مظلومية أنصار الأسد في ست دقائق!/ رستم محمود
نُشر مقطع غنائي في موقع «يوتيوب» بعنوان «نواح اشتبرق» لأحد مناصري نظام بشار الأسد، يظهر جلياً أنه إنتاج حديث جداً، لأنه يعرض جملة من الموافق والحساسيات التي يعيشها مناصرو الأسد، من خلال تفاعلهم مع تحولات المجريات السورية، وخسارة الأسد لمساحات شاسعة من المناطق التي كانت تحت سيطرته. يُكثف المقطع الغنائي هذا –في ست دقائق- العوالم النفسية والسياسية والإيديولوجية التي يحدد مناصرو الأسد من خلالها طبيعة سلوكياتهم ومواقفهم من عموم المسألة السورية.
يظهر تماماً في هذا المقطع ما يعيشه هذا العالم الاجتماعي من سوء اتساق مع الذات. فيظهر المغني وإلى جانبه فتاة صامتة تماماً، كلاهما بالزي العسكري الكامل، وفي الخلفية تجمع صورة كبيرة للرئيس السوري السابق حافظ الأسد مع نجله الرئيس الحالي بشار الأسد، وإلى جانبهما صورتان للمتمرد العالمي تشي غيفارا وزعيم عصابة «الجبهة الشعبية لتحرير لواء إسكندرون» معراج أورال، المُتهم بارتكاب أكثر من مجزرة بحق مدنيي ريف حُمص واللاذقية وإدلب! مجموع ذلك يشير إلى قدر العسكرة الاجتماعية في تلك البيئة، وأن تلك العسكرة متشابكة بكم متعاظم من ادعاء الطهرانية «المتوهمة». فما المشترك بين بشار الأسد الذي انتهك حياة الملايين من أبناء الشعب السوري، فقط لأنهم ثاروا على سلطته وطغيانه، وبين رمزية غيفارا النقيضة لذلك تماماً، سوى ما تعيشه هذه البيئة من رفض تام لحقيقة وطبيعة المعركة التي «تخوضها»؟ وما التسليم بدعاية السلطة الحاكمة التي تقول إن النظام الحاكم يخوض معركة ضد القوى الظلامية والإرهابية، سوى تكثيف عميق لرفض هذا الواقع المعاش. ومن جهة أخرى، فإن حضور الفتاة في المشهد الخلفي للصورة، من دون أن يكون لها أي دور في المقطع الغنائي، يوحي بما يرمي الناطقون باسم هذه البيئة للإيحاء به دوماً، من «حداثة» متوهمة مقابلة لتقليدية المعسكر الآخر وتخلّفه، فيعتبرون أن المقياس الوحيد لمعرفة ذلك هو حضور النساء في المجال العام، بغض النظر عن دور ذلك الحضور وفاعليته ووظيفته.
يبدأ المقطع الغنائي الذي شوهد عشرات الآلاف من المرات، باستحضار كمون المظلومية المستبطنة «صالح يصرخ من القبر، يا أمتنا بيكفي صبر» في إشارة إلى الزعيم الشعبي السوري «العلوي» صالح العلي، لكن من خلال اعتباره رمزاً وزعيماً للـ «الأمة العلوية»، وأن هذه الجماعة الأهلية أنما تتعرض لاضطهاد متواصل منذ قبولها بالاندماج في الكل الوطني السوري، منذ ثورة الشيخ صالح العلوي ضد الاستعمار الفرنسي وانزياحه للاندماج بالكيان السوري الكلي. يرفع المقطع وتيرة تلك المظلومية المستبطنة من خلال تخيّل «مؤامرة» شاملة تُحاك ضد هذه البيئة «لا مجلس أمن سألان، لا بان كي مون الغفلان، العصملي متل التعبان، عحدودي بيعطي الأمر». وفي مجموع ذلك قلب تام لكل المجريات السورية منذ نصف قرن. فالسوريون المحكمون واقعاً بالقهر والاستبداد، منذ نصف قرن، على يد نخبة عسكرية وسياسية متحدرة بكليتها من تلك البيئة الاجتماعية، باتوا في عُرف هذا المقطع حاكمين طغاة لهذه البيئة! ومجموع المجتمع الدولي الذي يغض النظر تماماً عن كل أوجاع السوريين في ثورتهم منذ أربع سنوات وأفعال النظام الحاكم بحقهم، بات وكأنه يغض النظر عما تتعرض له هذه البيئة. وهي التي لم تتعرض لأي شيء يُذكر، مقارنة بالفظاعات التي طاولت الجغرافيات الاجتماعية السورية الأخرى.
ثم يدخل المقطع في اشكال من الهذيان اللفظي، من خلال المزج بين مناجاة الأطراف التي يمكن أن تؤثر على المسألة السورية، معتبراً أن كل ما يجري في سورية هو نتيجة لاندفاع «الأغراب» إليها، ليتحول مباشرة إلى كيل الشتائم الفاشية المباشرة للعرب وشعوب المنطقة «عدونا تركي وسعودي، قطري فرنسي ويهودي»، فهم حسب منطق المقطع المسبب لكل ما يجري في سورية، عبر مؤامرة كبرى.
على أن كل ذلك الشعور المكثف بـ «الغُبن» والتعرض للمؤامرة، لا يدفعهم سوى إلى مزيد من الالتصاق والتماهي مع النظام الحاكم، في عملية رفض مطلقة لأي تفكير يمكن أن يرى حقيقة دور الأسد ونظامه بما لحق بهذه البيئة من مآسٍ «راح نمحي الليالي السودى، مادام عنا أسودي، ضيعتنا راح تعودي، بهمة أسدنا والنمر».
يُظهر المقطع بجلاء ثلاثي التراجيديا العميقة التي تطاول البيئة الاجتماعية الموالية للأسد، حيث الشعور العميق بالمظلومية الرافضة للإصغاء لأية مظلومية أخرى، ومعها رفض تام للحقيقة الموضوعية لما يجري في البلاد، ودفع تلك التراجيديا نحو حتمية الاستمرار المديد، عبر رفض أي إمكان للفهم الواقعي لدور الأسد ونظامه الطغياني في ما وصلت إليه هذه البيئة نفسها من أحوال بائسة.
* كاتب سوري
الحياة