مصر العسكر لمثقفي سوريا: ادخلوها صامتين/ وائل قيس
مرة أخرى يجد السوريون أنفسهم، لا سيما مثقفيهم، في موقع المستضعف لدى أنظمة البلدان الشقيقة. ففي مصر، ما زال الصراع الراهن بين أنصار محمد مرسي وأنصار المشير السيسي يلقي بظلاله على السوريين المقيمين فيها. فبعد أحداث 30 حزيران/ يونيو من العام الماضي، وإعلان الجيش عزل الرئيس مرسي من الرئاسة، تغيّر تعاطي الأمن المصري مع السوريين، وبدأت حملات اعتقال وترحيل بحقهم بحجج شتى منها الإقامة غير الشرعية أو مشاركة بعضهم في اعتصامات “ميدان رابعة”.
وفي هذا السياق، أصدرت السلطات المصرية في 8 تموز/ يوليو من العام الماضي قراراً يفرض على السوريين المتجهين إلى أراضيها الحصول على تأشيرة دخول، بعد أن كان ذلك غير مطلوب في السابق، علماً أن القرار لم يكن سوى ردّ على تأييد بعض السوريين للرئيس مرسي، وتعاطفهم معه بعد عزله واستخدام الجيش المصري للعنف في تفريقه للمظاهرات الاحتجاجية.
وبخلاف ما قالته السلطات المصرية إن القرار صدر لفترة معينة، وجاء نتيجة الأزمة التي تمر بها مصر، ما زال القرار معمولاً به حتى اليوم. فقد قامت السلطات المصرية مؤخراً بمنع السينمائي السوري محمد ملص من الدخول إلى مصر، بعد أن اختارته إدارة “مهرجان الإسماعيلية السينمائي” رئيساً للجنة التحكيم في مسابقة الأفلام التسجيلية، وهو ما دفع بعض السينمائيين المصريين إلى إصدار بيان استنكروا فيه قرار المنع، مشيرين إلى أن المهرجان تابع لوزارة الثقافة في مصر، وهي من ضمن المؤسسات التي يشرف عليها نظام الحكم الحالي.
ولا تخفى على أحد مواقف ملص المعارضة للنظام السوري وكونه من السينمائيين الذين وقّعوا عام 2011 على بيان، بمشاركة سينمائيين عالميين، يطالب النظام السوري بوقف استخدام العنف بحق المتظاهرين. ويمكن للقرار المذكور أعلاه أن يحيلنا أيضاً إلى قضية المخرج السوري مهند عبد الكريم الحريري الذي اعتقلته السلطات المصرية منذ عام تقريباً، وأصدرت قراراً بترحيله من مصر بتهمة الإقامة غير الشرعية.
أما صدور قرار عن “محكمة الجنايات” في مصر منذ أيام، يقضي بالحكم على 13 ناشطاً سورياً، من بينهم الفنان حسام الدين ملص، بالسجن المشدّد خمسة أعوام غيابياً بتهمة التجمهر وتعريض السلم العام للخطر، فهي قضية تعود أحداثها إلى العام 2012، حين حاول بعض الناشطين والمثقفين السوريين دخول السفارة السورية في مصر عنوة، علماً أن بتّها وصدور الحكم جاءا بعد تنصيب المشير السيسي رئيساً لمصر؛ وهو ما يشكّل وحده جواباً.
ومن خلال حيثيات هذه القضية وتفاصيل انعكاسها على السوريين المتواجدين في مصر، نستطيع أن نصل إلى منهجية النظام المصري الحالي. فمن المعروف أن العسكر في مصر من أكثر المؤيدين لنظام بشار الأسد، في حين كان الرئيس مرسي يقف في صف الدول المعارضة له التي تنادي برحيله، إضافة إلى إصداره قراراً يقضي بتسهيل إقامة السوريين في مصر؛ إلا أن ذلك القرار ما لبث أن تم تعديله عند انتزاع العسكر مقاليد الحكم، وكان أول ضحاياهم الإعلامُ والمثقفون واللاجئون السوريون، الذين رحلّت مجموعات منهم بحجة الإقامة غير الشرعية ومشاركتهم في التظاهرات التي شهدتها مصر.
وصول العسكر إلى الحكم في مصر كان لا بد أن يمر بسياسة تكميم الأفواه، وتضييق الخناق على الإعلام وحريته، بعد هوامش نسبية شهدتها الساحة الإعلامية المصرية في فترة حكم محمد مرسي. إلا أن سيطرة العسكر على معظم مفاصل الإعلام المصري، ولعبه دوراً تحريضياً عبر نشرات الأخبار، والبرامج الحوارية، ساهم، بشكلٍ أو بآخر، في تأجيج حالة الصراع داخل المجتمع المصري من جهة وبين المصريين وأشقائهم العرب من جهة كما برز في الحالتين السورية والفلسطينية. وبالطبع ساعد هذا حركة الإخوان المسلمين على تأكيد مظلوميتها التاريخية التي طالما كرّستها أدبياتها.
ولعل أكثر ما كان يثير الريبة في الذهنية التي يمثلها نظام المشير، ومن خلفه القوى التي مهدّت له الوصول إلى سدة السلطة، هو اللجوء إلى حملات الترهيب والمنع بحجة الحفاظ على الأمن القومي، وفوبيا الأزمة التي تمر بها مصر؛ فكانت الانتخابات طريقاً لدخول مصر في حقبة جديدة من الدكتاتورية لا أحد يعلم متى تخرج منها. إذ بعد سيطرته على اللوبي الإعلامي ومؤسسات الثقافة في مصر، انتقل إلى محاربة مثقفي الدول الشقيقة المجاورة الذين أوصلتهم ظروف اللجوء إلى أرض مصر المحروسة.
* شاعر وصحافي من سوريا
العربي الجديد