صفحات الناس

مفاعل الأبحاث النووي السوري: مكسب سياسي للنظام/ رامي سويد

 

 

تملك هيئة الطاقة الذرية السورية التابعة للنظام السوري مفاعلاً نووياً بحثياً يُستخدم لأغراض التحليل والتدريب والقيام ببعض التجارب الأساسية في مجال فيزياء المفاعلات والهندسة النووية، وتأتي أهمية هذا المفاعل النووي البحثي من كونه يعمل على كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المائة، ما يجعل تدميره بأي قصف خطراً كبيراً لجهة حصول تلوّث إشعاعي خطير في المناطق المحيطة به، كما أن سرقة المواد المشعة الموجودة في المفاعل قد تُمكّن السارقين من إنتاج قنبلة نووية بدائية الصنع، وهذا ما مكّن النظام السوري وحلفاءه من استثمار امتلاك النظام لهذا المفاعل النووي البحثي سياسياً.

ونقلت وكالة “رويترز” عن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو، أن “وكالته تدرس طلباً سورياً للمساعدة في تحويل مفاعل ذري قريب من دمشق لاستخدام وقود نووي بدرجة تخصيب أقل سيكون من الصعب استغلاله في تصنيع القنابل”، موضحاً أن هذا المفاعل يعمل حالياً بيورانيوم عالي التخصيب وترغب سورية في الحصول على مساعدة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاستخدام وقود منخفض التخصيب ونقل الوقود عالي التخصيب إلى الخارج، ومؤكداً أن “الوكالة تدرس طلب سورية لإعادة اليورانيوم عالي التخصيب إلى بلد المنشأ”.

ويبدو أن النظام السوري يحاول تجديد استثماره السياسي لامتلاكه هذا المفاعل البحثي بعد الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها قواته أخيراً شمال وجنوب سورية على يد قوات المعارضة السورية، وشرق سورية على يد قوات تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، فامتلاك النظام للوقود النووي عالي التخصيب وإيحائه من خلال طلبه من وكالة الطاقة الذرية لنقل هذا الوقود خارج سورية بأن هذا الوقود في خطر وقد يقع في يد مجموعة مسلّحة غير منضبطة، سيدعم النظام سياسياً وسيُقدّم له دفعة سياسية مهمة في حال وافقت وكالة الطاقة الذرية على نقل الوقود النووي عالي التخصيب من سورية، بحيث يظهر النظام من جديد بموقف الضامن للحماية من الخطر النووي الذي تُشكّله المواد المشعة الموجودة بالمفاعل.

كما أن تحريك النظام لهذا الملف في هذا الوقت بالذات يُظهر من جهة ثانية محاولة النظام للفت الأنظار عن التراجع الميداني الكبير الذي تعاني منه قواته على جبهات القتال ضد قوات المعارضة وضد قوات “داعش”.

وكان النظام وحلفاؤه قد استثمروا بشكل كبير سابقاً امتلاك النظام لهذا المفاعل النووي البحثي، فبعد أيام قليلة من الهجوم الكيماوي الذي شنّه النظام السوري على غوطتي دمشق الشرقية والغربية في آب/أغسطس عام 2013، وإبان تهديد الولايات المتحدة الأميركية بتوجيه ضربات جوية لقواعد النظام العسكرية، أصدرت وزارة الخارجية الروسية، بياناً دعت فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى تقييم المخاطر على وجه السرعة، محذرةً من أنه “إذا أصاب رأس حربي بقصد أو من دون قصد مفاعل النيوترون الصغير قرب دمشق فقد تكون النتيجة كارثة”.

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أبلغت ممثلي الدول الأعضاء فيها قبل أسبوع من ذلك أن سورية أعلنت أنه توجد كمية صغيرة من المواد النووية في مفاعل النيوترون الصغير قرب دمشق وهو نوع من مفاعلات الأبحاث يعمل باليورانيوم عالي التخصيب.

وأبلغ السفير السوري الدائم لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بسام الصباغ، مدير الوكالة يوكيا أمانو حينها قلق سورية البالغ من المخاطر المحتملة التي قد تترتب على إصابة مفاعل أبحاث قرب دمشق يحتوي على يورانيوم مشع في أي ضربات عسكرية محتملة، ليساعد ذلك النظام من التملص من تهديدات الولايات المتحدة بتوجيه ضربات له قبل أن تنتهي هذه التهديدات بتسليم النظام السوري لترسانته الكيماوية.

والمفاعل النووي البحثي الذي يملكه النظام السوري، يُعرف في هيئة الطاقة الذرية السورية باسم مفاعل “منسر”، وقد جرى تصنيعه في معهد الطاقة الذرية الصيني وتم تركيبه قرب دمشق في بداية شهر مارس/آذار عام 1996 ليتم تشغيله بإشراف خبراء سوريين منذ تركيبه في سورية بحسب الموقع الإلكتروني الرسمي لهيئة الطاقة الذرية السورية.

ويكشف خبير سوري عمل في تطوير منظومة التحكم الصناعي في مفاعل “منسر” قبل سبع سنوات، في حديث إلى “العربي الجديد”، أن المفاعل يقع أمام مطار المزة العسكري قرب منطقة السومرية غرب دمشق، ويحظى مكانه بسرية عالية، وهو محمي من قبل الكوادر الأمنية التابعة لإدارة الاستخبارات الجوية السورية الموجودة في مطار المزة العسكري، والتي توصف بأنها الأكثر ولاءً للنظام السوري.

ويؤكد الخبير الذي طلب عدم الكشف عن اسمه خوفاً من ملاحقة استخبارات النظام لعائلته، أن المفاعل البحثي يعمل منذ مدة طويلة على إجراء أبحاث نووية ويُحاط عمله بسرية كبيرة، وكان يعمل لسنوات على أساس أنه مركز لفحص جودة المنتجات الصناعية السورية المخصصة للتصدير، كما أن أصحاب الرتب العالية في الجيش السوري ممنوعون من الدخول إليه. لكنه يشير إلى أن الولايات المتحدة ضغطت كثيراً على النظام السوري عام 2005 إبان اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري من أجل أن يغلق النظام السوري هذا المفاعل، من دون أن يستجيب النظام لهذه الضغوط.

ويلفت الخبير من جهة أخرى إلى أن بعض العاملين في المفاعل البحثي أصيبوا بسرطانات مختلفة نتيجة عدم اتباع معايير السلامة الدولية في المفاعلات النووية في مفاعل “منسر” السوري، الأمر الذي أدى لتعرض معظم العاملين فيه لإشعاعات مسرطنة.

وكانت مجلة “دير شبيغل” الألمانية، قد نشرت تحقيقاً في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، قالت فيه إنها حصلت على وثائق وصور أقمار صناعية واتصالات اعترضتها أجهزة استخبارات غربية تثبت أن النظام السوري يعمل سراً على بناء مجمع تحت الأرض بإمكانه تصنيع أسلحة نووية قرب مدينة القصير في ريف حمص، على بعد كيلومترين اثنين فقط من الحدود السورية اللبنانية.

وأوضحت “دير شبيغل” أن الاسم الرمزي للموقع لدى النظام هو “زمزم”، ويمكن استخدامه في بناء مفاعل أو مصنع لتخصيب اليورانيوم، مؤكدة أن النظام نقل إلى مجمع “زمزم” ثمانية آلاف قضيب وقود كانت مخصصة لموقع “الكبر” السري الذي يشتبه بأن فيه مفاعلاً نووياً سرياً استهدفه الطيران الإسرائيلي بغارة جوية عام 2007.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى