معركة الساحل..شبه مستحيلة
صادق عبد الرحمن
بينما كان الرئيس السوري، بشار الأسد، يجدد التمسك بخيار الحل العسكري لـ”سحق” مقاتلي المعارضة، الذين وصفهم “بالارهابيين”، ويؤكد أن “الحرب الشعبية كفيلة بحسم المعركة”، في اشارة إلى مشاركة موالين للنظام إلى جانب الجيش، كانت الأنباء الآتية من ريف اللاذقية الشمالية تتحدث عن تجدد محاولات الجيش السوري الحر والكتائب الأخرى المتمركزة في المنطقة لفتح ما يسمى معركة “تحرير الساحل السوري”.
المعركة، التي أطلق عليها اسم “معركة أحفاد أم المؤمنين عائشة، تبدو مختلفة للوهلة الأولى، إذ بدأت مجموعات من الجيش السوري الحر، فجر الأحد، قصفاً صاروخياً ومدفعياً على عدد من المراصد والمواقع العسكرية التابعة لقوات النظام قرب جبل الأكراد وفي محيط بلدة سلمى. كما تم قصف عدد من القرى التي يقطنها أبناء “الطائفة العلوية”، والتي اصطلح على تسميتها بالقرى “الموالية”. كذلك، استهدفت قمة جبل النبي يونس الاستراتيجية، الخاضعة لسيطرة قوات النظام، بصواريخ الغراد. لاحقاً، وفي اليوم نفسه، تمكنت قوات المعارضة من السيطرة بسرعة قياسية على مواقع عسكرية ومناطق محيطة بقرى “انباته – الحمبوشية – بلوطا – كفرية وغيرها”. كما تواردت أنباء غير مؤكدة عن السيطرة على بعض هذه القرى “الموالية”، التي كانت حتى مساء السبت تحت سيطرة قوات النظام. وشهدت تلك المناطق حركة نزوح للسكان باتجاه مدينة اللاذقية، فيما لا تزال المعارك والرمايات الصاروخية والمدفعية المتبادلة مستمرة في المناطق المحاذية لجبل الأكراد وصولاً إلى محيط بلدة سلمى.
لا تبدو صورة المجريات الميدانية في تلك المناطق واضحة، إذ يشوبها التضارب والتعتيم الإعلامي من جميع الأطراف. في حين تحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن أن هذه المعارك أسفرت عن مقتل ثلاثين شخصاً، فإن وسائل الإعلام القريبة من النظام تميل للتخفيف من وطأة هذه المعارك وأهميتها. أما إعلام الثورة والإعلام القريب منها، فلجأ إلى تضخيم ما جرى إلى حد القول إن الجيش الحر بات على أبواب مدينة اللاذقية. وهو أمر بعيد عن الحقيقة، إذ لا تزال الحياة طبيعية في المدينة والقرى المحيطة بها. كما لا يبدو أن ثمة انهياراً في تماسك النظام وأنصاره في ريف اللاذقية، بعدما تواردت أنباء عن احتشاد آلاف المقاتلين الموالين في اللاذقية والحفة، استعداداً للتحرك باتجاه مواقع الاشتباكات.
وترافقت هذه الأنباء مع أخرى غير مؤكدة عن تعرض مدنيين علويين لمذابح على يد الجيش الحر. وهو ما استنفر الشباب “العلويين” المنضوين تحت راية قوات الدفاع الوطني واللجان الشعبية للاتجاه والاشتراك في معارك شمال اللاذقية.
بعيداً عن المجريات الميدانية المفاجئة في الساحل السوري وفي عموم سوريا، والتي تعكس استعادة كل من الجيش السوري الحر والكتائب المسلحة المعارضة لحيويتها، تتمتع معارك الساحل بخصوصية تميزها عن المعارك في المناطق السورية الأخرى، إذ لا يصطدم الجيش الحر بقوات النظام فحسب في الساحل السوري، ولكنه يصطدم أيضاً بغالبية سكانية موالية. وسيواجه الجيش السوري الحر مقاومة عنيفة من السكان في كل قرية يفكر بالسيطرة عليها. وهو ما يجعل معركته مختلفة ومحفوفة بالمخاطر، ذلك أن أي انتهاكات محتملة بحق السكان “العلويين” ستعني عرقلة أكبر لأي احتمالات تقدم للجيش الحر، سواء لجهة زيادة شراسة القتال، أو لجهة خسارة الدعم والتعاطف الدوليين.
لكن الأهم هو ما قد يلجأ إليه النظام من ارتكاب مذابح بحق قرى معزولة على غرار مذبحة “البيضا”، لإرغام الجيش الحر على إعادة حساباته. وهو ما قد يجعل معركة تحرير الساحل عالية الكلفة وربما شبه مستحيلة.