مصير بشار كمصير مرسي .. وجوب التنحّي
نقولا زيدان
النظام الأسدي وحلفاؤه الطائفيون المذهبيون دعاة نظام الحق الالهي وولاية الفقيه والتكليف الشرعي دعاة اقامة نظام ظلامي لا مكان فيه لا للمعارضة ولا للرأي الآخر ولا لحقوق الانسان، من حزب الله اللبناني الى فلول الحوثيين الى المتطوعين من مقاتلين عراقيين وأفغان وباكستانيين الخ… كانوا سعداء في الأيام الماضية. وقد صفقوا طرباً لرؤيتهم الأزمة المصرية تبلغ ذروتها حتى وضع يلامس نقطة اللاعودة ويداني الحرب الأهلية، لأنها بكل بساطة كانت تحجب أنظار المجتمع العربي والدولي عن الفصل الجديد الدموي الذي تنفذه الهجمة الفاغرة فاها لابتلاع حمص وريفها وتحويلها الى ركام ورماد متخم بالدماء والنتف والأشلاء لفتح الطريق أمام مشروع الدويلة الأسدية التي تقف المدينة بموقعها المنكوبة حائلاً أمام تحقيقها. فالشروط الضمنية غير المعلنة التي تحاول أميركا وهي تضغط على الاتحاد الأوروبي في هذا الاتجاه، فرضها على المعارضة السورية مسبقاً كي تشارك في جنيف2 ألا وهي التنكر لبيان 30 حزيران 2012 الذي نص على “مرحلة ما بعد الأسد” ارضاء لشريكها الدولي الروسي، يجري ترجمتها عملياً وعلى أرض الواقع بالتلكؤ الآثم المريب والمراوحة المشبوهة في تسليم الثوار السوريين الأسلحة النوعية الضرورية الفعالة والتي وعد بها أوباما في تصريحاته الأخيرة.
وواقع الحال هذا قد برز بوضوح في كلمة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل منذ أيام في البحرين، فصواريخ أرض جو القادرة على اسقاط طائرات الميغ 23 و29 و32 وقاذفات القنابل سوخوي لم تصل بعد لأيدي الجيش السوري الحر، وكذلك هي حال صواريخ أرض أرض المضادة للدروع والقادرة على تدمير منصات الصواريخ الروسية التي تنهمر على المدينة المحاصرة.
انه في الوقت الذي تدور معركة حمص المفصلية ما زالت ادارة الرئيس أوباما والاتحاد الأوروبي يتلكأون ويناورون، علماً ان رئيس أركان الجيش السوري الحر اللواء سليم ادريس قد تعهد بحصر تسليم هذه الأسلحة المتطورة لمجموعات خاصة من جيشه قاطعاً الطريق على التحفظات الأميركية والأوروبية ومخاوفها من وقوعها في ايدي جماعة “النصرة” التي حوّلها الاعلام الغربي بتشجيع روسي الى فزاعة عالمية. لا بل، وبصرف النظر عن التمادي الروسي البالغ حدوداً غير مسبوقة في حمل ادارة أوباما على تقديم تنازلات حول الأزمة السورية، استطاع بوتين استخدام ملف العميل الأميركي “سنودن” العالق في أحد مطارات موسكو للتقرب من نظيره الأميركي عندما اشترط عليه التعهد بعدم الادلاء بأي تصريح حول فضائح “السي.آي.ايه” 218 بالتجسس على حلفاء أميركا الأوروبيين.
لقد حملت الأزمة المصرية كثيراً من الماء الى طاحونة الأسد وحلفائه ليتنفسوا قليلاً فالأيام المصيرية التي عاشتها أكبر دولة عربية كانت تنذر بأسوأ التداعيات قبل أن يحتشد الشعب المصري بعشرات الملايين ومعه الجيش ويقلب صفحة العواقب السيئة.
ان حكم حسني مبارك البائد لم يستطع تدجين الجيش المصري ولا احتواءه واستخدامه كهراوة غليظة يسحق بها المعارضة كما فعل حافظ الأسد ووريثه بشار لأن فرق الموت وسرايا الدفاع السيئة الذكر واطلاق النار دون رحمة على المتظاهرين المسالمين الغاضبين لا تتوافق مع واقع مصر وتاريخها النهضوي العريق. لأن لمصر خصوصية قد غابت تماماً عن عقلية وأدبيات الاخوان المسلمين، فمجزرة مروعة كتلك التي اقترفها حافظ الأسد في حماه عام 1982 يستحيل حدوثها في مصر. إن الوحدة الاجتماعية وهي الأساس المادي والركيزة المتينة التي يستند اليها الجيش المصري، هذا بصرف النظر عن الفروقات الطبقية بين الشرائح الاجتماعية التي ترفد منها عناصره المكونة، تجعل استخدامه لفرض سلطة سياسية قمعية أمراً غير قابل للتطبيق.
ان التاريخ يعلمنا ان قيمة أحمد عرابي تكمن في أن حركته في ثمانينيات القرن التاسع عشر استطاعت انجاز انشاء جيش مصري ووطني خالص صاف، حيث جرى تطهيره من بقايا المماليك والشركس.. الذين طالما شكلوا نخبة كبار الضباط والمراتب العليا، هذا بالرغم من هزيمته في معركة التل الكبير (أيلول/ سبتمبر 1882) أمام الانكليز. لكن عرابي قد أسس لإرث وطني عريق.
إن الذين استمعوا لخطاب محمد مرسي صباح الأربعاء في 3 تموز (يوليو) الذي ردد عشرات المرات وأكثر عبارة “الشرعية” التي يعتد بها لتشبثه والاخوان المسلمين بكرسي الرئاسة، وهو الذي ارتكب العديد من التجاوزات بل من الحماقات كانت أخطرها اتخاذه لنفسه صلاحيات ديكتاتورية تشريعية، توقعوا له المصير الذي يتخبط فيه. الا يذكرنا تعنته هذا بنظيره بشار الأسد الذي هو أيضاً لا يتوقف عن التحدث عن الشرعية التي يدعي الدفاع عنها بوجه “المؤامرة”، والذي دفاعاً عن كرسي الحكم يشعل حرباً مذهبية لا تمزق سوريا فحسب بل تطاول لبنان والعراق وتحاول التسلل الى بلدان الخليج، وهو أيضاً عليه أن يتوقع بئس المصير.
حقاً إن أياماً من التاريخ لا تساوي ساعات وهناك ساعات تساوي سنوات. لقد عاشت مصر ساعات حاسمة وانتصرت وأعادت ثورة 25 كانون الثاني/ يناير الى نصابها.
– See more at: http://www.elaph.com/Web/NewsPapers/2013/7/822024.html?entry=todaysarticle#sthash.dOtdDUoC.dpuf
المستقبل