعيد العلاقات المجتمعية، ولنا أن نستذكر، مثلا، أحوال اللاجئين في مخيم الزعتري، والتداعيات المؤلمة التي تَرِد على البال، بمجرد ذكره؛ فكيف بمن يعيش تلك المعاناة، وانعكاساتها على العمق السوري؟!  في هذا السياق تأتي تصريحات رئيس الائتلاف الوطني المعارض، معاذ الخطيب، بأنه سيكون مستعداً للتفاهم مع ممثلي نظام الأسد بشرط الإفراج عن160 ألف سجين، وإصدار جوازات سفر لعشرات الآلاف من اللاجئين الذين فروا إلى الدول المجاورة، لكن ليس لديهم وثائق.

قد تكون مبادرة الخطيب للحوار المشروط مع النظام تواجه عقبات عديدة، داخل ائتلاف المعارضة، والأهم، في داخل الأرض السورية حيث القتال والتضحيات الميدانية.. وقد تترك أثرين متعاكسين: أثر يراها مخيبةً لآمال الثائرين، وهدرا لتضحياتهم… وأثر يراها منقذةً للبلد والشعب، أو محاولة للتخفيف من وحشية الجرائم وعميق آلام الآثار المادية والنفسية.

الدعم الدولي والإقليمي:

واشنطن هي التي ترعى مبادرة الخطيب للحوار، وموسكو رحبت بها، وكذا طهران، ولكن أنقرة وقطر تتحفظان، قد يكون هذا التحفظ؛ حفظا لخط الرجعة، في حال لم ينجح الخطيب في تمريرها، في الائتلاف، أو في حال جوبهت  بمعارضة داخلية قوية إلى درجة يصعب تجاهلها… وهذه المبادرة تنبني على ما جاء في مؤتمر جنيف الذي  شدد على «الحل بطريقة سياسية، وعبر الحوار والمفاوضات فقط، وتشكيل حكومة انتقالية، من قبل السوريين أنفسهم، متطرقاً إلى احتمال إجراء تعديل لدستور البلاد، ومتوقعاً أن حل الأزمة قد يحتاج إلى سنة كاملة.

وهذه المبادرة لا تبتعد عما جاء في مؤتمر جنيف، ففي آخر أقوال أدلى بها الخطيب لقناة الجزيرة  ذكر أنَّ تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة، من بين الخيارات التي يدور حولها النقاش بعد اجتماع ميونيخ..

وأما التحفظ التركي، فقد يكون من قدرة المعارضة على الترشح، أو تشكيكها بنزاهة نتائج الانتخابات، إذ تساءل وزير الخارجية التركي: «لو حصلت انتخابات غداً في ظل رئاسة الأسد، من يمكنه أن يضمن أن قادة المعارضة سيتمكنون من الترشح؟».

بالطبع، وراء هذه المبادرة عوامل وأوضاع ميدانية، مِنْ أهمها الدعم الذي يحظى به النظام دوليا، وأهم الأطراف، روسيا التي لاتزال على موقفها الذي تعلن أنه مبدئي، برفض تقرير الشأن السوري من الخارج.. والدعم الإيراني الذي يرتبط بالنظام السوري بحلف استراتيجي، أكد مسؤولون إيرانيون، بموجبه، أن أي اعتداء خارجي على النظام ستعتبره طهران اعتداء عليها… وفي الجهة المقابلة، لا دعمَ فاعلا للجماعات التي تقاتل النظام، بل ثمة تخوُّفٌ من تطرفها، بلغ في الدولة الأهم، عالميا، وإقليما، أمريكا، إعلانها “جبهة النصرة” جماعة إرهابية. وهذا الوضع الذي يزيد من قوة الجماعات الجهادية؛ بسبب اتجاه الصراع إلى الأبعاد الدينية، والطائفية، وبسبب الاعتماد الذاتي على السلاح والمال، من شأنه أن يضعف سائر الجماعات من مقاتلي الجيش الحر، ولا سيما مع تميز جبهة النصرة  بالتنظيم والتماسك، في مقابل ظهور علامات تدل على ارتخاء الانضباط في الجيش الحر.

وقد لا يجد المقاتلون الميدانيون دافعا للتعاطي مع هذه المبادرات القائمة على الحلول الوسط، ما داموا قادرين على تحقيق تقدم مستمر على الأرض، ولذا من المتوقع العمل على إضعاف الرافضين لها، في حال سلكت الجهود الدولية والإقليمية طريقها. وقد يكون التعويل على هذه المبادرة مبنيا على توقعات بالنجاح في حصر الرفض لها في صفوف الفئات العقدية الجهادية، مع اكتساب هذه الحلول السياسية زخما داخليا وشعبيا يسمح بمتابعتها، ولا سيما مع وجود الدعم الدولي والإقليمي لها. وقد يكون الخطيب لَمَس رفضا دوليا أمريكيا لانهيار الدولة؛ بما يسمح بصعود القوى الأكثر فاعلية في الوقت الحاضر، من الجماعات الجهادية، وهو المعروف بانه حائط صد أمام الجماعات السلفية. وحتى لو لم يُكتب لهذه المبادرة النجاح في هذه الآونة، وبما تضمنته من تفاصيل، فإنها تكشف عن مسار الحلول، وفكرتها من  حيث كونُها مبنيةً على توافقات دولية وإقليمية، وما دام أن الائتلاف الوطني المعارض يوافق على مبدأ الحوار.

ولكن في ظل الاستراتيجية الأمريكية التي يعتمدها أوباما الذي استبعد الحروب في خطاب تنصيبه، وركز على الحوار، وإدارته، وعلى رأسها وزير الخارجية جون كيري المعروف باعتماده على الحوار والتفاوض فإنَّ الأرجح أن هذه المبادرة ستكون الاتجاه العملي لتعامل الدولي الأمريكي، مع هذه الأزمة التي تشغل منطقة بالغة الحساسية، في وقت لا تفضل فيه واشنطن حلولا جذرية، تعيد من خلالها صياغة المنطقة على أسس جديدة. وإذا كان النموذج اليمني قد كان توافقيا، أو حلا وسطا فإن الدواعي الدولية إلى حل سوري بأقل التكاليف سيكون أدعى.  ولا يُتوقع أن يُكتب لهذه الحلول حظ من النجاح، إذا بقيت هيكلية الدولة، ونفوذ أجهزتها الأمنية المتحكمة، فوق الحكومة، ومؤسسات الدولة المدنية، والموالون فيها للأسد على نفس الدرجة من النفوذ؛ فلا بد من قدر من التوازن في أقل الطموحات.

وأما عقبة الرئيس السوري بشار، وتنحِّيه، فقد يُصار إلى تجاوزها، بأنْ يُتاح له استكمالُ فترته الرئاسية التي تنتهي في 2014م، وهي الفترة التي قد تستغرقها تقريبا الإعدادات للانتخابات وللحكومة الانتقالية. ولا سيما أن واشنطن كانت وافقت المبعوث الأممي العربي، الأخضر الإبراهيمي على تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات تتولى السلطة، أثناء المرحلة الانتقالية التي تنتهي بانتخابات، لكن واشنطن اعترضت على أن يكون للأسد دور في أثناء هذه المرحلة الانتقالية، فقد يجري تقليص صلاحياته، كنوع من حفظ ماء الوجه، وإرضاء للأطراف المتعارضة، داخليا، ودوليا.

ايلاف

انعطافة الحلول السياسية في سوريا

سليمان تقي الدين

 فاجأ رئيس “الائتلاف الوطني السوري” محمد معاذ الخطيب الرأي العام بالدعوة للحوار مع النظام . ومن مكان آخر دعا رئيس “مجلس التنسيقيات الوطني” في الخارج هيثم منّاع إلى وقف العنف واختيار المسار السياسي لحل الأزمة . وكانت أصوات كثيرة من النخبة الوطنية المعارضة قد حذّرت منذ بدء الأزمة من أن تدخل سوريا في فوضى كيانية فرفعت شعار لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل الأجنبي . فما الذي يحصل الآن حتى يقبل رئيس الائتلاف الوطني بالحوار بعد فترة قصيرة من إطلاق “المجلس” نفسه نداء طلب السلاح والتسلح لحسم الموقف؟

لا شك أن الأزمة الكيانية السورية أدت إلى هذا التطور . من جهة، تحولت سوريا إلى ساحة صراع دولي وإقليمي خففت تأثير القوى الداخلية على المسار العام، ومن جهة أخرى تحولت سوريا إلى دولة منهارة اقتصادياً واجتماعياً وعمّت فيها الفوضى وانتشر العنف والتطرف وضاعت الحدود بين عملية التغيير السياسي وبين تفكك المجتمع .

فبعد قرابة السنتين من اندلاع الأزمة يصعب الحديث عن طرف منتصر أو حتى عن احتمال نجاح فريق في إملاء شروطه السياسية على الطرف الآخر . تغيّرت سوريا كلها، نظاماً وقوى سياسية ومجتمعاً، وفقدت الكثير من قدراتها ومكوناتها وبدّلت نمط حياتها . يستحيل القول إن “النظام” سيحكم سوريا، ولو بقيت له قوة المؤسسة العسكرية، ويستحيل القول، إن المعارضة ستعود إلى بيت الطاعة والرضوخ لقواعد وأحكام وأساليب السلطة السابقة . هذا المشهد يذكّرنا دائماً بالنزاعات المحلية التي تكتسب أبعاداً خارجية إقليمية ودولية، وبالنزاعات التي تؤدي إلى انقسام المجتمع بين مجموعة قوى صلبة ذات بعد شعبي وليس بين نظام ومعارضة بسيطة التكوين .

في مثل هذه التجارب، ولبنان نموذجها الساطع، والعراق أحد تعبيراتها، واليمن إلى حد بعيد كذلك، تلعب العصبيات الطائفية والقبلية دوراً خطيراً في تعقيد عملية التغيير وتجعل منها مساراً لتفكيك الدولة وليس النظام فقط . وحين تكون الحروب بهذا المستوى من النتائج لا تعود العملية الحربية أو السياسية مجرد تغيير سياسي بل تصبح نوعاً من إعادة النظر بالكيانات الجغرافية ما يؤثر بقوة في المحيط الإقليمي ويزيد من احتمالات التدخل الدولي بحسب الظروف وموازين القوى . هكذا نجح العنف المسلح، من النظام ومن المعارضة، في تحويل سوريا إلى عقدة صراعات متعددة، وأصبح التغيير عملية مركّبة ومعقدة من تداخل هذه العناصر والقوى .

لا يحتفظ النظام اليوم بشرعية إعادة بسط سلطته على الكيان السوري كله، ولم تنجح المعارضة في أن تكون معارضة وطنية شاملة لكل مكونات الطيف السوري والجغرافيا السورية والاتجاهات السياسية . إزاء هذه النتائج التي نقلت سوريا من دولة مستقرة وآمنة، ولو في ظل الدكتاتورية والقمع، إلى دولة مشرذمة تصدر المشكلات السياسية والأمنية والاجتماعية وينزح عنها مئات الآلاف من المواطنين طلباً لملاذ آمن، ولا أمل في عودة سريعة أمام حجم التدمير الهائل في البنيات التحتية والخدمات والمنازل، تحولت سوريا إلى عبء أخلاقي وسياسي واجتماعي وأمني على كل المشاركين في هذه الأزمة بمختلف أشكال التدخل . فقدت الأطراف الفاعلة إلى حدٍ بعيد قدرتها على الحسم وفقدت أملها في هذا الحسم في مدى زمني معقول يستحق المثابرة والمكابرة . وهكذا اجتمعت في أفق الأزمة السورية الضغوط من أجل خيارات جديدة أو توجهات ومبادرات ووسائل عمل .

قد يكون هذا الانعطاف الخجول أو هذا البدء بالتفكير في شكل مختلف غير سهل وربما غير ممكن بسرعة ومن دون أن يترك صدوعاً في صفوف القوى والأطراف جميعاً . وقد يخطئ هؤلاء الفرقاء في تقدير وتوقيت الاستجابة للحلول أو في شروطها وآلياتها، وتجرجر الأزمة لزمن طويل كما كانت حال لبنان في الحرب الأهلية . لكن مجرد وجود مبادرات سياسية وشعارات حوار وتفاوض على جانبي الصراع من الأمور الايجابية التي يمكن البناء عليها . ومن المؤكد أن سوريا الماضي قد انتهت وواقع نظامها لم يعد قادراً على الاستمرار وشعبها لم يعد جاهزاً لأي شكل من أشكال التعليب والسيطرة .

لقد دخلت سوريا عصراً جديداً مشكلاته أكبر من الماضي وحاجاته أوسع وأعمق بعد هذه الحرب المدّمرة وبعد هذا التشرذم السياسي . وليس غريباً أن نكون أمام ضغوط إنسانية وربما سياسية من أجل وقف العنف والبحث عن حلول سياسية . وفي السياسة المفتوحة على الحريات العامة والتعددية والإلزامية التي فرضت نفسها يمكن الحد من الخسائر الهائلة التي وقعت .

الخليج

«مناورة ميونيخ» جاءت لمصلحة المعارضة السورية

عبدالوهاب بدرخان *

سيطر جو من الارتباك على المعارضة السورية، ربما لأن اللحظة حرجة لأسباب ثلاثة: أولها أن «الأصدقاء» خذلوها وأوقفوا كل دعم للائتلاف في الخارج وللحراك الثوري في الداخل، والثاني أن روسيا وإيران استغلّتا انكفاء الولايات المتحدة وهوسها بـ «الجهاديين» لتعيدا النظام إلى وضع هجومي عسكرياً وسياسياً، والثالث أن الضغط اشتد على الائتلاف كي يخطو نحو «الحوار» من أجل حل سياسي للأزمة. وجاءت الموافقة «الشخصية» للشيخ معاذ الخطيب، رغم ربطها بشروط مسبقة، لتُشِيع الإحباط في بيئة المعارضة.

وخلال الأسبوع الماضي صدرت مواقف أميركية تحاول تبديد الانطباع بأن واشنطن غيّرت موقفها من النظام السوري لتصبح أكثر ميلاً إلى تسوية للأزمة بوجوده وحتى بقيادته. واستمر تركيز نائب الرئيس جو بايدن في ميونيخ، وكذلك السفير روبرت فورد في أكثر من عاصمة، على أن نظام بشار الأسد سينهار وأنه لم يعد قادراً على الحكم، فضلاً عن تأكيد مواصلة دعم ائتلاف المعارضة. لكن الكلام الجميل لا يغيّر شيئاً في الواقع، فالمعارضة صدمها إعلان وضع «جبهة النصرة» على اللائحة الأميركية للتنظيمات الإرهابية واعتبرته تزكية لروايات النظام وهدية مجانية تلقفها وبنى عليها. ولكنْ صدمها أيضاً أن تُختذل في هذه «الجبهة»، بل صدمها أكثر أن يُصار الى تجاهل مسؤولية عنف النظام وعجز المجتمع الدولي عن الصعود الطبيعي للتطرف بسبب تفاقم المعاناة. لكن الأسوأ أن المعارضة شعرت بأن المعادلة العسكرية القائمة، أي منع أي طرف من الحسم، أصبحت مهددة، ولم يعد الأميركيون متمسّكين بها. وليس متوقعاً، حتى بعد لقاء بايدن والخطيب في ميونيخ، أي تحسن ملموس في تدفق الأسلحة والذخائر إلى المعارضة.

في وضع كهذا، وطالما أن واشنطن ضغطت لوقف الدعم عن المعارضة، ملبيةً إلحاح روسيا والنظام، كان متوقعاً منها أن تأخذ في المقابل أفضل الشروط لـ «الحل السياسي». واستناداً إلى المعلومات، فإن التفاهمات مع روسيا لم تبلغ حسم «مصير» الأسد، وإنما حددت ما المطلوب منه، لكن الخلاف على آلية التنفيذ، اعتماداً على «اتفاق جنيف» وتفسيراته، أبقى التفاهمات في مربعها الأول، بدليل إخفاق اقتراح «الحكومة بصلاحيات كاملة»، كما نقله الأخضر الإبراهيمي، إذ بدت الأطراف الدولية بعده كأن لم تعد لديها أفكار. وفي تلك اللحظة طرح الأسد ما سماه «خطة الحل» تحت سقف النظام ومن خلال حكومته الحالية وبشروطه. وطبعاً لم تنل الخطة سوى تأييد إيران، وفيما وصفتها موسكو أولاً بأنها «أساسٌ صالح» للبحث عن حل، صار سيرغي لافروف يعتبرها اليوم «خطة الحل»، أي أن المعارضة مدعوة إلى هذه الخطة.

لم ينته المأزق العسكري للنظام بعد، لكنه وحلفاءه بدأوا يتصرفون وكأن هناك منتصراً يستطيع أن يملي شروطه، ولم تنهزم المعارضة بعد، لكن يراد لها أن تعلن أو تهيئ الإعلان عن استسلامها. في هذا الجو الملتبس، جاءت موافقة معاذ الخطيب على «الحوار مع النظام». ورغم أنه أحاطها بشروط، إلا أنها أثارت الاستهجان فضلاً عن الاستياء والاستنكار وما هو أكثر من ذلك، إذ طولب بالاستقالة، وهُدد بالإسقاط. لكن لكل خطوة انفعالية محاذيرها، فبعدما رمي المجلس الوطني في التيه ومُنح دوراً من خلال الائتلاف، قد تؤدي زعزعة الائتلاف إلى القضاء نهائياً على أي إمكان لإيجاد إطار أو كيان يمثل أو يحاول أن يمثل المعارضة. ما الذي دفع الخطيب إلى هذه المجازفة؟ ليس الرجل محترف سياسة أو فاسداً، ولا هو زعيم لحزب أو جماعة، ولا يمكن تخوينه أو اتهامه بـ «بيع الثورة ودماء الشهداء»… لكنه يعرف النظام حق المعرفة، ولا يحتاج الى من يقول له المزيد عن بطشه وإجرامه، والأكيد أنه ليس معجباً بفكرة «الحوار مع النظام». اذاً، لماذا أبدى موافقة مبدئية عليها؟

تردّد أنه تعرّض لضغوط، وإذا كان الاشتباه الأول فيها يتعلق بالأميركيين، إلا أنها ضغوط من أي جهات يمكن تصوّرها، وأولها على الإطلاق النقطة التي بلغها الوضع في سورية، إذ بات منزلقاً بقوة إلى حرب أهلية طويلة لا مصلحة للثورة فيها، أما النظام، فأعدّ نفسه منذ زمن لخوض هذه الحرب والخروج منها الى المساومة على وحدة الأرض والشعب والدولة، ليظفر بـ «الدويلة» العلوية. وثانيها أن المعارضة المعبّرة عن الثورة تجد نفسها، إلى معاناة الشعب التي تجاوزت كل الحدود والخذلان الدولي الذي أوصد الأبواب، مسؤولة وحدها عن المحافظة على سورية التي يرتهنها النظام لمبادلتها بـ «دويلته». لعل الضغوط التي ينطوي عليها هذا المنعطف الأخطر طرحت الحاجة إلى توقّع أي صدمة: كان يمكن أن يقدم رئيس الائتلاف على أي خطوة، كأن يستقيل، أو يدلي ببيان غاضب يكشف فيه المصاعب مع «الأصدقاء» الدوليين… اختار أن يبدي انحناءة أمام الريح ووافق على الحوار بشروط بديهية، لماذا؟ لأنه مدرك أن هذه الشروط، ولو محدودة، لن يلبّيها النظام.

لا أحد، ولا حتى المعارضة المقيّدة أو المدجّنة في الداخل، يستطيع دخول أي حوار من دون شروط، أقلّه لاختبار النظام. وأوحت ردود فعل الروس والايرانيين بعد التحادث مع الخطيب وكأن موافقته على الحوار تشكّل بداية «انتصار» للنظام. وحتى النظام نفسه أبدى بلسان ما يسمى «وزير المصالحة» ترحيباً كان أقرب الى «التشبيح» منه إلى الاستعداد للتصالح. وسواء كان هذا «الحوار» فخاً أم لا، يبدو أن جميع الذين حكوا ويحكون عن «الحل السياسي» لن يتعرفوا إليه إلا عند الشروع به. ولعل رئيس الائتلاف أراد بهذه المناورة أن يعرف أكثر وعن كثب ما إذا كانت هناك فعلاً خطة حل، وحقيقة ما يفكر فيه الأميركيون والروس والإيرانيون، فهم يناورون بعضهم على بعض، وستكون العملية السياسية، إذا قدّر لها أن تنطلق، حلبة لمزيد من المناورات. أستنتج أن ثمة هدفاً يتعجّله حلفاء النظام، وهو دفع الطرفين إلى الانخراط في حوار وكأنه غاية في حد ذاته، أو كأنه سيخلق دينامية تمكّنه من ادارة نفسه ذاتياً. هذا رهان افتراضي أجوف، فالنظام يتظاهر بأنه بدأ ينتصر لكن مقاتلي المعارضة يتحدّونه كل يوم، ويتصرّف كما لو أن المعارضة غير موجودة، لكنه يتلهّف الى حل سياسي معها، وإلا فإن «انتصاره» سيبقى مجرد وهم. في المقابل، تبدو المعارضة أكثر واقعية، فهي تعترف بأن النظام موجود لأنها قاتلته وأفقدته شرعيته وستواصل القتال، مثله، حتى لو اضطرت الى أي «تحاور» معه، لكن طبعاً بالشروط التي تحقق مصلحة سورية كل سورية، وشعبها كل شعبها.

في نهاية المطاف كانت مناورة ميونيخ لمصلحة المعارضة لا ضدّها، فهي لم تخسر شيئاً، ولم تتنازل عن شيء، وانما كانت فرصة للروس والإيرانيين كي يسمعوا مباشرةً أن ثمن «الحل السياسي» الذي يتخيّلونه أعلى كثيراً مما يتصورون ومما يعرضه النظام. تأكد معاذ الخطيب أنه لا يجازف ولا يغامر، بل يلعب اللعبة ويحرج الآخرين. لذلك صرّح بأن الدول الكبرى ليست لديها خطة. أي أن المحك لا يزال في الداخل، على أرض سورية، فما أن قال نعم للحوار وطرح الشروط حتى انكشف النظام بأنه ليس فقط غير مستعد لأي حل، بل قتل كل الحلول وبقي مصرّاً على الحل العسكري، وهو ما بات عاجزاً عن تحقيقه.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

معاذ الخطيب .. خارج النص

عدنان حسين

حتى لو كانت النيّة وراء المبادرة التي أطلقها رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب الإبقاء على نظام حكم بشار الأسد أو جزء منه، فأن هذا النظام ذاته لن يسمح للخطيب في تحقيق مبتغاه.

نظام حكم من النمط الذي يقوده بشار الأسد وحزب البعث لا يقبل بأقل من الاستئثار بالسلطة كاملة غير منقوصة. انه يخشى إفلات جزء ولو صغير من هذه السلطة لأنه يتصور أن الأجزاء الأخرى ستتداعى الواحد بعد الآخر وسيخسر هو كل شيء. وحتى لو اضطر هذا النظام الى التنازل في ظرف تاريخي كالذي يواجهه بشار الأسد الآن فما يلبث، حالما يتمكن، أن يسعى بكل السبل لاستعادة كامل سلطته وفرض هيمنته المطلقة من جديد.

في التاريخ القريب ثمة أنموذج صارخ. فمنذ أن دخل صدام حسين في مأزق الحرب الطويلة العبثية مع إيران (1980 – 1988) اعتقد بعض معارضيه الذين فروا إلى الخارج هرباً من بطشه، انه أصبح في الإمكان إقناع الدكتاتور المهزوم بترتيب البيت العراقي الداخلي بما يسمح للمعارضة بأن تكون لها حصة في الحكم. صدام الذي لابد انه كان يضحك في سره من سذاجة أولئك المعارضين أعطى إشارات مغرية بعض الشيء. لكن جهود أولئك المعارضين لم تصل إلى أي نتيجة، فقد كان صدام يرفض تماماً أي تنازل ولو جزئي من سلطته حتى لصالح قياديين في حزبه. ولقد أعدم العديد من رفاقه المقربين لأنه رأى أنهم هددوا أو قد يهددون تفرّده في الحكم.

وحالما وافقت ايران على وقف الحرب لم يعد صدام في وارد المبالاة بجهود المعارضين السذج. لكن الأمر تكرر مجدداً بقوة أكبر بعد الفشل في غزو الكويت، فقد حمي وطيس الترويج لإقامة حكومة وطنية في بغداد تتمثل فيها المعارضة. وحتى بدء التوغل العسكري الاميركي في العراق في آذار 2003 لم يشأ صدام أن يتنازل للمعارضين حتى عن وزارة دولة على رغم ان المعارضين السذج كانوا قد أدمنوا زيارة بغداد والإقامة في فنادقها ذات الخمسة نجوم المحاطة بشعب يشحذ مع انه يعيش فوق أكبر احتياطي للنفط في العالم.

لن يقبل بشار الأسد بأن يتنحى عن السلطة حتى لو كانت ستذهب إلى نائبه فاروق الشرع أو سواه من أركان النظام. فالمشكلة بالنسبة لبشار هي انه ماذا سيفعل بعدما يتنحى؟ وأين سيذهب؟ وما سيكون مصيره؟. وهذه المشكلة هي نفسها التي واجهها صدام الذي فضّل أن يحل الخراب بالعراق على أن يتنازل عن السلطة أو جزء منها.

السيد احمد معاذ الخطيب إنما يمثل دوراً على خشبة المسرح بنص مجلوب من خارج النص. انه يشوش على العرض ويمدد وقته قليلاً قبل بلوغ المشهد الأخير من المأساة السورية ختامه.

المدى

مفاجأة معاذ الخطيب

نهلة الشهال

كان يوجد في الجو رائحة شيء ما يعد في الكواليس لسوريا. وشاع افتراض، لا علامات ولا براهين عليه، بوجود تفاوض أميركي ـ روسي. وهو ما راح يردده معارضو النظام وأصدقاؤه على حد سواء. واتفق الطرفان أيضاً على أنه سيأخذ وقته، وستسبق نضوجه مقدمات قاسية… ما المعارك الطاحنة الدائرة حالياً، وبالأخص حول دمشق، إلا مظاهر لها. واختيار الخيال العام لهذا «السيناريو» ينبئ بحد ذاته عن اللحظة السياسية التي وصل إليها الموقف في البلد المنكوب. فهو «يقول» عدة أشياء معاً، أولها أن الحل بات مدولاً بالضرورة وحكماً، وثانيها أن الموقف خطير إلى حد احتياجه لتوافق القطبين الأكبر، وليس أي مستوى أدنى من ذلك. كما يقول ثالثاً ـ ولعلها أولاً، وليس في هذا التعداد تراتبية وفق الأهمية ـ جنون ما يجري في سوريا وعبثيته، وضرورة انتهائه. وفي مجال رابع، فهو ينهي ما ساد سابقاً من توقع حسم سريع في أي اتجاه، بعكس ما كرر النظام كما معارضوه، مِن أنها مسألة أسابيع إن لم تكن أيام. وهناك خامساً استبعاد وقوع ضربة عسكرية على غرار ليبيا، وهو ما دغدغ بعض العقول…

كان هذا الشعور ـ فهو لم يصل إلى مصاف الرأي ـ بوجود شيء ما، يستند إلى الحس السليم. إلى استحالة أن تُترك سوريا تنتج ليس دمارها الذاتي فحسب، بل خطر فيضان ذلك على محيطها. وهي حجة منطقية ليس إلا.

… إلى أن قال معاذ الخطيب، وهو يرأس الائتلاف السوري المعارض، إنه يدعو النظام إلى التفاوض، واقترح إرسال فاروق الشرع (أو أي «مفتاح» آخر) لهذا الغرض. أحاط موقفه بألف احتراز. وعاد إلى الاستدراك والتوضيح. ولكن ذلك لا يلغي أهمية ما قال ودلالته، كما لا يلغيه «التفسير» الفرنسي لتصريحات الخطيب باعتبارها «عادية» وتشبه مواقف الأخضر الإبراهيمي (!)، ولا الإنكار الأميركي لفكرة الحاجة لمسار تفاوضي، ما لا يعني أصلاً استعادة بشار الأسد لزمام الموقف. تصريحات الخطيب توقظ من خدر الاستسلام إلى فكرة الموت المطلق، كقدر لا مخرج منه. للمتابعة.

السفير

ما سبب خطوة معاذ الخطيب؟!

 صالح القلاب

أول سؤال يتبادر إلى الذهن، بعد كل هذه الإثارة التي أعقبت مفاجأة الحديث عن استعداد رئيس ائتلاف المعارضة السورية للتحاور مع مسؤولين في نظام بشار الأسد “من غير الذين تلطخت أيديهم بدماء أبناء الشعب السوري”، وبشروط من بينها الإفراج عن مئة وستين ألفاً من سجناء الثورة، ما الضغوطات التي تعرض لها معاذ الخطيب حتى يقول هذا الكلام، وحتى يجتمع أيضاً مع وزير الخارجية الإيراني بدون علم ولا استشارة زملائه في قيادة هذا الائتلاف؟!

إنه غير ممكن أن يبادر معاذ الخطيب إلى الإقدام على خطوة كهذه، تعتبر بمثابة تحول “استراتيجي” في مسار الصراع الدامي المحتدم في سورية، أولاً بدون علم ومعرفة زملائه في قيادة المعارضة السورية، وثانياً بدون استشارة الدول العربية المعنية بقرب عن هذا الأمر الخطير لو لم يتعرض لضغوطات جدية، ولو لم يطلب منه رد عاجل لا يحتمل “التسويف” ولا التأخير.

ولعل ما يرجح هذا الاحتمال أن مسارعة معاذ الخطيب إلى قول ما قاله، وإلى إصراره على التمسك باقتراحه هذا، رغم معارضة ورفض عدد من زملائه، قادة هذا الائتلاف، قد جاءت بعد موجة اتصالات ولقاءات جديدة تمت في ميونيخ، شارك فيها وزير الخارجية الأميركي الجديد، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وبعض المسؤولين في دول الاتحاد الأوروبي، ما يشير إلى أنه قد يكون هناك حل سياسي للأزمة السورية بات يقف على الأبواب، وأنه كان على رئيس المعارضة السورية أن يتخذ هذا الموقف، من قبيل حشر نظام بشار الأسد في الزاوية، وإثبات تمسكه بالحلول الأمنية والعسكرية، رغم كل ما يقوله خلافاً لذلك.

وحقيقة، إنه قد تكون هناك لعبة وراءها الروس والإيرانيون لأخذ معاذ الخطيب إلى هكذا خطوة تشبه مجرد القفز في الهواء فوق ألسنة نيران متأججة، بهدف دق أسافين الخلاف بين مكونات المعارضة السورية، خاصة أنها باتت تواجه ظروفاً دقيقة وحساسة وصعبة، وإعطاء نظام بشار الأسد المزيد من الوقت ليعيد ترتيب أوراقه، وليواصل الهجوم السياسي والعسكري الذي كان قد لجأ إليه في الفترة الأخيرة.

ولهذا فقد كان الأسلم والأفضل لو أن الشيخ معاذ الخطيب قد أعطى لنفسه مهلة، قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة المباغتة التي أثارت كل هذه الضجة وكل هذه التساؤلات، للتشاور مع زملائه في الائتلاف الوطني، وأخذ رأي بعض الدول العربية الحريصة على تماسك ثورة الشعب السوري وأنصارها، بعد كل هذه التضحيات الجسام التي قدمها هذا الشعب المكافح الشجاع… ألم يكن من الضروري ألا يتسرع قائد المعارضة السورية، ويقفز هذه القفزة غير المضمونة العواقب، وبدون أي ضمانات فعلية، وقبل أن تغير على الأقل مواقفها التي هي أكثر تصلباً من مواقف بشار نفسه؟!

في كل الأحوال وبانتظار معرفة المزيد من الحقائق حول هذه الخطوة الخطيرة، التي أقدم عليها الشيخ معاذ الخطيب، فإنه لا يجوز أن يقع قادة المعارضة السورية في الحفرة التي قد يكون حفرها لهم نظام بشار الأسد وحلفاؤه، وأولهم الروس، ويبدأون شن حرب كلامية على بعضهم، على خلفية كل هذا الذي جرى فالمفترض في مثل هذه الحالات ضبط ردود الأفعال ومعالجة الأمور بالمزيد من التأني والروية والحذر، والمزيد من الحذر من الوقوع في شرك اللعبة القذرة التي أرادت إيقاعهم فيها روسيا، والتي من غير المتوقع أن تتخلى عن الموقف الذي بقيت تقفه وتتمسك به منذ بداية هذه الأحداث الدامية.

الجريدة

مبادرة الخطيب.. لا ثقة بهمسات الروس ولا بوشوشات الأميركيين!

 صالح القلاب

حتى الآن لم يُعرف على وجه اليقين ما الذي جعل رئيس الائتلاف السوري الشيخ معاذ الخطيب يفاجئ الشعب السوري والمعارضة السورية ومعظم المتابعين لهذا الأمر عربا وعجما وروسا وأميركيين، بـ«مبادرة» فتح أبواب الحوار مع نظام بشار الأسد بشروط غير واضحة المعالم وهي بحاجة إلى «بصارة» وضاربة ودعٍ لتقول ما المقصود ولتحدد ما فرص النجاح ولتتكهن بمن سيكون الرابح ومن سيكون الخاسر في النهاية.

لا يجوز التشكيك في وطنية الشيخ معاذ الخطيب ولا في صدق نواياه ولا في أبعاد دوافعه، لكن في العمل السياسي، وبخاصة بالنسبة لقضية أصبحت على كل هذا المستوى من التشابك والتعقيد والصراع الدولي والإقليمي.. لا يجوز الركون إطلاقا إلى صدق النوايا وطيبة القلب، وتحديدا عندما يكون الخصم هو هذا النظام الذي لا قلبه طيب ولا نواياه صادقة والذي ارتكب كل هذه الجرائم التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها على مدى نحو عامين غاص خلالهما في دماء شعبه حتى الركب.

لو أن الشيخ معاذ الخطيب قد بادر إلى هذه «المبادرة» انطلاقا من الحيثيات التي ذكرها ومن بينها أن الشعب السوري لم يعد قادرا على المزيد من الاحتمال، وأن الدول الكبرى ليس لديها أي تصور لحل هذه الأزمة، لكان عليه أن يناقش هذه الخطوة الخطيرة فعلا مع زملائه في الائتلاف الذي يرأسه، ومع «المجلس الوطني» الذي يشكل العمود الفقري لهذا الائتلاف، وأيضا مع الدول العربية المعنية، ومع الدول الأوروبية الصديقة، ومع الولايات المتحدة.. أما أن يبدو وكأنه متفرد في رأيه، وأنا لا أعتقد أنه كذلك، فإن هذا هو ما جعل ردات فعل بعض رفاقه، الذين يسيرون معه على هذا الطريق الصعب، تأتي على كل هذا النحو من الحدة والعنف و«الاتهامية»!!

ربما، ومع أن بعض الظن إثم، أن هذه «الطبخة» المُرة كانت نتيجة تشاور هذا الشيخ الجليل، الذي لا يحق لأي كان أن يمس بوطنيته أو يشكك في صدق نواياه ونقاء سريرته، مع الإخوان المسلمين (السوريين) الذين بقيت فكرة طرق أبواب التفاوض مع هذا النظام والتحاور معه تطرح عليهم منذ البدايات. وحقيقة أنهم بقوا يرفضون هذا رفضا مطلقا وبخاصة بعدما حول بشار الأسد بتصرفاته الطائشة الرعناء مطالبات إصلاحية سلمية إلى مواجهات عنيفة ما لبثت أن تحولت إلى كل هذه الحرب الطاحنة المحتدمة الآن التي تغطي الجغرافيا السورية وخلفت كل هذا الدمار والخراب. وربما، ومع أن بعض الظن إثم أيضا، أن «إخوان» سوريا، هداهم الله، قد تشاوروا مع أقرب «الأصدقاء» إليهم من الدول العربية وأن هؤلاء بادروا إلى إعطائهم «الضوء الأخضر» لأسباب بعضها يتعلق بمستجدات الواقع السوري لجهة هذا النظام، الذي يبدو أنه كلما ازدادت الأمور تعقيدا، ازداد هو تمترسا في خنادقه وتمسكا بمواقفه واستشراسا بعدوانيته، وبعضها الآخر يتعلق ببعض التأثيرات العربية في المسألة السورية ويتعلق أيضا بما بين روسيا والولايات المتحدة من أمور مخفية تجاه هذه المنطقة ومستقبلها وتجاه موازين القوى العالمية والعالم الأحادي القطبية والمتعدد الأقطاب.

وحقيقة – ومع أخذ كل هذه الأمور بعين الاعتبار، ولكن مع الحرص الشديد على عدم الأخذ بها على أنها مسلمات تُبنى عليها مواقف سياسية – فإنه من المستبعد جدا أن يكون وراء «مبادرة» الشيخ معاذ الخطيب اتفاق أميركي – روسي كامل متكامل، فهذا غير وارد على الإطلاق؛ إذ إن الروس حتى الآن ما زالوا يخيطون بمسلة غير المسلة التي يخيط بها الأميركيون. وإنه غير صحيح كل ما يقال عن أن لافروف ومجموعته، وعلى رأس هؤلاء جميعا فلاديمير بوتين، أصبحوا أكثر اعتدالا وأنهم باتوا أقرب إلى مواقف الذين يرون أنه لا حل لهذه الأزمة السورية المستفحلة، إلا بالتوافق على رحيل بشار الأسد ومجموعته العسكرية والأمنية الحاكمة وبالتوافق أيضا على عدم انهيار الدولة السورية بوصفها دولة.

فانسحاب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومغادرة ميونيخ، بعدما التقى الشيخ معاذ الخطيب وبعدما ناقشه بالتأكيد في حيثيات مبادرته هذه، من دون قول ولا كلمة واحدة حول هذا المُستجد المهم جدا، يدل على أن الروس ما زالوا على موقفهم القائل إن بقاء بشار الأسد في المرحلة الانتقالية التي يجري الحديث عنها غير قابل للنقاش وإنه لا بد من أن ينهي «ولايته» الحالية ويترشح لولاية جديدة إن هو أراد ذلك، ثم إن الصلاحيات المقترحة التي ستتمتع بها الحكومة الوطنية قيد التداول مرفوض جدا أن تشمل القرارات المتعلقة بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية. ولهذا، وما دام أن هذا هو واقع الحال، فإن الخوف كل الخوف أن تأخذ «مبادرة» الشيخ معاذ الخطيب – حتى وإن كان الأميركيون والروس ومعهم بعض «الأشقاء»!! العرب قد أشعروه برضاهم عنها وترحيبهم بها – سوريا إلى أزمة أخطر كثيرا من المأزق الذي تمر بها حاليا، وبخاصة إذا أدى تضارب المواقف حول هذه المبادرة إلى المزيد من الصراع الدولي والإقليمي على الساحة السورية وإلى المزيد من انقسامات المعارضة السورية علاوة على انقساماتها الحالية التي هي لا جائزة ولا مبررة.

وإزاء هذا كله، فإن المؤكد أن الشيخ معاذ الخطيب يعرف تمام المعرفة – هذا إذا كان فعلا قد طرح مبادرته هذه من قبيل المناورة – أن بشار الأسد، ولأنه يدرك ويعرف أن الخيارات المطروحة عليه لحل هذه الأزمة حلا سلميا ومن خلال الحوار والتفاوض، كل واحد منها أمرّ من الآخر، سيبقى يسير على هذا الطريق الذي وضع أقدامه عليه منذ أن اختار العنف والحلول الأمنية والعسكرية لمواجهة شعبية مطالبات عادلة كان المفترض أن يتعاطى معها إيجابيا وبالوسائل السلمية.

إن المعروف أن بشار الأسد، وفقا لنصائح المحيطين به من أقارب وأبناء خؤولة وعمومة ووفقا لآراء الإيرانيين والروس، قد اتبع ومنذ اللحظة الأولى درس المجازر التي ارتكبها والده في حماه في مثل هذا الشهر؛ فبراير (شباط) عام 1982، فهؤلاء أقنعوه، وحقيقة فإن ثقافته أصلا هي هذه الثقافة الدموية، بأن الشعب السوري لا يفهم إلا العنف والقوة، ولهذا فإن مجزرة حماه هذه قد جعلته يبقى مستسلما وصامتا لأكثر من ثلاثين عاما. وبالطبع، فإن هذا غير صحيح وعلى الإطلاق، ولذلك فإن المؤكد أنه، أي الرئيس السوري، حتى وإن قُدمت إليه ألف مبادرة كهذه المبادرة، فإنه سيبقى متمسكا بدرس ما فعله أبوه بمدينة حماه، وإنه سيبقى يراهن على أن الشعب السوري في النهاية سيسأم هذه الأوضاع الصعبة التي بات يعيشها وأنه سيفقد الأمل وسيعلن الاستسلام ليسود الهدوء الطويل الذي سيمكنه من أن يورث لابنه «حافظ» الصغير ما أورثه أبوه له بعد وفاته في عام 2000.

ثم حتى وإن كانت هذه المبادرة تنص نصا صريحا على أن التفاوض المقترح يجب أن يكون على رحيل بشار الأسد، فإنها في حقيقة الأمر بعدم تماسكها وبعدم وضوحها وبعدم اقترانها لا بجدول زمني ولا بضمانات دولية، لا يمكن أن تكون إلا مجرد قفزة في الهواء لم يفهمها نظام بشار الأسد إلا على أنها دليل على أنه قد أصاب الشعب السوري ما كان أصابه بعد مذابح حماه في عام 1982. وبالتالي فإنه لا بد من المزيد من العنف والقتل ليصل هذا الشعب إلى حالة الإحباط والاستسلام الكامل، وهنا فإنه يبدو، بل إنه المؤكد، أن هذه هي وجهة نظر الروس، وأن هذا هو رأي حكام إيران.

الشرق الأوسط

الحوار ما زال بعيداً

عبدالله إسكندر

كل الناس انشغلت بإعلان رئيس الائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب باستثناء الطرف الآخر المعني بهذا الحوار، أي النظام في دمشق. وبغض النظر عن دوافع إعلان الاستعداد للحوار وشروطه ومبرراته وأهدافه، يتحدث كل من الخطيب والنظام السوري عن شيئين مختلفين لا علاقة لأي منهما بالآخر.

فالنظام بدأ الحوار الذي يبتغيه منذ فترة طويلة، وكلف رئيس الحكومة برعايته. يجري النظام هذا الحوار مع نفسه وأتباعه، ليس من أجل إيجاد حل في البلاد وإنما من أجل الاستمرار في التصدي للإرهابيين، أي كل الفئات والأحزاب والجماعات السورية المعارضة. وهو يرحب بالحوار مع كل من لم تتلطخ أيديه بالدماء ولم يساعد الإرهابيين ومن يعترف بمرجعية النظام، أي يستبعد مسبقاً جميع الذين يبدون أي تحفظ عن مفهومه لطبيعة الأزمة وكيفية معالجتها، وجميع الذين لا يرتبطون مباشرة بأجهزته وأصحاب القرار فيه.

لقد روج النظام لهذا النوع من الحوار، وبدا لفترة أن روسيا والصين دعمتا الخطوة ودعتا المعارضة حينذاك للمشاركة فيه، لكنهما اليوم باتتا تخجلان من مثل هذه الدعوة التي يقتصر مؤيدوها على طهران وأنصارها. نظراً إلى انكشاف نوعية حوار كهذا كتغطية للحل الأمني وإلى ما ينطوي عليه هذا من مراوغة ومحاولات لكسب الوقت.

وأقصى ما يمكن أن يقبل به النظام حالياً هو أن يعلن الخطيب، ومن هم في موقعه، الانضمام إلى الحوار الرسمي. وذلك بعد إعلان نقد ذاتي، بعد فترة ضلال، وإعلان أن النظام وسياسته هما المرجعية في الحوار.

الأكيد أن الخطيب، ولا أحد غيره في المعارضة السورية، في وارد القبول بهذا النوع من الحوار الذي هو أحد أدوات الحل الأمني. لكن يبدو أن ثمة قراءة، يمكن استخلاصها من جملة تصريحات، تعتبر أن الحل العسكري غير متوافر لأحد طرفي المعادلة وأن الموقف الدولي لن يشهد تغيراً يتيح تغيير ميزان القوى على الأرض، فالأجدى إذن التوجه إلى حل سياسي عبر التفاوض.

وليس صدفة أن يسمي الخطيب نائب الرئيس فاروق الشرع كمحاور عن النظام. ففي جملة الأفكار التي جرى تداولها منذ مهمة كوفي أنان، وتم تكرارها في إعلان جنيف وفي ثنايا أفكار الأخضر الإبراهيمي أنه ينبغي الحفاظ على وحدة الدولة السورية التي يمثل نائب الرئيس أحد أوجهها البارزة في الوقت الذي لم يعرف أنه مشارك في الحل الأمني.

ووجدت هذه الأفكار صداها حتى عند الشرع نفسه الذي خرج في مقابلة صحافية قبل فترة يتحدث فيها عن استحالة الحل العسكري وضرورة التفاوض.

هكذا التقى الخطيب والشرع على ضرورة التوجه إلى نوع آخر من الحوار، غير ذلك الذي يجريه النظام مع نفسه. لكن، كما أعلن النظام، عبر الشرع عن وجهة نظر شخصية مرفوضة، واستبعد صاحبها من حوار الحكومة. كما عبرت جماعات المعارضة السورية عن رفضها لتوجه الخطيب الذي اعتبرت دعوته مبادرة شخصية.

وفي الحالين، تبدو الدعوة إلى الحوار صادرة عن غير ذي صفة وغير ذي قدرة، وأكثر من ذلك لا يملك صاحبها أدوات فرضها، على رغم النيات التي يمكن أن تكون وراءه.

وفي الوقت الذي يستمر النظام في الحوار الذي وضعه على مقاسه، يظل بعيداً الحوار الجدي المفضي إلى تسوية فعلية للأزمة السورية تأخذ في الاعتبار ليس المطالب الشعبية فحسب وإنما محاسبة الذين دمروا سورية وشردوا شعبها وقتلوا عشرات الآلاف منه.

الحياة

مبادرة الخطيب وايقاف حمام الدم في سورية

د. فوزي ناجي

بادر رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض معاذ الخطيب في الأيام الماضية بطرح رأيه في الموافقة على المفاوضات مع النظام الحاكم من اجل ايجاد حل للأحداث الدامية الجارية في سورية منذ حوالي السنتين والتي أودت بحياة أكثر من ستين الف مواطن سوري حتى هذه اللحظة. هذا إضافة الى الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين الذين هربوا الى دول الجوار بعد ان تهدمت بيوتهم ومدنهم وقراهم، ويعيشون في ظروف مأساوية. وقد كرر الخطيب رأيه هذا في المؤتمر السنوي الذي عقد في مدينة ميونيخ الالمانية حول الأمن والسلم العالميين في بداية شهر شباط 2013، والذي شارك به بصفته الرسمية.

ماذا جرى؟ وما الذي حدا بالخطيب لاتخاذ هذا الموقف الذي يناقض المواقف المعلنة من قبل قوى المعارضة؟ هل تخلى الخطيب عن حلم المعارضة في إسقاط النظام؟ أم هل يتمتع الخطيب بصفات القيادة التي تجعله يقود ولا يقاد؟

هل يجب ان يضحي القائد بشعبه ويستغل محنته في سبيل الحصول على كرسي الحكم؟ أم عليه أن يعمل كل ما بوسعه لرفع الظلم عن شعبه وتخفيف محنته؟

لا بد من وقفة موضوعية وعقلانية لتناول ما يجري وإستشراف ما يمكن ان يجري في المستقبل من اجل سورية التي نحبها وشعبها العظيم الذي نعتز به.

تتلخص أهداف الشعب السوري المشروعة بما يلي:

القضاء على الديكتاتورية، والعيش بحرية وكرامة وعدالة اجتماعية.

تتطلب هذه الأهداف إقتلاع النظام الديكتاتوري الحاكم من جذوره لافساح المجال لتكوين نظام ديمقراطي حديث يتناسب مع مقتضيات القرن الواحد والعشرين. يعني هذا مشاركة جميع أطياف الشعب السوري ومنذ البداية في تكوين هذا النظام الجديد.

على الرغم من انني أكره الحديث عن الطائفية التي اعتبرها الآفة الكبرى في المجتمعات العربية والتي اتمنى اندثارها والقضاء عليها من خلال نشوء انظمة ديمقراطية في عالمنا العربي لا تفسح مجالاً ولا تترك ثغرة لنفاذ الطائفية منها، لا بد هنا من التركيز على الطائفة العلوية التي ينتمي رأس النظام السوري اليها.

هذه الطائفة التي تعتبر شريحة اساسية في النسيج الاجتماعي السوري يجب على المعارضة احترامها والعمل الجاد لتبديد مخاوفها من التنكيل بها بعد تغيير النظام، وعدم إقصائها من الحياة السياسية المستقبلية. وهنا لا بد من التذكير بان قسماً من الطائفة العلوية قد عانى من الديكتاتورية كبقية الطوائف السورية الاخرى ومنهم من انضم الى صفوف المعارضة منذ سنوات كالدكتور عارف دليلة ومنهم من التحق بالثورة السورية في بداياتها كالفنانة فدوى سليمان. والأمر نفسه ينطبق على المسيحيين في سورية وجميع شرائح المجتمع السوري الدينية والعرقية والسياسية. لا بد ان يشعر الجميع بانهم سيعيشون في سورية المستقبل في ظل الحرية والكرامة والمساواة.

تعتبر المواطنة الكاملة من مسلمات الديمقراطية. يعني ذلك تساوي جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، سواء كانوا عرباً او كرداً أو ينتمون لأي قومية أخرى، أو كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود او يزيديين أو ينتمون لأي دين آخر.

تعني الديمقراطية ان يحكم الشعب نفسه بواسطة ممثليه الذين ينتخبهم في انتخابات حرة ونزيهة. ونظراً للتزوير الذي يحدث في العادة في الانتخابات التي كانت تجري في عالمنا العربي قبل ثورات الربيع العربي أصبح من الضروري مشاركة مراقبين محايدين من دول عربية أخرى او أجنبية. إذ ان الثقة بين الحاكم والمحكوم لا تزال مفقودة.

تعني الديمقراطية ايضاً إفساح المجال لجميع المواطنين بالترشح والانتخاب بغض النظر عن اصولهم العرقية والدينية وبرامجهم السياسية. وحتى من يقف اليوم الى جانب الاسد، ربما بسبب الخوف من بطشه او من الانتقام منه في المستقبل من قبل قوى المعارضة او لأسباب سياسية محضة زرعت في عقله من قبل إعلام النظام الذي جعله يعتقد ان مساعدته للنظام تصب في مصلحة الوطن ومقاومة الاستعمار والصهيونية. يجب ان لا ننسى ان العديد ممن التحقوا في صفوف المعارضة السورية كانوا قد خدموا في النظام السوري لعشرات السنين. وهذا لا ينفي عنهم صفة الوطنية إطلاقاً. في هذا المجال أتذكر ما قاله المستشار الالماني السابق هيلموت كول، والذي تحققت الوحدة الالمانية أثناء حكمه بعد سقوط النظام في المانيا الشرقية عام 1989 ومطالبة العديد من الالمان بالانتقام ممن كانوا يعملون في جهاز المخابرات الداخلي (شتازي) في نظام شرق المانيا البائد والذين كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي الحاكم. لقد قال كول بأنه شخصياً غير متأكد بأنه لن يلتحق بالحزب الحاكم في المانيا الشرقية لو عاش بها. إذ ان العديد ممن التحقوا بالحزب كانوا قد فعلوا ذلك ليس عن قناعة وانما للحصول على عمل مناسب وإبعاد شبح الملاحقة والاضطهاد عنهم. وهذا الامر ينطبق على العديد ممن التحقوا في حزب البعث العربي في سورية. وحتى أعضاء حزب البعث، الذين التحقوا به ايماناً منهم بمبادئه التي استحوذت على عقول وقلوب الملايين من أبناء الشعوب العربية قاطبة في خمسينات وستينات القرن الماضي، يجب ان لايستبعدوا من النظام الديمقراطي الجديد الذي سينشأ في سورية. لأن الخطأ ليس في الحزب ومبادئه وانما في الأعضاء الذين لم يطبقوا تلك المبادئ ولم يعملوا من أجل مصلحة الشعب، واستغلوا سلطة حكمهم في نهب ثروات الشعب والتحكم في مقدراته. وهذا ينطبق ايضاً على معظم الأحزاب، ان لم يكن كلها، التي استولت على الحكم في الدول العربية الأخرى.

ليس صحيحاً ان جميع السوريين يؤيدون المعارضة ويرفضون النظام. يجب ان لا ننسى ان حزب البعث المسيطر في سورية له مناصروه ليس في سورية فقط وانما في دول عربية اخرى منها لبنان والأردن والعراق وفلسطين، لاهدافه القومية التي تشمل الوطن العربي كله.

كما انه ليس صحيحاً ايضاً بأن المعارضة السورية مرتبطة بأجندات خارجية وان المعارضين هم مجموعة من الخونة التي تعمل من اجل مصلحة الغرب واسرائيل. إذ ان العديد من رموز المعارضة هم من المناضلين الحقيقيين الذين قضوا عشرات السنين في سجون النظام، ولم يتخلوا عن مبادئهم رغم تعرضهم لشتى انواع القمع والتعذيب. يجب ان يعترف النظام السوري بان ما يجري في سورية هو ثورة شعبية حقيقية تعمل من اجل مصلحة الشعب السوري في اقامة نظام جديد ديمقراطي يرتكز على مبادئ العدل والمساواة والكرامة الانسانية.

ما يحدث في سورية منذ منتصف آذار 2011 قد ابتدأ بمظاهرات وإحتجاجات سلمية كان هدفها إصلاح النظام. لكن عدم تجاوب النظام للاصلاح المطلوب واستخدامه الحل الأمني في القضاء على الاحتجاجات والمظاهرات ادى الى تحولها الى ثورة شعبية أخذت تطالب باسقاط النظام. بعد ان بدأت بعض القوى الأجنبية بتسليح قوى المعارضة وايهامها بامكانية إسقاط نظام الحكم خلال ايام أو أسابيع بدأ الوضع السوري يتغير دراماتيكياً ويتحول الى حرب أهلية ستقضي على طموحات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم وستدمر سورية وستحولها الى دولة مفتتة، ضعيفة وغير قادرة على مساعدة نفسها ناهيك عن مساندة الدول العربية الأخرى.

من سيستفيد من تفتت سورية وتدميرها وإعادتها الى الوراء؟ من المؤكد ان المستفيدين من ذلك هم أعداء سورية وشعبها. وسيكون الشعب السوري بشقيه المعارض والموالي الخاسر الرئيسي.

إذن كيف يمكن إنقاذ سورية؟ هل بمواصلة القتال؟ أم بالاستماع الى صوت العقل والمنطق الذي يطالب بالتركيز على مصالح الشعب السوري وعدم الانصياع الى الأجندات الخارجية؟

لابد من وقف حمام الدم السوري ولا بد من وقف معاناة الشعب السوري وباسرع ما يمكن، كما لا بد من التصدي وبحزم لتجار الحروب الذين لا تهمهم مصالح الشعوب وما تصبو اليه من امن واستقرار وعيش حر كريم.

من السهل ان نفهم ان الديكتاتورية ترفض الحوار لأن ذلك من طبيعتها، لكن ان يُرفض الحوار من قبل القوى التي تعلن على الملأ ان هدفها إقامة نظام ديمقراطي فهذا يستعصي على الفهم ويعبر عن امرين إما ان هذه القوى لا تدرك المعنى الحقيقي للديمقراطية أو ان غايتها أمر آخر.

ليس من الضروري فقط وانما من الواجب أيضاً أن تتحاور قوى المعارضة المختلفة أولاً مع بعضها البعض واضعة نصب عينيها مصالح الشعب السوري فوق كل اعتبار لاستخلاص النتائج وأخذ العبر من دروس الماضي وإخفاقاته قبل محاورة النظام.

لن تعود عقارب الساعة الى الوراء ولن يبقى النظام على ما كان عليه. حيث أصبح الجميع حتى مناصرو النظام سواءً من داخل سورية او عربياً مثل حزب الله او اقليمياً كايران او دولياً كروسيا على قناعة بأن التغيير سيحصل في سورية لا محالة. كما ان للوهم في حصول المعارضة السورية على السلاح الذي يمكنها من الانتصار على النظام ان يتبدد.

لقد اوضحت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية عدة مرات بأنها لن تتدخل عسكرياً في سورية ولن تسمح بتسليح المعارضة السورية بأسلحة حديثة متطورة لخشيتها من ان تقع في ايادي القوى الاسلامية التي تعتبرها متطرفة. كما ان هناك اتفاقيا ضمنياً بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية على ضرورة الحل السياسي لما يحدث في سورية. لقد كان الدكتور هيثم المناع، المتحدث باسم هيئة التنسيق الوطنية لقوى المعارضة السورية في الخارج واحد مؤسسيها، من الأصوات المعارضة القليلة التي طرحت المطالب السورية المشروعة باسلوب عقلاني وحضاري بعيداً عن التشنج والعاطفية والصراع على كراسي الحكم غير الموجودة الا في مخيلة الطامعين بها. والآن طرح الخطيب مبادرته الشجاعة بعد ان توضحت له صورة معطيات الشأن السوري. هذه المبادرة التي جوبهت بالرفض من قبل العديد من شخصيات المعارضة وكذلك من زملائه في الائتلاف الوطني السوري. لكن طرحها من قبل الخطيب يدل على الشجاعة التي يتحلى بها القائد الذي لا يسبح مع التيار ولا يتمسك بمنصبه وإنما تهمه مصالح شعبه ويسعى الى تحقيقها.

ارى ان مبادرة الخطيب هي خطوة في الاتجاه الصحيح في إنقاذ الشعب السوري من محنته والوصول به الى التغيير المطلوب.

‘ اكاديمي فلسطيني مقيم في المانيا

القدس العربي

ربحوا العالم وخسروا سورية

مصطفى زين

كتب المعارض السوري، رئيس هيئة التنسيق في الخارج، هيثم مناع، معدداً المعوقات أمام توحيد المعارضات على الشكل الآتي:

أولاً: استمرار فكرة الحزب الواحد القائد (قائد الدولة والمجتمع على ما في النص الدستوري القديم أو ما يعرف بالمادة الثامنة).

ثانياً: استقلال القرار السياسي. تبيّن سريعاً حرص أطراف دولية وإقليمية على التدخل في شؤون المعارضة فالمطالب التركية بالنسبة إلى القضية التركية من المجلس الوطني وهيئة التنسيق والجيش الحر معروفة للقاصي والداني…

ثالثاً: غياب الأشكال الوسيطة للتنسيق والتقارب… لم تنظم ندوات لمناقشة مواضيع جوهرية مثل معالم المرحلة الانتقالية أو العقوبات الاقتصادية أو الدستور المطلوب أو ضرورة وجود مبادئ فوق دستورية…

رابعاً: حظر فكرة تواصل الحد الأدنى، أي وجود لجنة دائمة في الطوارئ…

عدَد مناع هذه العوائق قبل ثمانية شهور أو اكثر قليلاً، عندما كان الهم توحيد المعارضة كي تستطيع، ويستطيع داعموها الدوليون والإقليميون السير معها في برنامج واحد لإسقاط النظام وإقامة بديل. لكن منذ ذلك التاريخ ازدادت الخلافات في صفوف المعارضة وصفوف حلفائها أيضاً. بعضهم أصر على استنساخ النموذج الليبي. بعضهم فضل النموذج اليمني. ثالث سعى إلى انقلاب من داخل النظام أو راهن على انشقاقات واسعة عن الجيش. وكان طبيعياً أن تنسحب هذه الخلافات على أداء المعارضة، سياسياً وعسكرياً، خصوصاً بعد دخول عنصر المتطرفين الإسلاميين في المعادلة، وقد أصبحوا، وسط هذه الفوضى، الطرف الأقوى أو المقرر على الأرض. ولم يعد باستطاعة أحد فرض أي برنامج عليهم غير برنامجهم القائم على إلغاء الآخر حتى لو كان حليفاً.

وكان إعلان الائتلاف بزعامة أحمد معاذ الخطيب المحاولة الأخيرة للملمة أشتات المعارضة، حين أكره «المجلس الوطني»، بكل تناقضاته، على الانضمام إليه. وأتت مبادرته للحوار مع النظام لتظهر هذا التناقض وتكرس الخلافات المستحكمة بين المؤتلفين بالإكراه. فقد وصل الجميع إلى جدار مسدود، لا هم قادرون على التحالف الجاد، ولا هم قادرون على إعلان الفشل والانفصال، إذ تحول دون ذلك عوامل كثيرة، أهمها الخوف من فقدان الدعم السياسي والمالي، فضلاً عن العسكري.

جاء مؤتمر القمة الإسلامية في القاهرة ليكرس واقع العجز عن إحداث أي اختراق في المسألة السورية، فالبيان الختامي أتى توافقياً بين من يدعو إلى التدخل العسكري وإسقاط النظام بالقوة ومن يدعم هذا النظام. لم يذكر البيان الأسد بالاسم ودعا إلى محادثات بين الائتلاف «وممثلي الحكومة السورية الملتزمين التحول السياسي ولم يتورطوا مباشرة في أي شكل من أشكال القمع».

على رغم أن البيان جاء توافقياً إلا أنه يشكل نقلة نوعية في نظرة المؤتمرين إلى التسوية، فقد ابتعدوا عن الدعوة إلى تسليح المعارضة وإسقاط النظام بالقوة، معتبرين الحوار أساس أي حل. لكن للحوار شروطه التي لم تنضج بعد. منها تنازلات متبادلة بين طرفيه. وهذا ليس متوفراً حتى الآن فالخلاف على الحكومة الانتقالية وصلاحياتها يشكل أكبر عائق أمام أي حوار، فضلاً عن رفض «المجلس الوطني» مبادرة الخطيب وتوجهاته، فما زال المجلس منتظراً الدعم بسلاح نوعي يقلب المعادلة على الأرض ويطيح النظام. لم يأخذ في الحسبان أن تركيا تراجعت من شهور عن إقامة المنطقة العازلة، ولا الرفض الأردني لتحويل الحدود إلى منطلق لأي عمل عسكري. ولا دخول «جبهة النصرة» على خط المواجهة، ولا الدمار وأعمال القتل اليومي، وقبل كل ذلك لا يريد الاعتراف بعجزه عن توحيد صفوفه ليشكل قوة ضاغطة تفرض رؤيتها على الجميع.

في محطة من محطات المذبحة ربح «المجلس الوطني»، ومن بعده الائتلاف، العالم كله، لكنه خسر نفسه وخسر سورية. وما زالت العوائق التي تحدث عنها مناع لتوحيد المعارضة قائمة حتى الآن.

المعارضة السورية منفصلة عن الواقع، ولربما كانت مبادرة الخطيب وبيان القمة الإسلامية الخطوة الواقعية الأولى.

الحياة

عن الاستخدامات المتناقضة لشعاري الحوار والتفاوض في سورية

بشير هلال *

في حديثه إلى «الحياة» قبل أيام قدَّم روبير فورد السفير الأميركي في دمشق توصيفاً لافتاً للحالة النفسية والسياسية لرأس النظام بقوله: «الرئيس الأسد سيعتقد أنه يربح إلى أن يصل الجيش الحر إلى بوابة قصره». ويضيف في مكان آخر من المقابلة: «إن عناد بشار الأسد ومجموعته الصغيرة يُعطّل اتفاق جنيف»، وأن «التعطيل يأتي من إصراره على أنه الحكومة». وكانت جريدة «الوطن» الموالية للنظام التي شنَّت حملة ضد المبعوث الأممي العربي الأخضر الإبراهيمي بذريعة «انحيازه السافر»، ذكرت أن الأسد أنهى اجتماعه الأخير معه بعدما «تجرأ ليسأل عن مسألة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة»، وهو «السؤال الأهم بالنسبة للإبراهيمي وللدول التي تقف خلفه»، بعدما كان قد ردَّ على حديثه بأنه لن يستطيع الانتصار على المعارضة بالقول: «أستطيع أن أربح الحرب حتى إذا دُمِّرَت دمشق». قصارى القول إن القابلية الذاتية للنظام وقيادته على التفاوض والحوار إذا ما عُزِلَت عن احتمالات نكوص الرُعاة والحلفاء عن تأييده بالغة الهامشية ولا تتجاوز، في أحسن الأحوال، حدود التكتيك البحت والشكلانية الإعلامية المعاد توظيفها في محاولة استعادة المساحات السياسية والعسكرية المفقودة بعد ما يقارب من سنتين من الثورة. وذلك ليس بغريب في نظام عائلي سلطاني يقوم على دولة باطنة عمادها المركّب الأمني العسكري والمالي.

والحال فإن أي تفاوض أو حوار يقتضي ضمناً القبول المبدئي بالتنازل عن احتكار السلطة بكافة وجوهها ونهاية الدولة الباطنة وصولاً إلى ديموقراطية تعددية أو إلى النموذج المُسمى اصطلاحاً «ديموقراطية توافقية» بمعناها الواسع. وهذا ما لا يستطيعه النظام برأسه ونواته القيادية الصلبة لأنه يشكل نفياً مصلحياً ووجودياً للتراتبية والامتيازات وآليات التحكم والضبط التي أقامها والقيم والصور التي حرص على تعميمها. كما أنه يستثير معارضة متفاوتة الدرجات من سائر المنتفعين بالنظام لأن تغييراً بهذا الطابع سيعني استئناف السياسة وفتح الفضاء العام للتنافس بما يؤدي إلى حرمانهم من وسائل عملهم ونفوذهم الحقيقية والرمزية.

وبالتالي فالحوارات الوحيدة التي يمكن أن يقبلها قبل هزيمة معلنة في مركزه، وفق وصف السفير فورد، أو نتيجة لتزاوج هزيمة وشيكة مع ارتخاء دعم وعدوانية حلفائه أو تدخل خارجي، هي تلك التي تسمح له بالحفاظ على جوهر سيطرته الإجمالية أو احتياز قسم من سورية عبر صيغة تقسيمية على أسس طائفية وجغرافية. وهذا ما جعل كل الحوارات ومشاريع الحوارات السابقة أياً كان المنظمون والمشاركون فيها والقرارات العربية والأممية، تتحول على يد النظام إلى أدوات لتغطية ولشرعنة جولات عنف متتالية أرّخت للانتقال من الخيار الأمني إلى الحرب الشاملة ضد الثورة وأكثرية السوريين المؤيدين لها.

المفارقة هي أن النظام وحلفاءه، وليس المعارضة، هما أكثر من استخدم شعار الحوار كإحدى أدواته السياسية الرئيسية بما يستكمل حربه الشاملة. ففي أول حزيران (يونيو) 2011، ولم يكن مضى سوى أشهر قليلة على الثورة، أنشأ الأسد هيئة مهمتها «وضع الأسس لحوار وطني وتحديد آلية عمله وبرنامجه الزمني»، وطلب من أعضائها الذين اجتمع بهم «صياغة الأسس العامة للحوار المزمع البدء به بما يحقق توفير مناخ ملائم لكل الاتجاهات الوطنية للتعبير عن أفكارها وتقديم آرائها ومقترحاتها في شأن مستقبل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سورية، لتحقيق تحولات واسعة تسهم في توسيع المشاركة»، وترأس الهيئة نائبه فاروق الشرع. وتكرر ذلك لاحقاً في مناسبات متعددة وبأشكالٍ وشروط «متغيرة» آخرها في خطاب الحرب الكلية الذي ألقاه في بداية هذا العام وأرفقه، على رغم جذريته الاستئصالية، بدعوة إلى عقد «مؤتمرٍ للحوار الوطني» يضم جميع قوى المعارضة» و «يعتمد على معطيات احترام السيادة الوطنية ورفض التدخل الأجنبي بكل أشكاله ورفض أعمال الهيمنة والوصاية على القرار الوطني». كما ألحقه باجتماعٍ وزاري «لوضع آليات تنفيذه».

وفي شكلٍ موازٍ روَّج حلفاء النظام وفي مقدمهم إيران وحزب الله وروسيا باستمرار لشعار الحوار كسلاح سياسي ضد المعارضة الشعبية وهيئاتها السياسية والعسكرية. كما أن النظام وحلفاءه على حدٍ سواء استثمروا الشعار في صياغة جزء من الانقسامات المناسبة لهما والإنتاج «النظري» للمقولات المُصاحِبَة. وعلى سبيل المثال فالحوار «الوطني» الأول كان الغطاء لتسويغ تقسيم متعسف بين معارضتين داخلية وخارجية، وثانٍ أكثر تعسفاً لاتهام الحراك الشعبي بالعسكرة والتطييف وطلب التدخل العسكري الأجنبي. وقامت إيران الخمينية باستضافة وتنظيم أكثر من مؤتمرٍ «حواري» مثل ذلك الذي عقد في طهران في خريف العام المنصرم، ما جعلها «تستحق» شكر الأسد لحرصها «على مساعدة الشعب السوري ودعمها للحوار السياسي من خلال الجهود التي تقوم بها في هذا الإطار».

ولعَّل أكثر الاستخدامات خبثاً من النمط الغوبلزي هو ذلك الذي يجمع بين تنفيذ النظام لأشد المجازر هولاً ودعوته إلى الحوار بالتقاطع مع ادعاء «محاربة الإرهاب الذي يسعى لزعزعة أمن واستقرار سورية والمنطقة بأسرها». وبمعنى آخر، استخدام الشعار كقرينة بدئية «على تعنت الخصم» وإرهابيته فيما تتكفَّل مجموعات جهادية ساهم النظام وتعميم وشدة القمع الوحشي ومصالح بعض القوى الإقليمية في تقويتها بتقديم قرائن أخرى للشرائح المحلية المترددة ولتصليب الحلفاء وثني «أصدقاء» الثورة المترددين بدورهم، سواء لتغييرٍ في استراتيجياتهم العامة نحو «القيادة عن بعد» كالولايات المتحدة، أو لمحدودية الإمكانيات كالأوروبيين، أو لتهديدات المحور الروسي الإيراني. وهذا ما جعل مقولة الحوار الرديف الموازي والتخريج العملي للعجز الدولي.

وبكلامٍ آخر فإن النظام المعادي جوهرياً لكل حوار حقيقي هو الذي استخدمه ويستخدمه كشعارٍ حتى الثمالة في خلق «مبادرات» لصالح سياساته الاستئصالية وإقصاء عموم السوريين عن الشأن العام. وبهذا المعنى فإن إعلان الشيخ معاذ الخطيب استعداده للحوار مع النظام بشروط، وبصرف النظر عن صحته الإجرائية والميثاقية، هو إقرارٌ ضمني بأن الثورة لا تستطيع أن تستمر بالامتناع في المرحلة الفاصلة عن إسقاط النظام عن المبادرة السياسية عبر استخدام مُجدِّد لمقولتي الحوار والتفاوض كأداة لتعجيل سقوطه.

* كاتب لبنان

الحياة

مشهد جديد

    امين قمورية

انتظر السوريون الترياق من جنيف ولم يأت، فهل تظهر ملامحه المنشودة في ميونيخ؟

 في العاصمة البافارية تبدل المشهد الذي اعتدناه منذ آذار 2011. خصوم الامس الذين لم يلتقوا مذذاك، يلتقون اليوم تحت شعار البحث عن امل يخلص سوريا من شر الكارثة والمأسأة الذي تعانيه.

زعيم المعارضة السورية احمد معاذ الخطيب كسر محظورا عمره سنتان، والتقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي صار لقبه في بعض الاوساط “وزير خارجية النظام السوري”، لابل التقى وزير خارجية ايران، الحليف الأقرب للنظام السوري. وكانت الخلاصة التي اعلن عنها المعارض السوري ان الطرفين اتفقا على “ضرورة إيجاد حلٍ من أجل وقف معاناة الشعب السوري”.

بالأمس كانت موسكو وطهران ترددان المعزوفة نفسها التي يرددها اهل النظام في دمشق: ان اعضاء “الائتلاف” ليسوا معارضة بل “ارهابيون”، او مشرعو ارهاب او في افضل الاحوال ابواق “مأجورة لمؤامرة خارجية ” تستهدف “صمود سوريا وممانعتها”!

ما الذي تغير حتى قبل “انصار الممانعة” بالجلوس مع ممثلي “الارهاب الدولي” في وضح النهار وفي واحد من اكبر المحافل الدولية وامام مرأى من صناع السياسة في العالم؟

هل رضخ معاذ الخطيب لمبدأ القبول بالحوار مع النظام بعد اقتناعة بعجز المعارضة عن الحسم ميدانيا واطاحة الرئيس بفعل خلافاتها واستحالة الدعم الخارجي المطلوب؟ ام ان موسكو وطهران اقتنعتا فعلا بان لا حل ممكناً في سوريا الا الحل السياسي الذي ياخذ في الاعتبار المطالب المحقة للشعب السوري، وان التسوية لا تأتي الا بعد حوار بين خصمين فعليين وليس بين خصم ورديف له يختاره انتقائيا؟ ام ان الامور بلغت حدا من الانهيار في صفوف الافرقاء المتنازعين باتت تتطلب البحث عن مخرج للجميع ينقذهم من ورطة كبرى قد تهدد الاقليم برمته؟

ووقت اجتمع علي اكبر صالحي مع المعارض السوري، هل كان سعيد جليلي يسوّق في دمشق مرحلة انتقالية تحفظ للاسد واركان نظامه ماء الوجه وتحمي في الوقت نفسه مصالح طهران وحلفاء النظام في سوريا الجديدة؟

ام ان ما حدث في ميونيخ ليس سوى مناورات يمارسها الطرفان لكسب المزيد من الوقت لاكمال اللعبة الجهنمية على الارض السورية؟

من السابق لأوانه استخلاص استنتاجات حاسمة في ظل استمرار الكر والفر والتفنن في القتل، واصرار المعارضة على رفض الحوار مع من “تلطخت ايديهم بالدماء” وانكار النظام لوجود معارضة في الاصل. ولكن بمجرد اعادة الاعتبار الى الحوار،  ثمة مشهد جديد في سوريا.

النهار

خشية دولية من “وهم متعاظم” للنظام، وتوظيف خاطئ لاستعدادات المعارضة

    روزانا بومنصف

تابع المهتمون بتطورات الوضع السوري التطورات التي حصلت الاسبوع الماضي لجهة اعلان رئيس الائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب موافقته على التفاوض مع النظام السوري بشروط يوم الاربعاء في 30 من الشهر المنصرم، والذي تردد انه اضطر الى تقديم توضيحات في شأنه امام الائتلاف في اجتماع طارىء عقد في القاهرة لهذه الغاية. وقد خرج اعضاء في الائتلاف ليعلنوا على الاثر ان مواقف الخطيب شخصية او انها تنسجم في مضمونها مع مبادىء الائتلاف، او ايضا انه خروج على مبادئه، وذلك بالتزامن مع تثمين لهذا الموقف قدمته وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كيلنتون عشية مغادرتها منصبها وتسليمه الى خلفها جون كيري. اذ انها وفي موازاة تحذيرها ايران وروسيا من اتساع نطاق الحرب في سوريا موحية ان لا حلول محتملة حتى الآن للازمة السورية اشادت برئيس الائتلاف السوري المعارض لما اعلنه عن استعداده لاجراء محادثات عن ممثلين للاسد خارج سوريا اذا اطلق عشرات الآلاف المعتقلين. واضافت كلينتون اعتقادها ان الخطيب لم يكن شجاعا فقط بل ذكيا ايضا. وقبيل تكرار الخطيب هذا الاستعداد في مؤتمر الامن في ميونيخ وليس على شبكة التواصل الاجتماعي مثلما فعل لدى اطلاقه الموقف للمرة الاولى، حظي بتقدير لهذا الموقف من الامين العام للامم المتحدة بان كي مون واثنى على هذا الموقف كل من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي اللذين التقاهما الخطيب على هامش الاجتماعات في ميونيخ وقد اعتبر الاستعدادات التي ابداها الخطيب خطوة كبرى على طريق حل الازمة.

هذه الحركة الديبلوماسية المفاجئة تركت انطباعات بأن ثمة مساعي جدية تبذل تخالف المواقف المعلنة من جانب الموفد الدولي الابرهيمي او من جانب مسؤولين اميركيين وسواهم من احتمال استمرار الازمة السورية وتصاعدها في الاشهر المقبلة وعدم وجود حل في الافق. وهي انطباعات يشيعها حلفاء للنظام ويسمعها كثر في بيروت. لكن الواقع لا يبدو منسجما كليا مع هذه الانطباعات. اذ يعتبر المهتمون المتابعون للوضع السوري بان المعارضة السورية رمت الكرة في ملعب النظام وحلفائه خصوصا مع الاشادة الروسية والايرانية بالتراجع عن مطلب تنحية الرئيس السوري او رحيله كشرط مسبق للتفاوض من اجل وضع هذه الدول على محك الضغط على تنفيذ التزامه الحوار مع المعارضة وانهم اخذوا ضمانات في مقابل الاستعداد الذي ابدوه عبر المواقف الجازمة للموفد الدولي الاخضر الابرهيمي بان المرحلة الانتقالية لا تتضمن اي دور للاسد، فان ثمة خشية من مراوحة وتقطيع للوقت على وقع جملة معطيات لعل اهمها:

اولا: ينقل مسؤولون دوليون وثيقو الصلة بالوضع في سوريا معلومات عن وجود وهم متعاظم لدى الرئيس السوري والمحيطين به بانهم سيربحون الحرب ضد المعارضة وان التأييد الروسي والايراني للنظام والذي ما زال قويا بعد سنتين على الحرب وفق كل المؤشرات بات اكثر فاعلية، ولا سيما ان الولايات المتحدة مشغولة بالعداء ضد “جبهة النصرة ” اكثر من تأييدها الثورة السورية. وهذا الوهم يصل الى حدود تعاظم الثقة لديه بهذه القراءة للموقف الاميركي من الاحداث السورية، وسبق ان عبّر عنها بقوله في اطلالة اخيرة له ان الولايات المتحدة مشغولة ولا وقت لديها راهنا للاهتمام او التدخل بسوريا. يضاف الى ذلك ان واشنطن وحلفاءها وفق قراءة النظام خففوا دعم الثورة السورية بالسلاح ومارسوا ضغوطا لوقف الامداد بالسلاح. وهو ما يظهر في الميدان، كما يظهر من التراجع البريطاني والفرنسي عن استعدادات سابقة لمراجعة مواقفهما في هذا الاطار اي رفع الحظر على السلاح. وهذه الثقة المتوهمة ستجعل من المستحيل بالنسبة الى النظام التفاوض من اجل التنازل لمصلحة حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات خصوصا متى اعتقد انه يربح الحرب وليس على شفير الانهيار، الامر الذي سيطيل امد الحرب ولن يحل الازمة. اذ ان النظام سيقرأ استعدادات المعارضة على انها ضعف من جانبها وهو سيتعامل معها على انها هدية له وفرصة اضافية من اجل القضاء على المعارضة او الذهاب اكثر في اضعافها. وذلك في الوقت الذي يفترض ان يكون الاستعداد الذي ابدته المعارضة في هذا الاطار والتنازلات الجوهرية تحت عنوان الاهتمام بوقف دماء السوريين يجب ان تحرج كلا من روسيا وايران امام المجتمع الدولي بامكان الضغط على النظام من اجل التجاوب والتفاوض على المرحلة الانتقالية. وهو امر سرعان ما سيظهر عدم جدية النظام من جهة وعجز كل من روسيا وايران على الضغط عليه فعلا باعتبار ان التفاوض من جانبه سيعني اقراره ان هناك معارضة وليس ارهابيين كما يقول، مما يسقط كل المنطق الذي استند اليه حتى الآن وبرره بانه الحرب التي يقودها على شعبه.

ثانيا : ان الضغوط الدولية على المعارضة من اجل التنازل عن شرطها المسبق بتنحية الاسد قبل التفاوض وتحديدا على رئيس الائتلاف يمكن ان تؤدي في حال لم تساعد الدول الغربية في الدفع نحو حوار ملائم لا يضيع فيه النظام الوقت، الى حرق رئيس الائتلاف واحراجه على رغم ان لا مصلحة لدى الدول الغربية في ذلك على الارجح. وهو ما برز في الانتقادات لموقف الخطيب ولقاءاته مع وزير الخارجية الايراني مما قد يهدد بتفجير المعارضة من الداخل. مما يثير اسئلة جدية وواقعية حول عجز الغرب وتخبطه.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى