صفحات الرأي

مع الدولة الوطنية ضد الدولة الوظيفية الطائفية/ ماجد الشيخ

 

 

بين الدولة الوطنــية والدولة الطائفية فارق زمني/تاريخي، وفوارق حضارية، تؤكد عقلانية ووعياً في تفكير نخب الدولة الوطنية ومواطنيها، وتنفي بل وتنزع أي عقلانية ووعي في تفكير نخب الدولة الطـــائفية وقطــعانها. ذلك أن غرائزية الاستجابة للحروب والفتن والانقسامات والتفتيت لدى الحالة الثانية، تؤكد صدقية وجدية التعاطي مع الشأن العام وفي السياسة، لدى الحالة الأولى، المتقدمة في كل المجالات، وهو ما يميزها تمييزاً حاداً عن حالة تتواجد فيها «السيادة العليا» لنخب الســلطة الطائفية في حالة من التوتر والاستفزاز الدائم وعدم الاستقرار، بل جعل الاستقرار هو النقيض المطلق لحالة الكينونة التي شكلتها الطائفة، وهي تذهب في صراعاتها المذهبية مع الآخر القريب والبعيد، حدود الاعتياد الطوعي والقسري لأفرادها على العيش عند حدود الاختلاف الدامي مع الآخر… وكل الآخرين.

هذا هو تلخيص حال لبنان منذ انحازت نخبه السلطوية إلى منطق في بناء الدولة، يناقض بنى الدولة الوطنية، وينحاز إلى واقع ومعطى التفتيت الطائفي والمذهبي والمصالح الزبائنية، تماماً كما حال العراق اليوم الذي بدأت محاكاة نظامه الطائفي يوم أقرت إدارة الاحتلال الأميركي تلك المحاصصات المذهبية التي فتحت الأبواب واسعة أمام تحكم وسيطرة الجار الإقليمي الأكبر (إيران) بكامل مجريات ما آل إليه الاحتلال الأميركي، ليجري استبداله فيما بعد باحتلال مذهبي من نوع آخر، لكنه يؤدي إلى ذات النتيجة الذي كان لبنان قد آل إليها على يد النظام السوري. حينها لم يعد للمواطنة أي قيمة، صارت «القيمة العليا» للرعية التي أكل الاصطفاف المذهبي ألسنتها، فما عادت تصدر إلا صوت الأنين المكتوم، في وقت جرى ويجري تجيير أصواتها لتلك الزعامات الطائفية والمذهبية التي استمرأت ركوب خيل «العبودية المطواعة» أو «المختارة» لأجيال من المؤمنين الذين يقادون إلى الذبح، فيما هم يعتقدون واهمين إنهم ذاهبون إلى جنة النعيم الموعودة من قبل حكامهم أو زعاماتهم أو أمرائهم أو ولاتهم أو أئمتهم.. وأخيراً خليفتهم.

لقد أسقط مفهوم الدولة الوطنية، عمداً من قبل قوى الداخل الطائفي والمذهبي، وبإسناد مباشر وغير مباشر من قبل قوى إقليمية ودولية استجارت من رمضاء الاستبداد السياسي واستبداد الدولة الوطنية، باستبداد من نوع آخر، نوع الاستبداد المضاف والمضاعف، وهي لا تدرك أن وجهي عملة الاستبداد واحد، ولا يمكنه إلا أن يكون كذلك.

لم يسقط مفهوم الدولة الوطنية بدوافع الغلبة، غلبة مفهوم الدولة الطائفية، وقواها المنتشرة في السلطة وعلى حوافها أهلياً ودينياً، ففي ظل تآكلها الداخلي وتفكك قواها، فقد نخرها سوس الاستبداد ومحاصصات نخبها الفئوية، فصارت عرضة للسقوط، إما في أحضان العسكر، كما حصل في مصر، وإما في أحضان القوى الدينية أو قوى ما قبل الدولة، العشائرية والقبلية.

الأخطر اليوم أن تذهب خيارات النخب والمجتمعات والشعوب، إلى الإيمان بالفدرلة وتكريس الانقسامات الفئوية الطائفية والمذهبية والأقوامية والجهوية والمناطقية، للخروج من حال الانسداد والاستعصاء السياسي الذي أوصلت إليه قوى الاستبداد بلدانها ودولها الوطنية، بحيث باتت الخيارات كلها مرة، لكن الأمر منها أن يذهب الوطنيون طواعية للارتماء في أحضان العدو الوطني والقومي (إسرائيل ومن يحالفها من امبرياليات غربية).

في كل الأحوال نسجل هنا لموقف مع الدولة الوطنية كممثلة لأهداف وتطلعات مجتمعاتها وشعوبها، أما الدولة الطائفية فهي الرديف والظهير المحلي لدولة العدو، القائمة بالأساس على عصبوية وتعصب ديني وطائفي عميق، وانحياز لتطلعات وظيفية في خدمة امبريالية القطب الأوحد في هيمنتها على العالم.

* كاتب فلسطيني

الحياة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى