مصير الأسد بيد العلويين
روبرت فيسك
فيما صعقت دراما اعتداء الأسبوع الفائت على نظام بشار الأسد في دمشق العالم العربي، فإن الانفجار المفاجئ للعنف في حلب بدا إلى حد بعيد أهم بكثير. ذاك أن حلب تعدّ المدينة الأغنى في سوريا ـ حتى أكثر بكثير من دمشق – وإذا لامست الثورة مركز الثروة هذا، فإن الاتفاق الضمني بين الحكومة المسيطر عليها علوياً والطبقات الوسطى السنية سيتعرض للتصدع فعلاً.
إذ كمركز ولادة الزراعة – نهر الفرات يقع على مبعدة 60 ميلاً فقط إلى الشرق ـ تحتضن حلب أيضاً المركز الرئيس لـ”المركز الدولي للأبحاث الزراعية في المناطق الجافة” أحد أفضل المراكز في هذا المجال في العالم بأسره. فهو يزيد إنتاج الغذاء في آسيا وأفريقيا في منطقة تحوي مليار شخص، حيث 50 في المئة من هؤلاء يكسبون عيشهم من خلال الزراعة. وبين الجهات المانحة للمركز: بريطانيا وكندا والولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وهولندا والبنك الدولي. ولا يزال العاملون الـ500 فيه يشتغلون في حلب.
للأسف، تعرضت محطة الأبحاث الرئيسة في تل هاديا، التي تقع على مسافة 20 ميلاً من حلب، لاعتداء من رجال مسلحين سرقوا المركبات لاستعمالها كعربات مزودة برشاشات، بالإضافة إلى آلات زراعية وحواسيب. لكن، لحسن الحظ فإن «بنك الجينات» العائد للمركز، ظل آمناً وجرى استنساخه خارج سوريا. وقد نقلت الحكومة السورية نقطة تفتيش عسكرية إلى جانب عقار المركز في تل هاديا ـ وزارة الزراعة السورية كانت دوماً واحدة من الوزارات الأكثر تقدمية في دمشق ـ وستظهر فائدة هذا الإجراء في الأيام المقبلة كما سنرى.
والحال، أن الثورة انتشرت على امتداد سوريا برمتها. وبصورة مأسوية، يبدو ان الاتجاه البعثي ينحو منحى تدمير القرى السنية المحاذية للمعقل العلوي، على حدود علويستان في السهل الزراعي الممتد في مقاطعة حماه، والتي تقع أسفل الجبال حيث يرسو مسقط رأس الأسد في القرداحة.
خلال الأسبوع الماضي هاجمت الطائرات السورية القرية السنية الصغيرة الحوش، مرغمة سكانها السبعة آلاف على الفرار للنجاة بأرواحهم. ولأسبوعين، تعرضت الحوش وسواها من القرى السنية الصغيرة للقصف؛ وهي قرى تحتضن ثواراً، لكنّ ثمة شكوكاً متنامية، ولو من دون دلائل، تفيد بأنها سياسة متعمدة من قبل البعث لتهيئة سوريا للتقسيم حال سقوط دمشق.
وثمة شكوك متزايدة، أن المجزرة الكبرى الاولى في القرى السنية في الحولة في 25 أيار، جاءت نتيجة انتقام اثر محاولة تسميم صهر بشار الأسد آصف شوكت، الذي قضى عليه الثوار في التفجير الذي وقع في دمشق. على أن البعض يقولون ان محاولة التسميم جاءت في فترة لاحقة، لكن كل ما جرى في سوريا ويجري اليوم يتصل بعضه ببعض.
ومن شأن بعض الإحصاءات النهائية أن تفسر أسباب نشوب الثورة خارج دمشق. فقد أظهرت البيانات أن 58 في المئة من السوريين تحت الـ24 عاماً يعانون من البطالة (نسبة أعلى حتى من مصر)، في حين أن 48 في المئة من المندرجين في فئة 18 ـ 29 عاماً ـ إحصاء لا تقارعه سوى اليمن ـ لا وظيفة لديهم. بالطبع، صار لديهم اليوم واحدة. فقد انضمت غالبيتهم إلى الثورة السورية.
روبرت فيسك
ترجمة: حسن الحاف