صفحات سوريةفايز ساره

مشكلة المهجرين في دول الجوار السوري


فايز سارة

من بين اهم المشكلات المحيطة بموضوع المهجرين السوريين الى دول الجوار، انه لا يمكن الحصول على ارقام حقيقية لاعداد المهجرين، ليس فقط لان بعض مهجري هذه البلدان لا يجري تسجيلهم هناك بصفتهم لدى الجهات المعنية، وانما بسبب ان اعداد المهجرين لا تستقر ابدأ، اذ هي تتزايد على مدار الايام، ويمكن ان تتغير في اليوم الواحد بزيادة عدة آلاف من المهجرين الجدد، ولا سيما في ثلاث من دول الجوار هي الاردن ولبنان وتركيا، وهو امر يمكن ان يحصل بصورة اقل مع العراق جار سوريا الرابع. وبالمحصلة فان اعداد المهجرين يمكن ان تزداد عشرة آلاف مهجر بين صباح ومساء اليوم نفسه، في ظل تواصل تردي الظروف الامنية كما يحصل في الانحاء السورية كلها.

وطبقاً لما هو معلن من ارقام فان عدد المهجرين الى دول الجوار، الذي قارب الاربعمئة الف نسمة، القسم الاكبر والذي يتجاوز نصف العدد موجود في الاردن، ويقترب عدد الموجودين في تركيا من مئة الف، وهناك ما يزيد على اربعين الفاً موجودين في لبنان، وهناك أكثر من عشرين الف مهجر سوري في العراق، القسم الرئيس منهم موجود في الشمال باقليم كردستان. لكن هذه الارقام لا تشمل كل المهجرين، فكثير من السوريين الذين يعبرون الى بلدان الجوار بوثائق سفرهم العادية لا يسجلون باعتبارهم مهجرين، انما زوار او سياح او غير ذلك، رغم ان الاساس في قدومهم الى هذه البلدان هو هربهم من الظروف التي ادت اليها الاوضاع الامنية، من اعمل قتل وتدمير، طالت مناطق واسعة من الاراضي السورية، ودفعت سكانها الى الهرب بحثاً عن امان مفقود او فرصة عيش مأمول خارج الظروف السورية او للسببين معاً، وتميل التقديرات للقول، ان مجموع المهجرين السوريين الى بلدان الجوار من المسجلين وغيرهم قارب ثلاثة ارباع المليون، اي انهم ضعف العدد الشائع، وهم موزعون على دول الجوار الاربع، يعيشون خارج مخيمات المهجرين.

وكما هو واضح، فان اعداد المهجرين الى دول الجوار كبيرة، خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار نسبتهم الى سكان كل من الاردن ولبنان من جهة، واضفنا الى ذلك اعتباراً آخر، وهو ان سيل المهجرين مستمر، وقد يتصاعد على نحو خطير في القريب العاجل نتيجة زيادة العمليات العسكرية الامنية ضد مدن وقرى في الجنوب والوسط السوري، حيث يجري دفع عشرات آلاف الاشخاص لعبور الحدود السورية الى لبنان والاردن يومياً، بالتزامن مع اعداد اخرى تعبر الى تركيا والعراق.

ورغم تفاوت الاوضاع في بلدان الجوار، وتفاوت اعداد المهجرين الى تلك البلدان، فان آثاراً مشتركة، يتركها وجود المهجرين على واقع تلك البلدان، ابرزها الآثار السياسية، وخاصة لجهة دخول قضية المهجرين الى فضاء الصراعات السياسية في هذه البلدان، والامر في هذا شديد الوضوح في لبنان، الذي ينقسم سياسياً بين مؤيدين للنظام السوري، كما هو تحالف «8 آذار» الممسك بالسلطة، ومعارضين له ابرزهم تحالف «14 آذار» وهو الاقرب الى المهجرين، فيما الوضع في تركيا على العكس تماماً، اذ ان سياسات الحكومة التركية تناهض السياسة السورية، وتقف جماعات من المعارضة التركية بالقرب من موقف النظام السوري، وفي الحالتين اللبنانية والتركية، فان موضوع المهجرين السوريين دخل حيز الصراعات السياسية في البلدين.

