صفحات العالم

مقالات تتناول مهمة الابراهيمي


حتى لا يلحق الإبراهيمي بـ أنان!

صالح القلاب

حتى لا يفشل الأخضر الإبراهيمي وحتى “لا تُكسَر عصاته من أول غزواته” فإن عليه أن يتمسك بشرطه بأنه لا يمكن أن يقبل المهمة التي أُفشل فيها سلفه كوفي أنان ما لم يكن هناك اتفاق في مجلس الأمن على كيفية معالجة الأزمة السورية وإجبار الرئيس بشار الأسد على التنحي، وما لم يكن هناك تفاهم، يضم روسيا والصين، على هذا التنحي الذي أصبح لا حل بدونه، وعلى المرحلة الانتقالية التي من المفترض أن تُفضي إلى انتخابات حرة وديمقراطية بإشراف دولي يقرر فيها الشعب السوري مصيره بنفسه، ويبني دولته المنشودة على أنقاض نظام استبدادي دمَّر البلاد والعباد على مدى أربعين عاماً وأكثر.

والمؤكد أن الأخضر الإبراهيمي، هذا الدبلوماسي المخضرم المبدع، يعرف أن ترحيب النظام السوري ومعه روسيا وأيضاً الصين وإيران به وبمهمته هو من قبيل ذرِّ الرماد في العيون ومن قبيل فتح أبواب المماطلات مجدداً للاستفادة من عامل الوقت، وذلك على غرار ما حصل مع كوفي أنان الذي أُدخِل في دوامة الرحلات المكوكية المعروفة بين دمشق وطهران وموسكو، والتي كانت بمنزلة القفز في المكان ذاته فوق حبل مشدود وانتهت إلى الفشل الذريع بدون إنجاز ولو بنداً واحداً من خطته ذات الستة بنود، والتي تجاوزها الزمن، ولا يجوز بذل أي جهد وإضاعة أي وقت لإنعاشها لأن الله وحده هو الذي يحيي العظام وهي رميم.

لا تزال روسيا على الموقف نفسه الذي بقيت تتمسك به منذ بداية هذه الأزمة التي تحولت إلى حرب طاحنة أعطاها هذا النظام طابعاً طائفياً ومذهبياً بغيضاً، والمفترض أنه بات معروفاً ومؤكداً أن فلاديمير بوتين ومجموعته لا يَصْدقون في حرف واحد عندما يُشْعِرون المجتمع الدولي والعالم بأسره أنهم أصبحوا جاهزين للتخلي عما بقوا يتمسكون به وأنه بات لديهم استعداد لـ”بيع” بشار الأسد ونظامه وفق معادلة تحفظ له أمنه وبخاصة في المرحلة الانتقالية التي هناك إشارات واضحة إليها، إن في خطة أنان السالفة الذكر، وإن في ما تم التوافق عليه في مؤتمر جنيف العتيد الذي عقدته مجموعة العمل الدولية حول سورية في مطلع يوليو الماضي وغاب عنه وزير الخارجية الروسية.

ولذلك عندما يستقبل لافروف تكليف الأخضر الإبراهيمي بالمهمة التي كان فشل فيها سلفه كوفي أنان بسبب الألاعيب والمناورات الروسية بالدعوة إلى العودة إلى مؤتمر جنيف الآنف الذكر وإلى مقرراته، فإنه في حقيقة الأمر يسعى إلى استنزاف الوقت وإعطاء نظام بشار الأسد المهلة التي يريدها لاستكمال عمليات الدمار وعمليات ذبـح الشعب السوري التي لم تستثنِ ولا مدينة واحدة من المدن السورية، والتي تحولت إلى مجازر على غرار ما شهدته في هذا المجال أبشع وأسوأ مراحل وحقب التاريخ القريب والبعيد.

إنه لا ضرورة إطلاقاً لأن يذهب الأخضر الإبراهيمي إلى دمشق ما لم تتوقف عمليات ذبح الشعب السوري في هدنة زمنية يتم الاتفاق عليها، وما لم يغير الروس موقفهم الحالي ويتخلوا عن تدخلهم العسكري السافر في الشؤون الداخلية السورية ويلتزموا سلفاً باستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لممارسة ضغط جدي على بشار الأسد ونظامه ليوقف كل هذه المذابح الهمجية التي يرتكبها، ويبدي استعداداً جدياً للتنحي والمغادرة وفقاً لما ورد في المبادرة العربية، ولما جاء في خطة أنان، وما تضمنه البيان الصادر عن مؤتمر جنيف الأخير الذي عقدته مجموعة العمل الدولية.

الجريدة

السبت

الابراهيمي عندما يلتقي الاسد

رأي القدس

لا نعرف ما اذا كان تفجر مشاعر الغضب الشعبي بسبب فيلم مسيء للاسلام والمسلمين انتجته حفنة من الحاقدين، وفجر احتجاجات غاضبة في اكثر من عاصمة عربية، يخدم مهمة السيد الاخضر الابراهيمي المبعوث العربي والدولي الذي وصل الى سورية امس ام انه يجعلها اكثر صعوبة.

الامر المؤكد ان هذه الاحتجاجات حولت الاضواء عن الاوضاع المتفجرة في سورية، وجعلتها تتراجع الى مراتب اقل في نشرات اخبار التلفزة وصدر الصفحات الاولى في المحطات والصحف العربية بعد هيمنة استمرت اكثر من 18 شهرا.

السيد الابراهيمي لم يعط اي امل بالتفاؤل على صعيد نجاح مهمته هذه، بل اثارت تصريحاته الكثير من الاحباط، وهي تصريحات تراوحت بالقول انه متشائم جدا، او ان مهمته صعبة جدا بسبب تعقيدات الملف السوري.

صحيح ان الدبلوماسي الجزائري المخضرم خبير في حل الصراعات الدولية، وعمل وسيطا في اكثر من واحدة منها، مثل كيفية ترتيب اوضاع الحكم في العراق بعد احتلاله، وقبلها المساهمة في انجاز اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الاهلية اللبنانية، ولكن الصحيح ايضا ان الازمة السورية تختلف كليا، لانها ما زالت في بداياتها اولا، والطرفان المتحاربان لم يتعبا بعد، ويحظيان بدعم قوى خارجية لا تريد لهذه الحرب ان تتوقف في الوقت الراهن على الاقل.

السيد الابراهيمي التقى امس بشخصيات من المعارضة السورية الداخلية للتعرف على آرائها قبل اللقاء مع الرئيس بشار الاسد، وهي خطوة صائبة، للتعرف على بعض اجزاء الخريطة السياسية ومعالمها البارزة، فما زال في مهمة استطلاعية استكشافية، ولا بد انه يخطط للقاءات اخرى مع المعارضة الخارجية، وبعض الدول الاقليمية الاخرى المتورطة بالازمة الى جانب هذا الطرف او ذاك مثل تركيا ومصر وايران والمملكة العربية السعودية وروسيا والصين.

مهمة المبعوث العربي والدولي قد تطول اكثر مما هو متوقع لها، وربما تريد الاطراف العربية والدولية هذا الهدف، لان العالم يمر حاليا بمرحلة انتقالية في انتظار انتخابات الرئاسة الامريكية، وحسم الملف الايراني النووي سلما او حربا او تعايشا.

التركة ثقيلة ومعقدة في الوقت نفسه، والسيد كوفي عنان الذي غامر بالنزول الى الميدان على امل حلها خرج يائسا مكتئبا بعد ان وجد نفسه يدور في دائرة مفرغة بسبب رفض الجميع التعاون معه.

خلفه السيد الابراهيمي قد يكون اسوأ حظا، لان البند الاول على جدول اعمال مهمته هو وقف العنف وحقن الدماء بالتالي، وهو بند لا يمكن التقدم مليمترا واحدا الى البنود الاخرى دون انجازه، ولكن كيف يتحقق هذا الهدف والاسلحة تتدفق على الطرفين المتصارعين وآخرها سفينة اسلحة ليبية محملة بالصواريخ المضادة للطائرات من نوع سام افرغت حمولتها في ميناء الاسكندرون التركي ووصلت بالفعل الى الجيش السوري الحر ومقاتلي حركة الاخوان المسلمين مثلما ذكرت صحيفة بريطانية امس.

وصول صواريخ سام الى المعارضة اذا تأكد يعني شل فاعلية طيران النظام جزئيا او كليا، وحرمانه من قصف تجمعات الجيش السوري الحر والفصائل الاخرى المقاتلة خاصة في المناطق الشمالية.

ولا نستبعد ان يلجأ النظام الى تزويد صواريخ مماثلة الى ميليشيات حزب العمال الكردستاني المعارض للنظام التركي.

السيد الابراهيمي ربما يكتشف ان الازمة اكثر صعوبة وتعقيدا مما تصور، وان فرص نجاحه لا تقترب من الصفر، بل ربما تحته بدرجات عديدة!

القدس العربي

وصل الإبرهيمي… مفلساً!

    راجح الخوري

قياساً بالمواقف الاقليمية والدولية من الأزمة السورية لا يملك الاخضر الابرهيمي الذي بدأ امس مهمته من القاهرة، أي عنصر يعطيه أملاً بالوصول الى نهاية تختلف عن الفشل الذي وصل إليه سلفه كوفي أنان، لهذا كان قد بكّر في وصف مهمته بالمستحيلة.

عندما جاء أنان كان يملك حداً أدنى من التأييد الدولي ومن قبول النظام السوري وكانت دورة القتل على عنفها تسمح بفتح نافذة حوار معقول، لكن الابرهيمي يصل مفلساً، فهو لا يملك شيئاً من هذا، والدليل ان الخلاف بين سيرغي لافروف وهيلاري كلينتون تجدد مع بدء مهمته وان النظام السوري أفهمه سلفاً ان عليه كي لا يفشل الا يبدأ من حيث انتهى أنان، بمعنى ان لا مجال للتغيير والانتقال السياسي فالأسد باق الى الأبد، ولأن دورة القتل تجاوزت كل الحدود الى درجة لم تعد تسمح لأحد بأن يحاور أحداً وسط طوفان حمامات الدم!

وإذا كانت المواقف الاقليمية والدولية الراهنة تعكس نعياً صريحاً لمهمة الابرهيمي، فإن المثير ان ديبلوماسيين في الأمم المتحدة قالوا أمس إنه يريد التأكد قبل الذهاب الى دمشق من أنه سيحظى باستقبال جيد من الأسد رغم أنه يعرف منذ عمل وسيطاً في الأزمة اللبنانية، ان الاستقبالات السورية تبدأ جيدة عادة لكن نهاياتها غالباً ما تكون صادمة وسلبية، فكيف إذا كان جوهر مهمته يتعلق بعملية “الانتقال السياسي” التي يفترض ان تنهي حكم الأسد؟

منذ البداية أعلن الابرهيمي أنه يراهن على قيام تفاهم في مجلس الأمن، مكرراً ان دعم المجتمع الدولي لمهمته أمر ملح جداً، ولكن الانقسام الذي يعطل مجلس الأمن منذ عام ونيف لا يزال على حاله، فمع وصوله الى القاهرة برزت الخلافات الأميركية – الروسية على هامش منتدى فلاديفوستوك، عندما أعلنت هيلاري كلينتون: “لا معنى لاستصدار قرار غير ملزم من مجلس الأمن كما ترغب في ذلك روسيا، يتبنى اتفاق جنيف حول الانتقال السياسي من دون الدعوة الى رحيل الأسد ولا ينص على عقوبات في حال عدم الالتزام به، وإذا استمرت الخلافات مع روسيا فسنعمل مع الدول التي نتفق معها في المواقف على دعم المعارضة السورية من أجل تسريع سقوط نظام الأسد”، فمن أين يأتي التفاهم الدولي الذي يراهن الابرهيمي عليه؟!

قبل وصول الابرهيمي الى القاهرة كان محمد مرسي مشتبكا مع الأسد بعدما وصفه بالقمعي، وفاقد الشرعية الذي لن يبقى طويلاً، وكان رجب طيب أردوغان يبشره بنهاية قريبة، لكن مضمون الحوار الهاتفي بين الابرهيمي وعلي أكبر صالحي مساء السبت كان مناقضاً كلياً لكل هذا، ما يرسخ سلفاً فشل مهمته المستحيلة!

النهار

الإبراهيمي في مسعاه المستحيل

د. نقولا زيدان

عندما صرح المندوب الدولي والعربي الأخضر الابراهيمي منذ يومين في القاهرة انه جاء الى سوريا لانقاذ الشعب السوري، كان عملياً ينعي مهمته سلفاً. وكان ابتداء من أروقة الامم المتحدة قد وصف هذه المهمة بالشاقة والصعبة جداً جداً. بل أضاف من القاهرة ان مساعدته الشعب السوري للخروج من هذا المأزق الدموي تستحق هذا العناء.

لقد اطلقت رصاصات عدة على مهمة الأخضر الابراهيمي العصية والمستحيلة. كانت أولاها من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لم يكتف بتكرار مساندته المطلقة للنظام السوري وبشار الأسد بل ذهب في ذلك لحد اتهام الغرب باستقدام عناصر القاعدة الإرهابيين لإسقاط هذا النظام. ثم تبعه سيرغي لافروف وزير خارجيته لاستعادة المعزوفة ذاتها. وقد ترافق ذلك مع انعقاد الاجتماع الرباعي في القاهرة بناء لدعوة الرئيس المصري محمد مرسي حيث حضر الاجتماع مسؤولون كبار من تركيا والسعودية وايران انضم إليهم الأخضر الابراهيمي نفسه. ومن المستغرب بمكان انه لم يصدر عن هذا الاجتماع اي بيان او تصريح ما جعل الاعلام المصري يتحدث عن تسريبات وتكهنات غير جدّية لا يعول عليها على الاطلاق. ومن اللافت أيضاً ليس السرية والتكتم على مكان عقد هذا الاجتماع فحسب بل مستوى التمثيل بالنسبة لتركيا والسعودية، هذا في الوقت الذي أرسلت فيه إيران نائب وزير خارجيتها. وكانت احدى الرصاصات التي تلقتها مهمة “الابراهيمي” تلك التي أطلقها السيد بوغدانوف وهو مسؤول كبير في وزارة الخارجية الروسية الذي أبدى تشدداً واضحاً بل تصلباً في الموقف الروسي حيال الأزمة السورية. وكانت السيدة كلينتون قد نعت بدورها المبادرة من موسكو إذ اعلنت من هناك ان تبايناً كبيراً ما زال يفصل بين الموقفين الأميركي والروسي حول الأزمة.

لقد كان لافتاً حقاً تركيز الابراهيمي على الشعب السوري وعدم إشارته بتاتاً للقيادة الحاكمة في سوريا وكأنّه يلوّح سلفاً باحتمال فشل مهمته، وكأنّ ذلك التصريح قد جاء رداً على التأخير المقصود الذي عمد إليه الأسد في تحديد موعد استقباله له، وذلك تعبيراً عن الاستخفاف به والمكابرة التي اعتدنا عليها معه.

ويواجه الابراهيمي تصلباً في الموقفين الروسي والايراني واستمرار المعارك في شوارع حلب ودمشق ودرعا حيث تبدو الآلة العسكرية الأسدية عاجزة عن تحقيق الحسم العسكري الذي يتوهّم الأسد بقدرته على تنفيذه، وعدم توفر أية معطيات مشجعة للابراهيمي لحلحلة الأزمة السورية. هذا باختصار التوصيف الواقعي والموضوعي للوضع السوري الراهن.

إن أسوأ ما تواجهه الثورة السورية الآن هو الوقت الضائع الذي يجتهد المراقبون والمحللون السياسيون في وصفه: فمن الطروحات الفرنسية عن المناطق الآمنة وهي طوباوية بامتياز ما دام الحظر الجوي والغطاء المطلوب غير قابل للتنفيذ الى انتظار الانتخابات الرئاسية في أميركا الى العجز العربي الفاضح، الى التردد التركي في إيصال الأسلحة النوعية المتطورة الى الجيش السوري الحر وذلك تحت ذرائع واهية.. كل ذلك والشعب السوري يدفع أثماناً باهظة: إن نصف سوريا قد أصبح مدمراً كما حصدت الآلة العسكرية ما يقارب 30 ألف قتيل وعشرات ألوف الجرحى والمعاقين وما يقارب ماية ألف مفقود وحوالى مليوني مهجر داخل سوريا وخارجها. هذا والعالم كله يتفرج على هول المأساة، كارثة العصر التي أنزلها بشار الأسد بشعبه. فهل يعقل الوصول إلى حل سياسي مع بشار الأسد في الحكم وهو يحمل على منكبيه هذا الكم الهائل من الدماء؟ فهل ينتظر الشعب السوري في نزفه المتواصل وهو يشاهد بأم العين مدنه وقراه تسحق تحت وابل القذائف، وأهله يقتلون، حتى يصل الى مخرج من هذا الدهليز الأسود العابق بالدماء، الا وهو اتفاق ما اميركي روسي على صفقة تاريخية تضمن مصالح الطرفين ومن ورائهما الصين وايران من جهة والاتحاد الأوروبي من جهة اخرى، وما دام الأمر هكذا، فما الجدوى من مبادرة اخرى محكومة بالفشل كسابقاتها؟

ان سياسة البطش والتنكيل والاغتصاب وحرق الأحياء والتمثيل بالجثث بل سياسة الاعدامات الميدانية بالجملة، هذا بالاضافة الى تدمير المدن والقرى التي يمارسها النظام السوري راحت تستدعي ردود فعل واعمالاً انتقامية وثأرية من المجموعة الثورية المسلحة، فأصبح السائد على الساحة السورية الآن هو أشد وأعتى شعور بالحقد والكراهية. “فالعنف يستدعي العنف ويبرره”، كما يقال، لكن المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق قيادة الجيش السوري الحر تتطلب التحلي بأعلى درجات اليقظة والانضباط فلا ننزلق في المتاهات التي غرق فيها النظام الفاشي في دمشق نفسه.

على ايقاع دوي المدافع وسلاسل الدبابات وسحق الأبنية تحت وابل قذائف الطائرات، والحرائق المرعبة يواجه الاخضر الابراهيمي مهمة عصية تقارب المستحيل هي أقرب إلى الفشل الذريع.

المستقبل

الإبراهيمي وموسكو والأسد

وليد شقير

لا يُحسد المبعوث الدولي – العربي الى سورية الأخضر الإبراهيمي على مهمته، وهو أعطى ما يكفي من المؤشرات الى اقتناعه بذلك حين قال إن مهمته شبه مستحيلة.

لكن الديبلوماسي العريق والصبور الذي سبق أن حقق انجازات في غير مهمة على الصعيدين الإقليمي والدولي، يواجه تحدياً شخصياً هذه المرة، يفوق التحديات التي جابهته في مهماته السابقة. وهي تحديات لا تبدأ عند إقناع بعض أصدقائه الذين نصحوه بعدم قبول تعيينه ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة في سورية، والذي عاد فوافق عليه بعد دراسته، ولا ينتهي عند أصدقائه الذين يراهنون على أن يتبع توليه المهمة تغيير في الواقع السوري على الأرض، يفضي الى تعديل في مواقف الدول المعنية بالصراع على سورية، وبالتالي الى الانتقال من مرحلة الجمود الى الحلول.

وهو أمام تحدي أن ينهي حياته الديبلوماسية كرجل ناجح، في عمره المتقدم الذي أكسبه خبرة هائلة، بإنجاز آخر، لا بإخفاق كالذي حصده سلفه كوفي أنان الذي في سجله إخفاقات في بعض المهمات التي تولاها.

وإذا كانت خطوة الإبراهيمي الأولى تبدأ اليوم بلقائه الرئيس السوري بشار الأسد فإن التحديات الأخرى التي سيجابهها، بالمضمون لا بالشكل هذه المرة، تبدأ بقدرته على التكيّف مع أسلوب نادر في العمل السياسي. فالإبراهيمي يعرف الرئيس الأسد الأب الذي يتقن ممارسة أسلوب القول نعم في معرض القول لا، بكفاءة ليترك محدثه يستنتج المراد، إذا كان يريد التملص من إجابة قاطعة، والذي كان يدرك أهمية الإجابة الواضحة الجازمة إذا كانت الظروف تقتضيها، فيلتزم بها أشد التزام، لكن الإبراهيمي لا يعرف جيداً الأسد الابن الذي يعطي جواباً قاطعاً، ثم يعطي تعليمات بممارسة عكسه، فور انتهاء لقائه بمحدثه… هذا إذا لم تكن التعليمات صدرت قبل ذلك.

وهو قد يكون علم من وقائع مهمة سلفه أن الرئيس السوري يعيش عالماً افتراضياً خاصاً به، ويعتبر أن الوقائع التي يعرفها محدثه ناجمة عن واقع افتراضي بعيد عن الواقع. إلا أن الإبراهيمي سيلمس هذا الأمر في شكل مباشر.

يدخل الإبراهيمي باب الأزمة السورية متحرراً من الأطر والوثائق السابقة من خطة النقاط الست الى قرارات الجامعة العربية، وخطة مؤتمر جنيف، وقرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، على أنها أوراق مفيدة يمكن البناء عليها وليس بالضرورة اعتمادها كأسس للحلول، طالما أنها لم تسمح لأنان بأن يحقق تقدماً في معالجة الأزمة ما أدى الى انسحابه.

وإذا كان الإبراهيمي يتحرر من خطة «مجموعة العمل من أجل سورية» فلسببين:

الأول، أن مبادئ جنيف صريحة في تحديدها خطوات الانتقال السياسي بدءاً من تشكيل حكومة انتقالية «بكامل الصلاحيات تضم عناصر من الحكومة الحالية ومن المعارضة»، لكنها لقيت فهماً متعارضاً بين دول الغرب التي رأت أنها لا تضم الأسد وأعوانه بل قيادات من النظام وحزب البعث وبين روسيا (والصين) التي رأت أن الحكومة الانتقالية تضم الأسد، وتعني الحل بوجوده لا بغيابه، حتى لو كان هذا الحل سيؤدي في نهاية المطاف الى رحيله.

الثاني: إن الآلية التي تعتمدها خطة جنيف لوقف العنف تستند الى عمل المراقبين الدوليين الذين صدر قرار في مجلس الأمن بإنهاء مهمتهم، إزاء عجزهم عن وقف المجازر والهجمات الانتقامية والفظائع التي يرتكبها النظام.

في ظل موازين القوى الحالية حيث يعجز النظام عن سحق المعارضة، والأخيرة قاصرة عن إسقاط الأسد وهزيمة جيشه، لا تغيير في المعادلة، التي يدخل الإبراهيمي عليها مع إبقائه اللعبة مفتوحة الى أن يشكل تصوره للخطوات المقبلة، فإن المقدمات لا تشير الى إمكان إحداث اختراقات. فالموقف الفعلي لأركان النظام، حتى لو أبدت رموزه استعداها لإعادة إحياء خطة جنيف، هو أن يبدأ الإبراهيمي من نقطة الصفر ويلغي كل ما سبق ويعيد تشكيل الفريق الدولي – العربي الذي يعاونه. أما الجديد الروسي، فهو قديم أكثر مما يمكن لأي متابع أن يعتقد. وفضلاً عن أن موسكو تريد إحياء خطة جنيف عبر قرار لمجلس الأمن يتبناها، مع ما يعنيه ذلك من عودة الى المربع الأول (كيف سيطبق الشق المتعلق بوقف العنف الضروري لولوج الانتقال السياسي، طالما أن مهمة المراقبين انتهت؟) فإن الأهم أن موسكو تقترح أن تطرح على المعارضة 5 أو 6 أسماء لرئاسة الحكومة الانتقالية، فتختار واحداً منها يشكل الحكومة بالاتفاق مع مواصلة الرئيس الأسد ولايته حتى نهايتها.

وطالما أن موسكو متمسكة بموقفها السابق، لا يبدو أن هناك ما يسهل حصول توافق دولي ينشده الإبراهيمي للنجاح…

الحياة

سوريا والنفق المظلم

محمد خليفة

من يتكهّن بنهايات سعيدة لأزمة سوريا اعتماداً على التفاؤل فهو واهم، فالمبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي في كلمته في الأمم المتحدة بدا ناعم اللغة، حريري الأسلوب، داعياً إلى حوار الشجعان، ومبشّراً بمنعطف جديد، ومتّكئاً على عبارات تخطب الود تحت ظلال الكلمات؛ ليسوّق صورة جديدة بوهمٍ جديد، فسوريا اليوم أسيرة رِهانات وأيديولوجيات، ورهينة تناقضات لا مثيل لها، ورهينة أثنيات وعرقيات وطوائف، ورهينة خصومات وثارات عصبية، ورهينة حروب هي من صنع الداخل، وحروب يصنعها الخارج، ومؤامرات، وتحزبات، واختراقات أمنية، وتفجيرات بالمدافع والصواريخ والقنابل، ومجازر يذهب ضحيتها الأبرياء، وموت فاغر فاه يلتهم ضحاياه خاصة الأطفال الرُضّع والشيوخ والعجزة والشباب، مغتالاً الأحلام، راسماً صورة قاتمة للمستقبل القريب . وما زال المجتمع الدولي يقف مكتوف الأيدي، عاجزاً، يقدم خطوة ويتراجع خطوات، غير عابئ بالأبرياء الذين لقوا حتفهم، ولا بالمشردين اللاجئين الذين فقدوا ديارهم وذويهم، ويكلّف الأخضر الإبراهيمي- بعد فشل مهمة كوفي عنان – الذي كان أول ظهور سياسي له، بعد تعيينه مسؤولاً في الجامعة العربية بين الأعوام 1984 و،1991 ومن ثم بدأ جولاته التفاوضية شرقاً وغرباً، وكانت البداية في لبنان العام 1989 حين تم إيفاده من قبل جامعة الدول العربية؛ لمساعدة اللبنانيين على الخروج من نفق الحرب الأهلية المُظلم، وإعادة بناء الدولة الواحدة الجامعة . وساعده على ذلك أن رياح الصلح كانت مواتية، بعد أن أعيا القتال كل الأطراف المتصارعة، ويئس كل طرف من الأطراف المتصارعة من تحقيق أي نصر على الأطراف الأخرى، وأثقل الموت الجسد اللبناني كله . وتم تتويج الجهد العربي بعقد مؤتمر الطائف العام ،1989 والذي جمع الفرقاء اللبنانيين على طاولة واحدة، واتفقوا على الخروج ببلدهم من نفق الحرب المظلم، إلى نور السلم . وبعد المهمة في لبنان طمعت الأمم المتحدة بالإبراهيمي فأرسلته باسمها إلى كل من هاييتي وجنوب إفريقيا وزائير واليمن، في الفترة الممتدة بين عامي 1994 و1996 للمساعدة في فض النزاعات التي كانت ناشئة في تلك الدول بأشكال مختلفة . ولم تكن مهامه هذه ناجحة، واقتصرت على تبادل الرسائل والاستماع إلى وجهات النظر المختلفة، فمثلاً، استطاع اليمن الشمالي الانتصار على اليمن الجنوبي، وحقق الوحدة اليمنية، واختفت دولة اليمن الجنوبي، وبالتالي، فإن القوة العسكرية هنا هي التي حسمت النزاع، وليس مبعوث السلام الدولي الأخضر الإبراهيمي . وبعد مهامه في تلك الدول أرسل إلى العراق ثم أفغانستان بين عامي 1997 و1999؛ ليعمل على حل الخلاف بين حكومة طالبان آنذاك، وبين تحالف الشمال المعادي لها بقيادة أحمد شاه مسعود .ولم يوفق الإبراهيمي في مهمته هذه أيضاً، فقد حسمت طالبان الصراع بعدما دبرت اغتيال أحمد شاه مسعود العام 2001؛ لكنها لم تستطع قطف ثمار هذا النجاح؛ لأن الولايات المتحدة قادت تحالفاً عالمياً ضدها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ،2001 وأنهت حكمها في أفغانستان .

وعندما بدأت أحداث العنف في سوريا تتصاعد مع منتصف العام 2011 ، تدخل المجتمع الدولي، واتفقت الدول الكبرى، وظاهرتها بعض الدول العربية، وانتهى الاجتماع الذي عُقِد في جنيف ربيع العام 2012 على خطة لإحلال السلام في سوريا، وتم إيفاد الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان إلى سوريا؛ لتنفيذ هذه الخطة التي عرفت بخطة النقاط الست، والتي تتضمن وقف العنف من قبل الطرفين: الحكومة السورية والمعارضة، ودخول الجميع في عملية سياسية تضمن الانتقال الديمقراطي السلمي في سوريا . وبعد جولات كوفي عنان في عواصم أوروبية وعربية عدة، ومحاولات للتوصل إلى تسوية تُرضي الطرفين، باءت جهوده بالفشل؛ بسبب عدم توافر الإرادة الدولية الصادقة، لوضع حد للأزمة السورية . وفجأة قدم عنان استقالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وتنحّى جانباً . ولم تلبث المنظمة الدولية أن اختارت الأخضر الإبراهيمي لمواصلة تنفيذ تلك الخطة، آملة بأن يكون الإبراهيمي بحكم كونه عربياً، يستطيع أن يفهم جوهر الصراع في سوريا، ويستطيع إقناع جميع الأطراف بحل توافقي للخروج من الأزمة . لكن بدايته لم تكن موفقة، فقد تحدث عن حرب أهلية تجري في سوريا الأمر الذي اعترضت عليه الحكومة السورية، وأكدت أنه لا توجد حرب أهلية بل صراع ضد مجموعات متطرفة مسلحة، وربما أراد الإبراهيمي من خلال هذا التصريح الدخول إلى عمق الأزمة السورية وفق الرؤية الغربية التي تؤيد الحراك الشعبي ضد النظام السوري، فتصريحه بوجود حرب أهلية يعني أن النظام السوري فقد شرعية وجوده، وأن الحوار يجب أن يبدأ بين خصوم سوريين ليس لأحد منهم أكثر من الآخر . ومن هنا، فإن الإبراهيمي مال إلى الطرف المعادي للنظام السوري – من وجهة نظر السلطة السورية – سواء من المعارضة أو من الدول الإقليمية والغربية، وبذلك فإنه قد فشل في مهمته حتى قبل أن يبدأ . إنها المهمة الثقيلة لرجل مغرم بتصريحاته المكبرة والملونة، ويفكر بعقل صنعته “الأدوات”، وينحاز إلى ما يُملى عليه، وربما تقضي مصالحه بعدم الوقوف على الحياد في قضية باتت مسرحاً للتنافس بين الدول الفاعلة في العالم .

* كاتب من الإمارات

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى