مطار دمشق: معاناة البديل الآمن/ كمال شيخو
لم يأبه العم ابو جمال، لمخاطر التنقل من والى «مطار دمشق الدولي» يومياً. الرجل الخمسيني، الذي يعمل سائقاً منذ قرابة عشرين عاماً، يبدأ نهاره يومياً في الصباح الباكر بتجهيز حافلة نقل الركاب من مركز المدينة الى مطارها الدولي وبالعكس، بعدما قرر متابعة عمله رغم الظروف العصيبة ونقل المسافرين الذي يعتمدون على المطار سواء لتأمين سفر داخلي أكثر أمناً أو للتوجه عبره إلى خارج سوريا من دون أن ترافقهم السلامة دائماً.
المعارك الدائرة في سوريا وصلت نيرانها الى جميع المناطق المحيطة بالمطار، حيث تقع مدن وقرى شرق دمشق بدءاً من بيت سحم وعقربا مروراً بشبعا والغزلانية- كانت تخضع سيطرتها لمقاتلي الجيش الحر- على الطريق المؤدي إلى المطار، إلا أن قوات النظام مدعومة بمقاتلين من حزب الله ولواء أبو الفضل العباس، تمكنت من استعادة السيطرة الجزئية على الطريق المؤدي الى المطار واسترجاع قسم من العتيبة التي تقع على بعد 11 كيلومتراً شرق المطار، واعادة فتح الطريق مرة ثانية بعدما قطعت الطريق حوالي اسبوعين متتالين.
يشرح العم ابو جمال أن رحلة الطريق من والى المطار الذي وصلت المعارك إليه في نهاية 2012، تعكس صورة مصغرة لما يحدث في سوريا الآن. وأضاف “بتمر لحظات بيكون فيها اصوات طلق الرصاص مثل زخ المطر، ونحن بالطريق قذيفة تطلع فوقنا وثانية بتقع على جانب الطريق وثالثة بشوفها وين وقعت، فالباص بيمر بأكثر المناطق يلي فيها الاشتباكات”.
ويوضح أن “اصعب نقطة هي المنطقة الفاصلة بين الجسر الخامس والرابع الى بيت سحم، ما بصدق أطلع من هونيك”. وقد أطلق على تلك المنطقة الخطرة اسم “طريق الموت لشدّة الاشتباكات”.
الرحلة من مركز المدينة الى المطار كانت تستغرق سابقاً حوالي نصف ساعة من الوقت بحسب العم ابو جمال، لكنها أصبحت بسبب المعارك الدائرة القريبة والملاصقة على جانبي طريق المطار، تستغرق حوالي ساعة وساعة ونصف وفي بعض الاحيان لأكثر من ذلك، “عند احتدام الاشتباكات على جانبي الطريق المؤدي للمطار نضطر نوقف لشدّة المعارك، وأحياناً نبقى في المطار حتى يفتح الطريق وممكن نطول لساعات، ومرّت علينا أيام توقفنا عن العمل او نمنا في المطار”.
رغم المعارك المتقطعة حول المطار ومخاطرها، يفضل أغلب السوريين السفر جواً عبرَ مطار دمشق، لتفادي السفر براً؛ فأغلب الطرق البرية شهدت حالات اعتقال واختطاف وإطلاق للنار، على الرغم من تكلفته الباهظة لذوي الدخل المحدود.
كليستان، وهي طالبة من مدينة القامشلي، تدرس في كلية الآداب في جامعة دمشق، اختارت السفر جواً بعدما سيطر مقاتلو جبهة النصرة والدولة الاسلامية “داعش” على معظم الطرق البرية شمال- شرق سوريا. تتحدث لـ”المدن” قائلة “كل الطرق البرية صارت خطرة علينا، نزلوا كثير بنات وانتهكوا حرماتهم وبلشت تنتشر عصابات بتشلح المسافرين، عدا أن الطريق يستغرق أكثر من 12 ساعة سفر” بينما يستغرق وقت الرحلة جواً من مطار القامشلي الى مطار دمشق الدولي حوالي ساعة ونصف، الا أنه أحياناً تتأخر الرحلة.
وعن التنقل من المطار الى مركز المدينة، تقول كليستان “آخر مرة وصلت للمطار بوقت متأخر مساءً، استأجرنا سيارة أنا وأربع طلاب أخذ منا السائق ستة الاف ليرة؛ ومشي بسرعة جنونية بلش بـ 120 كيلومتراً واحياناً كان يوصل عداد السيارة لسرعة تجاوزت الـ 160 كيلومتراً في الساعة لخطورة الطريق”.
بسبب الخطورة الاستثنائية للطريق، ارتفعت أسعار النقل الخاص من وإلى المطار بصورة لافتة. في حين كانت تتراوح قبل بين (500 الى1000) ليرة، الآن قفزت الى بين (1000 الى 2500) ليرة وترتفع الأجرة مساءً لتصل الى خمسة الاف لكل راكب.
لكن ليست وحدها أجرة الوصول والخروج من المطار من ارتفعت، اذ طالت الزيادة أسعار التذاكر عبرَ السورية للطيران التي وصلت نسبة 300 في المئة.
يقول خالد، وهو مدير شركة سياحية خاصة، في حديث لـ”المدن”، إن “سعر التذكرة من دمشق إلى اللاذقية كان 2000 ليرة الان تصل لـ 6000 ليرة. أما التذكرة (ذهاب بدون إياب) إلى مصر فارتفعت من 15 ألف ليرة إلى نحو 46 ألف ليرة …، هذا ان كانفي رحلات أصلاً”.
وعن باقي شركات الطيران، أكد خالد أنها “توقفت، وحتىّ السورية للطيران قلصت عدد رحلاتها ولم تعد تنقل المسافرين الى الكثير من الدول”.
ويعزو أحد الموظفين في المطار، ويدعى سامر، في حديث لـ”المدن”، سبب تقليص عدد الرحلات إلى “الاوضاع التي تمر بها سوريا” مشيراً إلى أنّ شركة السورية للطيران لا تزال تسير رحلات الى “مصر والجزائر والسعودية والامارات والسودان وايران وروسيا “. وأوضح أن المطار بحالة جيدة علماً أن القسم الجنوبي تعرض عدة مرات مؤخراً لسقوط قذائف عليه ولكن تم اصلاح الاضرار بسرعة”.
وعن حالة الخدمات أوضح أنّ “خدمات المطار جميعها توقفت ولم يبقَ فيها شيء يذكر، حتى عمال النظافة أحياناً لا يأتون الى الدوام بسبب خطورة الطريق للوصول الى المطار، في كثير من الأحيان تكون الحمامات مغلقة لغياب الموظفين”. إضافة إلى ذلك، أغلقت جميع المطاعم والكافيتيريات وصالات البيع أبوابها منذ قرابة العام.
أما عن الرحلات الداخلية فأوضح سامر أنها “إلى حلب ودير الزور متوقفة منذ أشهر، بسبب المعارك المحيطة بمطاراتها ولا نضطر لها إلا للخط العسكري”. مؤكداً أنّ “السورية للطيران تسير رحلات الى القامشلي واللاذقية بانتظام مع رحلات اضافية في الاعياد”.
يبقى أن طريق المطار الذي كان ملجأً للسوريين للترويح عن النفس في أيام العطل، تحول إلى طريقٍ مهجور، تسكنه الحرب.
المدن