ويمكن القول ان موضوع المهجرين السوريين، دخل من جانب آخر حيز التأثير في الخارطة السكانية في بعض دول الجوار، وما ينجم على ذلك من آثار سياسية وامنية، وثمة امثلة في ذلك، اولها من تركيا، حيث اغلبية سكان المناطق التي لجأ اليها المهاجرون من المسلمين العلويين الذين يحسبون انفسهم اقرب الى النظام، واغلبية المهجرين من المسلمين السنة المحسوبين في الكتلة الرئيسية لمعارضين نظام دمشق، وهذا التمايز يوفر ظروف تصادم مذهبي بين الطرفين الامر الذي حدا بالسلطات التركية الى عزل المهجرين عن الوسط التركي من جهة، واتخاذ سياسات امنية خاصة في مناطق المهجرين. وفي مثال لبنان فقد دخل المهجرون الشبكة المعقدة للوضع الامني في لبنان، فتعرض بعضهم للملاحقة والمضايقة، فيما جرت عمليات اختطاف بعضهم على خلفية احداث جرت في سوريا، وفي حالات كثيرة، قامت اطراف وشخصيات لبنانية بادخال المهجرين السوريين حيز التشويش الامني، من خلال اتهامهم بتهريب اسلحة وتنظيم جماعات واعمال مسلحة في لبنان، بهدف الحاق الضرر والاذى بهم، على نحو ما كشفت مؤخراً فضيحة الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة.

ولا يقل عن الآثار السابقة اهمية ما تركه حضور المهاجرين على الوضع المعيشي في بلدان الجوار، وهو وضع شديد السوء يعاني مشكلات كثـيرة تشــمل ميادين العمل والخدمات الصحية والتـعليمية، اضافة الى محدودية الاحتياجات الاساسية للعـيش، ما جعل تلك المشكلات تتضخم وتتزايد، وصار الحصول على الاحتياجات بوابة للتنافس بين المهجرين والمواطنين، وسبب مشاكل في بعض الاحيان، ولعل بين الامثلة المعروفة في هذا قيام السلطات التركية بوقف تدفق المهجرين عبر الحدود لتأمين فرص اقامتهـم في مخيمات جديدة بعد ما ظهر من تقصير سابق في تلبــية احتياجات مخيمات للمهجرين من الماء والكهرباء، وهو امــر ظهر ايضاً في مخيم الزعتري شــمال الاردن ما تسبب في تظاهرات للمهجرين هناك، وقيام السلــطات اثر ذلك بابعاد بعضهم خارج البلاد.

ان واقع بلدان الجوار السوري، واقع مأزوم في اغلبه، ويعاني مشكلات بعضها امتداد لمشكلات قائمة ومتفاقمة في سوريا، الامر الذي جعل من موضوع المهجرين، يشكل عامل ضغط على تلك البلدان من جوانب سياسية وسكانية وامنية ومعاشية، الامر الذي جعل حكومات تلك البلدان تتبع سياسات، تقوم في اغلبها على عزل المهجرين في مخيمات، وكلها تقريباً نفذت اجراءات امنية هدفها احكام القبضة على وجود وحركة المهجرين، وهو ما تم تطبيقه في تركيا والاردن وشمال العراق، فيما اتخذ الامر في لبنان سياسة اقل حدة في مجالي عزل المهجرين واحكام القبضة الامنية عليهم لظروف تخص لبنان.

واذا كانت قضية المهجرين السوريين في دول الجوار محتملة في حدوها السابقة، فان الوضع قد لا يستمر على حاله في ضوء ان القضية الى تفاقم من الناحية العددية، اضافة الى عجز الدول والجهات المانحة عن تلبية احتياجات المهجرين، التي تتزايد على ابواب السنة الدراسية وفصل الشتاء، وسيؤدي التقصير عن تلبيتها الى مأس وكوارث انسانية، يمكن ان تؤدي الى انفجارات ليس فقط في صفوف المهجرين، وانما في محيطهم ايضاً خاصة اذا استمرت مسيرة التدهور الامني في سورية، وتصاعدت عمليات القتل والاعتقال والملاحقة وتهجير السكان داخل البلاد والى محيطها.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى